المناظر الناظره فی احکام العتره الطاهره : کتاب الطهاره - المجلد 5

اشارة

سرشناسه : علوی گرگانی، سیدمحمدعلی، 1317 -

عنوان قراردادی : شرایع الاسلام فی مسائل الحلال والحرام .برگزیده .شرح

عنوان و نام پدیدآور : المناظر الناظره فی احکام العتره الطاهره : کتاب الطهاره/ لمولفه محمدعلی العلوی الحسینی.

مشخصات نشر : قم : فقیه اهل بیت (ع)، 1395.

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : 1500000 ریال: دوره:978-600-8363-14-9 ؛ ج.1:978-600-8363-04-0 ؛ ج.2:978-600-8363-05-7 ؛ ج.3:978-600-8363-06-4 ؛ ج.4:978-600-8363-07-1 ؛ ج.5:978-600-8363-08-8 ؛ ج.6:978-600-8363-09-5 ؛ ج.7:978-600-8363-10-1 ؛ ج.8:978-600-8363-11-8 ؛ ج.9:978-600-8363-12-5 ؛ ج.10:978-600-8363-13-2

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

یادداشت : عربی.

یادداشت : این کتاب شرحی است بر شرایع الاسلام فی مسائل الحلال والحرام محقق حلی

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محقق حلی، جعفربن حسن، 602 - 676ق . شرایع الاسلام فی مسائل الحلال والحرام -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 7ق.

موضوع : *Islamic law, Ja'fari -- 13th century

موضوع : طهارت (فقه)

موضوع : *Taharat (Islamic law)

شناسه افزوده : محقق حلی، جعفربن حسن، 602 - 676ق . شرایع الاسلام فی مسائل الحلال والحرام. شرح

رده بندی کنگره : BP182/م3ش4023716 1395

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : 4223362

ص: 1

اشارة

تألیف

آیة اللّه العظمی الحاج السیّد محمّد علی العلوی الگرگانی

الجزء الخامس

ص:2

ص:3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:4

ص:5

قال رحمه الله : الثالثة : إذا انقطع لدون عشرة ، فعلیها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقیّة اغتسلت (1).

(1) فإن الانقطاع دون العشرة ، ربّما یوجب احتمال وجود الدم ، وبقائه فی داخل الرحم ، بلا فرق فی دم الحیض بین المعتادة وغیرها ، فمع وجود الإحتمال تجب علیها الاستبراء ، وذلک بإدخال القطنة فی الفرج .

وأمّا إذا کان الانقطاع بعد تمام العشرة _ الذی کان هو أکثر أیام الحیض _ فلا تجب علیها الاستبراء ، لأنّه لا یبقی لها احتمال وجود الدم ، بل إن کان فهو لم یکن حیضاً قطعاً ، فلا وجه للاستبراء ، لأنّ وجوب الاستبراء یترتب علی من حصل عندها الإحتمال ، وهذا حکم ثابتٌ لا خلاف فیه ، سوی ما یظهر من المنقول عن صاحب «الاقتصاد» لأنّه قد عبّر بلفظ (ینبغی) ، المُشعر بالاستحباب .

فوجوب الاستبراء یظهر من المصنّف ، کما فی «الفقیه» و«الهدایة» و«المقنعة» و«المبسوط» و«الوسیلة» و«الجامع» و«المعتبر» و«القواعد» و«المنتهی» و«جامع المقاصد» وغیرها ، بل نسبة فی «الذخیرة» إلی الأصحاب ، مشعراً بدعوی الإجماع علیه ، بل فی «الحدائق» : الظاهر أنّه لا خلاف فیه ، بل علیه إجماع المتأخّرین .

ولم یخالف فیه أحد من أصحاب التعلیق ، تبعاً لصاحب «الجواهر» و«العروة» والمحقّق الهمدانی والآملی وغیرهم (قدس سرّهم) .

والدلیل علیه _ مضافاً إلی الإجماع ، نقلاً وتحصیلاً _ هو دلالة النصوص المعتبرة وهی :

فی أحکام الحیض / وجوب الاستبراء إذا انقطع الدم قبل العشرة

منها : ما رواه الکلینی باسناده الصحیح إلی محمد بن مسلم ، عن أبی

ص:6

جعفر علیه السلام ، قال: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل ، فلتدخل قطنة ، فان خرج فیها شیء من الدم فلا تغتسل ، وان لم تر شیئاً فلتغتسل ، وإنْ رأت بعد ذلک (صفرةً) ، فلتتوضّأ ولتصلّ»(1) .

ورواه الشیخ باسناده ، عن محمد بن یعقوب ، مثله .

ولعلّ قوله : «إذا أرادت الحائض» ، أشارة إلی من یجری فی حقّه احتمال الحیض ، لا من تلبّس بهذه الصفة فیما سبق ، فلأجل ذلک قیل إنّ هذا الحکم واردٌ فی حقّ من یحتمل ذلک ، دون من یقطع بالانقطاع وعدم العود ، حتّی یکون اجراء الحکم علیه من التعبّد المحض ، ولذلک قال صاحب «الجواهر» : إنّه بعید جدّاً .

نعم ، یشکل الاعتماد علی عادتها من الانقطاع ، إن لم یفدها ذلک قطعاً . مضافاً إلی أنّ الاستبراء لیس إلاّ لأجل الفحص عن وجود الدم فی الباطن ، وطلب برائة الرحم من الدم ، ومع القطع بالانقطاع والبرائة ، فلا معنی للفحص عنه ، وهذا ممّا لا إشکال فیه .

والذی وقع الخلاف فیه ، _ بل وکان مورداً للإشکال _ هو ملاحظة الأصل فی المقام ، ودلالة الأخبار لاثبات وجوب الاستبراء ، لمن یحتمل وجود الدم ، مع انقطاع الدم قبل العشرة .

وأمّا من جهة دلالة الأصل : فبما أنّ المورد یعدّ من موارد أصالة بقاء الحیض ، وجواز الاعتماد علیه باستصحاب بقاء حکم الحیض ، فلازم دلک هو عدم جوب الفحص علیها ، لأنّ الشبهة فی المقام من الشبهات الموضوعیّة التی لا تجب فیها الفحص إجماعا ، فالحکم بوجوبه هنا لابدّ أن یکون من جهة وجود دلیل آخر یدلّ علیه .


1- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:7

قد یقال : إنّ المورد یعدّ من الموارد التی یجب الفحص فیها ، لأجل أن الرجوع إلی الأُصول فیها ، یستلزم الوقوع فی مخالفة الواقع کثیراً .

وقد أورد علیه المحقّق الآملی ، حیث منع الصغری مع تسلیمه الکبری،

فقال : کون المورد من قبیل هذه الموارد ممنوع ، وإنْ کان الأقوی هو وجوب الفحص فی تلک الموارد ، کما لا یخفی .

ولکن یمکن أن یقال : ولعلّ وجه ورود النصوص فی المورد _ من حیث وجوب الفحص ، مع کون الشبهة من الموضوعیّة _ هو کون الاعتماد علی الأصل هنا والاتّکال علیه ، کما یعتمد علیه فی سائر الموارد _ مشکلٌ لکونه من الاستصحاب والأُصول المحرزة ، لا ممّا یوجب وقوع المکلّف فی خلاف الواقع ، وفی ترک العبادات _ منها الصلاة التی هی من أهمّها _ التی لا یرضی الشارع بترکها بلا عذر ، فلأجل الخلاص من هذا المحذور ، أوجب الشارع الاستبراء مع الاحتمال ، ولم یعتیّن من دون الاعتناء بوجود الاستصحاب ، کما لا یخفی .

فلا یبعد القول بأنّها لو ترکت الاستبراء ، واعتمدت علی الأصل ، ترکت لأجله العبادات المشروطة بعدم الحیض ، کانت آثمة فی علمها ، فلا یکون الأصل لها حیئنذ حجّة فی ترک الفحص مع وجود النصوص الدالة علی لزوم الاستبراء ، کما لا یخفی .

فبناء علی ما ذکرنا ، لابدّ لها من الاستبراء ، مع احتمال وجود الدم المحکوم بالحیضیّة فی الرحم ، فلا یجوز لها الاتیان بالغُسل ، لعدم تمشّی قصد القربة منها بغسلها ، وحینئذ لو نوت الاحتیاط ، وصادف الواقع بأن أتت بالغسل ، فبان أنّه طابق الواقع ، وکانت نقیّتة من الدم _ فهل هذا الغسل صحیح أم لا؟

قد یقال : بأنّه علی القول بکون العبادات _ التی منها الغُسل _ حراماً حرمة ذاتیة علی الحائض ، تبطل غسلها من غیر إشکال ، لعدم وجود مجال حینئذ مع

ص:8

کونها محکومة بالحیضیّة من جهة دلالة الاستصحاب ، أنّ الاتیان بها یعدّ عصیاناً أو تجریاً .

وعلی أیّ تقدیر ، لا تتمکّن من الاتیان بها علی وجه قُربی .

وعلی القول بکون حرمتها تشریعیّة : ، فللاحتیاط مجالٌ ، لکن فی صحته وجهان ، مبنیّان علی عدم اعتبار الجزم فی النیّة مع الإمکان ، أو اعتباره ، حیث یصحّ علی الأوّل ، ویبطل علی الثانی .

نقول : بناءً علی القول بالحرمة الذاتیّة ، فهل یکون کذلک حتّی فیما إذا أراد تحصیل الاحتیاط لما فی الواقع رجاء ، مع کونها طاهرة فی الظاهر ، خصوصاً إذا لم تستظهر شرطیّة الاستبراء لصحّة الغُسل من النصوص ، کما سیأتی الاشارة إلیه ، فإنّ الالتزام بذلک لا یخلو من کلام .

نعم ، لو إذا قصدت الغسل برغم معرفتها بعدم کونها حائضاً شرعاً ، فلا إشکال فی عدم مشروعیّة عملها ، وحرمة الاتیان بالغسل حینئذ تشریعاً وذاتاً ، علی المبنی ، ولا یأتی مثل ذلک فی الاتیان به رجاء ، کما هو المفروض ، وإنْ یجوز أو یجب علیها ترک الغسل من حیث الأصل .

هذا فضلاً عن أنّه لا یأتی هذا الکلام فیما لو نسیت وأتت بالغسل مع قصد القربة ، ثمّ صادفت الواقع ، وذلک بعد أن حصلت منها قصد القربة ، فحینئذٍ لا وجه للحکم بعدم الصحّة ، إلاّ علی القول بشرطیّة صحّة الاستبراء ، کما ذهب إلیه البعض .

وأمّا من جهة الأخبار : فقد عرفت دلالة صحیحة ابن مسلم علی الوجوب لأجل الأمر الوارد فیها بلزوم ادخال القطنة ، الظاهر فی الوجوب ، بل ظاهر اطلاقه یشمل حتّی مع العلم بطهارة الباطن ، حیث لم یقیّد بقید حیث قال علیه السلام : «إذا أرادت الحائض الغسل ، فلتُدخل القطنة) ، لکنّهم حملوها علی ما إذا لم تعلم ، لاستظهارهم منها بکونه لأجل تحصیل الإطمئنان بالطهر ، وإلاّ مع العلم

ص:9

بوجود الدم أو بعدمه ، فلا وجه للاستظهار والتفحّص ، إلاّ علی القول بوجوبه تعبّداً ، لما بعد العشرة ، حتّی مع وجود الدم ، فضلاً عن الشکّ فیه ، وهو بعید جدّاً ، کما لا یخفی ، لأنّه لیس بحیض قطعاً .

وأمّا مرسلة یونس ، عمّن حدّثه ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدری أطهرت أم لا؟ قال: تقوم قائماً ، وتلزم بطنها بحائظ ، وتستدخل قطنة بیضاء ، وترفع رجلها الیمنی ، فإن خرج علی رأس القطنة مثل رأس الذباب دمٌ عبیط ، لم تطهر ، وان لم یخرج فقد طهرت ، تغتسل وتصلّی»(1) .

وروایة شرحبیل الکندی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «قلت له : کیف تعرف الطامث طهرها؟ قال: تعمد برجلها الیسری علی الحائط ، وتستدخل الکرسف بیدها الیمنی ، فإن کان ثمّ مثل رأس الذباب خرج علی الکرسف»(2) .

وروایة موثقة سماعة ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «قلت له : المرأة تری الطهر وتری الصفرة ، أو الشیء ، فلا تدری أطهرت أم لا؟ قال: فإذا کان کذلک ، فلتقم فلتلصق بطنها إلی حائط ، وترفع رجلها علی حائط ، کما رأیت الکلب یصنع إذا أراد أن یبول ، ثمّ تستدخل الکرسف ، فإذا کان ثمّة دم مثل رأس الذباب ، خرج فإن خرج دمٌ فلم تطهر ، وإنْ لم یخرج فقد طهرت»(3) .

والروایة المرویة فی «فقه الرضا» : «وإذا رأت الصفرة أو شیئاً من الدم ، فعلیها أن تلصق بطنها بالحائط ، وترفع رجلها الیسری کما تری الکلب إذا بال ، وتدخل قطنة ، فان خرج فیها دمٌ فهی حائض ، وإنْ لم یخرج فلیست بحائض»(4) .


1- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
4- المستدرک: الباب 15 من أبواب الحیض ، الحدیث 1 .

ص:10

فهل تدلّ هذه الأخبار علی الوجوب ، حتّی بالنسبة إلی صحیحة محمد بن مسلم أم لا؟

إنّ ذلک لا یخلو عن اشکال ، لأنّه قد صرّح الشیخ الأعظم فی کتاب «الطهارة» بقوله : «بأنّ الانصاف _ لو لا فتوی الأصحاب بالوجوب _ کانت استفادته من هذه الأخبار مشکلة ، لأنّ لفظها مسوق لبیان وجوب ذلک عند ارادة الاغتسال ، فیحتمل الارشاد ، لئلاّ یظهر الدم فیلغوا الاغتسال ، ویحتمل الاشتراط شرعاً ، لأنّ الأصل بقاء الحیض ، وأمّا لتحصیل الجزم ببرائة الرحم تعبّداً ، وإنْ قلنا باصالة حدوث الدم فی الرحم» ، إنتهی کلامه .

وما ذکره الشیخ من دعوی کون الوجوب للارشاد ، حتّی لا یلغوا لاغتسال ، المستفاد من قوله علیه السلام : «إذا أرادت أن تغتسل» ، غیر بعیدٍ ، نظیر الأمر بالاستبراء للبول بالخرطات ، أو بالبول فی الجنب ، أو بالخرطات فقط للبول ، حیث أنّ الأمر بمثل هذه الأُمور صادرٌ للارشاد إلی ما لا یلزم إلی المکلّف بإعادة الغسل ، وأمثال ذلک .

إلاّ أنّه یحتمل کون الوجه فی ذهاب الأصحاب هنا إلی الوجوب النفسی فی ذلک ، هو ملاحظة وجود الأصل والاستصحاب الحاکم ببقاء الحیض ، الموجب للمنع عن اتیان الغسل ، وکون الشبهة فی المورد من الشبهات الموضوعیّة ، التی لا یجب فیها الفحص بالاجماع .

فبرغم ذلک قد حکم الشارع بالفحص ، فإنّه یستفاد منه کون المقصود هو افهام اهتمام الشارع بالموضوع فی المقام من هذه الناحیة ، حیث یلزم من ترک الفحص ، ترک العبادات التی تعدّ من الأُمور المهمّة عند الشارع ، ولا یرضی بترکها ، فلا یبعد حینئذ الالتزام بکون الوجوب هنا نفسیّاً لا أرشادیّاً محضاً .

ص:11

نعم ، یبقی الکلام فی أنّه علی القول بالوجوب النفسی ، هل هو نفسی تعبّدی محض ، أو نفسی شرطی؟

أی کان وجوبه لأجل الغسل لمن أراد اتیانه أم لا؟

الظاهر هو الثانی ، کما هو صریح ما فی الخبر بقوله : «إذا أرادت أن تغتسل فلتُدخل القطنة» ؛ ولکن لابد أن یعلم أنّه إذا فرضنا کون وجوبه شرطیّاً _ أی لا یجب الاستبراء إلاّ لأجل الغسل _ فإنّه لیس معناه کون الاستبراء لأجل فقد شرطه ، حتّی لو استبرئت بعد ذلک ، وعلمت کونها نقیّة قبل ذلک؛ لأنّه من الواضح أنّ معنی الوجوب الشرطی هو أعم من ذلک ، کما أنّه أیضاً لیس معنی صحّة الغسل _ فی فرض النسیان أو الغفلة عن وجوب الاستبراء _ جواز الاتیان بالغسل حتّی مع الانتباه ، لإمکان القول بعدم جواز الغسل حینئذ أیضاً ، لما قد عرفت من أنّ مقتضی الأصل والاستصحاب هو الحکم ببقاء الحیض ، حیث یحکم _ لو لا الاستبراء _ بحرمة العبادات علیها ومنها الغسل ، فإن قلنا بجریان الأصل والاستصحاب فی التدریجیّات _ مثل الدم الذی یخرج شیئاً فشیئاً _ ولم نقل بما ذهب إلیه الشیخ ، من کون الأصل فی مثلها عدم حدوث الزائد علی ما علم حدوثه ، وإلاّ مع جریان الأصل الثانی یوجب الحکم بصحّة الاغتسال ، حتّی مع ترک الاستبراء عامدا عالما .

لکنّه خلاف الظاهر المستفاد من هذه الأخبار ، حیث لم یجوز الاعتماد علی مثل هذا الأصل فی ترک الاستبراء ، والاتیان بالغسل ، فی حال العلم والانتباه ، کما لا یخفی .

وممّا ذکرنا یظهر أنّ ما ذکره الشیخ قدس سره من احتمال کون الأمر هنا للارشاد ، إن

ص:12

کان یقصد به ارشادیا محضا بحیث کان الاتیان بالغسل بلا استبراء جائزاً _ کما هو الحال فی باب استبراء الجنب ، والمحدث بالحدث الأصغر _ فهو ممّا لا یمکن المساعدة علیه ، بل لا یمکن أن یکون مقصوده ، لأنّه قد صرّح بنفسه _ علی ما حُکی عنه _ أنّه لا یجوز الاتیان بالغُسل ، مع ترک الاستبراء فی حال العلم والاختیار .

وإنْ قصد من الارشاد بما لا ینافی مع الشرطیّة فی الوجوب ، فلا داعی لنا ان نسمّیه إرشادیا ، بل یقال إنّه واجب نفسی شرطی .

ولعلّه حینئذ یوافق مع ما ذهب إلیه الأصحاب من الوجوب النفسی ، لاستبعاد أن یکون مرادهم من الوجوب النفسی علی نحوٍ یوجب بطلان الغُسل ، لو ترک الاستبراء حتّی نسیاناً أو غفلة ، کما أشار إلیه صاحب «الجواهر» قدس سره بقوله: «إذ احتمال الشرطیّة التعبدیّة حتّی بالنسبة إلی ذلک بعیدٌ جدّاً» .

ثمّ علی القول بالوجوب فی الاستبراء _ بأیّ وجه کان _ هل یجب الاستبراء بأیّ کیفیّة تمکنت المرأة منها ، أم لابدّ من الاتیان بکفیّة خاصّة ، کما هی واردة فی الاخبار المتعدّدة؟

والذی یظهر من صاحب «الجواهر» وصاحب «مصباح الهدی» والهمدانی وغیرهم ، هو الأوّل ، کما هو المشهور ، أخذا باطلاق صحیحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، خلافاً لما عساه یظهر من المنقول عن «المقنع» من الفتوی بمضمون خبر سماعة ، مع زیادة تقیید الرِجْل بالیسری ، بل وکذا ما یظهر من «الفقیه» علی ما فی «الجواهر» ، من الجمع بین الأخبار ، بحمل الصحیح الأوّل علی ما إذا لم تر صفرة ، وما فی خبر سماعة ، من الکیفیّة المخصوصة علی ما إذا رأت الصفرة .

ولکن الأُولی کما فی «الجواهر» وغیره ، حمل هذه الأخبار علی الاستحباب

ص:13

والفضیلة ، وزیادة الاستظهار ، حیث تتأکّد إذا رأت صفرة ونحوها ممّا تحصل به الریبة للمرأة .

ولعلّ الوجه فیه أنّ ذکر الاطلاق فی صحیحة محمّد بن مسلم _ مع کونه فی مقام بیان الحکم _ وظهور بیان مثل هذه الأُمور فی الکیفیّة للمستهل فی ادخال الکرسف ، _ خصوصاً مع ملاحظة وجود الاختلاف فی الروایات فی الرجل ، من الیسری أو الیمنی ، فی خبر الکندی ، وفقه الرضا للأُولی ، وفی خبر یونس للثانیة ، والاطلاق بلا تقیید بالیسری أو الیمنی فی روایة سماعة _ أوجب ذهاب المعظم إلی الحمل علی أفضل الأفراد ، خصوصاً مع ملاحظة کون الدلیلین مثبتین ، حیث یمکن العمل بهما جمیعا من حملهما علی الاستحباب ، کما هو الأمر فی کثیر من موارد الجمع بین الخبرین المتعارضین المثبتین .

فیقال إنّ الکیفیّة الخاصّة المذکورة فی النصوص ، تعدّ أفضل الافراد ، فالعمل علی أی نحوٍ أتّفق کان مجزیاً ، وهو المطلوب .

ثمّ یأتی الکلام فی أنّه إذا قلنا بوجوب الاستبراء _ وکونه شرطاً لصحّة الغسل أو لم نقل بذلک _ فهل تسقط هذه الشرطیّة أو الوجوب عند التعذّر ، کما فی المرأة العمیاء إذا فقدت من یرشدها ویعلمها حقیقة الاستبراء .

فی أحکام الحیض / لو خرجت القطنة عند الاستبراء نقیّة

ففی «الجواهر» : «وجهان ، ویحتمل ایجاب الغسل علیها ، ثمّ العبادة احتیاطاً ، حتّی تقطع بحصول النقاء فتعید الغُسل ، فتأمّل جیّداً» إنتهی کلامه(1) .

ولکن الأقوی أن یقال : أنّه حسب مقتضی القواعد ، إنْ کانت لها قرائن وشواهد باطنیّة ، توجب لها حصول الظنّ بقطع الدم أو کانت عادتها سابقة علی


1- جواهر الکلام: 3 ، 191 .

ص:14

قطع الدم فی ذلک الزمان ، مع کونها بصیرة بتحقق الاستبراء ، فعرض لها العمل بعد بذلک أو نحو ذلک ، فوظیفتها حینئذٍ هو العمل علی طبق ظنّها ، وإلاّ تعمل بمقتضی ما نصّ علیه فی «الجواهر» من الاتیان بالغُسل والعبادة ، وترک تروک الحائض احتیاطا ، إلی أن یحصل لها القطع ، فان کان عملها مطابقاً للواقع ، فغُسلها صحیح ، لما قد عرفت أنّ اتیانه قد وقع بقصد القربة ، أمّا عدم احرازها شرطیّة الاستبراء حتّی فی المورد ، خصوصاً مع الشکّ فی کونه شرطاً فالأصل عدمه ، وإن کان الاحتیاط یقضتی إعادة الغُسل مع الاستبراء ان امکن ، کذا الاحتیاط بأتیان العبادات .

وان ظهر لها الخلاف ، أی استبرئت _ ولو بمعونة أحدٍ _ فوجدت الدم ، فلا إشکال حینئذ فی وجوب إعادة الغُسل ، حتّی ولو کان قد مضت العشرة وتجاوزتها ، لأنّه قد انکشفت لها بطلان غُسلها ، وکونه واقعاً فی أیام طمثها ، واللّه العالم .

هذا تمام الکلام فی هذا المقام .

قال المصنّف: إذا کان الانقطاع قبل العشرة فإنّه یجب الاستبراءبادخال القطنة.

ثمّ قال بعده : فان خرجت نقیّة اغتسلت ، أی إذا لم تکون متلطّخة بالدم أو الصفرة ، فیجب علیها الغُسل وجوباً ، کما ادّعی ذلک فی صریح «المدارک» وظاهر غیره ، مضافاً إلی دلالة صحیحة محمّد بن مسلم علیه ، من قوله علیه السلام : «وإنْ لم تر شیئاً فلتغتسل» .

ومرسلة یونس المتقدّمة من قوله علیه السلام : «وإنْ لم یخرج فقد طهرت ، تغتسل وتصلّی» . فإنّ هذه الأدلّة تفید لزوم اتیان المشروط بالطهارة علیها من الصلاة والطواف والصوم ، فلا استظهار هنا حتّی تصبر إلی انقضاء العشرة .

هذا ، فیما إذا علمت بعدم العود قبل العشرة ، فإن الحکم ثابت ولا ریب فیه ،

ص:15

فلا یکتفی بما یظهر من «السرائر» من وجود القائل علی الاستظهار ، أو ما یتوهم من الجملة الواردة فی کلام الشهیدین فی «المختلف» ، وذلک لما قد عرفت من تمامیّة الأدلّة علی الحکم ، وعدم لزوم الاستظهار هنا .

نعم ، قد یمکن أن یکون مرادهم غیر ما فرضناه ، مثل ما لو احتمل عوده أو الظنّ به ، فالمعروف أنّه أیضاً کذلک ، کما علیه السیّد فی «العروة» ، بل هو صریح صاحب «الجواهر» ، حیث قال : «مع أنّ الأقوی خلافه ، حتّی فی الظنّ فضلاً عن الاحتمال» .

ولعلّ هو هذا هو مراد صاحب «السرائر» ، وما توهّمه الشهیدین رحمه الله فی عبارة «المختلف» ، کما استظهره الآملی فی «مصباحه» هنا .

ولکن عن «کشف اللثام» منع دلالة عبارة «المختلف» علی ذلک ، ونسب القول بذلک إلیه من الوهم .

وکیف کان ، ففی الظنّ بالعود أیضاً ، المعروف بین الأصحاب هو ما عرفت ، خلافاً للمحکی عن الشهید الأوّل فی «الدروس» ، حیث حکم بالاستظهار ، والدلیل الذی أقامه المعروف ، هو اطلاقات الأدلّة ، الشاملة لصورتی الاحتمال والظنّ بالعود ، ولم یظهر لما اختاره الشهید وجه فی الباب ، ولعلّه أراد دعوی انصراف اطلاق الأدلّة عن ذلک المورد ، فاثباته لا یخلو عن تکلّف .

نعم ، لو کان ظنّها بالعود ناشئاً عن اعتیاده ، فالمحکی عن «المدارک» و«الذخیرة» و«المفاتیح» ثبوت الاستظهار ، واستدلّوا له باطراد العادة ، واستلزام وجوب الغُسل الحرج والضرر .

ومال إلیه فی «الجواهر» فیما إذا کان الاعتیاد موجباً للاطمئنان ، حیث قال :

ص:16

«إلاّ أن یکون لها اعتیادٌ فی هذا النقاء المتخلّل ، بحیث تطمئن نفسها بعود الحیض ، فان تکلیفها بالغُسل حینئذ مع ذلک ، لا یخلو عن تأمّل ومنع ، للشکّ فی شمول الأدلّة لمثلها» .

بل قد یستدلّ له أیضاً باصالة بقاء الحیض ، إنْ قلنا بجریانها فی التدریجیّات ، کما مرّ بحثه .

ولکن الأقوی عندنا هو العمل بما علیه المشهور ، ولو فی الظنّ الناشی ء عن الاعتیاد ، إلاّ أن یرجع اطمئنانها إلی العلم بالعود ، فحکمه _ علی ما هو المختار _ هو الحکم بالحیضیّة فی أیام النقاء ، بترک تروک الحائض فقط ، وإنْ اختار الاحتیاط فیه مثل السیّد فی «العروة» فی المسألة الخامسة والعشرون من أحکام الحیض .

ووجه ذلک ، هو عدم تمامیّة ما استدلّوا علیه ، أمّا اطراد العادة ، فهو موجب للظنّ بالعود ، لا اثبات حکم العود قبل تحقّقه .

وأمّا الحَرَج والضرر ، فهما یعدان أمرا شخصیا یثبت حکمهما فی کلّ مورد بحسبه ، ولا یرتبط بالمقام .

مع أنّه لا یوجب رفع الحکم إلاّ فی خصوص موردهما لا مطلقا ، حتّی فیما لا یلزم منها حدوثهما .

مع أنّه علی فرض ثبوتهما ، فإنّهما یرفعان الحکم عن الغُسل ویوجبان العدول عنه إلی التیمّم ، لا الاستظهار بترک العبادة ، کما هو المدّعی .

کما أنّه لا وجه للرجوع إلی اصالة بقاء الحیض ، لأنّه إنّما یصحّ الرجوع إلیها عند فقد الأدلة الاجتهادیّة ، فإذا قلنا بوجود الاطلاقات ، وشمولها للمورد ، حتّی مع الظنّ ، فلا وقع للرجوع الی الأُصول ، کما لا یخفی .

ص:17

وإنْ کانت متلطّخة ، صبرت المبتدأة حتّی تنقی ، أو تمضی عشرة أیام (1).

(1) اعلم أنّ وجوب الاستظهار ثابت لمن خرجت منها القطنة متلطّخة بالدم ، ولو بمثل رأس الذباب _ کما فی الأخبار _ أو بالصفرة علی الأقوی ، وهو الظاهر کما فی «الجواهر» تبعاً عن «الروض» وغیره ، بل وهو المنقول عن صریح سلاّر ، بل قد یدّعّی کون الصفرة مراد من عبّر بالدم أیضاً .

وهذا الحکم ممّا قد یدّع علیه الإجماع من البسیط والمرکّب ، حیث تری أنّ صاحب «الریاض» قال بالنسبة إلی الأخبار الدالّة علی کون الصفرة بعد الحیض ، لسیت من الحیض :

فی أحکام الحیض / وجوب الاستظهار إذا استمرّ الدم

إن حمل تلک الاخبار علی الصفرة ، قبل تمامیّة أیام الحیض ، یکون مخالفاً للإجماع ، بسیطاً ومرکّباً ، إلاّ أن یحمل بعد أیام الحیض وأیام الاستظهار ، مضافاً إلی ما عرفت) .

وکذلک یدلّ علیه الأخبار ، وکذا الاستصحاب فی أحکام الحائض ، وکذلک قاعدة الإمکان إنْ قلنا بها ، فلا بأس هنا بذکر الأخبار المشتملة علی ذلک وهی :

منها : ما رواه الکلینی باسناده الصحیح ، عن سعید بن یسار ، قال : «سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المرأة تحیض ، ثمّ تطهر ، وربّما رأت بعد ذلک الشیء من الدم الرقیق ، بعد اغتسالها من طهرها؟ فقال: تستظهر بعد أیامها (بیومٍ کما فی «الاستبصار») بیومین أو ثلاثة ، ثمّ تُصلّی»(1) .

فإنّ اطلاق رؤیة الشیء من الدم بعد الاغتسال ، یشمل ما لو استبرئت وخرجت القطنة نقیّة ، واغتسلت ، ثمّ ظهر الخلاف .


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .

ص:18

کما یشمل ما لو لم تستبرء واغتسلت ، ثمّ رأت ذلک .

کما یشمل ما لو أدخلت القطنة بعد الغُسل ، ورأتها متلطّخة بالدم ، لصحّة اطلاق الرؤیة علیه أیضاً ، وإنْ کان ظهوره الخبر أولاً فی خروج الدم بنفسه لا بالعلاج وادخال القطنة ، وکیف کان فإنّه یحکم بوجوب الاستظهار عند رؤیة الدم إلی الثلاثة ، کما عرفت .

منها : دلالة صحیحة محمّد بن مسلم من تعلیق الاغتسال لا علی عدم رؤیة شیء ، حیث ورد فیها قوله علیه السلام : «قال : وان لم تر شیئاً فلتغتسل»(1) .

لا یقال : إنّه ینافی ما ورد فی ذیلها من قوله علیه السلام : «وإن رأت بعد ذلک فلتتوضّأ ولتصلّ» .

لأنّا نقول : یمکن دفع توهّم المنافاة ، بحمله علی صورة علمها بعدم کونه حیضاً ، مثل ما لو رأت بعد مضیّ العشرة مثلاً؛ أو غیره .

لا یقال : هناک یوجد تنافٍ بین ما ورد فی صحیحة محمّد بن مسلم ، مع ما فی مرسلة یونس ، حیث قد علّق وجوب الغُسل علی عدم خروج الدم البسیط فی القطنة ، المستلزم بمفهومه وجوب الغُسل إذا أخرجت القطنة مع الصفرة أو الدم الرقیق ، حیث قال علیه السلام : «فان خرج علی رأس القطنة ، مثل رأس الذباب ، دمٌ عبیط ، فلم تطهر ، وإنْ لم یخرج فقد طهرت تغتسل وتصلّی»(2) .

حیث جمع بین خروج الدم الرقیق أو الصفرة .

لأنّا نقول : من امکان أن یکون ذکر هذا القسم من باب المثال ، کونه غالباً کذلک ، أو أُرید منه الأعمّ الشامل للصفرة والدم الرقیق ولو مجازاً ، أو یُحمل علی


1- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 17 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:19

ما ذکرناه من جهة الجمع بینه وبین سائر الأخبار الدالة علی الاطلاق ، لما قد عرفت من تصریح صحیحة سعید بن یسار فی الدم الرقیق بالاستظهار ، والتفصیل بین الدم الرقیق والصفرة من وجوب الاستظهار فی الأوّل ، من دون أن یخالف الإجماع المرکّب ، لعدم القول بالفصل فی ذلک ، فلابدّ أمّا من الحمل علی وجوبه مطلقاً _ کما هو الأقوی _ أو علی عدم وجوبه مطلقاً _ فهو فی غایة الإشکال ، لو لم نقل کونه علی خلاف الإجماع _ مضافاً إلی عدم کون مرسلة یونس جامعاً لشرائط الحجیّة ، حیث لا یمکنها المقاومة والمعارضة مع روایة صحیحة ، کما لا یخفی .

فإذا عرفت هذه المقدّمة ، فی لزوم أصل الاستظهار فی الجملة ، فإنّه نصرف الکلام إلی المرأة التی تری الدم ، والذی قال عنه المنصّف رحمه الله : «صبرت حتّی تنقی أو تمضی عشرة ایام» .

هذا کما فی «القواعد» و«التحریر» و«الارشاد» و«المدارک» و«کشف اللثام» و«الریاض» ، وهو الظاهر من «السرائر» و«المعتبر» وغیرهما ، بل فی «المدارک» أنّه إجماع ، وفی «الدروس» أنّه ظاهر الأصحاب فی الدور الأُول .

والدلیل علیه _ مضافاً إلی الشهرة العظیمة ، بل الإجماع المنقول _ جریان قاعدة الإمکان _ إنْ اجریناها فی مثل المقام _ لاصالة عدم التجاوز عمّا یحکم علیها بالحیض .

وکذلک یدلّ علیه أخبار الصفات فی الجامع ، والحاق غیره إلیه بواسطة عدم القول بالفصل هنا .

وکذلک یدلّ علیه اخبار خاصّة واردة فی المقام ، وهی :

منها : ما رواه الشیخ باسناده الموثّق ، عن عبد اللّه بن بکیر ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «المرأة إذا رأت الدم فی أوّل حیضها ، فاستمرّ بها الدم ، ترکت

ص:20

الصلاة عشرة أیام»(1) .

منها : روایة أُخری مرویة عن ابن بکیر أیضا حیث قال : قال : فی الجاریة أوّل ما تحیض یدفع علیها الدم ، فتکون مستحاضة أنّها تنتظر بالصلاة ، فلا تُصلّی حتّی تمضی أکثر ما یکون من الحیض ، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام ، فعلت ما تفعله المستحاضة ثمّ صلّت . . .»(2) الحدیث .

القسم الثانی : من کانت ملحقة بالمبتدأة ، وهی التی لم تستقرّ لها عادة فی العدد .

بل قد یفسّر المبتدأة بما یشمل لمثلها .

وهی أیضاً فی الحکم کالمبتدأة وتدخل تحت تلک الأخبار فی الجملة ، مع ما یمکن استفادته من موثقة سماعة بن مهران ، قال : «سألته عن الجاریة البکر أوّل ما تحیض ، فتقعد فی الشهر یومین ، وفی الشهر ثلاثة أیام ، یختلف علیها ، لا یکون طمثها فی الشهر عدّة أیام سواء؟ قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت تری الدم ، ما لم تجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة ایام سواء ، فتلک أیامها»(3) .

حیث قد علّق حکم الجلوس عن الصلاة الی مضیّ عشرة أیام کالمبتدأة ، لمن اضطربت حالها فی أیام طمثها ، کما لا یخفی .

ثمّ أنّه هل الحکم المذکور ، من وجوب الاستظهار ، مختصّ بالمبتدأة فی الدور الأوّل فقط ، کما صرّح فی «الدروس» بأنّه ظاهر الأصحاب ، بل فی «الجواهر» قوله : إنّه یمکن استظهاره من أخبار المستحاضة أم لا؟

فقیل : إنّه قصد بالأخبار مرسلة عبد اللّه بن المغیرة ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ،


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 5 و 6 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 5 و 6 .
3- وسائل الشیعة: الباب 14 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:21

وذات العادة تغتسل بعد یوم أو یومین من عادتها (1).

قال: «إذا کانت أیام المرأة عشرة ، لم تستظهر فإذا کانت أقلّ استظهرت»(1) .

مع أنّه لا یفهم منها کون ذلک فی الدور الأوّل ، بل هو کلّی تشمل غیرها أیضا إذا کان الدم فیها علی الوصف المزبور .

کما لا یستفاد ذلک من حدیث أبی داود ، عمّن أخبره ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : «سألته عن المرأة تحیض ، ثمّ یمضی وقت طهرها وهی تری الدم؟ قال فقال : تستظهر بیوم أن کان حیضها دون العشرة ایام ، فان استمرّ الدم فهی مستحاضة ، وإنْ انقطع الدم اغتسلت وصلّت»(2) .

اللّهمّ إلاّ أن یراد أنّه یسشعر من الاستمرار ، کونه من مرّة واحدة وفی الدور الأوّل ، وهو کما تری .

أو یشمل ولو کان فی الدور الثانی ، وهو الأُقوی ، لاطلاق الادلّة ، وجریان قاعدة الإمکان _ لو قلنا بها _ وجریان الاستصحاب ، کما عرفت .

هذا إن لم یصدق علیها العادة التی تصحّ الرجوع إلیها ، وجعلها طریقة وإمارة شرعیّة للحیض ، کما مضی تحقیقه .

فدعوی الاختصاص فی الدور الأوّل ، لا یخلو عن تأمّل .

(1) واعلم أنّ المعتادة بذات العادة العددیّة _ وقتیّة کانت أو لا _ إنْ علمت بأنّ عادتها عشرة بعدما رأت القطنة متلطّخة بعد خروج الدم منها ، فلا إشکال فی أنّ مثلها لیس علیها استظهار ، لأنّ أکثر أیام الحیض لیست إلاّ العشرة ، والمفروض أنّها تری الدم إلی العشرة ، فلا مجال للقول بالاستظهار ، لظهور حالها حینئذ من


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 _ 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 _ 4 .

ص:22

الحیضیّة فی العشرة ، ولزوم الغُسل علیها ، ثم فرض الاستحاضة لما بعدها .

هذا ، إذا لم تکن عادتها عشرة ، ولکن تعلم حالها فی مرحلة بذلک .

وهکذا الحکم أیضاً فی صورة أُخری ، وهی ما لو کانت عادتها عشرة کاملة ، فإنّها أیضاً لا استظهار لها ، بما عرفت وجهه آنفاً ، فإنّ علیها أن تغتسل عند النقاء بعد العادة ، وقبل تمام العشرة ، ولکن لو علمت من حالها أنّها لا تری الدم بعد ذلک ، فلا استظهار لها مع وجود العلم بالانقطاع ، فتغتسل وتأتی بالعبادات .

ففی هذه الصور الثلاث کان الحکم إجماعیّاً ، ولا خلاف فیه .

بل قد أُشیر الی بعض هذ الأقسام فی بعض الاخبار ، وهو کما فی مرسلة عبداللّه بن المغیرة ، عمّن أخبره عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «إذا کانت أیام المرأة عشرة لم تستظهر»(1) .

وفی روایة أخری مرویة عن عبداللّه بن بکیر قوله علیه السلام فی حدیثٍ : «وان کانت أیامها عشرة لم تستظهر»(2) .

ففی هذه الأقسام ، من رأت العادة ، حکمها واضح لا کلام فیه ولا إشکال .

والذی ینبغی أن یبحث فیه ، هو حکم المرأة المعتادة بذات العادة العددیّة _ وقتیّة کانت أم غیرها _ وهی التی لم ینقطع الدم فی أیام عادتها ، واستمر منها الدم وصارت القطنة متلطّخة ، وکانت المرأة تحتمل عدم انقطاع الدم إلی العشرة ، بل تحتمل التجاوز عنها أیضاً .

ففی مثلها لا إشکال فی لزوم تأخیر الغُسل عن أیام عادتها ، ولزوم الاستظهار علیها بترک العبادات ، وممّا یحرم فعله علی الحائض ، والأخبار بذلک مستفیضة ، بل متواترة ، بل الإجماع بکلا قسمیه _ من المحصّل والمنقول _ علیه ، بل قد


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 _ 11 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 _ 11 .

ص:23

عرفت دلالة خبر ابن مغیرة علیه ، حیث قد صرّح فیهما بمنطوقها ومفهومها علی لزوم الاستظهار فی أقل من العشرة ، حیث قال علیه السلام فی الروایة الأُولی : «فإذا کانت أقلّ استظهرت» .

إنّما الاشکال والکلام وقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی مقدار أیام الاستظهار ، هل هو بیوم أو یومین ، أو الثلاثة أو العشرة؟ ثمّ علی التعیین فی الأقسام ، هل کان الحکم فی التعیین بکل واحد منها ، أو التخییر بین الأربع ، أو التعیین فی الأوّل منها والتخییر فی البواقی ، أو التعیین فی الثانی منها والتخییر فی البقیّة ، أو التعیین فی الأخیر؟

وجوه وأقوال ، ومنشأئهما هو الاختلاف فی لسان الأخبار ، والنصوص الواردة فی المقام .

فی أحکام الحیض / أیّام الاستظهار و حکمها

المقام الثانی : فی بیان أنّه هل الحکم بلزوم الأخذ بأحدها وجوبی أو ندبی ، أو مباحٌ ، أو کان الاستظهار فی بعضها وجوبیا وفی الآخر ندبیّاً أو مباحا ، أو غیر ذلک من الوجوه المحتملات؟

فأمّا المقام الأوّل: فلنذکر الأخبار المشتملة علی بیان مقدار الاستظهار ، فان عددا منها مشتملة علی ذکر یوم واحد للاستظهار ، وتأخیر الغُسل وهی :

منها : ما رواه الکلینی باسناده ، عن إسحاق بن جریر ، قال: «سألتنی امرأة منّا أنْ ادخلها علی أبی عبداللّه علیه السلام ، فاستأذنت لها ، فإذن لها فدخلت . . .

إلی أن قال : فقالت له: ما تقول فی المرأة تحیض فتجوز أیام حیضها؟ قال: إنْ کان أیام حیضها دون عشرة أیام ، استظهرت بیوم واحد ، ثمّ هی مستحاضة . قال: فان الدم یستمر بها الشهر والشهرین والثلاثة ، کیف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أیام حیضها ، ثمّ تغتسل لکلّ صلاتین»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:24

منها : مرسلة أبی داود مولی أبی المغرا ، عمّن أخبره ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «سألته عن المرأة تحیض ، ثمّ یمضی وقت طهرها وهی تری الدم؟ قال فقال : تستظهر بیوم أن کان حیضها دون العشرة أیام ، فإن استمرّ الدم ، فهی مستحاضة ، وان انقطع الدم اغتسلت وصلّت»(1) .

منها : روایة زرارة ، ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : «یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدی باقرائها ، ثمّ تستظهر علی ذلک بیوم»(2) .

منها : موثقة مالک بن أعین قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء یغشاها زوجها ، وهی فی نفاسها من الدم؟ قال: نعم ، إذا مضی منذ یوم وضعت بقدر أیام عدّة حیضها ، ثمّ تستظهر بیوم فلا باس ، بعد أن یغشاها زوجها ، یأمرها فتغتسل ، ثمّ یغشاها إنْ أحبّ»(3) .

وهذه الروایات الأربع قد قیّد الاستظهار فیها _ بعد أیام العادة _ بیوم واحد من الاحتیاط فی ترک العبادات .

قد یقال : بأنّها لا تعارض الأخبار المطلقة التی لم یذکر فیها المدّة للاستظهار أصلاً ، بل قد علّق الحکم فیها بالعشرة ، من حیث عدم الاستظهار ، وأمّا دون العشرة فإنّ الوارد فیها مطلق الاستظهار غیر مقیدة بالمدّة ، وهو مثل ما رواه الکلینی ، باسناده عن عبد اللّه بن المغیرة ، عمّن أخبره ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : «إذا کانت أیام المرأة عشرة لم تستظهر ، فإذا کانت أقلّ استظهرت»(4) .

منها : وما رواه الکلینی باسناده عن یونس بن یعقوب ، قال : «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول : تجلس النفساء أیام حیضها التی کانت تحیض ، ثمّ تستظهر ،


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 4 و 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 4 و 5 .
3- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 4 و 5 .
4- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:25

وتغتسل وتصلّی»(1) .

فإنّه نقول : _ کما عن «مصباح الفقیه» _ بلزوم الجمع بین هاتین الطائفتین ، بتقیید أخبار المطلقات فی الاستظهار ، بالأخبار المقیّدة بقید یوم واحد ، فیکون مفادها حینئذ وجوب ترک العبادات بعد انقضاء العادة _ لیوم واحد _ احتیاطاً لإحتمال کونها حائض ، ثمّ هی بعد الیوم إذا ستمرّ بها الدم تعدّ مستحاضة .

والمراد من کونها مستحاضة ، کونها مستحاضة طاهر _ ولا تعتنی باحتمال أنْ ینقطع الدم قبل العشرة فیکون حیضاً ، لا أنّها مستحاضة واقعاً ، حتّی لو انقطع الدم قبل العشرة ، وإلاّ لیعارضها _ مضافاً إلی الإجماع والنصوص الدالّة علی أنّ ما تراه قبل العشرة فهو من الحیضة الأُولی _ جمیع الأخبار الآتیة الدالّة علی مشروعیّة الاستظهار بازید من یوم ، فلازم هذا القول هو وجوب الاستظهار ، وحرمة العبادات فی الیوم الواحد ، ومشروعیّة فعلها لما بعده ، أی وجوب العبادة لما بعد الیوم .ژ ولکن یعارضها لما بعد الیوم أیضاً أخبار کثیرة ، مختلفة اللسان ، فی عدد الأیام .

ففی عدّة منها ورد قیّد الاستظهار بیومین ، مثل مضمرة «الکافی» التی رواها الکلینی ، باسناده الصحیح عن زرارة ، قال: «قلت له النفساء متی تُصلّی؟ فقال: تقعد بقدر حیضها ، وتستظهر بیومین ، فان انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستشفرت (واستذفرت) وصلّت . _ إلی أن قال : قلت : والحائض؟ قال: مثل ذلک سواء ، فان انقطع عنها الدم وإلاّ فهی مستحاضة ، تصنع مثل النفساء سواء ، ثمّ تُصلّی»(2) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب النفاس، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 5 .

ص:26

منها : ما رواه الکلینی باسناده عن زرارة ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «تقعد النفساء أیامها التی کانت تقعد فی الحیض ، وتستظهر بیومین»(1) .

فان هاتین الروایتین کما تری ، صریحتان فی لزوم الاستظهار بیومین فی الحائض النفساء ، فلازمها جواز ترکها _ بل وجوب ترکها _ للعبادة إلی الیومین ، کما یدلّ علی جواز اتیان العبادة _ بل وجوبها _ لما بعد الیومین مع الاغتسال ، کما لا یخفی .

کما أنّ ظاهر هاتین الروایتین کالروایتین السابقتین علیهما ، هو التعیین فی الأمد من الیوم أو الیومین ، لا التخییر بینهما ، خلافاً لما یأتی فی بعض الأخبار من ذکر الیوم والیومین بصورة التمییز ، فانتظر لذلک .

وطائفة منها قیّد الاستظهار فیها بثلاثة أیام تعییناً لا تخییراً ، وهو مثل مضمرة سماعة ، فقد رواها الکلینی ، باسناده الموثّق إلی سماعة ، قال : «سألته عن المرأة تری الدم قبل وقت حیضها؟ فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حیضها ، فلتدع الصلاة ، فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت ، فإن کان أکثر من أیامها التی کانت تحیض فیهنّ ، فلتتربّص ثلاثة أیام بعدما تمضی أیامها ، فإذا تربّصت ثلاثة أیام ، ولم ینقطع الدم عنها ، فلتصنع کما تصنع المستحاضة»(2) .

ورواه الشیخ باسناده عن علیّ بن فهد ، عن الحسین بن سعید ، مثله .

منها : روایة مضمرة أخری رواها الکلینی وهی موثّقة سماعة ، قال : «سألته عن امرأة رأت الدم فی الحبل؟ قال: تعتدّ أیامها التی کانت تحیض ، فإذا زاد الدم علی الأیام التی کانت تعتدّ ، استظهرت بثلاثة أیام ، ثمّ هی مستحاضة»(3) .


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب النفاس، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
3- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 10 .

ص:27

منها : روایة محمد بن عمرو بن سعید ، عن پأبی الحسین الرضا علیه السلام ، قال: «سألته عن الطامث وحدّ جلوسها؟ فقال: تنتظر عدّة ما کانت تحیض ، ثمّ تستظهر بثلاثة أیامٍ ، ثمّ هی مستحاضة»(1) .

وطائفة منها قیّد الاستظهار فیها بالعشرة ، مثل ما رواه الکلینی مرسلاً عن عبد اللّه بن المغیرة ، عن رجلٍ ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام : «فی المرأة التی تری الدم ؟ فقال إن کان قرئها دون العشرة انتظرت العشرة ، وان کانت أیامها عشرة لم تستظهر»(2) .

ولم تذکر فی هذه الروایة مقدار الاستظهار فی الأوّل دون الثانی ، ولو کانت أیامها أزید من الثلاث .

منها : روایة یونس بن یقعوب ، قال: «قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : امرأة رأت الدم فی حیضها ، حتّی تجاوز وقتها ، متی ینبغی لها أن تُصلّی؟ قال: تنظر عدّتها التی کانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أیام ، فإن رأت الدم دماً صبیباً ، فلتغتسل فی وقت کلّ صلاة»(3).

ولعلّ منها : مرسلة أُخری لابن المغیرة ، قد ذکرناها فی بدایة البحث ، وجاء فیها قوله علیه السلام : «إذا کانت أیام المرأة عشرة لم تستظهر ، فإذا کانت أقلّ استظهرت»(4) .

ففی هذه الروایات قد جعل المدار فی الاستظهار وعدمه العشرة ، فصارت الأخبار إلی هنا أربعة طوائف ، حیث أنّ کلّ طائفة منها تعیّن حدّ الاستظهار من دون الإشارة إلی التخییر السنن .

بقی هنا الطائفة الخامسة : وهی التی یتبیّن حکم الاستظهار بالتخییر بین یوم


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 1.
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 2.
4- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 12 .

ص:28

أو یومین ، أو باضافة یوم ثالث ، فلا بأس بذکرها ، ومن ثم نعود إلی ملاحظة الجمع بین هذه الطوائف .

منها : ما رواه الکلینی باسناده الصحیح ، عن البزنطی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال: «سألته عن الحائض کم تستظهر؟ فقال: تستظهر بیوم أو یومین أو ثلاثة»(1) .

منها : روایة سعید بن یسار ، قال: «سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المرأة تحیض ، ثمّ تطهر ، وربّما رأت بعد ذلک الشی من الدم الرقیق بعد اغتسالها من طهرها؟ فقال: تستظهر بعد أیامها بیومین أو ثلاثة ثمّ تُصلّی»(2) .

منها : روایة حمران بن أعین ، فی حدیثٍ عن الباقر علیه السلام ، قال: «قلت: فما حدّ النفساء؟ قال: تقعد أیامها التی کانت تطمث فیهنّ ایام قرئها ، فإن هی طهرت ، وإلاّ استظهرت بیومین أو ثلاثة أیام ، ثمّ اغتسلت واحتشفت ، فإن کان انقطع الدم فقد طهرت ، وان لم ینقطع الدم فهی بمنزلة المستحاضة ، تغتسل لکلّ صلاتین وتُصلّی»(3) .

منها : روایة إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «المستحاضة تعقد أیام قرئها ، ثمّ تحتاط بیوم أو یومین ، فإذا هی رأت طهرا (الطهر) اغتسلت . . .»(4) .

منها : روایة فضیل وزرارة ، عن أحدهما علیهم السلام ، قال: «المستحاضة تکفّ عن الصلاة أیام اقرائها ، وتحتاط بیوم أو اثنین ، ثمّ تغتسل کلّ یوم ولیلة ثلاثة مرّات . . .»(5) .

منها : روایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : «فی الحائض إذا رأت دماً


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 9 .
3- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب النفاس، الحدیث 11 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 10 _ 12 .
5- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 10 _ 12 .

ص:29

بعد أیامها التی کانت تری الدم فیها ، فلتقعد عن الصلاة یوماً أو یومین . . .»(1) .

منها : روایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «المستحاضة تستظهر بیوم أو یومین»(2) .

منها : روایة أُخری لزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «سألته عن الطامث تقعد بعدد ایامها کیف تصنع؟ قال: تستظهر بیوم أو یومین ، ثمّ هی مستحاضة . . .»(3) .

هذه جملة ما وجدناه من النصوص فی الباب ، مع الاختلاف فی بیان کیفیّة الحکم لمن لم ینقطع الدم بعد مضیّ أیام قرئها ، وتحتمل التجاوز إلی العشرة ، کما تحتمل انقطاع قبل العشرة . والبحث الآن عن الاخبار التی یمکن العمل بها مع وجود مثل هذا الاختلاف بینها؟

أقول : لا یخفی علیک أنّ مقتضی الجمع بین الأخبار ، هو تقیید المطلقات الواردة فی الطائفة الأُولی ، حیث أفاد ظاهرها وجوب الاستظهار فی الأقلّ من العشرة ، وانحصار عدمه فی العشرة بالیوم الواحد بعد انقضاء أیام العادة ، عملاً بالأخبار الدالة علی لزوم الاستظهار بیوم واحد ، وکان بعضها صحیح السند والدلالة ، فیحکم بهذا التقیید ، بلا إشکال ولا معارض لها من حیث الاطلاق وأخبار التخییر کما سنشیر إلیه إنْ شاء اللّه تعالی .

بل الأخبار التی تعیّن الفترة لیومین أو ثلاثة ، لأنّها بالنسبة إلی الیوم الواحد غیر معارض ، لاشتمالها له أیضاً .

فالحکم بوجوب الاستظهار من حیث الحکم بالحیضیّة ، بالنسبة إلیه ، أمرٌ


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 13 ، 14 ، 15 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 13 ، 14 ، 15 .
3- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 13 ، 14 ، 15 .

ص:30

ثابت ولا معارض ولا مانع له ، کما أفتی بذلک کثیرٌ من المتأخّرین ، منهم صاحب «العروة» وأکثر أصحاب التعلیق .

فیبقی الکلام بالنسبة إلی سائر الأیام ، من الیومین أو الثلاثة أو أزید إلی العشرة ، فإنّ مقتضی لسان کلّ واحد منها ، بملاحظة النصّ الذی اشتمل حکمه ، _ مثل النصّ المشتمل علی الیوم الواحد ، بالنظر إلی الأخبار المطلقة الموجب للتقید ، وان کان یتفاوت معه بملاحظة مفهوم کلّ واحد منها _ حیث یقتضی نفی الآخر الشامل للیوم الواحد أیضاً ، هو أنّه یجب الاستظهار بالیومین مثلاً فلا یکتفی بالیوم الواحد .

إلاّ أنّه بملاحظة المنطوق مع المطلقات ، یکون مثل الیوم الواحد ، حیث یفهمنا وجوب الاستظهار للیومین ، وکدلک فی الثلاث أو أزید .

إلاّ أنّه مع ملاحظة الأخبار الدالّة علی التخییر بین الیومین أو الثلاثة ، حیث إذا لوحظ مع أخبار التعیین ، یفید جمعها القول بمشروعیّة الاستظهار إلی العشرة ، فیکون من حیث العمل مخیّراً بین تلک الأیّام بعد الیوم الواحد ، إذ من الواضح أنّه لا یمکن الالتزام بحرمة الاستظهار فی تلک الأیام ، مع وجود طائفتین من الأخبار دالتان علی التعیین أو التخییر فیها ، خاصة إذا لاحظنا وجود الصحاح فیها أو الخبر المنجبر بالشهرة التی تفید جواز الاستظهار إلی العشرة ، کما قد صرّح بذلک صاحب الجواهر قدس سره .

فالقول بوجوب الاستظهار فی یوم واحد بعد أیامها ، وجواز الاستظهار لما بعده إلی العشرة ، حسنٌ إنّ لم ینقطع الدم عنها ، حیث یحکم _ بحسب الظاهر _ أنّها مستحاضة ، فتعمل عمل المستحاضة ، وإنْ کان الأحوط هو العمل بالجمع بین تروک الحائض وعمل المستحاضة فی تلک الأیام .

نعم ، بقی هنا ملاحظة طائفة أُخری من الأخبار الدالّة علی المنع عن الاستظهار بعد انقضاء أیام العادة ، مثل روایة یونس الطویلة _ التی سننقلها لاحقا فی مبحث الاستحاضة _ حیث تدلّ بالصراحة بأنّ المستحاضة المعتادة لا وقت

ص:31

لها إلاّ أیامها ، وأنّ السُنّة فی وقتها أن تتحیّض أیام اقرائها .

منها: قوله علیه السلام فی المضطربة المأمورة بالتحیّض سبعاً : «ألا تری أنّ أیامها لو کانت أقلّ من سبع ، وکانت خمساً أو أقلّ من ذلک لما قال لها تحیضّی سبعاً ، فیکون قد أمرها بترک الصلاة أیاماً ، وهی مستحاضة غیر حائض کذلک ، ولو کان حیضها أکثر من سبع ، کانت أیامها عشراً أو أکثر ، لم یأمرها بالصلاة وهی حائض»(1) ، الحدیث .

منها : صحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «المستحاضة تنظر أیامها ، فلا تُصلّی فیها ، ولا یقربها بعلها ، فإذا جازت أیامها ورأت الدم یثقب الکرسف ، اغتسلت للظهر والعصر»(2) .

منها : صحیحة أو موثّقة عبد اللّه بن سنان ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «سمعته یقول : المرأة المستحاضة تغتسل التی لا تطهر عند صلاة الظهر . . . إلی أن قال : ولا بأس بأن یأتیها بعلها إذا شاء ، إلاّ أیام حیضها ، فیغتزلها زوجها»(3) .

منها : موثّقة سماعة ، قال : «سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المستحاضة؟ قال : فقال : تصوم شهر رمضان إلاّ الأیام التی کانت تحیض فیها ، ثمّ تقضیها من بعده»(4) .

منها : روایة ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : «المستحاضة إذا مضت أیام اقرائها اغتسلت واحتشت کرسفها . . .»(5) .

منها : صحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهم السلام ، قال: «النفساء تکفّ عن الصلاة


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض ، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 _ 4 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 _ 4 .
4- وسائل الشیعة: الباب 2 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
5- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:32

أیامها التی کانت تمکث فیها ، ثمّ تغتسل وتعمل کما تعمل المستحاضة»(1) .

هذه جملة الأخبار التی ذکر فیها المنع عن الاستظهار تصریحاً أو تلویحاً ، فکیف التوفیق فی الجمع بین هذه ، وبین ما تقدّم من الأخبار الدالّة علی لزوم الاستظهار فی الجملة إلی العشرة .

فلا بأس بذکر الوجوه التی ذکرها الفقهاء فی الجمع ، حتّی یتّضح لنا ما یصحّ أن یکون هو مختارنا فی المقام .

أقول : قد أتعب المحقّق الآملی نفسه فی «مصباحه» لذکر الوجوه ، وما یرد علیها ، فشکر اللّه مساعیّه الجلیلة ، وجزاه اللّه عنّا وعن الإسلام أحسن الجزاء ، فنحن نشیر إلیها بصورة الاختصار ، حیث قال :

الوجه الأوّل : هو حمل أخبار الاستظهار علی الاستحباب ، ونسب ذلک إلی المشهور _ کما أشار إلیه صاحب «الجواهر» _ ونسبه فی «المدارک» إلی عامّة المتأخّرین . وأورد علیه فی «الطهارة» (لعلّ مراده طهارة الشیخ الأعظم) بقوله ، أوّلاً : بأنّه ممّا یأبی عنه کثیر من الأخبار ، الظاهرة فی وجوب الاستظهار ، وتحریم بعضها مجامعة زوجها معها بعد عادة الحیض بیوم واحد ، کموثّقة مالک بن أعین المتقدّمة التی ورد فیها قوله علیه السلام : «إذا مضی له منذ یوم وضعت بقدر أیام حیضها ، ثمّ تنتظهر بیوم ، فلا بأس أن یغشاها إن أحبّ»(2) .

الدالّة بمفهومها علی تحریم المقاربة بعد عادة الحیض قبل الاستظهار بیوم .

وأجاب عنه المحقّق ، بقوله : قلت : مع وجود القرینة علی حمل أخبار الاستظهار علی الاستحباب ، لا بأس بحمل ما یدلّ بمفهومه علی ثبوت البأس


1- وسائل الشیعة: من الباب 3 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من ابواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:33

فی المقاربة قبل الاستظهار علی الکراهة ، ولا تأبی له عن هذا الحمل _ کما لا یخفی _ کثیرٌ من الأخبار الظاهرة فی وجوب الاستظهار ، عن حملها علی الاستحباب ، والعمدة حینئذ فی قیام الشاهد علیه .

ولکن لا یخفی ما فی کلامه من الإشکال ، لأنّ الدلیل لیس منحصراً فی خصوص روایة مالک بن أعین ، حتّی یقال بما قیل ، بل قد ورد فی بعض الأخبار من لزوم الاستظهار بیوم واحد وهی ظاهرة _ بل لا یخلو عن صراحة _ فی کون الیوم الأوّل بعد العادة حیضاً ، مثل ما فی خبر إسحاق بن جریر ، حیث قال : «إن کان أیام حیضها دون عشرة أیام ، استظهرت بیوم ، ثمّ هی مستحاضة»(1) .

ومثله خبر أبی داود مولی أبی المغرا ، عمّن أخبره ، أنّه : «تستظهر بیوم إن کان حیظها دون العشرة أیام ، فان استمرّ الدم فهی مستحاضة»(2) .

حیث یدلّ بمفهومه کونها حیضاً فیما قبله ، فکیف یمکن الحکم باستحباب الاستظهار بما یصدق علیه الحیض .

ثمّ استشکل الشیخ ثانیاً : بأنّ هذا الحمل یستلزم الخروج عن ظاهر أخبار الطرفین من دون وجود شاهد علی ذلک ، حیث أنّ أخبار الاستظهار تدلّ علی وجوب ترک العبادة فی أیام الاستظهار ، وأخبار الاغتسال بعد العادة تدلّ علی وجوبها بعد العادة مباشرة ، وهذا الجمع یقتضی الترخیص فی ترکها فی أیام الاستظهار ، مع الترخیص فی فعلها علی ما هو مقتضی الحمل علی الاستحباب ، فیکون مخالفاً لظاهر الطرفین .

ثمّ اعترض علیه المحقّق المزبور ، بقوله : أقول : والعمدة فی هذا الایراد أیضاً


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:34

هو دعوی عدم الشاهد علی هذا الجمع ، وإلاّ فمع وجود الشاهد فإنّه لا یأبی ظهور الطرفین عن الحمل علی خلافه ، إذ دلّ علیه الدلیل .

أقول : ولقد أجاد فیما أفاد واعترض ، ولکن قد عرفت أنّ العمدة فی الاشکال هو عدم إمکان حمل بعض أخبار الیوم الواحد علی الاستحباب ، وإلاّ لأمکن الالتزام بما هو نتیجة الجمع بین الأخبار ، کما لا یخفی .

ثمّ استشکل الشیخ ثالثاً : بأن حمل أخبار الاستظهار علی الاستحباب ، لیس بأولی من حمل أخبار الاغتسال بعد العادة علیه ، وتحمل أخبار الاستظهار علی الترخیص فیه .

هذا ، ولکن یرد علیه : بأنّه إنْ قلنا بوجوب الاستظهار فی یوم واحد ، فلا معنی حینئذ باستحباب الغُسل فی یوم الحیض ، لأنّ معنی وجوب الاستظهار حینئذ ، هو وجوب ترک العبادة ولحوقه بالحیض ، فلا یبقی مجالٌ لحمل أخبار الاستظهار علی الترخیص ، إذ لا یجتمع هذا مع الترخیص .

اللّهمّ إلاّ أن یقال بالترخیص فی خصوص الاغتسال ، لا فی سائر العبادات وهو کما تری .

ثمّ تعرّض المحقّق المزبور لکلام صاحب «رسالة الدماء» بقوله : ووجّه فی «رسالة الدماء» استحباب الاستظهار ، بالتوفیق بین الأخبار المثبتة الدالّة علی وجوب الاستظهار تعییناً ، بجمل الوجوب فی الطائفتین علی التخییری ، مع استظهار رجحان الاستظهار من أخباره ، بسبب أختلافها فی مقداره ، والتعبیر عنه بالاحتیاط الراجح عقلاً ونقلاً فی بعض من تلک الأخبار .

إلی أن قال : والتوفیق العرفی لا یحتاج إلی شاهد ، والتعبیر عنه فی بعض أخباره بالاحتیاط ، کاشفٌ عن رجحانه ، وأنّه أرجح العدلین .

ثمّ اعترض علی الاستحباب ، بأنّه یستلزم التخییر بین فعل الواجب وترک

ص:35

الواجب دون وجود البدل .

وأجاب عنه بأنّ متعلّق الاستحباب ، هو البناء علی التحیّض فی أیام الاستظهار ، فتصیر الصلاة والصوم حراماً علیها بعد البناء ، کما یصیر اتمام الصلاة والصوم واجباً علی المسافر ، بعد البناء علی الاقامة عشرة أیام ، انتهی .

وقد أعترض علیه المحقّق المزبور ، بما هو حاصله : أنّ المقام لیس ممّا لا یحتاج إلی الشاهد ، لما نری من تحیّر العرف فی تعارض الدلیلین ، الذین یدلّ کلّ واحد منها فی تعیّن الاستظهار وترک العبادة ، وتعیّن وجوب المبادرة إلی الاغتسال والعبادة ، فتحتاج فی حمل کلّ منهما علی الوجوب التخییری إلی شاهد یدلّ علی ذلک .

ثمّ أنّ الاختلاف فی أخبار الاستظهار فی مقداره ، إذ کان کاشفاً عن استحبابه ، فلا یبقی لها دلالة علی الوجوب حتّی یحمل علی التخییری .

ثمّ إنّ معنی الاستظهار لیس هو البناء علی الحیض بعد العادة ، بل هو احتیاط فی ترک العبادة ، حتّی تتبیّن حالها بکونها حائضاً أو أنّه هل یتجاوز دمها عن العشرة أو لا یتجاوز ولا مانع عن الأمر بترکها ، أی یجوز أن یکلّف الشارع المکلّف بالأخذ بأحد الاحتمالین معیّناً ، لکونه أهم بنظره ، وجواز ذلک شرعاً لا یدور مدار ترجیح أحد الاحتمالین بنظر المکلّف ، لامکان أن لا یکون ذلک أقوی عند الشارع ، کما کان الأمر کذلک علی حسب ما قرّرناه فی تأسیس الأصل ، بأن احتمال الحیض بعد العادة للأقرب کان أقوی من احتماله للأبعد ، وکلّما بُعد یقوی احتمال الاستحاضة علی احتمال الحیض .

إنتهی ملخص کلام المعترض(1) .


1- مصباح الهدی: 4 ، 503 _ 505 .

ص:36

أقول : الانصاف _ کما عرفت منّا _ عدم إمکان حمل أخبار الاستظهار بیوم علی الاستحباب ، ولعدم وجود معارض له بالصراحة ، لأنّ أخبار المنع عن الاستظهار لیس صریحاً فی ذلک ، بل الظاهر منها جواز الاغتسال بعد العادة بالاطلاق ، حیث یمکن تقییدها لما بعد الیوم ، بعد الحاق الیوم بالعادة حکماً ، بواسطة الأخبار الصریحة أو الظاهر ظهورا قویّا علی الوجوب الحکم بالحیض .

نعم ، یصحّ القول بذلک بالنسبة إلی غیر الیوم الواحد ، فإنّه لأجل ورود الأخبار بصورة التخییر مع استعمال أداة (أو) لا یبعد أنْ یحمل _ بمقتضی الجمع بین الطائفتین _ علی الاستحباب فی الاستظهار تخییراً ، لأجل رفع الید عن ظهور کلّ واحد منها فی التعیّن إلی التخییر ، أی بتحویل ظهور کلّ منها من الوجوب إلی الاستحباب ، وذلک لأجل المعارضة ، فینتج المطلوب من الحکم بوجوب الاستظهار فی الیوم الواحد والاستصحاب فی غیره إلی العشرة ، وإنْ کان القول بالاحتیاط بالجمع بین الوظیفتین أولی .

ثمّ بعد الاحاطة بما قرّرناه ، فإنّه من السهل الردّ علی سائر الوجوه المذکورة فی الجمع بین الطائفتین من الأخبار .

منها : ما ذکره المحقّق فی «المعتبر» من حمل أخبار الاستظهار علی الاباحة ، زعماً منه بکون الأمر بالاستظهار عقیب توهم الخطر یوجب حملها علی الاباحة .

بل قد استدلّ فی الأخیرة بعد اختیار ذلک ، بأنّة بعد لزوم رفع الید عن ظهور الأمر فی الوجوب لدلالة اخبار الاقتصار علی العادة ، لا یمکن حمله علی الاستحباب ، لأنّ استحباب ترک العبادة لا وجه له .

وفیه : ما ذکره من الحمل علی الإباحة ، لا یناسب مع صراحة أخبار الاستظهار بیوم واحد ، من تحریم المقاربة فیه ، ثمّ أنّه لا شاهد علی الخروج عنه وعن عدله ، فضلاً عن أنّه لا وجه لتقدیم حمل أخبار الاستظهار علی الاباحة ،

ص:37

دون أخبار الاغتسال .

هذا ، فضلاً عن الاختلاف فی المقدار ، للتردید فی أنّ الأمر عقیب توهّم الحظر هل یوجب الحکم بالاباحة ، أو غایته إجماله ، وعدم ظهوره فی الوجوب ، فلابدّ من الرجوع إلی ما یصلح للقرینة لأحد الطرفین؟

مضافاً إلی ما عرفت ، من رفع المنافاة بواسطة اثبات ظهور الأمر فی الوجوب فی أخبار الاستظهار بالنسبة إلی الیوم الأوّل ، والاستحباب التخییری بالنسبة إلی غیره ، لأجل وجود قرینة الحمل ، وهو التخییر فی لسان نفس الأخبار ، فلا یبقی وجه للحمل علی الاباحة ، بعد إمکان الجمع بینها بتفاوت المورد ، کما لا یخفی .

الوجه الثانی : ومنها ما ذکره صاحب «المدارک» واحتمله ، علی المحکی عن المحقّق المذکور ، حیث حمل أخبار الاستظهار علی ما إذا کان الدم بصفة الحیض ، وحمل أخبار الاغتسال بعد العادة ، علی ما لم یکن کذلک .

ولعلّه استفاد ذلک ممّا ورد من أنّ الصفرة بعد الحیض لیست من الحیض .

فیرد علیه بأنّ کلامه وإنْ وافق لسان بعض الأخبار التی وردت فی الصفات ، إلاّ أنّه لا یناسب مع لسان بعض آخر ، مثل حدیث سعید بن یسار ، عن الصادق علیه السلام : «عن المرأة تحیض ، ثمّ تطهر ، وربّما رأت بعد ذلک شیء من الدم الرقیق بعد اغتسالها من طهرها؟ فقال: تتطهّر بعد أیامها بومین أو ثلاثة أیام ، ثمّ تصلّی»(1) .

حیث قد أمر بالاستظهار عند خروج الدم الرقیق المتّصف بصفة الاستحاضة .

مضافاً إلی منافاة ما ذکره من الحمل ، مع ما فی مرسلة یونس القصیرة ، حیث قد جعل الصفرة والحمرة بعد أیام الحیض من الاستحاضة ، قال علیه السلام : «کلّما رأت


1- وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .

ص:38

المرأة أیام حیضها من صفرة أو حمرة ، فهو من الحیض ، وکلّما رأته بعد أیام حیضها ، فلیس من الحیض»(1) .

أی لیس من الحیض مطلقاً من الحمرة أو الصفرة ، بقرینة التقابل .

مضافاً إلی منافاة هذا الحمل مع أخبار التخییر بین الیومین أو الثلاثة ، کما ینافی مع أخبار الاستظهار بیوم واحد ، حیث أن تنافیه مع الأوّل کان بلحاظ أنّه لو کان بصفة الحیض فی الثلاثة ، فهو حیضٌ قطعاً ، بمقتضی الحمل ، لا تخییره بینهما وبین الیومین ، کما أنّ مقتضی الحمل أنّه علی فرض عدم کونه بصفة الحیض فی الیوم الواحد ، هو الحکم بالاستحاضة ، مع أنّ صراحة عدد من الاخبار کونه حیضاً تعییناً فی یوم واحد .

فما ذکره من الحمل مردودٌ من جهات عدیدة کما عرفت .

الوجه الثالث : هو الذی قد حُکی عن الوحید البهبهانی قدس سره ، ومال إلیه صاحب «الجواهر» ، علی ما نسبه إلیه المحقّق الآملی ، وارتضاه صاحب «الفقیه» ، وهو حمل الأخبار الدالّة علی عدم الاستظهار ، علی المرأة المستمرّة الدم المعبّر عنها بالمستحاضة ، وأخبار الاستظهار علی غیرها .

وقد استدلا علی هذا الوجه من الجمع بشهادة جملة من أخبار الطرفین علی ذلک ، فتختص اخبار الاقتصار علی العادة بالدورة الثانیة ، وأخبار الاستظهار بالدورة الأُولی .

ویرد علیه : مضافاً إلی منافاته مع کثیر من الأخبار الدالّة علی الاقتصار فی العادة بصورة المطلق ، لولا الظهور فی غیر المستمرّة ، مثل صحیحة زرارة الواردة فی النفساء ، وذیل مرسلة یونس الطویلة والقصیرة ، ومرسلة داود _ أنّه


1- وسائل الشیعة: الباب 4 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:39

ینافی مع أخبار التخییر فی الاستظهار بین الیومین أو الثلاثة ، لأنّه إذا کانت مستمرّة الدم فهی حائض فی کلّ الثلاثة ، لا أن تکون مخیّرة بینهما وبین الیومین ، فتقیّدها بغیر المستمرّة یحتاج إلی شاهد ، وهو مفقودٌ کما لا یخفی .

بل قد یدّعی فی بعض أخبار التخییر الواردة بالاحتیاط ، کونها واردة فی مستمرّة الدم ، مثل روایة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه ، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة ، أیطأها زوجها ، وهل تطوف بالبیت؟ قال: تقعد قرؤها الذی تحیض فیه ، فإن کان قرؤها مستقیماً ، فلتأخذ به ، وإنْ کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین . . .» الحدیث(1) .

وغیره من أخبار هذا الباب فی الجملة .

ووقفت علی حقیقة ما ناقشنا به کلام الوحید البهبهانی ، فإنّه من السهل حینئذٍ الإجابة عن الوجه الآخر المنسوب إلی «الحدائق» ، وهی :

الوجه الرابع : حمل أخبار الاستظهار علی من تتخلّف عادتها أحیاناً ، وأخبار الاقتصار علی العادة علی مستقیمة الحیض ، ولا منافاة بین کونها ذات عادة وبین من تتخلّف عادتها أحیاناً ، إذ المقصود اختلاف أیامها بالزیادة علیها أحیاناً ، بعد استقرار العادة علی عدد معیّن ، أو بالزیادة والنقیصة ، بناءً علی أنّ هذا لا یقدح فی بقاء العادة .

واستشهد لذلک بروایة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه ، المعروف بموثقة البصری ، لأنّ الأخبار الدالّة علی ذلک لیس منحصراً بخبر الموثّقة ، حتّی یجعل ذلک وجه الجمع للأخبار الکثیرة الواردة فی الاستظهار حتّی فی ذات العادة ، ومع ذلک حکم بالاحتیاط بیومین أو ثلاثة فلا یکون ذلک لخصوص من تتخلّف


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 8 .

ص:40

عادتها ، هذا أوّلاً .

وثانیاً: یحتمل کون روایة موثّقة البصری فی صدد بیان القسمین من ذات العادة ، بقوله : إن کان قرؤها مستقیماً) ، ومن القسم الآخر هو غیر ذات العادة بقوله : «وإنْ کان فیه خلاف» ، لا تقسیم ذات العادة إلی المستقیمة وغیرها ، کما ذکره صاحب «الحدائق» ، فإذا جاء الإحتمال ، فإنّه یکفی فی المنع عن الاستدلال .

الوجه الخامس : ما ارتضاه الشیخ الأعظم فی «الطهارة» ، من حمل أخبار الاستظهار علی مراجعة الانقطاع ، وأخبار الاغتسال علی غیرها ، مستدلاًّ بما ورد فی بعض الأخبار من الاستظهار ، مثل قوله : فإنْ رأت طهراً ، أو انقطع الدم اغتسلت ، وان لم ینقطع فهی مستحاضة» .

وبما فی بعض الأخبار من التعبیر بالانتظار ، أو بالاحتیاط بدل الاستظهار ، الظاهر فی کون الدم حیضاً بسبب انقطاعه قبل العشرة .

وبأنّ الاستظهار عبارة عن طلب الظهور فی الحال ، بکون الدم حیضا أم لا ، ولا معنی لطلبه مع الیأس عن الانقطاع ، إذ مع العلم بالبقاء إلی ما بعد العشرة ، تعلم بأنّ ما فی العشرة _ بعد أیام العادة _ لیس حیضاً قطعاً .

هذا بالنسبة إلی أخبار الاستظهار .

وأمّا بالنسبة أخبار الاغتسال ، فإنّها واردة فی مورد المرأة التی تری الدم ، ثمّ یغلب علی ظنّها بعد حصول الطهر بالصبر یوماً أو یومین .

أقول : هذا الجمع حسنٌ بالنسبة إلی غیر الیوم الواحد من یومین أو ثلاثة إلی العشرة ، حیث یصحّ لزوم الاستظهار لمن ینتظر راجیا القطع ، حیث یحکم بحیضیّة جمیع الأیام ، إلاّ أنّه بالنسبة إلی الیوم الواحد بعد العادة ، لابدّ من أن یحکم بإلحاقه بالحیض ، والدلیل علی ذلک مضافاً إلی وجود الاستصحاب ، والأصل ، غلبة الالحاق فیه _ لکونه أقرب إلی ایام العادة _ ممّا یجعل احتمال

ص:41

الحیضیّة فیه أقوی من غیره هو دلالة ظهور الأخبار علی کون الاحتیاط فیه الزامیّاً .

هذا ، بخلاف غیره من سائر الأیام ، حیث یصیر احتمال بقاء الحیض ضعیفاً ، فیصحّ فیه حکم الاستظهار بالتخییر ، کما نصّ علیه فی بعض النصوص ، غایة الأمر إنْ انقطع قبل العشرة ، فیحکم بالحیضیّة لظاهر الشرع ، فتاتی المرأة بوظیفتها ، وإنْ لم ینقطع ، فتنکشف حیضیّتها لیوم واحد بعد العادة ، ویکون الباقی استحاضة ، وإنْ کان العمل بالوظفتین فی جمیع الأیام ، غیر الیوم الواحد ، أحسن وذلک عملاً بالاحتیاط ، کما أشار إلیه السیّد فی «العروة» وساعدناه فیه .

الوجه السادس : ما فی رسالة المحقّق الخراسانی قدس سره ، علی المحکی فی «مصباح الهدی» وقد مال إلیه واستقرّ علیه ، حیث قال أخیرا بعد نقل کلامه: وهذا الجمع عندی قریب لا بأس به .

قال الخراسانی : «إنّ أخبار الاستظهار بین ماهی ظاهرة فی اختصاصها بالدورة الأُولی ، عند تجاوز الدم عن العادة ، مع رجاء انقطاعه لدون العشرة ، علی ما استفاده الشیخ قدس سره ، وبین ما تدلّ بعمومها علی ذلک .

وأخبار الاغتسال أیضاً دائرة بین ما هی بظاهرها تدلّ علی الاغتسال ، بعد العادة فی الدورة الثانیة ، وبین ما تدلّ بعمومها علی ذلک ، ولا تعارض فی القسم الأوّل فی کلّ منهما ، کما لا یخفی ، وفی القسم الثانی من کلّ منهما _ أعنی ما تدلّ من أخبار الاستظهار بعمومها علی الاستظهار فی الدورة الأُولی ومن أخبار الاغتسال بعمومها علی الاغتسال فی الدورة الثانیة _ لا شبهة أنّ ما فی ظرف أخبار الاستظهار أظهر فی الدالالة علی الاستظهار فی الدورة الأُولی . وفی أخبار الاغتسال أظهر فی دلالة الاغتسال بعد العادة فی الدورة الثانیة ، فیرفع الید عن عموم کلّ واحد منهما ، باختصاص أخبار الاستظهار بالدورة الأُولی لأظهریّتها فی ذلک ، ورفع الید عن ظهورها بعمومها فی غیر الدورة الأُولی لأظهریّة أخبار

ص:42

الاغتسال فی غیر الدورة الأُولی ، فیرفع الید عن ظهورها بعمومها فی الدورة الأُولی» ، إنتهی(1) .

أقول: لا یخفی علیک أن کثیراً من الأخبار فی الطرفین خالٍ عن ذکر قید الدورة من الأُولی أو الثانیة ، بل المذکور فیها بیان حکم المرأة بعد أیام العادة ، فحمل کلّ واحد منهما علی ما هو الاظهر عرفاً ، ورفع الید عن الظاهر أمرٌ حسن ، ولکنّه لا یناسب مع ما هو المشتمل علی التخییر بین الیومین أو الثلاثة فی الاستظهار ، من حملها علی خصوص الاغتسال ، فإنّه لا یخلو عن بعد ، لأنّه خلاف ظاهر لفظ الاستظهار الذی قد استعمل فی الأخبار المتعلّقة بالاستظهار .

مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا هذا التفصیل ، فإنّه لابدّ أن یکون فی غیر الواحد ، لما قد عرفت من أنّ أخباره آبیة عن التخصیص بمثل هذا لظهورها فی التعیین علیه وجوباً ، مع ما عرفت فیه .

اللّهمّ إلاّ أن یدّعی کون الجمع المذکور عرفیّاً ، وهو غیر معلوم ، کما لا یخفی .

الوجه السابع : هو ما ذکره صاحب «الجواهر» علی المحکی فی «مصباح الهدی» ، من حمل أخبار الاغتسال بعد انقضاء العادة علی ما عدا أیام الاستظهار ، وحمل أیام الحیض الواردة فی أخبار الاستظهار ، علی ما یعمّ أیام الاستظهار ، بجعل الأیام المحتملة کونها من الحیض بحسب الحکم الظاهری من أیام الحیض . إنتهی کلامه(2) .

أقول: إنّ هذا الجمع وإنْ کان یساعده استصحاب بقاء الحیض ، وقاعدة الإمکان _ لو قلنا بها _ فیکون حال تلک الأیام فی الاستظهار ، کحال أیام النقاء


1- مصباح الهدی: 4 ، 509 .
2- مصباح الهدی: 4 ، 509 .

ص:43

المتخلّلة فی أثناء العشرة ، حیث قد افتینا بکونها ملحقة بالحیض ، إلاّ أنّ هذا الإشکال واردٌ فی وجود کثیر من الأخبار الدالّة علی لزوم جعل الیوم الواحد من الحیض لا مطلقاً ، مع وجود أخبار أخری کثیرة ، من جعل غیر الیوم الواحد بعد العادة من الاستظهار بصورة التخییر بیومین أو ثلاثة ، حیث لا یناسب ذلک مع تعیین کونه حیضاً ، فلابدّ من ملاحظة حال هذه الأخبار بالجمع مع أخبار الاغتسال ، علی جواز الاستظهار ، وترک الاغتسال فی غیر الیوم الواحد .

وهذا هو الذی اخترناه ، وعلیه السیّد فی «العروة» ، وکثیر من أصحاب التعلیق . مضافاً إلی أنّ حمل أخبار الاغتسال علی بعد أیام الاستظهار ، قد یوافق مع کونه بعد العشرة ، ففی مثل ذلک لا إشکال فی کونه خارجاً عن أیام الحیض ، إذ لولا هذه الأخبار ، لکان الحکم کذلک ، لقیام الإجماع والأخبار المستفیضة _ بل المتواترة _ علی أنّ نهایة ایام الحیض لا تکون إلاّ عشرة ، مع أنّ أکثر أیام العادة وأغلبها فی النساء هو سبعة أیام ، فأیام الاستظهار بالثلاثة یخرجها عمّا یحکم بکونها حیضاً ، کما لا یخفی .

فهذا الجمع وإنْ کان فی الجملة أحسن ممّا تقدّم ذکره ، إلاّ أنّه لا یتّفق مع لسان بعض الأخبار ، کما أشرنا إلیه .

الوجه الثامن : وهو حمل أخبار الاغتسال بعد العادة ، علی التقیّة ، لموافقتها لمذهب الجمهور عدا مالک ، بناء علی أنّ حمل الأخبار علی التقیّة ، لا یتوقّف علی کون الخبر موافقا لقول جمیع متفقهة العامّة ، کما قد ذکر فی محلّه .

وجه ضعفه: أنّه علی فرض التسلیم لهذا البناء ، فإنّما یرجع إلی قاعدة اصالة الجهة ، وکونها محمولاً علی التقیّة أم لا ، إذا لم یمکن الجمع الدلالی بین الأخبار وأمّا إذا فرضنا إمکانه _ کما فی المقام _ فلا داعی لنا علی هذا الحمل ، کما لا یخفی .

أقول : المتحصل من جمیع ما ذکرنا ، هو الجمع بین الطائفتین من الأخبار ،

ص:44

بحمل أخبار الاستظهار علی الیوم الأوّل تعینیّاً والزاماً ، والحاقه بالحیض ، ویترتّب علیه آثاره من لزوم ترک ما یحرّم علی الحائض من العبادات وغیرها ، فی غیر الیوم الأوّل بصورة التخییر ، من تجویز الاستظهار بالیومین أو الثلاثة ، کما یجوز له ترک الاتیان بالاغتسال .

کما أنّه لا إشکال حینئذ فی أصل مشروعیّة الاستظهار إلی الثلاثة ، والعمل بالاحتیاط من الجمع بین الوظیفتین .

فیظهر ممّا ذکرنا ضعف احتمال حمل التردّد بیومین أو ثلاثة أو أزید إلی العشرة ، علی التردید بالنسبة إلی اختلاف خروج دم النساء من قوّة المزاج وضعفه ، وحرارته وبرده ، کما احتمله صاحب «الجواهر» ، لأنّه لا یناسب ذکر ذلک التردید بالنسبة إلی المرأة الواحدة ، التی ترید أن تعرف وظیفتها فتسأل حکمها من الإمام علیه السلام ، فلا یوجب ذکر التردید لمثلها إلاّ زیادة الحیرة والتردید لها ، کما لا یخفی لمن کان له درایة بتصرفات معاشر الناس فی مثل هذه المسائل العویصة التی کثر الابتلاء بها .

وهکذاصارت المسألة لذات العادة التی تستمر الدم عندها بعد العادة بیوم أو یومین أو ثلاثة واضحة، فلا حاجة إلی مزید بیان من حیث تدافع الأخبار والنصوص.

فالی هنا قد ظهر حکم المقامین:

المقام الأوّل: البحث عن تعیین الوجه من الوجوه المحتملة المذکورة.

والمقام الثانی: البحث عن جهة الحکم من حیث الوجوب والندب والاباحة.

وقد عرفت أنّ الأقوی عندنا کون الاستظهار بالنسبة إلی الیوم الأوّل وجوبیّاً ، وبالنسبة إلی غیره ندبیّاً ، وإنْ کان حسن الاحتیاط إلی العشرة لا یخلو عن وجه وجیه ، واللّه العالم .

هذا تمام الکلام بالنسبة إلی تدافع النصوص .

ص:45

بقی هنا بیان مقتضی الأصل والقواعد ، لو لم نقل بالجمع الذی المذکور ، إذا فرضنا بقاء التدافع والتعارض فی النصوص .

فنقول : لابدّ أن یلاحظ ذلک ، تارة: علی فرض کون العبادات محرّمة علی الحائض حرمة تشریعیّة .

وأُخری : هی محرمة علیها حرمة ذاتیّة .

فأمّا علی الأوّل : إنْ قلنا فی مثل المقام بوجود قاعدة الامکان ، أو استصحاب بقاء الحیض ، فلا إشکال حینئذ فی الحکم بکونه حائضاً ، وأنّه تحرّم علیها العبادات .

وأمّا إذا لم نقل بجریان قاعدة الإمکان _ کما عرفت الإشکال فیها فی محلّه _ ولم نقل بجریان الاستصحاب ، لأجل کونه من الأُمور التدریجیّة مثلاً ، ولم نلتزم بالجواب الذی ذکرناه فی محلّه ، فلازم الأصل حینئذ فی المقام بعد ذلک هو جریان اصل البرائة ، لأجل کونه شکّاً فی أصل التکلیف ، لأنّها کانت قبل ذلک متیقنة بترک العبادات ، والآن تشکّ فی کونها مکلّفة بإتیان العبادات أم لا؟ فالأصل هو البرائة عن أداء هذه العبادات .

لا یقال : إنّها قبل ذلک کانت مکلّفة بحرمة العبادات فعلیها أن تستصحب ذلک ، فیحکم حینئذ ببقاء ذلک ، فیترتّب علیها حکم الحیض .

لأنّا نقول : إنّه لو قصد من اجراء هذا الأصل فی حرمة العبادات ، الحکم بأنّها حائض ، فهذا یعدّ من الأُصول المثبتة ، لأنّ الحکم بذلک لیس إلاّ للعقل لا الشرع ، والأصل المثبت لیس بحجّة .

وإنْ أُرید اثبات حرمة العبادات علیها من دون اثبات حیضٍ ، فیرد علیه بأنّه إمّا تکون قاطعة بعدم وجودها فی حقّها _ مثل فترة النفاس التی تحرم علیها العبادات _ أو تعلم أنّه لیس فی الدین ما یحرّم علیها من العبادات ، دون الحیض الذی لم یثبت علیه بالأصل ، فلا محیص من أجراء البرائه ، کما لا یخفی علی المتأمّل .

ص:46

فان استمرّ إلی العاشر وانقطع ، قضت ما فعلته من صوم (1).

وأمّا علی الثانی : وهو القول بالحرمة الذاتیّة ، ففی مثل المقام یدور الأمر فی تلک الأیام بین المحذورین ، لأنّها تعلم إجمالاً بوجود أحد الأمرین ، من وجوب الاتیان بالعبادات أو ترکها ، فحینئذ یجب الأخذ بأقوی الاحتمالین أو المحتملین أن کان _ کما قیل بأنّ جانب الحرمة أقوی ، لأنّ دفع المفسدة أقوی من جلب المصلحة _.

وإن لم نقل بذلک ، وکان الاحتمال والحمل فیها علی التساوی _ بناء علی عدم قبول ما قیل ، کما حُقّق فی محلة _ فلابدّ حینئذ من القول بالتخییر بین بالفعل أو الترک . والأقوی کون هذا التخییر _ علی القول به _ تخییراً استمراریّاً ، فیکون المکلّف مخیّراً فی کلّ زمان بین الأخذ بأحدهما ، وإنْ استلزم مختاره فی زمان أمراً مخالفاً لما اختاره فی زمان آخر .

ولکن الذی لابدّ أن یتذکّر فی المقام ، هو أنّه کلّما امتد تجاوز الدم عن العادة ، یقوی احتمال کونه استحاضة ، ویضعف احتمال کونه حیضاً ، فالمتعیّن علی ما عرفت _ عند اقوائیّة احتمال التحیّض مثل الیوم الأوّل _ هو الحکم بکونه حیضاً ، ویقدّم هذا علی الآخر ، بعکس الأمر فی الیوم الثالث وبعده ، من البناء علی الطهارة ، لقوّة احتمالها علی آخر ، کما لا یخفی .

(1) بعدما عرفت من لزوم الاستظهار بیوم أو یومین أو أزید ، لزوماً أو ندباً أو اباحة ، علی حسب الأقوال ، فانه لا یخلو حال المرأة بالنسبة إلی استمرار الدم ، أمّا أن یستمر إلی یوم العاشر ، أو یکون أقلّ منه وینقطع ، فیکشف بقطعه کون مجموع هذه الأیام کان دم حیض و کانت هی حائض ، فتعلم أنّ ما أتی بها من الأعمال _ مثل الصوم _ کان فاسداً ، فتجب علیها قضائه ، واما صلاتها فی هذه الفترة فهی فاسدة ، فلا قضاء لها إذ لا صلاة فی فترة الحیض .

ص:47

وإنْ تجاوز ، کان ما أتت به مجزءاً (1).

ولا منافاة بین هذا الحکم _ أی حکمه بکونها حیضاً _ مع ما ورد فی الأخبار بأنّها بعد ما استظهرت بیوم أو یومین ، فهی مستحاضة ، لکون هذه الأخبار مسوّقة لبیان حالهاوتکلیفها فی مقام العمل ، لا أنّها مستحاضة حقیقیّة ، حتّی ینافی مع الحکم بکونها حائضاً بعد الانقطاع قبل العشرة ، بل وفیها أیضاً قبل أن یتجاوز عنها .

فی أحکام الحیض / حکم أعمالها أیّام الاستظهار

والحکم بکون تمام هذه الفترة حیضاً ، ممّا لا خلاف فیه ، کما عن صاحب «الجواهر» بقوله : لا خلاف أجد عندهم فی ذلک ، وبه صرّح المصنّف ، والعلاّمة والشهیدان والمحقّق الثانی وغیرهم .

بل قد یظهر من بعضهم دعوی الاجماع علیه ، کما هو صریح آخر .

ولکن مع ذلک کلّه نری توقّف صاحب «المدارک» فیه ، وتبعه بعض من تأخّر عنه ، کصاحب «المفاتیح» و«الحدائق» .

واعترف به فی «الریاض» مستدلاًّ بأنّه لا دلیل علی الحکم بکونها حیضاً ، بل ظاهر الأخبار الواردة فی الاستظهار ، الحکم باستحاضة ما بعدها ، حتّی لو انقطع علی العشرة .

ولکن قد عرفت الجواب عن هذه الأخبار ، وعدم وجود التنافی بین الأوّل بکونها حیضاً ، مع القول بکونها مستحاضة ظاهرة حتّی تنکشف حالها ، إذ المستفاد من الأخبار هو مجرد الاستظهار ، کما لا یخفی علی من راجع الأخبار وتأمّل فیها .

(1) أی لوتجاوز الدم العشرة تکون التکالیف الصادره منها، من الصلاة والصوم مجزءة، لأنّ بالتجاوز یکشف کون جمیع أیام الاستظهار مستحاضة ،

ص:48

والتکالیف علیها منجزة ، فلا وجه لاحتمال عدم الاجزاء والصحّة ، إلاّ من جهة عدم الجزم فی النیّة ، فی حال العبادة ، وهو غیر معتبر مطلقاً ، کما هو الأقوی عندنا ، وعند المتأخّرین ، أو لا أقل فی صورة التعذّر ، ومنه هذا المقام .

نعم ، علی القول بوجوب الاستظهار إلی العشرة ، بلزوم ترک الصلاة والصوم علیها ، فإنّها لم تأت بشیء ، حتی یکون مجزءاً ، کما صرّح به صاحب «الجواهر» ، حیث قال فی ذیل عبارة المصنّف ، بأنّ کان ما اتت به مجزءاً : وعلی المختار ، لا تأتی بشیء حتّی یکون مجزءاً .

وقال بعده : «علی کلّ حال ، فالظاهر أنّه یجب علیها قضاء ما ترکته فی أیام الاستظهار من الصلاة ، کما فی «المنتهی» و«الذکری» و«الدروس» و«البیان» و«جامع المقاصد» و«الروض» وغیرهم ، وهو المشهور نقلاً وتحصیلاً ، بل لعلّ لا خلاف فیه ، سوی ماعساه یظهر من المنقول عن العلاّمة فی «النهایة» ، حیث استشکل فی وجوب القضاء ، لمکان عدم وجوب الاداء ، بل حرمته بناءً علی وجوب الاستظهار ، ومن صاحب «المدارک» ، حیث توقف بل استظهر عدمه ، وتبعه بعض من تأخّر عنه ، لظهور أدلّة الاستظهار فی عدم وجوب قضاء ما فاتها فیه ، وأنّها کالحیض ، والیه مال الفاضل فی «الریاض»» .

ولکن الجواب یظهر بالتأمّل : إذ لا منافاة بین وجوب الاستظهار ، مع وجوب قضاء ما فات ، لأنّ وجوبه بذلک کان بحسب الظاهر من حیث الالحاق بالحیض ، أو بالاستحاضة ، ولا ینافی مع کونه فی الواقع ملحقأ بهما من الحیض _ لو انقطع قبل العشرة _ أو فیها ومن الاستحاضة لو تجاوز عنها .

بل ربّما یقال : إنّ وجوب الاستظهار لا ینافی مع الاتیان بالصلاة أو الصوم أحتیاطا ، حتّی تظهر لها ، لأنّ الاستظهار لیس معناه إلاّ ظهور حالها ، بانطباق أحد العنوانین ، فی استمرار الدم وتجاوزه ، وعدمه ، حیث أنّه إذا أتی بالعبادات ،

ص:49

الرابعة : إذا طَهُرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغُسل ، علی کراهیّةٍ (1).

ثمّ انکشف تطابقه مع ما فعلت بکونها مستحاضة ، فکانت مجزئة ، ولا تحتاج إلی الاعادة والقضاء ، کما لا یخفی .

فلا نحتاج فی مثل ذلک إلی القول بأنّه لا أداء لها ، حتّی تجب علیها القضاء ، حتّی یجاب بما قد أجاب عنه صاحب «الجواهر قدس سره » ، بأنّ عدم وجوب الاداء أو حرمته ، لا یقتضی سقوط القضاء ، لکونه بفرض جدید .

لما قد عرفت من عدم المنافاة بین وجوب الاداء علیها ، مع وجوب الاستظهار ، فضلاً عن استحبابه أو اباحته ، کما لا یخفی .

وتوهم عدم وجوب القضاء علیها ، لأنّها کانت مأمورة بالترک فی تلک المدّة علی القول بوجوب الاستظهار ، فلا یستتبعها القضاء .

مندفعٌ ، بعد تسلیم عدم امکان الجمع بین وجوب الاداء ، ووجوب الاستظهار ، بمعنی الأمر بالترک .

اقول : برغم ذلک لا ینافی ذلک مع الحکم بوجوب القضاء ، لما تری مشابهته فیما إذا رأت الدم یوماً أو یومین فی ابتداء عادتها ، فترکت عباداتها ، ثمّ انقطع قبل الثلاث ، فإنّها تقیّدها جزماً ، کما فی روایة یونس المعلّلة بعدم کونها حائضا ، فمقتضی عموم هذه الروایة من حیث التعلیل استفادة الحکم أیضاً فی مرحلة الانتهاء ، کما فی المقام ، فتصیر هذه الروایة شاهدة للمطلوب ، واللّه العالم .

(1) البحث عن حکم الوط ء قبل الغُسل للمرأة التی کانت حائضاً _ حرّة کانت أو أمة _ ثمّ طهرت عن الحیض طهارة کاملة ، وأنّه هل یجوز لزوجها أو لسیّدها وطوئها قبل الغُسل أم لا یجوز له ذلک الاّ بعد الغُسل؟

یکون علی قولین : قولٌ: بالجواز مع الکراهة ، وهذا هو الذی أدّعی فیه

ص:50

صاحب «الجواهر» : «بلا خلافٍ متحقّق أجده ، بل علیه الإجماع فی «الخلاف» و«الانتصار» و«الغنیة» وظاهر «السرائر» و«التبیان» و«مجمع البیان» و«أحکام» الراوندی ، بل وأکثر المتأخّرین بل جمیعهم» .

وقول آخر : علی احتمالٍ للصدوق فی «الفقیه» و«الهدایة» و«المقنع» ، حیث قد نُسب المنع إلیه ، کما عن «المختلف»

ولکن حیث ذکر ذلک أوّل کلامه ، ثمّ ذکر بعده أنّه إنْ کان الزوج شبقاً أو مستعجلاً ، وأراد وطأها قبل الغُسل ، أمرها أن تغسل فرجها ، ثمّ له أن یجامعها .

قیل أن حکمه هذا یفید ارادة شدّة الکراهة ، إذ لا معنی بتجوز ذلک بمیل الزوج وشبقه ، إذا کان أصل العمل حراماً .

ولکن یحتمل انحصار الجواز عنده فی خصوص ذلک ، لما ورد فیه نصّ خاص ، وهو مثل ما ورد فی صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : «فی المرأة ینقطع عنها الدم ، دم الحیض فی آخر أیامها؟ قال: إذا أصاب زوجها شبقٌ ، فلیأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ یمسّها إنْ شاء ، قبل أنْ تغتسل(1)» .

وروایة إسحاق بن عمّار ، قال: «سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجلٍ یکون معه أهله فی السفر فلا یجد الماء ، یأتی أهله؟ فقال: ما أحبُّ أن یفعل ذلک ، إلاّ أن یکون شبقاً ، أو یخاف علی نفسه(2)» .

فی أحکام الحیض / حکم وطیها قبل الغسل إذا طهرت

فان الخبر أدل علی الکراهة منها علی الحرمة ، لاشتمالها علی ما یصلح للقرینیّة فی ذلک ، من قوله : «یمسّها إنْ شاء» . وکذا فی الروایة الثانیة من قوله علیه السلام : «ما أحبّ أن یفعل ذلک» .

فیتعیّن الحمل علی خفة الکراهة ، مع وجود الشبق أو الخوف أو افتتناها


1- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 1 و2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 1 و2 .

ص:51

معهما ، أو مع أحدهما . فبناءً علی ذلک ، لا یصلح مثل هذین الخبرین لتقیید بعض المطلقات ، الذی سنذکره فی جواز الجماع مطلقاً ، أیّ بلا تقیید بأحد القیدین ، فلا بأس بذکر نصوصه وهی :

منها : مثل روایة ابن بکر ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : «إذا انقطع الدم ، ولم تغتسل ، فلیأتها عند ذلک زوجها إنْ شاء(1)» .

منها : روایة عبد اللّه بن المغیرة ، عمّن سمعه ، عن العبد الصالح علیه السلام : «فی المرأة إذا طهرت من الحیض ، ولم تمسّ الماء ، فلا یقع علیها زوجها حتّی تغتسل ، وإنْ فعل فلا بأس به» .

وقال تمسّ الماء أحبّ إلیّ(2)» .

مع عدم ندرة القائل بالتفصیل إلاّ عن الصدوق .

مضافاً إلی العموم والإطلاق الدالین علی إباحة الوطی فی الکتاب والسُنّة ، حیث قد خرج منها ما خرج _ وهو حالة الحیض والنفاس وغیرهما _ ممّا یدلّ الدلیل علی المنع .

بل لا یجوز الدقّة فی الآیة الواردة فی النهی عنه حال الحیض ، من قوله تعالی : «فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فی المَحِیْض»(3) ، عن الدلالة بکون الممنوع هو المسّ ، حال تلبّسها بهذه الصفة ، لا ما کانت باقیة علیها قبل الغُسل ، مع أنّ الأصل أیضاً یقتضی الجواز ، للشکّ فی التکلیف بالنسبة لما بعد قطع الدم .

ولا یجری هنا استصحاب بقاء المنع ، لأنّه تابعٌ لصدق موضوع الحیض ، وقد عرفت انتفائه بعد قطع الدم .


1- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 3 ، 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 3 ، 4 .
3- سورة البقرة: آیة 222 _ 223 .

ص:52

مع أنّ نفس التعلیق علی الشبق ، لا یخلو عن إشعار علی الکراهیّة .

فبعد وجود هذه الأدلّة ، مع الشهرة ، أو الإجماع احتمالاً ، لا یقاوم المعارضة مع هذه ، مثل ما فی موثقة أبی بصیر ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «سألته عن امرأة کانت طامثاً ، فرأت الطهر ، أیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل؟

قال: لا ، حتّی تغتسل .

قال: وسألته عن امرأة حاضت فی السفر ، ثمّ طهرت ، فلم تجد ماء یوماً وأثنین ، أیحلّ لزوجها أن یجامعها قبل أن تغتسل؟

قال: لا یصلح حتّی تغتسل» .

وروایة سعید بن یسار ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «قلت له : المرأة تحرم علیها الصلاة ، ثمّ تطهر ، فتتوضّأ من غیر أن تغتسل ، أفلزوجها أن یأتیها قبل أن تغتسل؟ قال: لا ، حتّی تغتسل» .

حیث یدلّ ظاهرهما علی عدم الجواز .

ولکن لابدّ من ان یحمل أمّا علی النفی _ دون النهی _ لأنّه حینئذ هو الإباحة بالمعنی الأخصّ ، فکأنّه یحکی عنها أنّها لا تفعل ، ذلک حتّی تغتسل فلا ینافی فی الجواز المستفاد من الأخبار السابقة .

أو یحمل علی التقیّة ، لذهاب العامّة الی عدم الجواز ، وکون الرشد فی خلافهم . أو یحمل علی الکراهة ، بالتصرّف فی الهیئة ، جمعاً بینها وبین الأخبار السابقة ، کما قد یؤیّد دلک وجود قوله : «لا یصلح» فی خبر أبی بصیر ، المشعر بالکراهة ، حیث لا یطلق بمثلها إلاّ لذلک .

واحتمال کون المراد من الاغتسال ، هو غَسل فرجها ، کما قد أشار إلیه فی خبری صحیح ابن مسلم وإسحاق بن عمّار .

لا یخلو عن بُعد ، لندرة مجئ افتعال علی معنی الفعل .

ص:53

اللّهمّ إلاّ أنْ یحمل علیه علی خلاف الظاهر ، اللازم ارتکابه ، فله وجهٌ ، ولکن لو سلّمنا لزوم غَسل الفرج قبل الجماع ، ولکنّه أوّل الکلام ، کما لا یخفی .

ثمّ قد استدلّ لجواز الوط ء بعد الانقاء ، حتّی ولو لم تغتسل ، بمفهوم قوله تعالی: «وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ»(1) ، بتخفیف یَطْهُرنَ ، کما عن القرّاء السبعة(2) ، حیث أنّ ظاهر هذه القرائن ، هو النقاء من الحیض ، المؤیّد بما یشعر به لفظ (المحیض) فی السابق ، وعدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة فی لفظ (الطهر) بالنسبة الی الکتاب ، بأن یکون المراد منه هو الطهارة الشرعیّة مثل الغُسل وغیره .

نعم ، قد یتوهّم معارضة هذا الاحتمال ، مع قراءة التشدید ، فی ذیل الآیة المذکورة ، حیث قال عزّ وجلّ: «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ أَمَرَکُمُ اللّه ُ»(3) .

بل وإمکان دعوی إرجاع قراءة التخفیف إلیها ، بأنّ المراد من الطهارة فی الآیة السابقة هو الاغتسال ، کما أُرید ذلک من آیة الجنابة ، فی قوله تعالی: «وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا»(4) ، حیث قد ورد الفعل بصورة باب تفعّل ، کما فی المقام کما لا یخفی خصوصاً ، بناءً علی ثبوت الحقیقة الشرعیّة .

ولکن یمکن الجواب عن ذلک أوّلاً: إذا فرضنا صحّة قراءة الآیة مخففةً ، وکون


1- سورة البقرة: آیة 222 .
2- القرّاء السبعة هم: حمزة بن حبیب الزیّات ، عاصم بن أبی النجود ، علی بن حمزة الکسائی (من الکوفة) ، أبو عمرو بن العلاء (من البصرة) ، ابن عامر (من الشام) ، نافع بن عبد الرحمن (من المدینة) عبداللّه بن کثیر (من مکّة) . انظر السبعة فی القراءات / 182 ، وحجّة القراءات / 134 _ 135 ، والحجّة للقراءات السبعة لأبی علی الفارسی:2/321 ، والتذکرة فی القراءات:2/333 .
3- سورة البقرة: آیة 222 .
4- سورة المائدة: آیة 6 .

ص:54

المراد الظاهر منها هو الطهارة بالنقاء لا الاغتسال ، فیصیر ذلک قرینة لإرجاع قراءة التشدید الیه أمّا بالتصرّف فی أصل المعنی ، بأن یرجع باب تفعّل إلی فعل ، کما ادّعی أنّه یقع فی الاستعمالات ، کما اشار إلیه صاحب «الجواهر» من جواز الاستعمال کلمة (تطعمتُ) بمعنی طعمت .

قیل : ومنه المتکبّر فی اسماء اللّه ، بمعنی الکبیر .

أو بکون المراد ، وإنْ کان هو التطهّر بمعنی الاغتسال ، إلاّ أنّه أتی به لأجل کون الغالب وقوع الجماع فی الخارج بعد الاغتسال ، فلا ینافی ذلک مع کون المراد من الطهارة فی الأُولی هو النقاء ، وکونه کافیا فی جواز الجماع .

أو بحمل النهی عن المقاربة علی مطلق المرجوحیّة ، التی هی أعمّ من الکراهة والحرمة ، علی عموم المجاز ، حتّی یناسب مع القرائتین ، ویراد بالمعلّق فی قوله تعالی: «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ»الاباحة ، بمعنی الأخصّ .

هذا کما عن «الجواهر» .

ولکن الانصاف عدم تمامیّة هذا الحمل ، لأنّ النهی عن المقاربة وقع بعده الطهارة _ بمعنی النقاء _ لا یخلو عن کونه مشمولاً بأحد الحکمین ، إمّا الحرمة أو الکراهة ، فإن اختار الأُولی ، فکأنّ حکم الحرمة بعد النقاء کحرمته قبله ، فلا کراهة .

وان اختیر الثانیة ، فیبقی حکم الکراهة بعد النهی حینئذ فقط ، فلا یشمل لحکم حال قبل ورود النهی من المحیض ، الذی کان حراماً .

فاستعمال النهی فی مطلق المرجوحیّة _ حتّی ینطبق علی الحرمة لما قبل النقاء ، والحرمة لما بعده ، نظیر ما قیل فی غُسل یوم الجمعة والجنابة _ غیر مناسب هنا ، لاختصاص قوله تعالی : «حَتّی یَطْهُرْنَ» بأحد المعنیین ، فلا یشمل کلیهما حتّی یکون مثل حکم الغُسل ، یشمل کلیهما بنحو عموم المجاز ، فتأمّل .

وثانیاً: لو اغمضنا عمّا ذکرنا ، وقلنا ببقاء کلاً من لفظی «یَطْهُرنَ»بالتخفیف

ص:55

علی معنی النقاء ، و (التطهّر) بالتشدید علی الاغتسال ، وبقاء التعارض فی الصدر والذیل ، ولزوم اختیار أحدهما ، مثل تعارض الخبرین الذین لابدّ من الأخذ بأحدهما ، فیلزم وینتج حینئذ حکم التخییر بینهما ، فهو یوافق المطلوب من جواز الجماع حتّی قبل الغُسل إن ذهبنا الی اعتبار قراءة التخفیف ، کما لا یجوز الأخذ بالتشدید ، فلا یجوز له الوطی إلاّ بعد الاغتسال ، وکان حکم التخییر استمراریّاً ، لا منوطاً بالأخذ بأحدهما ، فسیقط الآخر عن الأخذ بعده .

لکنّه أیضاً لیس علی ما ینبغی ، لأنّ الأخذ بکلّ واحد ینافی الآخر ، فلازم التعارض هو التساقط ، والرجوع إلی دلیل آخر معیّن لأحدهما ، لا أن یرجع إلی التخییر ، لأن الأخذ بهذا النحو یوجب سقوط الآخر أو تأویله علی غیر ظاهره ، فکیف یمکن الأخذ بها مع التخییر ، بلا ارتکاب خلاف الظاهر ، کما لا یخفی .

وربّما قیل : بحمل قراءة التشدید علی أرادة غَسل الفرج ، فیصیر المعنی حینئذ أنّه لا یجوز الوط ء ، إلاّ بعد غَسل الفرج ، لا بعد الاغتسال ، فیکون علی هذا صیغة تفعل بمعنی فعل .

وهو علی فرض التسلیم ، مبنیٌ علی القول باشتراط حلیّة الوط ء علی غَسل الفرج قبل ذلک ، کما هو صریح «الغنیّة» ، وظاهر «الخلاف» و«المبسوط» وغیرهما ، بل نقل فی «کشف اللثام» عن ظاهر الأکثر ، بل قد یستشعر من روایة محمد بن مسلم ، حیث کان فیها : «إذا أصاب زوجها شبقٌ فلیأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ یمسّها إنْ شاء قبل أنْ تغتسل(1)» .

وروایة أبی عبیدة ، قال: «سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المرأة الحائض ، تری الطهر وهی فی السفر ، ولیس معها من الماء ما یکفیها لغسلها ، وقد حضرت


1- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:56

الصلاة؟ قال : إذا کان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ، ثمّ تتیمّم وتُصلّی . قلت : فیأتیها زوجها فی تلک الحال؟ قال: نعم إذا غَسلت فرجها وتیمّمت فلا بأس(1)» .

ولکن قد یمکن أن یناقش فی أصل دلالة الخبرین علی وجوب ذلک .

أمّا حدیث محمد بن مسلم، حیث أنّه قد جعل الأمر بالغَسل منوطاً ومشروطاً بشبقة الزوج ، مع أنّه لو کان أمراً واجباً بنفسه ، یحرم الجماع دون أن تغتسل ، لکان الأجدر به أن یحکم بوجوب غسله مطلقاً ، وقد عرفت أن نفس هذه العبارة تومی إلی عدم کون الجماع بلا غُسل وغَسل حراماً ، خصوصاً فی مثل روایة عبیدة ، حیث قد یمکن أن یکون وجه وجوب غَسل الفرج هو لتحصیل طهارة الفرج عن الخبث للصلاة ، فلا ینافی ذلک أن یکون غَسل الفرج والتیمّم موجباً لجواز الوط ء ، حیث لا یدلّ بمفهومه علی عدم الجواز قبله ، خصوصاً إذا لم نذهب الی وجوب التیمّم ، کما ستشیر إلیه ، فعدم وجوب غَسل الفرج یکون بطریق أولی .

وحمل الأمر علی الندب فی صحیح محمد بن مسلم أهون من تقیید المطلقات الواردة فی مقام البیان ، حیث لم یذکر فیها من غَسل الفرج ، خصوصاً مع تصریح السائل فی روایة ابن المغیرة بعدم مسّها للماء ، حیث یشمل باطلاقه لکلّ من الغُسل والغَسل .

مع أنّه لو کان واجباً ، لکان الحریّ به أن ینبه علی ذلک فی جوابه ، وحیث أطلق فی نفی البأس فی جوابه _ خصوصاً فی ذیله بکون مسّ الماء أحبّ _ فانه یشعر بعدم الوجوب أیضاً ، کما لا یخفی .

ولکن مع ذلک کلّه ، فطریق الاحتیاط فی ذلک _ خصوصاً مع ورود روایة


1- وسائل الشیعة: الباب 21 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:57

صحیحة ظاهر الدلالة علیه _ حسنٌ قطعاً .

وما حُکی عن ظاهر «التبیان» و«مجمع البیان» و«أحکام» الراوندی ، من توقف حلیّة الوط ء علی أحد الأمرین ، مِنْ غَسل الفرج ، ومن الوضوء ، لم یتّضح لنا وجهه ودلیله ، بل قال شیخنا الأنصاری قدس سره : «إنّا لم نعثر علی دلیلٍ لاعتبار الوضوء ، عیناً أو تخییراً أو جوباً أو استحباباً»(1) .

وقد یخطر بالبال أنّهم ذکروا ذلک بملاحظة حدیث سعید بن یسار ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «قلت له : المرأة تحرم علیها الصلاة ، ثمّ تطهر ، فتتوضّأ من غیر أن تغتسل ، أفلزوجها أن یأتیها قبل أن تغتسل؟ قال: لا ، حتّی تغتسل(2) .

بیان ذلک : أنّة إذا لم یفت بحرمة الوط ء من دون الاغتسال ، لأجل الأخبار المجوّزة ، فلا محیص من الرجوع إلی القول بأنّه إذا أراد الوط ء ، فلابدّ أمّا من غَسل الفرج بحمل الافتعال علی معنی فعل ، أو تمسّکاً بصحیحة محمد بن مسلم .

وأمّا من التوضی ء تمسّکاً بهذا الحدیث ، حیث سُئل عن الجواز الجماع بعد التوضّی والطهارة عن الحیض ، فکأنّه أراد بیان أنّ الوضوء یکون مکان الغُسل إلی أن تغتسل ، نظیر الحکم فی الجنب اذا أراد النوم قبل ان یغتسل ، فانه یستحب علیه الوضوء بدلاً عن الغُسل .

فصار تقریر الإمام علیه السلام _ فی ما سأله وجوابه عن ذلک بالنفی أو النهی ، لخصوص الاغتسال ، بأنّه لا یجوز إلاّ بعد الاغتسال _ دلیلاً علی ما افتی به هؤلاء الفقهاء (قدّس اللّه أسرارهم) .

هذا ، مع أنّه أمر بعید ولا یخلو عن تکلف ، وخلافٌ لظاهر طریقة المحاورات ، لأنّه إنّما یصحّ لو لم یقصد من التوضّئ نفس تطهیر الموضع والفرج ، وإلاّ لا یخصّ


1- کتاب الطهارة: 238 .
2- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:58

الحکم خصوص غسل الفرج .

واستعمال لفظ (الفَرج) بفتح الواو ، وارادة التطهیر ، قد ورد فی بعض الروایات الواردة فی باب غَسل الیدین قبل الطعام ، فلیتأمّل .

والمتحصّل من جمیع ما ذکرنا ، عدم مساعدة الدلیل لاثبات حرمة الوط ء قبل الاغتسال ، حتّی مع وجود أخبار عدیدة ظاهرة فی الحرمة ، وکذلک ظهور الآیة الشریفة فی ذلک ، لکن لنا اخبار اقوی دلالة علی الجواز ، حیث تکون مرجعاً عند تعارض القراءتین ، لأنّ أهل البیت أدری بما فی البیت من غیرهم .

مضافاً إلی ملاحظة اصالة الجهة ، حیث أنّ حکم الحرمة موافقٌ لأکثر متفقهة العامّة ، فیحتمل بذلک صدور أخبار الحرمة علی التقیّة ، فلا یمکن الاعتماد والوثوق علی ذلک .

ولکن مع جمیع ذلک یکون الاحتیاط موافقا لترک الوط ء قبل الاغتسال ، ولا یبنغی أن یترک .

ثمّ أنّه لو قلنا بوجوب الاغتسال قبل الوط ء ، وحرمة الجماع قبل الاغتسال _ کما حُکی عن ظاهر کلام الصدوق فی صدر کلامه _ أو قیل بکراهته _ کما عن المشهور المنصور _ فهل یباح الجماع و تزول الکراهة بالتیمّم أم لا؟

ففی «مصباح الفقیه» قوله : «وجهان ، من عموم البدلیّة ، وروایة أبی عبیدة الواردة منها قوله علیه السلام : «قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام ، عن المرأة الحائض تری الطهر ، وهی فی السفر ، ولیس معها من الماء ما یکفیها لغسلها ، وقد حضرت الصلاة؟ قال: إذا کانت معها بقدر ما تغتسل به فرجها ، فتغسله ثمّ تتیمّم وتُصلّی .

قلت: فیأتیها زوجها فی تلک الحال؟ قال: نعم إذا غَسلت فرجها وتیمّمت فلا بأس»(1)» .


1- وسائل الشیعة: الباب 21 من أبواب الحیض، الحدیث 1.

ص:59

وروایة عمّار الساباطی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال: «سألته عن المرأة إذا تیمّمت من الحیض هل تحلّ لزوجها؟ قال: نعم(1)» .

ومن ضعف الروایتین سنداً ، وعدم الجدوی بعموم البدلیّة بعد تسلیمه ، فإنّ عموم البدلیّة إنّما یجری فی عدا الجماع الذی یمتنع إجتماعه مع أثر التیمّم ، فلا یعقل أن تکون الطهارة الحکمیّة الحاصلة منه مؤثّرة فی إباحة الوطی ، المشروطة بوقوعه حال الطهارة عن حدث الحیض .

نعم ، لو قیل بأنّ المحرّم أو المکروه إنّما هو وطئ من کان محدثاً بحدث الیحض ، قبل الوطی لا حینه ، أو قیل بأن التیمّم الذی هو بدلٌ عن غُسل الحیض ، لاینتقض بسائر الأحداث ، التی ما ذکره ، بناء علی عموم البدلیّة .

لکن فی المقدّمتین تأمّل ، وإنْ لا تخلو الأخیرة منهما عن وجه ، کما ستعرفه فی مبحث التیمّم إن شاء اللّه) .

إنتهی محل الحاجة من کلامه(2) .

أقول: هل التیمّم کان لأجل الجماع بالخصوص بدلاً عن الغُسل ، حتّی یحلّ الوطی أو تزول الکراهة لمن قال بها ، أم إنّ التیمّم بدلٌ عن الغُسل للصلاة ، وهو یکفی أیضاً؟

الذی یظهر من روایة عمار _ بحسب اطلاقها _ کون التیمّم من الحیض موجباً لجواز الوطی مطلقاً ، سواء کان للصلاة أو لخصوص الجماع ، لو لم نقل بظهورها فی الثانی فقط ، حیث لم تردد فیها ذکر الصلاة ، حتّی تحمل علیه ، بخلاف روایة أبی عبیدة ، حیث یحتمل کون المراد من التیمّم ، هو الذی أتت به لأجل الصلاة .


1- وسائل الشیعة : الباب 21 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- مصباح الفقیه: ج 4 ، ص 118 _ 119 .

ص:60

کما یؤیّد ذلک ما قد وقع فی سؤال السائل من قوله : «فیأتیها زوجها فی تلک الحال» ، أی بعد ما غسلت فرجها وأتت بالتیمّم .

فاحتمال ایجاب تیمّم آخر للوطی فی جواب الإمام ، بقوله علیه السلام : «إذا غَسلت فرجها وتیمّمت فلا بأس» ، غیر التیمّم الذی کان للصلاة بعیدٌ ، بقرینة قوله علیه السلام : «إذا غسلت فرجها» ، حیث لا یراد منه التکرار ، لعدم الداعی الیه ، بعد ما أن صارت فرجها طاهرة بالغَسل الاول ، کما لا یخفی .

وأمّا اجتماع هذا التیمّم مع الجماع ، بحیث لا یبطل بواسطة تلک الاحداث ، أمرٌ طبیعی للبدلیّة ، إن قبلنا کونه بدلاً عن الغُسل ، لأنّ مقتضی بدلیّته عنه ، هو کون غایته امکان الاغتسال ، فلازمه بقاء أثره لکلّ ما یشترط فیه الغُسل الذی لو أتت به لکان مفیداً له .

فیقع الکلام فی أصل عموم بدلیّته ، بأنّه هل یکفی الدلیل فی اثباته أم لا ، ثمّ هل الدلیل الوارد فی المورد یکفی فی اثبات ذلک أم لا .

ولا یخفی علیک أنّه لو کان التیمّم لخصوص الوطی محبوباً ، غیر التیمّم الذی کان للصلاة ، فحینئذ یأتی الکلام فی أنّ التیمّم بمجرد وجوده للوطی ، یکفی فی حلیّة الوطی ، أو یکون لاجل رفع الکراهة ، بحیث لا یحتاج إلی التکرار بتکرّر الوطی ، أو یتکرّر بتکرره ، عملاً بظاهر التعلیق فی قوله علیه السلام : «إذا غسلت فرجها وتیمّمت فلا بأس» .

ولکن الذی یخطر بالبال بعد الدقّة والتأمّل فی مناسبة الحکم للموضوع ، کون التیمّم بوجوده محبوباً لذلک ، حتّی ولو کان لغایة الصلاة ، فضلاً عن غایة الوطی ، لأنّ الذهن یستأنس بکون الحضاضة فی أصل وجود حدث الحیض ، وهی ترتفع بإیجاد التیمّم مرّة واحدة ، فیما عجز من تحصیل الماء ، فهو کافٍ ولو أتی به لغایة أُخری غیر الوطی ، وإنْ کان احتمال مطلوبیّته لکلّ مرة من الوطی لا یخلو

ص:61

من وجه . هذا بحسب موضوع الحکم .

وأمّا الکلام بالنسبة لأصل الحکم ، بأنّ التیمّم مع فقد الماء للاغتسال هل هو واجبٌ أم لا؟

فان قلنا بوجوب الاغتسال للوطی ، کما علیه ظاهر الصدوق قدس سره ، فقد یقال بوجوب التیمّم حینئذٍ ، لعموم البدلیّة ، ودلالة الخبرین المذکورین آنفاً ، بل فی «الجواهر» نقلاً عن العلاّمة أنّه استقرب عدم وجوب التیمّم للوطی عند فقد الماء ، إنْ قلنا بوجوب الاغتسال له . لکنه قال بعده : وهو بعیدٌ(1) .

حیث یظهر منه أنّه إنْ قلنا بوجوب الاغتسال ، لابدّ أن یقال بوجوب التیمّم أیضاً ، وحیث أنّه قدس سره لم یختر الوجوب فیه ، فلم یذهب إلی وجوب التیمّم ، بل غایة اتیانه لاجل رفع الکراهة .

هذا ، ولکن التحقیق أن یقال : إنْ قلنا بعموم البدلیّة ، فلازمه ما ذکره قدس سره ، إلاّ أن یدلّ الدلیل علی خلافه .

وأمّا إنْ لم نقل بعموم البدلیّة ، أو قلنا بوجود الدلیل علی التخصیص ، فعلیه یصحّ القول بالتفکیک بین الموردین فی الوجوب ، والمقام ربّما یدّعی کونه کذلک ، إذ الخبرین المذکورین ، وإنْ دلّ ظاهرهما علی وجوب التیمّم للوطی ، ولکنّهما یتعارضان بروایة أُخری وهی التی رواها عبد الرحمن _ یعنی ابن أبی عبد اللّه _ قال : «سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن امرأة حاضت ، ثمّ طهرت فی سفر ، فلم تجد الماء یومین أو ثلاثاً ، هل لزوجها أن یقع علیها؟ قال: لا یصلح لزوجها أن یقع علیها حتّی تغتسل»(2) .


1- جواهر الکلام: 3/208 .
2- وسائل الشیعة: الباب 21 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:62

توضیح ذلک : أن یقال إنّه خلال مدّة ثلاثة أیام التی لم تجد الماء ، فقد تمّمت صلاتها قطعاً ، وبرغم ذلک لم یجوّز الامام الوطی لها حتّی تغتسل .

فلو کان التیمّم بدلاً عنه ، وکافیاً عن الغسل ، لکان أحری بالامام أن یذکره هنا ، یصحّ أن یجامها زوجها ، فمنه یظهر عدم بدلیّته عنه فی هذه الموارد .

ولکن قد أجاب عنه المحقّق الهمدانی قدس سره بقوله : اللّهمّ إلاّ أن یقال : بعدم کون الموثّق (أی خبر عبد الرحمن) ناظراً إلی المنع من مواقعتها ، ما دامت محدثة بحدث الحیض ، والروایتان حاکمتان علی مثل هذا الاطلاق ، بل مطلق ما دلّ علی بدلیّة التیمّم من الغُسل ، حاکم علیه ، لولا المناقشة المتقدّمة . فی أحکام الحیض

هذا ، مع إمکان الجمع بین الروایات علی القول بکراهة الوطی بالالتزام بتخفیفها بغَسل الفرج والتیمّم ، وعدم ارتفاعها بالمرّة إلاّ بالغُسل ، فلیتأمّل) إنتهی(1) .

ولا یخفی ما فی کلامه ، لوضوح أنّ السؤال والجواب لیسا إلاّ من جهة المنع عن المواقعة حال کونها محدثاً بحدث الحیض .

نعم حیث کان المنع فیه مطلقاً من حیث التیمّم وعدمه ، فیصحّ تقییده مع ملاحظة الروایتین ، بکون المنع عن الجماع الی أن تغتسل مخصوص بمن لم یتیمّم لا مطلقاً .

هذا ، وان کان ممکناً ، إلاّ أن الاشکال فی أصل دلالته علی المنع بمعنی الحرمة ، لأنّ ظاهر حکمة قوله علیه السلام : «لا یصلح» فی الکراهة تکون أشدّ من التحریم ، فعلی هذا یستنتج کون الکراهة ثابتة ، ما لم تتیمّم ، فإذا تیممت خفت الکراهة ، فإذا اغتسلت یرتفع من أصلها .

بل قد یؤیّد ما ذکرنا من التوجیه أن مقتضی عموم البدلیّة أیضاً ، کذلک إذا قلنا


1- مصباح الفقیه: 4/120 .

ص:63

الخامسة: إذا دخل وقت الصلاة فحاضت ، وقد مضی مقدار الصلاة والطهارة ، وجب علیها القضاء (1).

الماء المستعمل فی الوضوء غیر الرافع للحدث

بعدم وجوب الاغتسال للوطی ، إذ لا معنی أن یکون حال البدل اشدّ من المبدّل منه ، فإذا لم یجب الاغتسال للوطی ، فعدم وجوب التیمّم یکون بطریق أولی .

ومن هنا یظهر حکم الوطی لمن کان فاقداً للطهورین ، حیث قال فی «الجواهر» : «نعم یمکن القول بجواز الوطی علی کلّ حال ، مع فقد الطهورین ، علی إشکال أیضاً ، بل الأقوی عدمه ، واللّه العالم» .

لأنّه إذا لم نقل بوجوب الأصل ولا البدل ، فغایته الکراهة ، فلا بأس بالقول بها حتّی لمن کان فاقداً للطهورین ، خصوصاً فی من لم یکن له شبقٌ ، کما لا یخفی علی من تأمّل موثقة عبد الرحمن من استفادة الکراهة مطلقاً ، حتّی لمن لا یقدر علی التیمّم ، حیث قد علّق رفع المنع علی الاغتسال مطلقاً ، أی سواء قدرت علی التیمّم أم عجزت عنه ، وسواء تیممت أم لم تتیمم .

(1) اعلم أنّ القضاء واجب علی الحائض إذا طهرت من الحیض ، فیما اذا کان عروضه بعد مضی الوقت ، بقدر ما تتمکن فیها من اتیان الصلاة مع جمیع شرائطها المعتبرة فیها ، من الطهارة وغیرها من الشرایط ، بل کل ما یجب علیها من الصلاة بحسب حالها ، من القصر والاتمام والسرعة والبط ء فی الافعال ، والصحة والمرض ونحو ذلک .

و قد ادعی علیه الاجماع ، بل فی «الجواهر»: «بلا خلاف محقق اجده فیه» ، بل فی «کشف اللثام»: أنّه اجماع علی الظاهر ، وفی «المدارک»: «أنه مذهب الأصحاب» .

و الدلیل علیه _ مضافا الی الاجماع والعمومات الدالة علی وجوب القضاء علی کل من فاتتها الفریضة فی الوقت ، الذی کان هو القدر المتیقن منه أی تم

ص:64

موضوع صدق الفوت _ دلالة الاخبار الخاصة علیها :

منها: موثق یونس بن یعقوب ، عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «فی إمرأةٍ دخل علیها وقت الصلاة وهی طاهر ، فأخّرت الصلاة حتی حاضت؟ قال: تقضی إذا طهرت»(1) .

منها: مضمرة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال: «سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ، ولم تُصلّ الظهر ، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال: نعم(2)» .

ولا یخفی أن ظهور جملة (فأخرّت) ، بل وهکذا اطلاق قوله: ولم تُصلّ الظهر ، یفیدان أنها کانت قادرة للاتیان بها کاملةً مع جمیع شرائطها ، ولم تأت بها ، والاّ لما کان ترک الصلاة مستندا الی المرأة بالاختیار ، بل مستندا الی عدم القدرة علی أداءها مع شرائطها ، وبناءً علی هذا یحکم علیها بوجوب القضاء ، وهو المطلوب .

و لا فرق فی وجوب القضاء بین کونها عالمة عامدة فی التاخیر ، مع علمها بعرُوض الحیض علیها ، أو جاهلة بذلک مع العمد فی التأخیر .

فی أحکام الحیض / إذا دخل وقت الصلاة فحاضت

لایقال: بأنّ القید المذکور فی موثق یونس _ کما جاء فی المتن _ هو خصوص الطهارة لأنّ هذا القید مذکورة فی سؤال السائل وفی الجواب ، ویراد منه الطهارة عن الحدث الاصغر ، فیعلم أن ما یشترط فیه سعة الوقت حتّی یجب علیها القضاء ، لیس الاّ الصلاة والطهارة لا تحصیل سائر الشرائط ، فیوافق ذلک مع ما ذهب الیه صاحب «کشف اللّثام» و المحقق فی «الشرایع» ، والعلامة فی «القواعد» والشهید فی «الدروس» من ذکر الطهارة فقط من الشرایط دون غیرها .

لأنّا نقول: بأنّ الظاهر من جملة (وهی طاهر) فی السؤال ، هو الطهارة عن


1- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .

ص:65

حدث الحیض الأصغر ، لأنه یمکن أن لاتکون علی طهرٍ حال عروض الحیض ، ولکن یفهم من مناسبة الحکم للموضوع ، کون المرأة فی وقتٍ یسعها احضارما علیها من الشرایط ، ولعلّ ذکر الطهارة هنا لیس لأجل کون الغالب کذلک ، کما اشار الیه صاحب «الجواهر» بقوله: «لکن لعلّه منزّلٌ علی الغالب من فعلیّة احرازها لغیر الطهارة دونها» ، بل للتنبیه علی أنه قد عرضت لها الحیض ، فی وقتٍ تقدر علی الاتیان بها مع شرائطها لا ذکر خصوص الطهارة عن الحدث الأصغر _ کما وقع التصریح به فی کلام المحقق الآملی نقلاً عن بعض الاعلام ، فی مقام الاستدلال _ بل هو الظاهر المراد من الکلام السابق لصاحب «الجوهر» قدس سره ،من أن المراد من الطهارة فی الجواب أیضا کذلک .

نعم قد عرفت ظهور قوله (فأخرّت) فی الجملة ، علی ما ادعینا من کونها متمکنة علی الاتیان بها مع شرائطها ، ولم تات بها ، فیجب علیها القضاء .

بل قیل إنّه یمکن استفادة ذلک فی الجملة من روایة فُضیل بن یونس ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام فی حدیثٍ: «قال: واذا رأت المرأة الدم بعد ما تحیض من زوال الشمس أربعة اقدام ، فلتمسک عن الصلاة ، فاذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لانّ وقت الظهر دخل علیها وهی طاهر ، وخرج عنها وقت الظهر وهی طاهر ، فضیقت (فضیّعت) صلاة الظهر ، فوجب علیها قضاؤها»(1) .

فان الخبر بظاهره یدلّ بان من یقدر علی الاتیان بالظهر _ ولو فی وقت الفضیلة _ مع تمکنه من تحصیل جمیع الشرائط ، ولم یفعل ، یجب علیه القضاء .

نعم الخبر مشتمل علی القضیة الشرطیة ، لو عمل بمقتضاها لصار مفهومها أنّه لو لم یمض مقدار أربعة اقدام وحاضت ، لیس علیها القضاء ، وان کانت متمکنة من


1- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:66

تحصیل الشرائط ، وهو ینافی ما ادّعاه الاصحاب من لزوم القضاء فی الفرض المذکور .

و لکن نقول: علی فرض التسلیم لمثل هذا المفهوم ، فانه لا یتم الاّ بالاطلاق ، أی سواء کان مقدار الوقت فی الأقل من الاربعة ، أقل عن مقدار یحصل به سائر الشرائط أم لا فحینئذٍ یمکن تقیید هذا الاطلاق بواسطة الاجماع أو دلالة سائر الاخبار ، بما إذا لم یقدر علی تحصیل الشرائط لا مطلقا .

و من هنا یمکن عدّ هذا الخبر مع قیده من أخبار الباب ، خصوصا مع ملاحظة جملة (فضیعّت) کما هو الظاهر الصحیح ، لا (فضیّقت) علی ما فی «الوسائل» لعدم تناسبها مع المقام ، حیث أنه یدل علی أن علة وجوب القضاء هو التضییع والتفریط فی أمر الواجب ، و ذلک باتلاف الوقت وعدم اقدامها علی تحصیل الشرائط والمقدمات ، فلازم عموم العلة المنصوصة هو الحکم بذلک فی جمیع افراد المطلوب ، لصدق التضییع والتفویت فیها .

بل قد یستفاد الحکم ایضا من دلالة قرینة التقابل من جهة عدم وجود مفهوم للشرائط ، إذا لم یصدق علیه التضییع والتفویت ، لأجل سعة الوقت ، ولو بأقلّ من اربعة اقدام ، لتحصیل المقدمات والشرائط ، کما لا یخفی .

فاذا صار التعلیل ملاکا لایجاب القضاء ، فربما یمکن الاستظهار للمقام أیضا من روایة اخری واردة فی المقام وهی روایة أبی عبیدة ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، فی حدیث: «قال: واذا طهرت فی وقتٍ ، فاخّرت الصلاة حتّی یدخل وقت صلاة اخری ، ثم رأت دما ، کان علیها قضاء تلک الصلاة التی فرطّت فیها» الحدیث(1) .

حیث قد ورد ذکر الملاک فی ضمن بیان حکم وجوب القضاء ، وإنْ کان مورد الروایة بیان الحکم فی آخر الوقت ، فیصیر الخبر کمنصوص العلّة ، حیث یصح


1- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:67

التسریة منه الی غیر مورده .

بل یمکن استفادة دخول سائر الشرائط أیضا من قوله «فقامت فی تهیئة ذلک فجازت وقت صلاةٍ» ، حیثُ یشمل سائر المقدمات الواجبة احضارها فی الطهارة .

فبضمیمة هذه الاخبار ، مع عمومات الادلة الدالة علی لزوم قضاء الفرائض مطلقا ، المخصصة بما یدل علی عدم وجوبه للحائض ، حیث أنّ ظاهرها تدل علی کون السبب فی ترک الصلاة نفس الحیض أو بما ینسب الیه ، من حیثُ عدم سعة الوقت لتحصیل الشرائط ، لأجل ضیق المدة ، بلا فرق فی ذلک بین کونه فی اوّل الوقت او آخره ، وأمّا لو تمکنت من الاتیان وسامحت فی ذلک حتّی عرض لها الحدث ، فان اطلاقات ادّلة المخصص تکون منصرفة عنها .

فالمرجع فی مثل هذا الفرض لیس الا عموم الأمر بالقضاء ، وهذا الحکم مما لا اشکال فیه ، ولا خلاف ولا شبهة تعتریه .

و شبهة احتمال وجود الفرق بین الطهارة وغیرها ، من جهة أنّ الصلاة لا تصح بدونها ، بخلاف غیرها .

مندفعة ، بانه غیر مجدٍ ، مع ملاحظة توقف التکلیف هنا علی الجمیع ، لأن المفروض امتناع قصور الوقت عن والواجب الذی کلّف به فیه .

ویتفرع عمّا ذکرنا أنّها لو علمت أنها تحیض بعد مضی الزوال ، بمقدارٍ لا یسعها ازالة النجاسة مع فعل الصلاة ، فحینئذٍ لا تجب علیها الصلاة ، لا ان تکون واجبةً دون الازالة ، حتّی یصیر حکمه مثل حکم ضیق الوقت ، حیث تجب علیها الصلاة لکن دون أن تجب علیها الازالة ، للفرق بین الموردین ، لوجود الدلیل الدال علیه فی ضیق الوقت ، بخلاف المقام ، فلا یقاس علیه ، والاّ لوجب القول بوجوب القضاء علیها ، _ لو مضی من الوقت ما یسع الصلاة _ مع الطهارة الترابیة

ص:68

فحسب ، مع أنه قد ادّعی صاحب «الجواهر» والشیخ الاعظم الاجماع علی عدم الوجوب ، مع أن وجوبها مع الطهارة الترابیة واجبة فی ضیق الوقت .

ودعوی الفرق هنا بین الازالة وبین الطهارة الترابیة ممنوعة ، بل لعلّ وجه الفرق بین الطهارة الترابیة فی اوّل الوقت من عدم الوجوب ، و بینها فی آخر الوقت بالوجوب ، هو تحقق فعلیة التکلیف بالنسبة الی الصلاة فی آخر الوقت دونها فی اوله ، ولذلک لا یسقط بالاتیان اداءا فی الوقت وقضاءا فی خارج الوقت ، بخلافها فی اوّله حیث لم ینجّز علیه شی ء بعدُ حتّی یقال بعدم السقوط ، و أنّه تجب علیها اداءها ولو بتحصیل الطهارة الترابیة .

و لکن یرد علیه: بأنّه لا یمکن أن یکون ما ذُکر وجها للفرق ، لما یذهب الیه من أنّ وجوب القضاء یکون لمن فاتته الفریضة فی آخر الوقت ، مع الطهارة الترابیة ، حتّی لمن لم ینجّز علیه التکلیف قبله ، وهو مثل الحائض التی طهرت فی آخر الوقت ، بما یسعها الصلاة مع الطهارة الترابیة ، فانها حینئذٍ تکون مثل مَنْ عرض لها الحیض فی اوّل الوقت بالمقدار المذکور ، حیث لم ینجز علیها التکلیف ، لأجل کونها حایضا قبل آخر الوقت ، فلابد أن یکون وجه الافتراق شیئا آخر غیر ما ذکرنا ، و لیس هو الاّ أحد الامرین: امّا بالالتزام بکون وجه الافتراق ، هو وجود الدلیل بلزوم القضاء فی آخر الوقت ، إذا کان الوقت متسعا لاتیانها مع الطهارة الترابیة ، وفقدانه فی اوّل الوقت ، هذا کما اشار الیه صاحب «الجواهر» .

أو لقیام الاجماع علی عدم القضاء فی اوّله ، إذا اتسع الوقت للطهارة الترابیة ، فبذلک تخرج هذه الصلاة عن مورد الدلیل الدّال علی لزوم القضاء فی الطهارة الترابیة ، لو کان لسان دلیله مطلقا ، بحیث یشمل لمثل اوّل الوقت ، والاّ کان خروجه تخصصیّا لا تخصیّصیا ، کما لا یخفی .

ص:69

ولعلّ هذا الحکم ناشٍ من جریان الدلیل فی وجوب القضاء ، مع التمکن منها مع الطهارة الترابیة فی اوّل الوقت ، و ذلک بمقتضی طبیعة حکم «صاحب کشف اللثام» بلزوم القضاء فی هذا الفرض مطلقا ، أی سواء فی اوّل الوقت أوفی آخره .

هذا تمام الکلام فی هذا الفرع ، فلنرجع الی أصل المطلب فنقول: فلو اتسع الوقت لخصوص الطهارة المائیة ، دون غیرها من سائر الشرائط ، لا یجب علیه القضاء ، خلافا لظاهر «الشرایع» و«القواعد» ، وقد ارتضاه صاحب «کشف اللثام» .

بل نضیف الی ذلک من امکان کون مراد المحقق والعلاّمة ایضا ، هو ما ذهب الیه المشهور من عدم القضاء لو لم یتمکن من تحصیل سائر الشروط ، بناءً منهم علی أن الغالب فی الخارج ، هو تحقق سائر الشرائط واحرازها بخلاف الطهارة ، الاّ للاوءحدی الذی لا یخلو عن طهارة فی وقت من الاوقات فعلی هذا القولان فی المسأله ، یرتفع النزاع من البین ، واللّه العالم .

ثم علی فرض القول بما ذهب الیه المشهور ، من عدم وجوب قضاء الصلاة ، عند یتحد عدم اتساع الوقت لتحصیل الشرائط ، فهل یجب هذا الاتّساع لمن کان واجدا للشرائط أم لا؟ .

والظاهر عدم الوجوب ، فیجب علیه حینئذ عند سعة الوقت لتحصیل الطهارة فقط ، أو مع وجود الطهارة المحرزة أیضا کسائر الشرائط خلافا لما یوهمه المحکیّ فی «کشف اللثام» عن «نهایة الأحکام» ، من احتمال العدم _ ای عدم وجوب القضاء _ .

لکنّه ضعیف جدا ، لوضوح أنّه لا خصوصیة لإتساع الوقت ، الا من باب کونه مقدمةً لتحصیل الشرائط ، فاذا کانت بنفسها حاصلة ، فلا یبقی مورد للحکم بعدم وجوب القضاء ، لوضوح صدق الفوت علیه ، و أنه کان مقصرا فی ترک الصلاة حینئذ ، کما لا یخفی .

ص:70

و احتمال جریان مااشترط فی سائر الشرائط فی الطهارة أیضا ، من وجودها قبل الوقت ، بحیث لا حاجة لاتساع الوقت _ لأنه قد تتقدم الطهارة علی الوقت فی غیر المستحاضة والمتیمم ، حیث أنهما لا تحصلان الطهارة الاّ فی الوقت ، کما نُقل ذلک عن صاحب «نهایة الأحکام» علی ما حکاه صاحب «الجواهر» _ .

مما لا یُصغی الیه ، امّا لما ذکره صاحب «الجواهر» بقوله: «إنّ الطهارة لکلّ صلاة موقتة بوقتها ، ولا یعارضه امکان کونه قد تَطهّر لغیرها» .

أو لأنه مما لا یمکن تحققه هنا ، لو قلنا بأن الطهاة المجزیة هی الطهارة الواقعة بعد الوقت ، لأجل وجوب الصلاة ، والاّ کان من الأخری القول بوجوب القضاء علیها فی هذه الصلاة ، لأنها حینئذ تعدّ متمکنة من احضار الصلاة مع جمیع شرائطها فی الوقت ، و برغم ذلک لم تقدم علی ذلک ، وفاتت منها الصلاة ، فحینئذٍ یصدق فی حقها الفوت و ینطبق علیها دلیل وجوب القضاء ، کما لا یخفی اذ لا خصوصیة لسعة الوقت حینئذ کما هو معلومٌ .

هذا ، ولکن مع ذلک کلّه لابد هنا من مراعاة الاحتیاط ، اجابة لرأی من یقول بأن الصلاة لها فردان ، الاختیاریة والاضطراریة ، و ملاک صدق الفوت الذی یترتب علیه وجوب القضاء ، لیس هو لخصوص الاختیاریة ، بل لابد أن لا یصدق علیه الفوت ولو اضطراریا ، حتّی لا یجب علیه القضاء ، فاذا صدق الفوت فی حقّ المکلف _ وان اضطراریا_ ، فانه یترتب علیه وجوب القضاء .

والمقامُ من هذا القبیل ، لأنّ الصلاة مع عدم وجود فسحة من الوقت لتحصیل سائر الشرائط ، یوجب عدم امکان الاتیان بالاختیاری من الصلاة ، وأما الاضطراری فلم یکن الأمر فیه کذلک ، لانه اذا عجز احضار الشرائط المطلوبة ، فان واجبه حینئذٍ الاتیان ببدل تلک الشرائط و مع العجز عنها فانه یسقط عند تکلیف احضار الشرائط الثانویة ، فحینئذٍ یصدق علی الصلاة عنوان

ص:71

وإنْ کان قبل ذلک ، لم یجب (1).

الاضطراری ، فاذا أقدم علی ترک مثل هذه الفریضة الاضطراریة ، فانه یصدق فی حقّه انه قد فوّت علی نفسه التکلیف ، و حینئذٍ ینطبق علیه ادلة وجوب القضاء .

هذا کما ذهب الیه المحقق الخوئی ، وغیره من الفقهاء القائلین بوجوب الاحتیاط ، أو الفتوی به ، و من المعلوم أن لازم هذا القول ، هو امکان تعلیق الفوت علی ترک الصلاة الاختیاری .

ولکن الالتزام بهذا القول _ بحیث یفید وجوب القضاء فیه _ لا یخلو عن تأمل ، لأن دلیل البدلیة أو سقوط الشرطیة عند الاضطرار ، کان متفرعا من اثبات اصل وجوب الصلاة فی مثل هذا المقدار من الوقت ، فاذا فرضنا عدم مساعدة منطوق الدلیل علی وجوب مثل هذه الصلاة ، فحینئذٍ لا یبقی لنا مجالٌ للحکم بوجوب القضاء علیه .

و لکن من الضروری هنا مراعاة الاحتیاط ، حذرا عن الوقوع فیما لایرضی به الشارع من ترک الصلاة ، التی تعدّ من ارکان الشرع ، و من مهمات الامور عنده ، کما لا یخفی ، واللّه العالم .

(1) و هذا عطف علی الجملة السابقة ، ومعناه أنّه لا یجب علی من لم تسعه الوقت لکن یقدم علی اتیان الصلاة مع شرائطها اختیارا أو مع الاضطرار ، علی حسب القولین المذکورین ، و إنْ کان الاوءل منهما هو المشهور ، نقلاً وتحصیلاً ، بلا فرق فی عدم وجوب القضاء ، بین کون الوقت تسع لأدائه لأکثر الصلاة _ کما أفتی به السید المرتضی قدس سره _ وعدمه _ کما هو الحق _ لأنّه رحمه الله قد استدل علی مختاره بروایة أبی الورد ، و الیک نصّها: «قال: سألتُ أبا جعفر علیه السلام ، عن المرأة التی تکون فی صلاة الظهر ، وقد صلت رکعتین ، ثم تری الدم؟ قال: تقوم من

ص:72

مسجدها ، ولا تقضی الرکعتین ، وإنْ کانت رأت الدم وهی فی صلاة المغرب وقد صلت رکعتین ، فلتقم من مسجدها ، فاذا تطهّرت فلتقض الرکعة التی فاتتها من المغرب»(1) .

ولکن یرد علیه: أنه مضافا الی قصور سندها بالضعف فیه ، لعدم ورود توثیق فی حق أبی الورد ، الاّ فی راویة واحدة رواها الکلینی رحمه الله فی «الکافی» بسند صحیح وهی: عنه ، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال له: «أنکم ترجعون من الحجّ مغفورا لکم وفی غیرکم یحفظون فی أهلیهم واموالهم» .

ولعلّه مراعاة لهذا الخبر ذهب صاحب «الوجیزة» الی اعتبار کونه ممدوحا .

کونه موردا لإعراض الاصحاب عنه ، لاشتماله بما لا یمکن الالتزام به من جواز البناء علی الرکعتین ، و ذلک بأن تکمل صلاتها بعد الظهر باتیانها قضاء الرکعة وتلحقها بالرکعتین السابقتین اللّتین عرض فی اثنائهما لها الحیض ولأجل ذلک حمله العلاّمة رحمه الله علی خلاف ظاهره ، من کون المراد من الرکعة هو قضاء مجموع الصلاة لا رکعة واحدة فقط ، وقال: «یطلق الرکعة للمجموع مجازا لا الرکعة بمعناها الحقیقی حتّی یصدق علیه البناء» .

مع أنّه یمکن أن تکون قد تسامحت و فرطت فی قیامها للصلاة ، فتجب حینئذٍ علیها القضاء لأجل تفریطها فی اتلاف الوقت ، لان حمل الخبر علی کونها اقدمت علی اداء الصلاة فی اوّل الوقت ، حملٌ علی الفرد النادر .

مع أنه لو سلمنا اقدامها علی الاداء فی اوّل الوقت ، وأغمضنا عن جمیع ما ذکرنا ، وذهبنا الی لزوم العمل بهذه الروایة ، فلابد من الاقتصار علیها و عدم تسریة حکمها الی صور اخری ، لأنّ التخطی عنه الی غیره قیاسٌ لا نقول به ، أو


1- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:73

أنّه خلافٌ الاصل والقاعدة ، لضعف القول بلزوم القضاء بمجرد طمثها بعد الزوال ، خاصة مع ملاحظة اطلاق خبر ابن الحجّاج ، و مخالفة ذلک الحکم مع ظهور خبر أبی الورد ، ومعارضته مع موثقة سماعة ، حیث ورد فیها قوله علیه السلام : «قال: سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة صلّت من الظهر رکعتین ، ثم أنها طمثت وهی جالسة؟ فقال: تقوم من مکانها (مسجدها) فلا تقضی الرکعتین»(1) .

فان هذا الخبر یفید عدم وجوب القضاء لمن أدرک رکعتین من صلاة الظهر قبل أن تطمث ، حتّی لو حملناه علی فرض اتیان الصلاة فی اوّل الوقت ، فضلاً عما إذا کان اوسع من ذلک .

فما ذهب الیه صاحب «نهایة الأحکام» _ علی ما نُقل عنه _ من القول بوجوب القضاء بمجرد دخول وقت الزوال ، مما لا یلتفت الیه ، فلا یجب علیها القضاء فی الفرض المزبور ، کما نُقل هذا الحکم عن صاحب «المقنع» أیضا .

والحاصل: أنّ القضاء لا یجب الاّ لمن أدرک الوقت بمقدار ما یتسع له الوقت من اداء الصلاة مع الطهارة وغیرها من الشرائط .

هذا مما ادّعی الشیخ رحمه الله علیه الاجماع فی «الخلاف» من عدم القضاء لمن لم یدرک ذلک من الحائض والنفساء وغیرهما ، کما یظهر ذلک من الاجماع علی وجوب القضاء لمن ادرک .

نعم ، قد عرفت من ظاهر کلمات بعض الاعلام ، بل تصریح بعضهم بذلک ، کون الأحوط وجوبا هو القضاء ، لمن أدرک الصلاة مع الطهارة فقط .

هنا عدة فروع ینبغی التنبیه علیها ، وهی:

الفرع الأول: بناءً علی القول الاوّل _ بل الثانی _ قد نصّ بعضهم علی کون


1- وسائل الشیعة: الباب 48 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:74

المعتبر فی المختار ، سعة مقدار الواجب من الصلاة والطهارة مخفّفا ، فلا عبرة بالمندوبات ، وهذا الحکم لاباس به ، لوضوح صدق اسم الفوات بالتفویت للوقت بمقدار الواجب الموجب للقضاء ، کما لا یخفی .

الفرع الثانی: هل یعتبر فیما إذا کان الواجب من موارد التخییر فی القصر والاتمام _ کالصلاة فی المواطن الأربع _ ملاحظة الوقت _ للاقل منهما وهو القصر فیه _ لوجوب القضاء ، أو ینبغی ملاحظة التام الاکثر ، أوله أن یلاحظ الذی یختاره منهما؟

لا یبعد القول بالاوّل ، لصدق اسم الفوت علیه ، لامکان تنجّز التکلیف علیه بالاقل ، وهکذا فی التسبیحة الواحدة مع الفاتحة والرکعتین الاخیرتین ، وهذا ما جزم به فی «الذکری» و «کشف اللثام» ، کما هو الحق ، لصدق الاختیاری علی هذا الفرد أیضا .

الفرع الثالث: لا یبعد القول بوجوب القضاء لمن مضی علیه الوقت ، وکان قادرا علی الاتیان بالطهارة الترابیة ، لعدم وجود الماء ، برغم قولنا بعدم وجوب البدار الیها ، ولکن مع ذلک ، لا یجوز تأخیر الصلاة لآخر الوقت حتی یضطر للطهارة الترابیة . وفی هذا الفرض لو طمثت وفاتت علیها الفریضة ، فانه یجب علیها القضاء لما قد عرفت من صدق عنوان الفوت علیها .

وعدم علمها بذلک لا یؤثّر الاّ فی مجرد ترتب الاثم علیها ، ولا یصلح لاسقاط وجوب القضاء عنها .

وتوهم عدم صدق عنوانی التضییع والتفریط علیها _ کما هو المستفاد من بعض الاخبار _ حتّی یوجب سقوط القضاء عنها .

باطلٌ ، لأنّه کما قال صاحب «الجواهر»: ضعیفٌ ، لعدم صلاحیتها لاثبات ذلک . و لا یخفی علیک أنّه علی القول بعدم وجوب البدار وجوازه ، فلا بأس

ص:75

وإنْ طهُرَت قبل آخر الوقت ، بمقدار الطهارة واداء رکعةٍ ، وجب علیها الاداء (1).

بذلک القول من وجوب القضاء ، وأمّا علی القول بعدم الصحة وعدم جواز البدار ، الاّ عند ضیق الوقت ، والمفروض أنّها لم تقدر علی الاتیان بالصلاة مع التیمم فی آخر الوقت ، فایجاب القضاء مما لا وجه له ، لعدم صدق الفوت علیها بما لها من الوظیفة ، فمجرد کون الوظیفة هو التیمم من جهة فقدها للماء ، لا یؤثر فی وجوب القضاء ، ما لم تقدر علی الاتیان بها فی آخر الوقت ، والمفروض عدم قدرتها علی ذلک لأجل عروض الحیض .

لکن الاحتیاط یقتضی الحکم باتیان القضاء ، حذرا عن احتمال شُغل الذّمة ، کما احتمله صاحب «الجواهر» قدس سره ، والاحتیاط طریق النجاة فی کل الاحوال ، واللّه العالم .

هذا تمام الکلام بالنسبة الی عروض الحیض فی اثناء الفریضة ، والآن نشرع فی البحث عن حکم ارتفاع الحیض کما ورد فی کلام المصنّف رحمه الله .

(1) إنّ وجوب الاداء ، إذا کان الوقت متّسعا لتحصیل الطهارة ، بل وسائر الشرائط المفقودة _ کما أشرنا الیه سابقا _ واتیان رکعة فضلاً عن الأکثر منها ، أمر ثابتٌ بین الفقهاء ، بل فی «الجواهر» قوله: «بلا خلافٍ أجده فیه بالنسبة الی العصر والعشاء والصبح» .

فی أحکام الحیض / إن طهرت الحائض قبل آخر الوقت

بل فی «الخلاف» و «المدارک» الاجماع علیه ، وفی «المنتهی» نفی الخلاف عنه بین أهل العلم ، بل عن «المدارک» و «المنتهی» دعوی: «عدم الفرق بین الثلاثة المتقدمة ، وغیرها _ وهو الظهر والمغرب _ فلازمه وجوب الظهران والعشاءان بادراک الخمس رکعات من آخر الوقت ، کما هو المشهور نقلاً وتحصیلاً» .

ص:76

بل فی «الخلاف» نفس الخلاف المنقول عنه ، لکنه نقل عن طهارة «المبسوط» الحکم بالاستحباب ، کما عن «المهذب» .

وعن «الاصباح» استحباب فصل الظهرین ، بادراک خمس قبل المغرب ، والعشائین بادراک أربع قبل الفجر وعن «الفقیه» _ کما نقل عنه صاحب «مفتاح الکرامة» أنّه: «إنْ بقی من النهار مقدار ما یُصلّی ست رکعات بدأ بالظهر» .

فلنا هنا دعویان ولابد من اقامة الدلیل علیها .

الأولی: وجوب الاداء علیها إذا طَهُرت من الحیض ، فی فترة تقدر فیها علی اتیان الصلاة الاختیاری ، مع جمیع شرائطها ویدل علی هذا الحکم مضافا الی الاجماع المُدّعی ، وثبوت المقتضی لذلک ، وهو عمومات الادلة الدالة علی وجوب الصلاة لکلّ مکلفٍ ، وارتفاع المانع اعنی الحیض .

وجود ادلّة خاصّة من الأخبار الکثیرة البالغة حدّ الاستفاضة ، لو لم تکن متواترة ، هاهی بین یدیک ، حصّل زادک منها ، مثل: روایة منصور بن حازم ، عن ابی عبداللّه علیه السلام ، قال: «إذا طهرت الحائض قبل العصر ، صلّت الظهر والعصر ، فانْ طَهُرت فی آخر وقت العصر ، صلّت العصر»(1) .

بناء علی کون المراد من الطهارة هی نقاؤها من الحیض ، کما هو الظاهر ، والمراد من قوله علیه السلام : «قبل العصر» أی قبل وقت العصر ، حیث تقدر علی اداء صلاتی الظهر والعصر مع جمیع شرائطها .

والمراد من قوله: «آخر وقت العصر» هو وقته المختص به ، فتؤدّی العصر فقط دون الظهر ، لعدم ادراکها شیئا من وقت الظهر .

منها: روایة أبی الصَّباح الکنانی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا طَهُرت المرأة


1- وسائل الشیعة: الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:77

قبل طلوع الفجر ، صلّت المغرب والعشاء ، وإنْ طَهُرت قبل أن تغیب الشمس ، صلّت الظهر والعصر»(1) .

منها: روایة عبداللّه بن سنان ، عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنْ طَهُرت المرأة قبل غروب الشمس ، فلتصلّ الظهر والعصر ، وإنْ طَهُرت من آخر اللّیل ، فلتصلّ المغرب والعشاء»(2) .

منها: روایة داود الزجاجی (الدّجاجی) ، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «اذا کانت المرأة حائضا فطَهُرت قبل غروب الشمس ، صلت الظهر والعصر ، وإنْ طَهُرت من آخر اللّیل صلّت المغرب والعشاء الآخرة»(3) .

منها: روایة عمر بن حنظلة ، عن الشیخ علیه السلام ، قال: «إذا طَهُرت المرأة قبل طلوع الفجر ، صلّت المغرب والعشاء ، وإنْ طَهُرت قبل أن تغیب الشمس ، صلّت الظهر والعصر»(4) .

و الاستدلال علی الحکم بروایة أبی الصباح وما بعدها ، بالنسبة الی العشائین ، حیث قد علق فیها حکم وجوب الاتیان بهما علی قبل طلوع الفجر ، مبنیٌ إمّا علی القول بسعة وقتهما الی طلوع الفجر _ کما علیه بعض _ و ذلک باستحباب القضاء بالنسبة الی المغرب ، والأداء بالنسبة الی العشاء ، کما حمله الشیخ علی استحباب قضائهما لما بعد منتصف اللیل .

أو الحمل علی التقیة لما بعد منتصف اللّیل ، کما احتمله صاحب «الوسائل» .

هذا ، بخلاف الحکم بالنسبة الی الظهرین ، فیما لو حصل النقاء قبل غروب


1- وسائل الشیعة: الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 10 .
3- وسائل الشیعة : الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 11 .
4- وسائل الشیعة: الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 12 .

ص:78

الشمس ، فانّه یدل علی المطلوب ، من لزوم الإتیان بالصلاتین لو طَهُرت فی مقدار من الوقت تسعها للصلاة والطهارة وسائر الشرائط کما هو المستفاد من فقرة الواردة فی العشائین أیضا ، _ علی أیّ قول اختیر غیر التقیة _ أو یسع الوقت لتمام الصلاة الاولی ، وادراک رکعة من الاُخری ، إنْ قلنا و تمسکنا بدلیل (مَنْ أدراک رکعةً من الصلاة فقد أدرکها) و ذلک لاثبات وجوب الصلاة اداءًا .

و کیفما کان فانّه تکفی هذه الاخبار _ بل وغیرها مما یستفاد منها ذلک _ لاثبات المطلوب والمدعی .

الثانیة: البحث عن مقدار الزمان الذی تدرکها ، بمعنی أنّه الی ایّ مقدار من الوقت إنْ ادرکته ، تجب علیها الاداء بالنسبة الی الصلاتین من الظهرین والعشائین؟

قد یقال بالنسبة الی الظهرین کفایة ادراک جزء من النهار بحیث تتمکن من اداء ست رکعات ، کما حُکی ذلک عن «الفقیه» کما فی «الجواهر» و «مفتاح الکرامة» وإنْ ادعی صاحب «مصباح الهدی» عدم وجدانه فی «الفقیه» .

وکیف کان ، فما ادعّاه لم یرد فیه نصّ ، ولم یقل أحد بمقالته ، ولا وجه له سوی توهم کون ادراک ست رکعات موجبا لادراک فرض اللّه من کل صلاة فی الوقت ، وهما الرکعتان الأولیتان فی الظهرین ، ولکن برغم حُسن هذا الکلام وجودته ، فان ما یرد علیه هو: أولاً: عدم صدور شیء من المعصوم علیه السلام حتّی یُعتمد علیه فی مقام الفتوی .

وثانیا : لو کان الأمر کذلک ، للزم ذلک _ ای التعمیم _ فی العشائین فی خمس رکعات ایضا ، مع أنه بنفسه لم یلتزم به ، ولم یصرّح بذلک .

اللّهم الاّ أن یُجاب أنّه لم یکن بصدد ذکره والاّ لاختاره فیه أیضا .

وکیف کان ، فانّ الالتزام به مع إعراض الاصحاب عنه مشکل جدّا .

کما أن القول بما ورد فی «المبسوط» و «المهذب» و «الاصباح» من

ص:79

استحباب فصل الظهرین بادارک خمسٍ قبل الغروب ، والعشائین بادراک أربع قبل الفجر ، ضعیفٌ جدّا .

أوّلاً: بمخالفته للاجماع _ کما عرفت حین دعواه عن جماعة من وجوب الأداء لمن أدرک من الوقت لا الاستحباب ، حتّی عند ادارک رکعة ، کما سیأتی فالقول بالاستحباب _ فهذا الحکم مضافا الی مخالفته مع الاجماع ، مخالفٌ مع ما سمعت من الأخبار العامة والخاصة فی التی وردت فی المقام ودلت علی وجوب الأداء لمن أدرک من الوقت ولو بمقدار رکعة واحدة .

و ثانیا: مع غمض النظر عما ذکرنا ، وفرضنا التسلیم والقبول ، فکیف حکموا بلزوم الأداء أو استحبابه لمن أدرک أربع رکعات فی العشائین؟! إذ مع ضمیمة دلیل من أدرک ، وقبول جریانه فی المقام ، فانّه لابد أنْ یفرض لاتیان العشائین فی الوقت مَنْ ادراک خمس رکعات لا أربع ، اذ أنّ وقت الأربع مختصٌ للعشاء ، فلا یجوز اتیان فریضة المغرب فیه ، لعدم صدق الفوات علیه ، لانه قد مضی وقته ولم تکن قد طهرت بعدُ ، فلا فوتَ ولا قضاء ، و حینئذٍ علیها أنْ تؤدی العشاء فقط ، وذلک فی الوقت المختص بها اداءا .

واثبات وصف الادائیة للعشاء ، بجعله خارج الوقت بثلاث رکعات ، وادراک رکعةٍ فی الوقت ، من دلیل من أدراک .

أمر غیر مقبول ، لإنصراف اطلاق دلیل مَنْ أدراک عن شمول مثل ذلک ، بتاخیر العشاء عن وقته المختص به ، وجعله للمغرب ، واتیان العشاء أداءً بواسطة دلیل من ادرک ، اذ من المعلوم أنّ دلیل مَنْ أدرک ناظرٌ الی من اصیب بمثل هذه الحالة ولو عصیانا ففاته الوقت ، لا لمثل من أخّر عمدا مع وجود سعة من الوقت للعشاء ، وفوات وقت المغرب ، کما هو المفروض فی المقام .

لا یقال: إنّه اذا لم یکن تأخیر الفرض عن وقته جائزا لأجل اداء الصلاة ، فانه

ص:80

یجری مثل هذا الامر فی حق من أدرک من الوقت خمس رکعات أیضا ، لأن اتیان صلاة الظهر أو المغرب وایقاعهما فی هذا المقدار من الوقت ، یوجب اخراج العصر والعشاء عن وقتهما ، بثلاث رکعات فی الاولی ، أو برکعتین فی الثانیة ، برغم ثبوت جواز ذلک عند الفقهاء .

لأنّا نقول: بالفرق بین الموضعین ، لأنّ لسان دلیل (مَنْ أدرک لکل صلاة) حاکمٌ علی لسان دلیل اختصاص آخر الوقت بالصلاة اللاحقة ، بالنسبة الی مقدار المزاحمة من الوقت ، وهذا بخلاف ما لم تکن الصلاة السابقة مدرکة من وقتها شیئا ، وکان مجموع الوقت للاحقة ، فحینئذٍ لا یدخل السابقة فی عموم من ادرک حتّی یکون حاکما علی دلیل اختصاص الوقت للثانیة ، فالحکم بالاتیان بالعشائین اداءً لمن أدرک أربع _ کما نُقل عن بعض العامة ، وقد عرفت منّا الحکم بالاستحباب _ لا یخلو عن وهن وضعف ، کما اشار الیه صاحب «الجواهر» قدس سره .

هذا تمام الکلام فی حکم وجوب الأداء ، لمن أدرک الصلاة التامة مع الطهارة وسائر الشرائط فی الوقت ، و ثبت أنه یجب علیها الاتیان بها اداءً ، دون وقوع شی ء من الصلاة خارج الوقت ، حتّی یلاحظ فیها حکم قضائها ، کما لا یخفی .

بل وکذلک تجب علیها الاتیان بالفریضة مع الطهارة وسائر الشرائط اداءً ، لو ادرکها فی الوقت ولو برکعة ، بحیث لو فاتتها کذلک ، لوجبت علیها القضاء مثل السابق _ وسنشیر الی هذا الفرع بعد قلیل _ .

و ذلک لماتری من وجود الدلیل علی ذلک ، وهو الخبر العلویّ المنقول عن الأصبغ بن نُباته ، عنه علیه السلام ، قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام : مَنْ أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس ، فقد ادرک الغداة تامة»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب المواقیت للصلاة، الحدیث 2 .

ص:81

منها: روایتان نبویتان رواهما الشهید الاول رحمه الله فی «الذکری» ، و هما ، الاولی: «قال: رُوی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: مَنْ أدرک رکعة من الصلاة فتدارک الصلاة»(1) .

و الثانیة: قال: «وعنه صلی الله علیه و آله مَنْ أدرک رکعةً من العصر قبل أنْ یغرب الشمس فقد أدرک الشمس»(2) .

وفی «الجواهر» بعد نقل النبویّة الاولی قال: الاّ أنّی لم أعثر علی الاخیر فی طرقنا کالنبوی . و من ثمَّ زعم کون الروایة علویّة لا نبویّة ، مع أن فی «الوسائل» جعلها نبویّة لا علویّة .

وکیف کان، فانّ الشیخ فی «الخلاف»، بعد أن ذکر روایتی أمیر المؤمنین علیه السلام السابقتین المسندتین الی النبیّ صلی الله علیه و آله ، قال: وکذلک رُوی عن ائمتنا علیهم السلام .

و فی «الجواهر» قال: وفی کتاب الصلاة من «المدارک» بعد أن روی النبویّ المتقدم والمرتضوی وغیرهما ، قال: وهذه الأخبار وإنْ ضعف سندها ، الاّ أن عمل الطائفة علیها ، ولا معارض لها ، فتعین العمل بها .

ثم علّق صاحب «الجواهر» علی ذلک بقوله: «وعلی کلّ حالٍ ، فلا یبعد جواز العمل بهذه الاخبار ، بعد ذکر أصحابنا لها وانجبارها بما سمعت» انتهی محل الحاجة (3) .

قلنا: لیس الدلیل منحصرا فی هذه الاخبار الضعیفة حتی نبحث عمّا یجبرها ، بل یمکن استفادة ذلک من اخبار اخری واردة عن الائمة علیهم السلام ، کما أشار الیه الشیخ «الخلاف» وهو مثل روایة عمّار بن موسی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث ، قال: «فانْ صلّی رکعة من الغداة ، ثم طلعت الشمس ، فلیُتم صلاته ، و قد


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب المواقیت للصلاة، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب المواقیت للصلاة، الحدیث 5 .
3- الجواهر ج3/213 .

ص:82

جازت صلاته»(1) .

ومنها: روایة اخری لعمّار بن موسی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «فان صلّی رکعةً من الغداة ، ثم طلعت الشمس ، فلیتم الصلاة ، وقد جازت صلاته ، وإنْ طلعت الشمس قبل أن یُصلّی رکعة ، فلیقطع الصلاة ، ولا یُصلی حتّی تطلع الشمس ویذهب شعاعها»(2) .

فان ظاهر هاتین الروایتن وموردهما ، وإنْ کان هو المکلف الذی التفت لذلک حال الصلاة ، وأن المراد من قوله: «جازت صلاته» أی جوازها اداءً لا مطلقا ، حتّی یصدق علیها القضاء .

الاّ أنّه لا یمکن الحکم بذلک ، الاّ من جهة أنّه قد ادرک رکعة واحدة من الصلاة فی الوقت ، فیرجع الأمر الی ضرورة البحث عن اثبات دلیل من ادرک ، فلعلّه یمکن استفادة ذلک لو ادرکت الوقت برکعة ، مع علمها بذلک قبل الدخول فی الصلاة ، لأن احتمال اختصاص الحکم الصادر فی الخبر بقوله «وقد جازت صلاته» مع انها لم تدرک من الفریضة الاّ رکعة واحدة ، لمن التفت الی عدم درکه لتمام الصلاة فی الاثناء ، بعیدٌ و ذلک لوجود ادلّة (من أدرک) الذی کان مؤیدا لمفاد هذه الاخبار ، کما لا یخفی .

فبعد دلالة هذه الاخبار ، وأخبار من أدرک و ملاحظة الاخبار التی قد مرّت و دلّت علی وجوب الاتیان بالصلاة اداءً ، لو طَهُرت قبل غروب الشمس ، أو قبل العصر قبل آخر وقت العصر ، فانه یستفاد من جمیع ذلک وجوب الاتیان اداءً ولو کان قد ادرک رکعة واحدة من الصلاة فی الوقت المتبقی ، وهو المطلوب فی


1- وسائل الشیعة : الباب 30 من أبواب المواقیت ، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب المواقیت ، الحدیث 3 .

ص:83

ومع الإخلال ، القضاء (1).

المقام ، کما اشار الیه المصنف فی کلامه بقوله: «وإنْ طَهُرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة ، واداء رکعة ، وجب علیها الاداء» .

نعم بالنسبة الی سائر الشرائط قد عرفت اختلاف رأینا معه بحسب ظاهر کلامه ، فلا نعید .

(1) لصدق اسم الفوات علیه ، بل هو مجمعٌ علیه فعلاً وتحصیلاً ، بل قد یستفاد ذلک من الأخبار أیضا : منها : روایة عبید بن زرارة ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال إیّما امرأة رأت الطهر ، وهی قادرة علی أنْ تغتسل وقت صلاة ، ففرّطت فیها ، حتّی یدخل وقت صلاة اخری ، کان علیها قضاء تلک الصلاة التی فرّطت فیها ، وإنْ رأت الطهر فی وقت صلاةٍ ، فقامت فی تهیئة ذلک ، فجاز وقت صلاةٍ ودخل وقت صلاةٍ اُخری ، فلیس علیها قضاء ، وتُصلّی الصلاة التی دخل وقتها»(1) .

منها : روایة أبیعبیدة عن أبیعبداللّه علیه السلام ، قال : «إذا رأت المرأة الطهر ، وقد دخل علیها وقت الصلاة ، ثم أخرّت الغُسل حتّی یدخل وقت صلاة اُخری ، کان علیها قضاء تلک الصلاة التی فرّطت فیها . . الحدیث»(2) .

منها : روایة محمد بن مسلم ، عن احدهما علیهماالسلام ، قال : «قلت : المرأة تری الطهر عند الظهر ، فتنشغل فی شانها ، حتّی یدخل وقت العصر؟ قال : تصلّی العصر وحدها ، إنْ ضیقّت (ضیعّت علی ما فی الجواهر وغیره) فعلیها صلاتان»(3) .

منها : روایة عبید اللّه الحلبی ، عن ابی عبداللّه علیه السلام : «فی المرأة تقوم وقت


1- وسائل الشیعة : الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
3- وسائل الشیعة : الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .

ص:84

الصلاة ، فلا تقضی ظهرها حتّی تفوتها الصلاة ، ویخرج الوقت ، أتقضی الصلاة التی فاتتها؟ قال : إنْ کانت توانت قضتها ، وإنْ کانت دائبة فی غُسلها فلا تقضی»(1) .

فهذه الأخبار کما هی شاهدة وظاهرة دالة علی وجوب القضاء للتی أفرطت وتوانت فی اتیان العمل حتّی فات الوقت ، فیجب علیها القضاء ، بل یکون الامر کذلک لو توانت فی تحصیل الطهارة ، بل وسائر المقدمات والشرائط ، کما لا یبعد دخولها تحت العنوان المذکور فی روایة عبید بن زرارة ، حیث قال : «فقامت فی تهیئة ذلک فجاز وقت صلاة . . . الحدیث» ، فإن اطلاقه تشمل قیامها بتهیئة سائر المقدمات غیر الطهارة أیضا ، کما اشرنا الیه سابقا .

اذا عرفت ذلک فانّ وجوب القضاء ثابتة فی حقّ من أدرک الوقت بجمیعه أو جزء منه ولو بمقدر فترة تفی بأداء رکعة واحدة .

وسوف یأتی الکلام فی أنه لو لم تدرک برکعة ، فهل تجب علیها القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت ولو فی الجملة أم لا؟

قال فی «الجواهر» : «إنّه لا اشکال فی عدم وجوب شی ء علیها ، لو ادرکت أقلّ من رکعة ، بل عن «الخلاف» و«المختلف» نفی الخلاف فیه ، لمفهوم قوله مَنْ أدرک وغیرها ، مما تشعر به بعض الأخبار السابقة» .

قلنا : ولم نجد من یقول بوجوب القضاء لمن کان کذلک ، الاّ ما عرفت من المنقول عن «النهایة» من الاکتفاء بالقضاء بمجرد طمثها بعد الزوال ، أو من ایجاب الصلاة علیها بمجرد تمکنها من الطهارة والشروع فیها ، حتّی أن المصنف فی «المعتبر» قال بعد ذکر جملةٍ منها : «إنّه لو قیل بذلک ، لکان مطابقا لمدلولها: حیث یلزم علیه وجوب القضاء حینئذٍ لکونه قد فرّط فی اتلافه» .


1- وسائل الشیعة : الباب 49 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .

ص:85

وامّا ما یتعلق به فاشیاء :

الأوّل : یحرم علیها کلّ ما یشترط فیه الطهارة ، کالصّلاة والطّواف (1).

ولکن الالتزام بمثل هذه المقدمات ، لا یمانع مع کلمات الاصحاب ، ولسان الاخبار ، منطوقا أو مفهوما ، کما لا یخفی .

کما أنّ القول باستحباب القضاء فی هذه الموارد ، إنْ کان من جهة التمسک والعمل علی طبق دلیل التسامح فی الأدلة ، فله وجهٌ ، وإنْ کان من جهة التمسک والعمل علی وفق دلالة الأخبار الآمرة بالقضاء ، بان یستعمل الأمر فی الرجحان ، حتّی ینطبق علی الوجوب ، بالنسبة الی ما یجب فیه القضاء ، وعلی الندب بالنسبة الی ما یندب فیه ، حتّی یوجب کون استعمال العموم مجازا ، فهو مما لا یمکن المساعدة علیه ، لأن مع امکان جریان الحقیقة فیه ، فلا وجه للذهاب الی المجاز من دون وجود القرینة الصارفة ، کما لا یخفی .

وکذلک نذهب إلی أن القول بوجوب قضاء صلاة الصبح ، إذا طهرت قبل طلوع الشمس ضعیفٌ علی کل حال ، کما نقل ذلک عن «النهایة» ، وإنْ کان ربما یشعر به حدیث عمار الذی أوردناه سابقا وفیه : «وإنْ طلعت الشمس قبل أن یُصلّی رکعة فلیقطع الصلاة ولا یصلی حتّی تطلع الشمس ویذهب بشعاعها»(1) فانه مع اشتماله بما لا یلتزم به الفقهاء ، من قطع الصلاة ، یمکن أن یکون وجه حکمه بالصلاة بعد طلوع الشمس ، هو لاجل التفریط فی التاخیر حتّی یناسب مع تلک الأخبار جمعا ، واللّه العالم .

(1) إنّ حرمة بعض العبادات الصادرة من الحائض والتی هی مشروطة


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من ابواب المواقیت من کتاب الصلاة، الحدیث 3.

ص:86

بالطهارة کالصلاة والصوم والطواف والاعتکاف (لاجل اللبث فی المسجد) اجماعی نقلاً وتحصیلاً ، بل فی «الجواهر» قوله : «کاد أنْ یکون من ضروریات الدین فی الأوّل منهما _ ای الصلاة _ من غیر فرق فیها بین التطوع والفریضة والتحمّل والاصالة ، بل وإنْ لم نقل بکون الطهارة شرطا فی التطوّع من حیث هو ، بل هو شرط من حیث اللّبث فی المسجد» .

ما یحرم علی الحائض / کلّ ما یشترط فیه الطهارة

بل وهکذا یحرم بعد الانقطاع ، وقبل تحصیل الطهارة المائیة أو ما یقوم مقامها من الترابیة ، وإنْ أمکن القول بالفرق بین الحُرمتین ، حیث أنّ الحرمة فی الثانیة لیست الاّ تشریعیة ، والظاهر أنّه مما لا خلاف فیه ، اذ لم یُسمع ولم یُشاهد من أحد من الحکم علیه بالحرمة الذاتیة بعد الانقطاع ، هذا بخلاف الاولی ، حیث قد وقع الخلاف فیها بأنّ حرمتها ذاتیة أو تشریعیة ، اذ قد یقال بأنّه لا یمکن تصور الحرمة الذاتیة فی الاولی ، لأنها إنْ أقدمت علی أدائها مع النیة ، فإنّ فعلها ترجع الی التشریعیة ، وإنْ أقدمت علی أدائها بها من دون أن تنوی ، فلا حرمة حینئذٍ ، خلافا لجماعة أخری من فقهائنا کصاحب «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» بل «العروة» وکثیر من أصحاب التعلیق علی حسب ظاهر کلامهم واطلاقهم ، فإن ذکر الحرمة من دون تقییدها بالشرعیّة والتی تنصرف الحرمة إلی الذاتیة .

فلا بأس هنا بالاشارة الی وجه عدم کونها ذاتیة ، کما توهمه بعضٌ ، فإنّ الذی قد یوجب توهّم المنع هو ما قد عرفت تقریره من صاحب «الجواهر» وأجاب عنه بقوله : «بأنه مدفوع ، بعد التسلیم بأنه لا مانع من اجتماع الحُرمتین مع النیة ، أخذا بظاهر النص وکلام الاصحاب فی المقام بل صرح به بعضهم . وعلیه یبتنی رد ما یُذکر فی بعض المقامات من الاحتیاط فیها بفعل العبادة ، بأنّه معارض بمثله ، لکون الترک بالنسبة إلیها عزیمة» . انتهی محلّ الحاجة من کلامه(1) .


1- الجواهر ج3/216 .

ص:87

و تحقیق الکلام فیه ، هو أنْ یقال : قد یتوهم عدم امکان تصور الحرمة الذاتیة للعبادة ، لانّ عبادیة العبادة متوقفه علی الأمر بها ، اذ مادام لم یتعلّق بها الأمر لا یعقل أنْ یوتی بها بداعی الامر ، وما لم یؤت بها بذاک الداعی لا تصیر عبادة ، فعبادیة العبادة تتوقف علی الأمر بها ، ومعلوم أنّ الأمر بها لا یجتمع مع النهی عنها فلا یتصور تعلق النهی بها بعد الفراغ عن کونه عبادة .

أقول : هذا الاشکال قد قرّر فی الاصول ، وقد اجیب عنه بما هو ملّخصه بأن الفعل العبادی قد یکون عبّادیا بالذات ، بلا حاجة الی تعلق الأمر به لکی تصیر عبادة ، وهو مثل السجود ، الذی هو عبارة عن غایة الخضوع ، ویعدّ عبادة بالذات ، ولذلک یحرم اتیانه لغیر اللّه ، ومثل هذا الفعل وأضرابه لا یتوقف عبادیته علی ورود الأمر الشرعی علیه حتّی یقال بعدم امکان اجتماع العبادة مع النهی ، لعدم صدق العبادة الاّ بالامر ، اذ هو عبادة ذاتا ، فمثله یمکن ان یتعلق به أحد الأحکام الخمسة ، ومنها الحرمة ، وعلی هذا تری تعلق النهی الشرعی بالسجود فی العزائم فی سجدة التلاوة فی الفریضة ، وذلک لأجل اشتمالها علی زیادة فی الفریضة والمکتوبة ، وهی زیادة ممنوعة فی الصلاة وتوجب بطلانها .

وقد یصیر الفعل عبّادیا ، لکن بواسطة تعلق الأمر به ، وذلک بعد اتیانه بداعی أمره ، أو بداعی ملاک أمره فی ناحیة العلل ، أو بداعی ما یترتب علی الأمر فی ناحیة المعالیل ، ففی مثل ذلک یتعلق النهی بذاک العمل الذی شُرّع نوعه لأن یتعبد به ، وإنْ لم یکن نفس ذاک العمل مشروعا ، فالمنهی عنه عبارة عن ذات العمل الذی لولا هذا النهی لکان عبادةً ، أی ماتیا به بتلک الدواعی ، وفی مثل هذه الموارد لا مانع أن یتصف العمل بالعبادة وبرغم ذلک یرد النهی الشرعی عنه ، فملاک عبادیته حینئذٍ هو تعلق الأمر العبادی بنوعه ، لا بخصوصه وفرده ، حتّی یقال بأنّه لا یمکن أنْ یتصور ذلک .

ص:88

فاذا صار ذات العمل حراما ، ومشتملاً علی مفسدة ذاتیة وقبح ذاتی ، فیکون العمل حراما ، سواء قصد به القربة أم لم یقصد ، لعدم توقف عبادیته حینئذٍ علی هذا القصد ، اذ یکفی فی تطبیق عنوان العبادیة علیه صیرورة نوعه عبادة ، فیصح حینئذٍ النهی عنه سواء قصد به التقرب أو لم یقصد ، غایة الامر أنّه إن قصد به التقرب أیضا فیکون فعله حراما من جهتین ، جهة ذاتیّة وذلک القربة لأجل القبح الذاتی ، ویحرم فعله من جهة أخری وهی تشریعیّة وذلک لأجل قصده القربة ، ولا یلزم مع الاتیان بقصد القربة اجتماع المثلین ، بل یزم اجتماع الحکمین المحرمین ، أحدهما ذاتی والآخر تشریعی .

وتظهر ثمرته فیما لو أتی به بقصد القربة ، من باب الاحتیاط لا التشریع ، فلازمه عدم کونه حراما تشریعیا ، لکنه حرام بحرمة ذاتیّة لأجل قبح ذاته واشتماله علی المفسدة ، بخلاف ما لو أتی بالفعل بقصد القربة ، مع العلم بعدم کونه مطلوبا ، حیث أنه یعدّ مقدما علی إیتان فعل مشتمل علی الحرمتین ، کما لا یخفی .

هذا کله لو قلنا بکون متعلق الحرمتین ، هو نفس العمل الخارجی ، کما هو مقتضی التحقیق ، وانْ تعدّد متعلقیهما ، حیث کان متعلق النهی فی الحرمة الذاتیّة هو نفس العمل لولا النهی ، ومتعلق النهی التشریعی هو العمل باعتبار أنه أقدم علی فعله من جهة انتسابه الفعل إلی الدین وهو لیس منه فالحرمة من جهة إدخاله ما لیس من الدین فی الدین ، فلا استحالة اصلاً ، کما ان عدم استحالته أوضح من الغرض السابق ، لو قلنا بأنّ متعلق النهی فی التشریع هو العمل الجانحی لا الجوارحی لکنه مخالف لمقتضی التحقیق ، کما لا یخفی .

و کیف کان ، فإنّ الحرمة الثابتة للعبادات فی حقّ الحائض تکون حرمة ذاتیّة ، ولو لم تکن تشریعیةً فی بعض الموارد ، مثل حرمته حال النقاء قبل تحصیل الطهارة ، حیث یکون تشریعیا لا ذاتیا ، لعدم کونها حائضا بعد النقاء .

ص:89

هذا تمام البحث عنه فی مقام الثبوت .

و أمّا البحث عنه فی مقام الاثبات : أی هل أن صدور العبادة منها تعدّ حراما ذاتیا أو تشریعیا؟ ومعلومٌ أنّ الحکم فی مثل هذه الموارد موقوف علی ملاحظة لسان الاخبار والادلة .

فنقول : لا یبعد القول بالحرمة الذاتیة ، ویظهر قبول ذلک من صاحب «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» ، فلا بأس بذکر الأخبار الدالة علی ذلک ، فنقول وباللّه الاستعانة :

منها : روایة سلیمان بن خالد ، قال : «قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : جُعلت فداک ، الحُبلی ربما طمثت؟ قال : نعم . . . الی أنْ قال : فاذا فضل دفقته ، فاذا دفقته حرمت علیها الصلاة»(1) .

منها : صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : «قال : إذا کانت المرأة طامثا ، فلا تحلّ لها الصلاة . . الحدیث»(2) .

فان عدم الحلیة مساوٍ للحرمة فی طهورها فی الذاتیة ، کما وقع لفظ التحریم فی کلام السائل فی الخبر القادم ، من دون أن یردعه الإمام عنه .

منها : روایة سعید بن یسار ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال : «قلت له : المرأة تحرم علیها الصلاة ، ثم تطهر ، فتتوضأ من غیر أنْ تغتسل . . الحدیث»(3) .

منها : ظهور روایة أبی بصیر ، عن ابی عبداللّه علیه السلام قال : «وایّ امرأة کانت معتکفة ثم حرمت علیها الصلاة ، فخرجت من المسجد فطهرت . . الحدیث»(4) .


1- وسائل الشیعة : الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 14 .
2- وسائل الشیعة : الباب 39 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
3- وسائل الشیعة : الباب 27 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .
4- وسائل الشیعة : الباب 51 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:90

فهذا الخبر ظاهرٌ فی الحرمة الذاتیة ، کما هو المستفاد من ظهور لفظ النهی الواقع فی حدیث فضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام ، قال : «إذا حاضت المرأة فلا تصوم ولا تصلی ، لأنها فی حدّ نجاسة ، فأحب اللّه ان لا یُعبد الاّ طاهرا ، ولأنه لا صوم لمن لا صلاة له . . الحدیث»(1)

ولا یمکن حمل قوله : «فأحبّ اللّه» قرینة علی الکراهة ، لأنّه قد یطلق هذا اللفظ فی مورد الحرام ایضا ، کما قد یراد من الکراهة ذلک فی بعض الموارد ، خصوصا مع وجود القرینة علی ارادة الحرام فی سائر الاخبار ، مثل ما فی صحیحة خلف بن حمّاد الکوفی ، فی حدیثٍ ، قال : «فلتتق اللّه ، فان کان من دم الحیض فلتُمسِک عن الصلاة حتی تری الطهر ، ولتُمسِک عنها بعلها ، وإنْ کان من العُذرة ، فلتتق اللّه وتتوضأ ولتُصلّ ویاتیها بعلها إنْ أحبّ ذلک»(2) .

فانّ ورود قوله : «فلتتّق اللّه» فی کلا الطرفین یفید کون أمرها دائرةً بین المحذورین ، خصوصا مع ملاحظة وحدة السیاق فی أمره علیه السلام بامساک بعلها عن مقاربتها ، الذی کان وجوبه فی حال الحیض من جهة حرمة الوطی أمرا ثابتا .

فان تعلق النهی بفعل الصلاة علی وجه التعبد والمشروعیة _ کما کانت تفعلها قبل الحیض _ لا یوجب من امتناع کون الحرمة ذاتیة ، لما قد عرفت من عدم التنافی بین الحرمتین ، الحرمة التشریعیة لأجل قصد القربة ، والحرمة الذاتیة لأجل کون ذاتها مشتملة علی القبح الذاتی والمفسدة ، کما لا یخفی .

والأخبار الدالة علیه أکثر ، کما مرّ علیک فی أخبار الاستظهار ، وما ورد من قوله علیه السلام : «دَعی الصلاة أیّام اقرائک» ، وامثال ذلک .


1- وسائل الشیعة : الباب 39 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة : الباب 2 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:91

لا یقال : لعل الحکم بالاستظهار والاحتیاط بیوم أو یومین ، کان لأجل کون الحکم بالبقاء علی الحیض مطابقا للاصل والاستصحاب ، لا لأجل کون العبادة فیها حراما .

لانا نقول : بان المستفاد من ظاهر هذه الاخبار ، هو کون الأمر بترک العبادة إنّما کان من جهة تغلیب جانب احتمال الحیض علی احتمال النقاء ، الموجب للحکم بالاستحاضة ، المستلزم للحکم بوجوب اتیان العبادة ، ولعل وجه التغلیب والأولویة ، هو غلبة استمرار الحیض الی ما بعد أیّام العادة بمقدار یوم أو یومین ، أو غیر ذلک من الوجوه والاحتمالات .

بقی هنا شی ء ، وهو أنّه قد یقال :

بأنّ القول بدوران الأمر بین المحذورین ، وکون المستظهر من الأخبار رجحان جانب ترک الصلاة فی حال احتمال الحیض ، ینافی ما ذکره الفقهاء من الاحتیاط فی هذه الحالة ولزوم ترک ما یجب علی الحائض ترکها وإتیانها لأعمال المستحاضة ، عند دوران الأمر بین کون الدم حیضا وغیره ، حیث ادّعی علیه الشیخ الأنصاری رحمه الله الاتفاق فی کتاب «الطهارة» فی المضطربة المتحیرة ، بل قد استدلوا بذلک علی عدم کون الحرمة ذاتیة ، اذ لو کانت کذلک لم یکن للاحتیاط المذکور وجهٌ .

فاجاب عنه المحقق الآملی فی «المصباح» بقوله : قلت : «لعل الاحتیاط المذکور فی المضطربة فی الصلاة الواجبة ، بتغلیب جانب الفعل علی الترک فی الاحتیاط ، لأنها عمود الدین ، ولذا ربما یقال باختصاص الاحتیاط بالفرائض ، وعدم جواز الاتیان بالنوافل ، لکن المحکیّ عن «النهایة» أنّ النوافل أیضا الفرائض ، لکونها من مهمات الدین .

وأما ترک الصلاة فی أیّام الإستظهار ، فلما عرفت من غلبة استمرار الحیض

ص:92

ومسّ کتابة القرآن (1).

الی ما بعد العادة ، بمقدار أیّام الاستظهار ، فی صورة تجاوزه عن العادة ، مضافا الی کونه معاضدا مع الاصل ، أعنی اصالة بقاء الحیض فی أیّام الاستظهار» .

انتهی کلامه رحمه الله (1) .

و لکن التأمل فیه یقتضی أن یقال فی جوابه :

ما یحرم علی الحائض / مسّ کتابة القرآن

إنّ دوران الأمر بین المحذورین ، لا ینافی مع الاحتیاط والاتیان فی باب العبادات ، إذا أتی بها مع رجاء المطلوبیة ، لأن احتمال حرمته وکونه مبغوضا إنّما یکون فیما إذا اتی به بما أنه مطلوبٌ واقعا وجزما _ کما یحتمل مطلوبیته کذلک _ حتّی یصدق علیه ، وامّا الاتیان برجاء المطلوبیة ، لا ینافی مع کونه حراما واقعا ، الاّ أن یاتی یرد دلیلٌ خاص علی ترجیح جانب الترک فیتّبع . ولعلّ منه ما عرفت لزوم الاستظهار ، من الأخبار الواردة فیمن تجاوزه الدم عن العادة بیوم مثلاً _ کما هو المختار _ أو ازید منه _ کما اختاره بعض آخر _ واللّه العالم .

(1) تعدّ حرمة مسّ الآیات مشهورا ، بل کادت أن تکون اجماعیا ، بل قد ادعی علیه الاجماع من جماعة منهم الصدوق قدس سره فی «الفقیه» ، حیث ادعی قیام الاجماع علی حرمة مسّ الحائض اسم اللّه وأسماء الانبیاء والأئمة علیهم السلام ، فتکون حرمة مسّ کتابة القرآن ، بل لم یُعرف خلاف فیه من فقیهٍ ، الاّ عن ابن الجنید من القول بالکراهة ، حیثُ لا یبعد ارادته الحرمة من الکراهیة ، کما کان ذلک مصطلحا فی تلک الأزمنة من التعبیر عن الحرام بالکراهة ، ومن المعلوم انه لا یقدح بالاجماع خلافه .


1- مصباح الهدی ج5/49 .

ص:93

والدلیل علیه : _ مضافا الی الاجماع أو الشهرة ، _ الادلة الواردة فی باب الوضوء والجنابة ، الدالّة علی تحریم المسّ وإنّ تعظیم کتاب اللّه وآیاته یقتضی أن لا تمسّ إلاّ مع الطهارة ، وهذا الحکم ثابت فی حقّ الحائض ایضا ، کما اشار الیه فی حدیث سعید بن یسار ، بأنّ حَدَث الحیض یعدّ اعظم من الجنابة ، وإلیک نصّ الخبر : «قال : قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : المرأة تری الدم وهی جنب ، أتغتسل عن الجنابة ، أو غسل الجنابة والحیض واحد؟ فقال : قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»(1) .

فاذا لم یسوّغ الشارع مسّ القرآن للجنب ، ففی الحائض بطریق اولی .

مضافا الی ظهور کلمات الاصحاب علی اشتراکها مع الجنب فی الأحکام ، بل ربما یستدل لذلک بما فی المرسلة المرویّة عن أبیجعفر المروی عن الباقر علیه السلام ، والتی أوردها الشیخ الطبرسی رحمه الله فی «تفسیر مجمع البیان» فی ذیل قوله تعالی : «ولا یَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُون» الشامل باطلاقه لمثل مسّ الحائض .

و من ذلک یظهر حکم المصنف القائل بحرمة مسّ اسم اللّه وأسماء الأنبیاء والائمة علیهم السلام علی الاحوط ، وبل کذا فاطمة الزهراء علیهاالسلام .

وقد نُقل التصریح بالحرمة بالنسبة الی غیر الأخیرة ، عن «المقنعة» و«النهایة» و«الکافی» و«المهذب» و«الوسیلة» و«الغنیة» و«الاشارة» و«الجامع» و«المنتهی» و«نهایة الأحکام» و«الذکری» و«البیان» و«الدروس» و«جامع المقاصد» و«الروض» و«معالم الدین» و«شارح النجاة» و«عیون المسائل» و«الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» و«العروة» ، وأصحاب التعلیق علیها .

بل قد یستشعر ذلک من مرسلة داود ، عن رجلٍ ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قال : سألته عن التعویذ یُعلّق علی الحائض؟ قال : لاباس . وقال : تقرأه وتکتبه


1- وسائل الشیعة : الباب 22 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:94

ویکره حمل المصحف ، ولمس هامشه (1).

ولا تمسه»(1) . ومثلها روایته الثانیة(2) .

حیثُ أنّ النهی عن مسه أو اصابة یدها ، لیس الاّ لأجل وجود اسم اللّه وأسماء الأنبیاء والأئمة علیهم السلام علی التعویذة ، کما لا یخفی ، أو وجود الآیات القرآنیة .

هذا فضلاً عن ظهور النهی فی التحریم ، وینجبر ضعفهما بالاجماع أو الشهرة .

أمّا المنقول عن سلاّر من ندبیّة ترک مس ما فیها اسم اللّه .

ضعیفٌ جدا ، خصوصا مع تصریحه قبیل ذلک الحائض مع الجُنب فی الأحکام ، ومع تصریحه بالحرمة فی الجنب ، فالحائض یکون بطریق اولی .

فالحکم بحرمة مسّ غیر المتطهر کتابة القرآن واسم اللّه واسماء الانبیاء والائمة علیهم السلام قوی جدا ، وإنْ کان فی بعضها علی الأحوط کما فی «العروة» .

(1) بل وفی «الجواهر» زیادة قوله : «وما بین سطوره» .

وهذا الحکم هو المشهور شهرة کادت تکون اجماعا ، بل فی «المعتبر» الاجماع علی کراهیة حمله بغلافه .

ما یحرم علی الحائض / فی کراهة حمل المصحف و لمس هامشه علیها

وهذا المقدار من الدلیل یکفی لاثبات الکراهة ، لأجل التسامح ، لو لم یقدّم علیه دلیل آخر _ مع أن البحث عنها تفصیلا مذکور فی باب الجنابة _ وبضمیمة دلیل الاشتراک ، فإنّه یتم المطلوب ، کما لا یخفی .

فما یظهر عن علم الهدی رحمه الله من حرمة مس المصحف ولمس هامشه ضعیفٌ ، کما وقع بحثه فی الجنابة مستوفی ، فلاحظ وتأمل .


1- وسائل الشیعة : الباب 37 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة : الباب 37 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:95

بل قد یمکن الاستدلال علی کراهة حمله بغلافه ، بالخبر المروی عن الإمام موسی بن جعفر ، الکاظم علیه السلام ، قال : «قال : المصحف لا تمسه علی غیر طُهر ولا جُنبا ولا تمس خیطه (او خطه) ، ولا تعلّقه ، إنّ اللّه یقول : «لا یمسه الاّ المطهرون»(1) .

حیث أنّه یدل علی المنع عن تعلیق القرآن علی غیر طهر ، فبضمیمة دلیل الاشتراک بین الجنب والحائض ، ووجود الاجماع علی الکراهة ، یوجب حمل النص علی الکراهیة فی الحائض کالجنب ، مضافا الی ملاحظة اخبار عدیدة أخری تدل علی جواز تعلیق التعویذ علی الحائض ، مثل حسنة منصور بن حازم ، عن أبیعبداللّه الصادق علیه السلام ، قال : «سألته عن التعویذ یعلّق علی الحائض؟ فقال : نعم ، إذا کان فی جلدٍ أو فضة أو قصبة حدید»(2) .

وحسنة داود بن فرقد ، عن أبیعبداللّه الصادق علیه السلام ، قال : «سألته عن التعویذ یُعلّق علی الحائض؟ قال : نعم ، لا بأس»(3) .

بناءً علی شمول الاطلاق لتعلیق القرآن فی التعویذ .

اللّهم الا أن یقید بتلک الاخبار باخراج القرآن ، أو کونه مع الغلاف الفضی أو ما یشابههما . نعم یمکن الاستدلال علی کراهة الحمل للحائض والجنب من دون تعلیق ، بما بالخبر الذی رواه العامّة بأسانیدهم عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله : «قال : لا یحمل القرآن ، ولا یمسّه الاّ طاهرا»(4) .

بضمیمة الشهرة علی الکراهة ، وکون ترک حمل القرآن عند عدم الطهر والجنابة ، یتناسب مع تعظیمه ، کما لا یخفی .


1- وسائل الشیعة : الباب 37 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة : الباب 37 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- وسائل الشیعة : الباب 37 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
4- مصباح الهدی ج5/133 .

ص:96

ولو تطهّرت لم یرتفع حَدثها (1).

(1) أقول : هذا الفرع مشتمل علی ثلاث مسائل لابأس بالاشارة الیها ، کما أشار الیها السید فی «العروة» فی المسألة المرقّمة 42 :

الاولی : عدم ارتفاع حدث الحیض عنها بتحصیلها للطهارة ، سواء کانت قد طهرت عن الحدث الأصغر بالوضوء أو بالتیمم ، أو عن الحدث الأکبر بالغسل أو ببدله .

ویدل علیه الاجماع قولاً واحدا ، کما عن «الجواهر» ، من غیر فرق فی ذلک بین حال ظهور الدم وبین کونه فی الباطن ، بل حتّی فی حال النقاء منه ، إذا کانت محکومة بالحیض ، لعدم اجتماع الطهر عن الحدث الأصغر ، ولا عن حدث الحیض ، مع کونها محکومةً بالحیض ، لأن حدث الحیض الذی یعدّ من الأحداث الکبری مشتمل وموجب للحدث الاصغر أیضا .

ما یحرم علی الحائض / فی عدم ارتفاع حدثها لو تطهّرت

بل قد یستدل علی ذلک بالخبر الذی رواه ، محمد بن مسلم عن أبیعبداللّه الصادق علیه السلام : «قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الحائض تطهر یوم الجمعة ، وتذکر اللّه؟ قال : اما الطُّهر فلا ، ولکنّها تتوضأ فی وقت الصلاة ، ثم تستقبل القبلة وتذکر اللّه»(1) .

ولا ینافی ما ذکرنا مع ما ورد فی الاخبار من جواز الوضوء أو التیمم لها إذا حاضت فی احد المسجدین ، وهو مثل صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : إذا کانت المرأة طامثا ، فلا یحلّ لها الصلاة ، وعلیها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت کلّ صلاةٍ ، ثم تقعد فی موضعٍ طاهر فتذکر اللّه الحدیث)(2) .

وروایة أبی حمزة ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «إذا کان الرجل نائما فی المسجد


1- وسائل الشیعة : الباب 22 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة : الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:97

أو مسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، فاحتلم فأصابته جنابة ، فلیتیمم ولا یمشی فی المسجد الاّ متیمما ، حتّی یخرج منه ، ثم یغتسل ، وکذلک الحائض إذا اصابها الحیض تفعل ذلک الحدیث»(1) .

لأنّ جواز تحصیلهما اعم من تحصیل الطهارة عن الحدث ، لامکان أن یکون ذلک لتحصیل خصوص جواز المرور واباحته فی المسجد ، أو لأجل تجویز الاتیان بالذکر والتسبیح فی حال الحیض ، أو جواز الأکل .

وبعبارة اخری : کان الرفع فی هذه الموارد نسبیا لا مطلقا ، مثل الغسل أو بدله فی فرض تعذر الغسل . وهذا الحکم ثابتٌ بین الأصحاب قولاً واحدا بلا اشکال .

المسألة الثانیة : أنّه قد اتضح مما ذکرنا جواز الاتیان بالأغسال المستحبة غیر المرافقة للحدث ، کغسل الإحرام والتوبة والجمعة ونحوها ، بل وکذا الوضوءات المندوبة غیر الرافعة ، کالوضوء لها لأوقات الصلاة ولها ، وللجنب لغایة الأکل والشرب والنوم ، وقد صرّح بنفی الاشکال فی صحة الاغسال المستحبة عن صاحب «السرائر» و«المعتبر» .

ویدل علی ذلک _ مضافا الی اطلاق ادلة الأدلّة الدالّة علی مشروعیّة تلک الامور _ ما دل علی استحباب غُسل الاحرام لها ، کصحیح العیص ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام : أتحرم المرأة وهی طامث؟ فقال : نعم ، تغتسل وتلبی»(2) .

ونحوه حدیث ابن عمار(3) والشّحام(4) ویونس بن یعقوب(5) الواردة فی الحائض .


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة : الباب 48 من أبواب الاحرام، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة : الباب 48 من أبواب الاحرام، الحدیث 4 .
4- وسائل الشیعة :الباب 48 من أبواب الاحرام، الحدیث 3 .
5- وسائل الشیعة : الباب 48 من أبواب الاحرام، الحدیث 2 .

ص:98

فبضمیمة عدم الفصل بین غُسل الاحرام من المندوب وغیره ، یثبت المطلوب .

مضافا الی ما عرفت من ورود الخبر الدال علی جواز الوضوء فی أوقات الصلاة والذکر ، بل وما ورد من جواز الوضوء للاکل فی الجنب ، الشامل باطلاقه للجنب والحائض أیضا ، مثل روایة الحلبی ، عن أبیعبداللّه الصادق ، عن ابیه علیهماالسلام : «قال إذا کان الرجل جُنبا ، لم یأکل ولم یشرب حتّی یتوضأ»(1) .

هذا ، مع ملاحظة اشتراک الرجل والمرأة فی أحکام الجنابة .

ما یحرم علی الحائض / فی إتیان الحائض بالأغسال المستحبّة

وکما قد یستفاد الحکم أیضا من الخبر الوارد فی خصوص الوضوء للحائض ، مثل حدیث معاویة بن عمّار ، عن الصادق علیه السلام : «تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت الاکل ، الحدیث»(2) .

بل وما ورد فی مطلق الجنب من دون ذکر قید الرجل ، مثل روایة عبد الرحمن بن أبی عبداللّه فی حدیثٍ ، قال :«قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : أیاکل الجُنب قبل أن یتوضأ؟ قال : انا لنکسل ولکن لیغسل یده ، فالوضوء افضل»(3) .

وهکذا ثبت أنّ هذا مما لا خلاف فیه .

ما یحرم علی الحائض / فی إتیان الحائض الأغسال الواجبة علیها

المسألة الثالثة : وهی التی وقع الاختلاف فیها ، وهی البحث عن صحة الاغسال الواجبة الرافعة لکلّ حدث غیر الحیض منها ، مثل غُسل الجنابة ومسّ المیت ، فهل یصحّ اتیانها فی حال الحیض أم لا؟

فیه قولان ، والمنسوب الی المشهور هو عدم الصحة ، بل عن «المنتهی» و«المعتبر» دعوی الاجماع علیه .

وبعبارة أخری : هل یرتفع الحدث الذی تطهّرت منه أم لا؟


1- وسائل الشیعة : الباب 20 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة : الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة : الباب 20 من أبواب الجنابة، الحدیث 7 .

ص:99

والذی یظهر من أکثر الاصحاب _ خصوصا من المتقدمین _ هو الثانی ، خلافا لأکثر المتاخرین ، خصوصا المعاصرین منهم أو من قارب عصرنا ، کالسیّد فی «العروة» وکثیر من أصحاب التعلیق ، حیث ذهبوا الی القول الاوّل .

واستدل المشهور علی مذهبه بامورٍ ، منها : التمسک بالأخبار ، مثل صحیحة محمد بن مسلم ، من التصریح بعدم حصول الطهر ، بقوله علیه السلام : «وامّا الطهر فلا» .

وصحیح الکاهلی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قال : سألته عن المرأة یجامعها زوجها فتحیض ، وهی فی المغتسل ، تغسل أو لا تغتسل؟ قال : قد جاءها ما یفسد الصلاة ، فلا تغتسل»(1) . فإنّ مضمون الخبر صریح فی حکمه علیه السلام بالنهی عن الاغتسال . و موثق سعید بن یسار ، قال : «قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : المرأة تری الدم و هی جنب ، تغتسل عن الجنابة ، وغُسل الجنابة والحیض واحد؟ فقال : قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»(2) .

فان قوله علیه السلام : «قد أتاها ما هو أعظم» إشارة الی عدم فائدة غسل آخر مع الحدث الذی أصابها وهو الحیض . وموثق أبیبصیر ، عن الصادق علیه السلام ، قال : «سئل عن رجل أصاب من امرأة ثم حاضت قبل أن تغتسل؟ قال : تجعله غسلاً واحدا»(3) .

فإنّ حکمه علیه السلام بجعلها غسلاً واحدا ، لیس الاّ لاجل أنه لا اثر لغسل الجنابة مع وجود حدث الحیض .

ومنها : أنّ الطهارة وحدث الحیض ضدان ، یمتنع اجتماعهما ، فلا یعقل حصولها معه ، کما لا یخفی .


1- وسائل الشیعة : الباب 22 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 22 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة : الباب 43 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .

ص:100

ومنها : أنّه لا یمکن تحقق غُسل الجنابة مع وجود الحیض ، لأنّ غُسل الجنابة لو تمّ تأثیره لافاد فی اجزاءه عن الوضوء ، مع أنه غیر ممکن هنا ، لأجل وجود حدث الحیض .

ومنها : أنّه لا یجتمع مع القول بکون غُسل الجنابة واجبا لغیره ، لأنّ المرأة مع کونها قد أصابها حدث الحیض ، فإنّه لا یجب علیها مما یتوقف علی غُسل الجنابة حتّی یصیر واجبا للغیر ، هذا بخلاف ما لو کانت طاهرة .

أقول : إنّ الدقة والتأمل یقتضیان خلاف ذلک ، أمّا أوّلاً : لوجود العموم و الاطلاق علی الجواز ، والأمر بالغُسل بعد تحقق الحدث ، الشامل باطلاقه وعمومه للحائض ، لولا الدلیل علی التقیید والتخصیص ، خصوصا فی الجنابة .

وثانیا : ورود الأخبار الدالّة علی الجواز فی خصوص الحائض ، مثل روایة سماعة ، عن أبی عبداللّه وأبی الحسن علیهماالسلام ، قالا : «فی الرجل یجامع المرأة ، فتحیض قبل أن تغتسل من الجنابة؟ قال : غسل الجنابة علیها واجب»(1)

بأن یؤخذ باطلاقه حتّی لمن تحیض وأراد اتیان غُسلها فی حال حیضها ، ولم یُحمل علی بقاء الغُسل فی ذمتها الی أن تطهر من حدث الحیض ، والاّ لا ینافی ما ذکروه .

هذا بناءً علی کون الجملة الواردة فی الخبر جملة إخباریة فی موضع الانشاء والأمر لا بصورة الاستفهام الانکاری ، کما احتمله صاحب «الوسائل» حیث ذهب إلی أنّ المراد من الجملة انکار وجوب الغُسل علیها ، والاّ لصارت موافقة مع قول المشهور .

والذی یؤید خبریّة الجملة ما ورد فی روایة عمّار الساباطی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال : «سألته عن المرأة یواقعها زوجها ، ثم تحیض قبل أن تغتسل؟


1- وسائل الشیعة : الباب 43 من أبواب الجنابة، الحدیث 8 .

ص:101

قال : إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإنْ لم تفعل فلیس علیها شی ء ، فاذا طهرت اغتسلت غُسلاً واحدا للحیض والجنابة»(1) .

حیث أنّه علیه السلام قد أجاز لها الاغتسال فی حال الجنابة ، وسیاق الخبر لا یناسب مع الانکار الأکید فی الحدیث السابق . بل ومن جهة فهم الجواز منهما ، تری الشیخ الطوسی قدس سره قد حکم بالجواز فی خصوص الجنابة فی کتابه «التهذیب» ، ولکن نحن نذهب إلی تعمیم الحکم لغیره أیضا ، وذلک لأجل عدم الخصوصیة فی الحدثیة بین الجنابة ومسّ المیت من جهة عدم المزاحمة مع حدث الحیض لو قصدت اتیانه فی حال الحیض ، حیث یترتب علیه أثره المختص به .

ما یحرم علی الحائض / فی عدم صحّة الصوم منها

لا یقال : لو سلّم تمامیة دلالة الاطلاق والعموم أو الروایة الخاصّة الواردة ، لکنهما معارضان لورود الدلیل علی خلافها ، کما عرفت وجوده فی الأخبار السابقة .

لأنّا نقول : عدم تمامیة دلالة تلک الاخبار للمنع ، لامکان أن تکون تلک الأخبار إرشادیة ، أی إنّها ارشاد إلی عدم ترتب أثر یفسد الغُسل مع وجود الحیض ، کما یؤید ذلک ما هو المذکور فی الحدیث بما یشبه التعلیل من قوله علیه السلام : «وقد جاءها ما یفسد الصلاة» أو «وقد أتاها ما هو أعظم من ذلک» .

ولا یفهم منها عدم الجواز _ کما قیل _ ولعلّ وجه النهی کان لأجل توهم الحظر من احتمال الوجوب ، لکون المقام مقام توهمه .

کما أنّ ما ورد فی موثقة أبی بصیر مِنْ جعل غُسلهما غُسلاً وحدا ، لم یکن إلاّ فی مقام بیان الرخصة بالاتیان بغسل واحد ، دون العزیمة ، وإلاّ لصار منافیا مع عدد من الأخبار الواردة الدالة علی جواز التداخل فی الاغسال المتعددة ، مثل غُسل مسّ المیت ، مع غُسل الجنابة ، أو غُسل الحیض مع سائر الاغسال ، فاذا


1- وسائل الشیعة : الباب 43 من أبواب الجنابة، الحدیث 7 .

ص:102

الثانی : لا یصح منها الصوم (1).

کان التداخل مرخصا فیه ، فلا ینافی حینئذٍ جواز الاتیان بالأغسال متعددا ، سواء کان ذلک فی حال طهرها عن الحیض بأن تقدم علی اتیان الغُسل للجنابة مستقلاً وذلک لأجل أن یترتب علیه أثره المختص به ، مثل زوال الکراهة التی کانت للاکل مع الجنابة ، أو زوال کراهة النوم مع الجنابة ، ونحو ذلک .

کما یجاب عمّا قیل من إمکان عدم إجزاء مثل هذا الغُسل عن الوضوء فی تلک الحالة ، بأن هذا الاثر إنّما یترتب علیه ، لو لم یکن فی البین مانع ، نظیر المانع العارض اثناء الغسل _ کالحدث الأصغر _ حیث لا یکفی عن الوضوء حینئذٍ ، وهو غیر مانع عن صحة الغسل ، کما لا یخفی .

فالاقوی هو ما اختاره السیّد قدس سره ، وأکثر المتأخرین ، من صحّة الاغسال الواجبة ، بلا فرق بین کونه من الجنابة أو غیره ، بل نذهب إلی زوال الحدث بالنسبة الی بعض الأشیاء ، کالأکل والنوم وغیرهما ، وإنْ لم یرتفع بسببه مطلق الحدث ، وذلک لما عرفت من تحقق ما هو اعظم وما هو مفسد للصلاة _ أی الحیض _ کما لا یخفی .

ومما ذکرنا ظهر عدم وجود التضاد بین وجود الحدث للحیض ، مع حصول ما یزول الحدث بالنسبة إلی بعض الاشیاء .

نعم ، یصحّ دعوی وجود التضاد بین أصل الحدث ، مع حصول الطهارة تامّة ، ونحن لا ندعی مثل ذلک ، کما هو واضحٌ لمن یتدبر .

(1) إنّ عدم صحة الصوم حال الحیض ، حکمٌ ثابتٌ بدلیل الاجماع _ محصلاً ومنقولاً _ بل السنّة ناطقه به ، کما مرّ حین ذکر الاخبار الدالة علی شرطیة الطهارة عن حدث الحیض فی العبادات ومنها الصوم الذی ورد ذکره فی تلک الأخبار .

ص:103

ولا یجوز لها الجلوس فی المسجد (1).

منها : روایة فُضیل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إذا حاضت المرأة ، فلا تصوم ولا تصلّی ، لأنها فی حدّ نجاسة ، فأحب اللّه تعالی أنْ لا یُعبد الاّ طاهرا ، ولأنّه لا صوم لمن لا صلاة له الحدیث»(1) .

ومثله روایات متعددة لا حاجة لذکرها ، کما لا یخفی .

و لا فرق فی ذلک بین الواجب منه والمندوب ، کما لا فرق فی الواجب بین کونه بالذات أو بالعرض ، مثل الصوم المنذور والمحلوف علیه .

هذا کله فی حال وجود الحیض وقبل الانقطاع .

و أمّا حکمه بعد الانقطاع وقبل أن تُقدم المرأة علی الغُسل ، فحکمه کذلک عند المشهور ، کما فی «الجواهر» ، تمسکا بما رواه أبو بصیر ، عن أبیعبداللّه الصادق علیه السلام : «إنْ طهرت بلیل من حیضها ، ثم توانت أنْ تغتسل فی رمضان حتّی أصبحت ، علیها قضاء ذلک الیوم»(2) .

ما یحرم علی الحائض / اللبث فی المسجد

خلافا للعلاّمة فی «النهایة» ومال الیه بعض متأخری المتأخرین ، کما ترددّ فیه المصنف فی «المعتبر» ، ویأتی تفصیل الکلام عنه فی باب الصوم إنْ شاء اللّه تعالی .

(1) لا اشکال فی حرمة الجلوس لها فیه ، کما فی المتن ، و«القواعد» ، لوقوع النهی عنه فی الأخبار ، کما سنشیر الیه بل وکذلک یحرم علیها اللّبث فیه ، کما وقع التصریح بذلک فی «الارشاد» و«المعتبر» و«المنتهی» ، بل قد ادعی فی الکتابین الأخیرین الاجماع علیه ، بل وقع هذا التعبیر فی کلمات المتأخرین ، کالسید فی


1- وسائل الشیعة : الباب 39 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة : الباب 21 من أبواب ما یمسک عنه الصائم، الحدیث 1 .

ص:104

«العروة» وصاحب «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» ، وکثیرٌ من أصحاب التعلیق علی «العروة» ، بل کلهم ، ولعلّهم استفادوا هذا الحکم من کلمتی الاجتیاز والمرور ، الواردین فی لسان الأخبار ، فلا بأس هنا بذکر الاخبار الواردة فیه :

منها : صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قالا : «قلنا له : الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟

قال : الحائض والجنب لا یدخلان المسجد الاّ مجتازین ، إنّ اللّه تبارک قال یقول : «ولا جُنُبا الاّ عَابِری سَبیل» حتّی تغتسلوا» الحدیث(1) .

فإنّ هذا الخبر یدل علی مجرد جواز المرور والإجتیاز ، فی مقابل اللّبث والمکث ، أی لا یجوز لهما اللّبث والمکث فیه ، سواء کان لبثهما أو مکثهما جلوسا أو قیاما مع السکون .

بل قد یقال إنّ التعبیرین الواردین فی الخبر یعدَّان فی مقابل التردد ، أی لا یجوز لهما المرور فی المسجد .

ولعلّه لأجل أن المتبادر اوّلاً فی الذهن من کلمة الاجتیاز والمرور ، هو الدخول من باب والخروج من آخر ، ولا یصدق ذلک حتّی مع الدخول والخروج من بابٍ واحد ، بأن یدخل فیه من الباب فیدور فی فضاء المسجد ثمّ یخرج من نفس ذاک الباب الذی دخل منه ، لانّ ظاهر لفظ المرور هو غیره ، کما اختاره الشیخ الاعظم قدس سره ، بل علیه السیّد قدس سره «العروة» فی باب الجنابة ، وإنْ لم یذکره ولم یصرّح به بالخصوص فی باب الحیض .

أقول : لا یخفی علیک أن ظاهر الآیة الشریفة لا ینطبق الاّ علی ذلک ، إذ لا


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 10 .

ص:105

یوصف الذی یدور فی المسجد ، أنه عابر سبیل ، فلا یبعد أنْ یکون کلام الامام علیه السلام بیانا لما هو ظاهر من الآیة ، فالحائض مشترک مع الجنب فی ذلک الحکم ، وذلک لأجل الجمع فی کلام الامام بینهما ، وهو دلیلٌ علی کون اختصاص الآیة بالجنابة غیر قادح للحکم فیها .

منها : صحیحة محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «الجنب والحایض یفتحان المصحف من وراء الثوب . . . الی أن قال : ویدخلان المسجد مجتازین ، ولا یقعدان فیه ، ولا یقربان المسجدین الحرمین»(1) .

فهذه الروایة مشتملة علی کلتا الجملتین ، من النهی عن القعود ، وتجویز الجواز والاجتیاز ، فلو لم نجعل قوله : «ولا یقعدان» بیانا وتفسیرا للاجتیاز ، لصار الحکم هنا فی کلّ منهما مستقلاً ، بمعنی أنّه یجوز المرور ویحرم القعود ، فلا ینافی حینئذٍ أنْ یستفاد حرمة المکث واللّبث ، من اختصاص الجواز فقط للمرور والاجتیاز ، وهذا هو الاظهر .

منها : مرفوعة أبیحمزة ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «إذا کان الرجل نائما فی المسجد ، أو مسجد الحرام ، أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، فاحتلم فأصابته جنابة ، فلیتیمم ولا یمرّ فی المسجد الاّ متیمما ، حتّی یخرج منه ، ثم یغتسل ، وکذلک الحائض إذا أصابها الحیض ، تفعل ذلک ولا بأس أن یمرّا فی المساجد ولا یجلسان فیها»(2) .

و الکلام فیها کالکلام فی الروایة السابقة ، من کون النهی عن الجلوس یعدّ حکما ، وتجویز خصوص المرور یعدّ حکما مستقلاً آخر ، بل قد یؤید کون


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 17 .
2- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 3 .

ص:106

الجواز خاصّا بالمرور فقط فی حق الحائض أیضا ، إذا قلنا باشتراک أحکامها مع أحکام الجنب ، وورود الاخبار العدیدة التی تجوز المرور للحائض بالخصوص ، کما تری ذلک فی صحیحة جمیل ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن الجنب ، یجلس فی المساجد؟ قال لا ، ولکن یمرّ فیها کلها ، الاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله »(1) .

ومثله روایته الاخری(2) ، وروایة محمّد بن حمران(3) ، وروایة أبیحمزة(4) ، وغیر ذلک من الأخبار ، وان شئت الاطلاع علیها فراجع الباب 15 من أبواب الجنابة .

وعلی ذلک فما فی «المدارک» من جواز الترددّ فی جوانب المسجد ، لا یخلو عن ضعف ، لعدم دخوله تحت مسمّی المرور والاجتیاز عرفا ، فینحصر الجواز بصورة واحدة وذلک بأن یدخل من باب ویخرج من الآخر ، حتّی ولو کانا متصلین ومجاورین ، أحد بابی المسجد فی شارع والآخر فی شارع ثانٍ مثلاً ، حیث یدخل الناس من الأوّل ویخرجون من الآخر ، مع کونهما متصلین ، فإنّه یجوز ذلک لأنّه یصدق علیه المرور أیضا .

وما ورد فی کلام «مصباح الهدی» من تخصیص الجواز بغیر ذلک ، حیث قال : «ان عبور السبیل یتوقف علی أن یدخل من بابٍ ویخرج من باب آخر ، مع کون باب الدخول فی طرف وباب الخروج فی طرف آخر ، بخلاف ماکان البابان متصلین فی طرف واحد ، اذ لا یصدق معه عبور السبیل ، ولعلّ ما استظهره الشیخ


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .
3- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .
4- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 6 .

ص:107

ویکره الجواز فیه (1).

الأکبر قدس سره من لفظ الاجتیاز ایضا ، هو هذا المعنی ، کما أنّه لیس ببعید ، واللّه العالم» .

انتهی کلامه(1) .

لیس علی ما ینبغی ، ولکن لا یبعد أن یراد من کلامه غیر ما فرضناه ، بان یکون کلا البابین متصلین مفتوحین علی شارع واحد ، نظیر أبواب المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، ففی مثله أیضا وانْ کان یمکن القول بما قلناه أیضا ، الاّ أنه لیس مثل ما فرضناه فی الاشکال ، کما لا یخفی .

(1) أی فی غیر المسجدین ، من المسجد الحرام والمسجد النبوی صلی الله علیه و آله . أمّا سبب إطلاق المصنّف الحکم بالکراهة فی مطلق المساجد ، ولم یستثن حکم المسجدین ، فلعلّه کان لأجل اعتماده بما قد ذکره فی باب الجنابة ، مع وضوح الاشتراک فی الأحکام بین الحائض والجنب فی حرمة الوضع فی المساجد ، وجواز التناول والأخذ منها _ مع أنه لم یذکرهما هنا _ بل وکذا فی حکم لزوم التیمم فیه لمن نام فی المسجدین ، وأصابته جنابة أو حیض ، حتّی یخرج ، لأنه قد ذکرت جمیع هذه الأحکام مشترکة فی الأخبار ، فلا باس بالاشارة الیها .

فنقول : امّا حکم جواز الاجتیاز لها فی المساجد _ غیر المسجدین _ فلما عرفت من الاشارة بل الصراحة علی ذلک فی صحیح محمد بن مسلم وغیرها مثل حدیث جمیل بن درّاج ، وکذا مرفوعة أبیحمزة ، بقوله : «ولا باس أنْ یمرّا فی سائر المساجد» .

ما یحرم علی الحائض / فی حکم الاجتیاز فی المسجد علیها

مضافا الی دعوی الاجماع فی «المعتبر» و«المنتهی» ، وما نُقل عن «الفقیه»


1- مصباح الهدی ج5/55

ص:108

و«المقنع» و«الجمل والعقود» و«الوسیلة» من اطلاق حرمة الدخول ، حیث أنّه لابد أنْ ینزّل علی غیر الجواز من المکث واللبث ، أو علی ما یستلزم تلویث المسجد بالنجاسة بمجرد الدخول والمرور ، وأمثال ذلک .

و امّا استفادة الکراهة من هذه الاخبار ، فإنّه وإن کان لا یخلو عن اشکال ، الاّ أنه مع ملاحظة تصریح جماعة من الاصحاب ، ممن لا یفتی إلاّ بعد ما یقف علی دلیلٍ من الشرع علیه کالشیخ والمصنف والعلاّمة والشهید رحمهم الله وغیرهم ، بل قد ادعی الشیخ فی «الخلاف» الاجماع علی الکراهة ، وقیام مثل هذا الدلیل کافٍ فی الحکم بها ، خصوصا مع مناسبتها للتعظیم أیضا .

بل قد یمکن استفادته ما رواه فی «کشف اللثام» مرسلاً عن الإمام أبوجعفر الباقر علیه السلام ، وهو المنقول عن «دعائم الاسلام» ، عن أبیجعفر علیه السلام : «قال : إنا نأمر نسائنا الحیّض أن یتوضأن عند وقت کلّ صلاةٍ . . . الی أن قال : ولا یقربن مسجدا ولا یقرأن قرآنا»(1) .

بان یحمل هذا النهی _ بضمیمة تلک الأخبار الواردة _ علی جواز الاجتیاز علی الکراهة ، إذ لولا ذلک لما تمکّنا من الاخذ بظاهره من النهی فی الحرمة ، ولعلّه بملاحظة هذا النهی قد أفتی جمعٌ من الفقهاء بحرمة الدخول مطلقا .

ولکن الحمل علی الکراهة أولی ، کما یؤیده وحدة السیاق مع الجملة التی تلیها من قوله : «ولا یقرأن قرآنا» ، حیث لم یفت أحد بحرمة القراءة ، بل غایته کراهة قراءة القرآن زائدا علی سبع آیات علی الحائض ، کما لا یخفی .

فما وقع من بعضهم من التردد فی الکراهة ، أو تعلیلها بما یصلح لذلک ، یکون فی غیر محلّه ، لما عرفت ما یکفی فی اثبات الکراهة ، وأنّه ولا یمکن الذهاب


1- المستدرک ج1 الباب 27 من ابواب أحکام الحیض الحدیث 3 .

ص:109

الی الحرمة ، مع کثرة الأخبار الدالة علی الجواز .

وامّا حکم حرمة الدخول لها مطلقا فی المسجدین ، فقد ادعی فیه صاحب «الجواهر» قدس سره بقوله : «إنّی لم أجد فیها خلافا محققا» ، بل فی «المدارک» نسبته الی الأصحاب مشعرا به دعوی الاجماع علیه ، هذا فضلاً عن امکان الاستدلال علیه بصحیحة (أو حسنة) محمّد بن مسلم ، قال : «قال أبوجعفر علیه السلام فی حدیث الجنب والحایض : ویدخلان المسجد مجتازین ، ولا یقعدان فیه ، ولا یقربان المسجدین الحرمین»(1) .

بل قد یمکن استفادة حرمة دخولها المسجدین من دلیل الاشتراک بینها وبین الجنب ، وورود الأخبار فی النهی عن الدخول إلیهما للجنب ، فیسری الی الحائض ایضا بدلیل الاشتراک ، وهو مثل الخبر الذی رواه جمیل بن دراج عن أبی عبداللّه الصادق علیه السلام فی حدیث حیث قال : «ولکن یمرّ فیها کلّها ، إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله »(2) .

و حدیثه الآخر عنه علیه السلام ، قال : «للجنب أن یمشی فی المساجد کلها ، ولا یجلس فیها ، إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله »(3) .

و حدیث محمّد بن حمران عنه علیه السلام ، قال : «الجنبُ یجلس فی المسجد؟

قال : لا ، ولکن یمرّ فیه ، الاّ المسجد الحرام ومسجد المدینة»(4) .

بل قد یؤید الاشتراک ، وعدم جواز المرور لها فی المسجدین ، ما ورد فی مرفوعة أبی حمزة ، قال : «قال أبوجعفر علیه السلام : إذا کان الرجل نائما فی المسجد ،


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 17 .
2- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .
4- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .

ص:110

أو مسجد الحرام ، أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، فاحتلم فاصابته جنابة ، فلیتیمم ولا یمرّ فی المسجد الاّ متیمما ، حتّی یخرج منه ، ثم یغتسل ، وکذلک الحائض إذا اصابها الحیض ، تفعل ذلک ، ولا بأس أن یمرّا فی سایر المساجد ولا یجلسان فیها»(1) .

بتقریب أنْ یقال : بما أن النائم الجنب والحائض لم یجوز لهما الکون فی المسجدین ، الاّ مع التیمم ، مع أن احتلامه وحیضها لم یکن باختیارهما ، فیفهم منه المنع فیهما حتّی المرور والاجتیاز .

لا یقال : إنّ الحکم الوارد فی هذا الحدیث قد ذکر ذلک فی مطلق المساجد أوّلاً ، ثم عطف علیه المسجدین ، فیلزم القول بذلک فی جمیع المساجد ، وأنّه لا یجوز المرور علیها الاّ مع التیمم ، مع أنه لیس الأمر کذلک .

لأنا نقول : لکان الأمر کذلک ، لولا تصریحه فی ذیله بجواز المرور جُنبا أو حیضا فی سائر المساجد ، مضافا الی ما عرفت من الأخبار الدالة علی تجویز ذلک فی مطلق المساجد غیر المسجدین ، وبناء علی ذلک تعرف الکلام فی هذا الحدیث .

وأیضا یلحق به فی الدلالة من جهة حیث الاشتراک ، روایة اخری لأبیحمزة(2) من دون ذکر سائر المساجد فی أوّله ، کما لم یذکر فی ذیلها الحاق الحائض بالجنب کما فی الروایة الاولی ، بل ربما کان الحکم فی الحائض أشدّ ، لإشتمالها علی النجاسة الخبثیّة دونه .

واحتمال کونهما روایة واحدة ، فیدور أمرها بین الزیادة والنقیصة ، لکن تقدم اصالة عدم الزیادة علی اصالة عدم النقیصة ، لأن وقوع السهو فی النقیصة أزید من السهو فی الاخری ، فلازم هذا التقدیم المبتنی علی الأصل العقلائی یوجب


1- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة : الباب 15 من أبواب الجنابة، الحدیث 6 .

ص:111

تأیید الروایة الاولی ، الشاملة علی الالحاق ، کما لا یخفی .

کما أنّه یمکن الاستفادة من دلیل الاشتراک بینهما ، اسراء کثیر من أحکام الجنب علی الحائض ، برغم أن المصنّف لم یتعرض لها هنا ، وقد ذکرها فی باب الجنابة ، من حرمة وضع الشیء فی المساجد ، وجواز أخذ الشیء منها ، الواردة فی الاجتیاز فی خصوص الجنب مثلاً ، فیجوز أن یتعدی فیه الحکم من الحائض أیضا .

بل یمکن إسراء الحکم والحاق المشاهد المشرفة بالمساجد کما هو ثابت عند بعض الی المسجدین عند آخرین ، کما هو کذلک عندنا علی الأحوط ، أی لا یجوز الدخول فیها بالمرور أیضا علی الاحوط .

نعم المستفاد من دلالة الروایات هو حکم سائر المساجد من تجویز المرور فیها للجنب والحائض ، من دون مکثٍ ولبث ، کما عرفت بحثه فی المساجد فلا نعید . وما توهم من جواز الدخول _ خصوصا فی الحائض _ کما عن الآملی فی غیر محله .

ما یحرم علی الحائض / حکم قرائة العزائم و غیرها

ومن هنا ظهر أنّ علی الحائض لزوم رعایة التیمم ، إذا نامت فی المسجدین أو فی أحدهما ، أو فی مطلق المساجد ، وحاضت فیهما کما ورد فی النص الذی مرّ ذکره ، بل فی «الجواهر» : «أن حکم التیمم لها وللجنب مجرد تعبد شرعی ، والاّ فالتیمم لا یفسدها شیئا ، ولذا لو اضطرت الی دخول غیرهما من المساجد لا نوجب علیها التیمم ، اذ هو لا یفیدها شیئا ، فیبقی الاصل لا معارض له ، واللّه أعلم» . انتهی کلامه(1) .

بل قال فی «مصباح الفقیه» مثل ما صرح به صاحب «الجواهر» ، وأضاف علیه بقوله : «لا یجب علیها التیمم ، بل لا یشرع ، لعدم الدلیل علیه ، وإنّما ثبت فی


1- جواهر الکلام ج3/222

ص:112

الرابع: لا یجوز لها قراءة شیء من العزائم ، ویکره لها ما عدا ذلک (1).

خصوص المورد تعبدا ، فلا یجوز التخطی عنه ، واللّه العالم» انتهی کلامه(1) .

ولکن یمکن أن یورد علیهما : بأنّه کیف لا یفسد التیمم شیئا ، وقد عرفت فی بحث الغُسل من الجنابة فی الحائض من وجود فائدة معنیّة لاقدامها علی التیمم من رفع الحدث بالنسبة الی ذلک ، ولو فی الجملة ، فلا مانع حینئذٍ أنْ یقال إنّه لو اضطرت الحائض إلی دخول المسجد أو المسجدین فی تلک الحالة _ کاضطرارها فی المورد من حیث النوم وعروض الحدث علیها بلا اختیار _ کان التیمم علیها واجبا من باب تنقیح المناط ، ولا أقلّ من الجواز ولو رجاءً ، خوفا من کون الحکم بالوجوب مخالفا للاجماع ، حیث لم یشاهد من احد الفتوی بذلک ، فاتیان التیمم برجاء المطلوبیة لمن اضطرّ إلی دخول المسجدین أو مطلق المساجد ، لا یخلو عن حُسن ، کما لا یخفی .

(1) فاما حرمة قراءة سور العزائم ، حتّی البسملة ، فی حال الحیض ، فعلیه الاجماع محصلاً ومنقولاً مستفیضا ، کما تری التصریح به فی «المعتبر» حیث یقول : «وهذا مذهب علمائنا کافة» ، والمحکیّ عن «المنتهی» حیث قال بعد جملةٍ من الکلام : «وهو مذهب فقهائنا أجمع ، بل حرمتها علی الجنب ثابتة بالاجماع ، فیضم الیه وجود الاتفاق علی اشتراک الجُنب والحایض فی الأحکام» .

بل ویستدل علی حرمة قراءة آیة السجدة بما ورد فی صحیح زرارة ، عن أبیجعفر علیه السلام ، فی حدیثٍ ، قال : «قلت له : الحائض والجنب هل یقرأن من القران شیئا؟ قال : نعم ما شاءا الاّ السجدة»(2) .


1- مصباح الفقیه ج4/135 .
2- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .

ص:113

حیث ورد فیها المنع عن قراءة آیة السجدة ، المحمول علی الواجبة منها ، والاّ باطلاقه یشمل غیر الواجبة ، إلاّ أنّه حیث لم یفت بحرمتها الفقهاء ، فقد خصّصوا حکم الحرمة بالواجبة ، وهذا الحدیث یفید ظاهره أنّه لا یحرم لها الاّ قراءة نفس آیة السجدة ، لاتمام السورة .

ومثلها روایة محمّد بن مسلم(1) .

نعم ، توجد روایة أخری نقلها المحقق فی «المعتبر» مرویّة عن البزنطی فی «جامعه» ، عن المثنی ، عن الحسن الصیقل ، عن أبیعبداللّه علیه السلام : «قال : یجوز للجنب والحائض أن یقرءا ما شاءا من القرآن ، الاّ سور العزائم الاربع ، وهی اقرء باسم ربک ، والنجم ، وتنزیل السجدة ، وحم السجدة»(2) .

حیث تری فیها التصریح بحرمة قراءة السور الأربع ، الشامل حتّی للبسملة ، التی یحتمل کونها من السور ، وبناء علی هذا نری قوة حرمة قراءة تمام السورة للمجنب ، فیکون حکم الحائض کحکم الجنب ، بدلیل الاشتراک بینهما فی الحکم .

وامّا وجه حکم الکراهة لما عدا ذلک من آیات القرآن وسوره ، فإنّه مضافا الی کونه هو المشهور ، بل ظاهر المصنف دعوی الاجماع علیها ، من غیر فرق بین السبع والسبعین وغیرهما ، بحسب اطلاق کلامه قدس سره .

ووجه الکراهة والدلیل علیها هو ملاحظة الجمع بین طائفتین من الاخبار من المجوزة والمانعة ، فامّا المجوزة _ مضافا الی ما ورد من العمومات والاطلاقات الواردة علی الترغیب بقراءة القرآن ، وکونها محمودة ، الشاملة باطلاقها للجنب والحائض لولا الدلیل علی التقیید والتخصیص _ فهی دلالة الاحادیث التی مرّت


1- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 11 .

ص:114

ذکرها مثل روایة زرارة ، وحسن الصیقل ، ومحمد بن مسلم ، وروایة زید الشحّام عن أبیعبداللّه علیه السلام : «قال : الحائض تقرء القرآن ، والنفساء والجُنب أیضا»(1) .

و روایة الحلبی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال : «سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل یتغوّط القران؟ فقال : یقرءن ما شاءا»(2) .

وروایة عبد الغفار الجازی (المحاربی) عنه علیه السلام ، قال : «قال الحائض : تقراء ما شاءت من القرآن»(3) .

وروایة فضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : «لا بأس أن تتلوا الحائض والجُنب القرآن»(4) .

وغیر ذلک من الاخبار الدالة علی الجواز ، من دون تفصیل بین السبع والسبعین وغیرهما .

و امّا الاخبار المانعة ، فلما روی عن النبی صلی الله علیه و آله مرسلاً ، قال : «لا یقرأ الجنب ولا الحائض شیئا من القرآن»(5) .

وعن السکونی ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام ، قال : «سبعة لا یقرأون القرآن : الراکع والساجد وفی الکنیف وفی الحمام والجُنب و النفساء والحائض»(6) .

و المرسل المرویّ عن «کشف اللثام» أنه اُرسل عنه علیه السلام فی بعض الکتب : «لا


1- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 6 .
3- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 8 .
4- وسائل الشیعة : الباب 19 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .
5- کنز العمال ج5 ص97 الرقم 2091 .
6- وسائل الشیعة : الباب 47 من أبواب قرائة القرآن، الحدیث 1 .

ص:115

تقرأ الحائض قرآنا»(1) .

وعن «دعائم الاسلام» مرسلاً ، عن أبی جعفر علیه السلام : «إنّا نأمر نسائنا الحیّض أن یتوضأن عند وقت کلّ صلاةٍ الی أنْ قال : ولا یقربن مسجدا ، ولا یقرأن قرانا»(2) .

فمقتضی الجمع بینهما ، هو حمل النهی فی تلک الأخبار علی الکراهة ، خصوصا بعد انجبارها بالشهرة ، بل الاجماع .

کما أن مقتضی الاطلاق فی الجمع ، هو الکراهة مطلقا ، بلا فرق بین السبع والسبعین .

اللّهم إلاّ أن یتعدی عن مورد الجُنب الی الحائض بواسطة الاشتراک بینهما فی مثل هذه الأحکام ، ولکن مقتضی اطلاق الأکثر هنا یوجب عدم اجراء ذلک التفاوت الجاری فی الجنب هنا ، للاخلال بالاتفاق هنا ، وهو غیر بعید .

فظهر مما ذکرنا أنّ ما نُقل عن السلاّر من القول بالحرمة ضعیف ، کضعف المنقول عن ابن السرّاج ، من تقیید الحکم بالزائد عن السبع ، أو القول بعدم الکراهة مطلقا ، أو بتقییدها بالسبع أو السبعین ، لما عرفت من عدم وجود الدلیل هنا بالخصوص علی مثل هذا التفصیل .

واحتمال عدم اجراء حکم الجنب هنا ، لأجل عدم وجود الاتفاق فی خصوص هذه المسألة ، فیحتمل کراهة القراءة هنا مطلقا .

لا یخلو عن رجحانٍ ، خصوصا مع ملاحظة کونها أسوء حالاً من الجنب ، وکونها حاملة للنجاسة الخبثیة ، وامثال ذلک .

ولکن مع ذلک کله نحن تابعون لآثار أهل البیت علیهم السلام ، ونقتفی آثارهم


1- المستدرک ج1 الباب 27 من ابواب الحیض الحدیث1
2- المستدرک ج1 الباب 27 من ابواب الحیض الحدیث 3 .

ص:116

وأقوالهم فی الأحکام ، ولا نعتقد بصحّة مثل هذه الاستحسانات ، الاّ بعد فقدان الدلیل عنهم علیهم السلام ، أو ورود ما یؤیّدنا فی ذلک منهم علیهم السلام ، وأعاذنا اللّه تعالی بحقهم عن الزَّلل والخطأ فی استنباط الأحکام ، وجعلنا من أنصارهم وشیعتهم ومحبّیهم ، وحَشَرنا معهم فی الآخرة ، إنّه سمیعٌ مجیب .

ثمّ الظاهر من اطلاق کلمات الأصحاب ، بل المتبادر من الأخبار _ لأجل المناسبة المغروسة فی الاذهان _ کون المانع عن قراءة سور العزائم ، ودخول المساجد ، هو بقاء حدث الحیض الذی لا یرتفع ولا یزول الاّ بالغُسل أو ببدله ، لا وجود الحالة ببقاء جریان الدم ، فعلی هذا لا فرق فی المنع عن القراءة والدخول ، بین کونهما قبل انقطاع الدم ، أو بعده وقبل الغسل ، کما یساعده الاستصحاب لو شک فیه بعد القطع .

ما یحرم علی الحائض / فی حکم سجدة التلاوة لها

خلافا لما یشاهد ممّا نقله صاحب «المدارک» عن بعض المتأخرین _ وهو صاحب «مجمع البرهان» _ من الفرق بینهما ، حیث جوز القراءة فی الموردین بعد الانقطاع وقبل الغسل ، معلّلاً ذلک بتعلیق الحکم فیهما علی الحائض وهو عنوان غیر صادق علیها فی هذا الحال ، لإنتفاء التسمیة عرفا ، وانْ قلنا بعدم اشتراط صدق المشتق ببقاء مبدأه کالمؤمن والکافر والحلو والحامض .

لکنه ضعیفٌ ، لأنّه من الواضح أنّ ما یوجب المنع ، لیس هو وجود الدم ، بل المانع هو الحالة ، ولأجل ذلک یحکم بالمنع فی النقاء المتخلل لصدق الحیض علیها ، ولو حکُما بلسان الأخبار ، وهو یکفی فی صدق انطباق عنوان الحائض علیها ، اذ الحدث عنوانٌ لا یرتفع الاّ بما یزیله شرعا ، وهو الغُسل _ لو تمکنت من ایتانه _ أو بدله _ لو تعذّر _ کما أنّ الجنابة العارضة بسبب المنی أو الدخول ، لا یرتفع الاّ بأحدهما ، فالمنع باق ولا یزول الاّ باحدهما ، کما لا یخفی .

ص:117

وتسجد لو تلت السجدة ، وکذا لو استمعت ، علی الأظهر (1).

(1) ظاهر کلام المصنف _ کصریح بعضهم ، وظاهر آخرین _ هو وجوب السجود علیها إذا تلت آیة السجدة الواجبة ، عصیانا أو سهوا أو اضطرارا ، لأنّه قد أتی قدس سره بجملة خبریة فی مقام الانشاء وذلک بقوله : «وتسجد» .

فما فی «الجواهر» حیث قال : «ولا یحرم علیها أنْ تسجد» المفهم جواز السجدة علی الحائض ، لیس علی ما ینبغی ، ولعله استفاد ذلک من وقوع جمله (وتسجد) بعد قوله قبیل ذلک (لا یجوز لها قراءة شی ء من العزائم) ، مع أنّه حکمٌ مستقل غیر مرتبط بذلک ، خصوصا مع تخلل قوله : «ویکره لها ما عدا ذلک» .

وکیف کان ، فإنّ وجوب السجدة علیها مع التلاوة أو الاستماع _ علی حسب تصریح المصنف _ یعدّ هو الأشهر والأظهر ، أو المشهور کما عن صاحب «الجواهر» .

ویمکن الاستدلال علیه بوجوه ، وهی : أولاً : بظهور العمومات التی تدل علی وجوب السجدة لمن سمع آیة السجدة ، الشامل للحائض أیضا ، لولا دلیل التخصیص فیها .

وثانیا : دلالة دلیل الدال علی الوجوب الذی کان ثابتا علیه حین تقرأ العزیمة قبل عروض الحیض علیها .

وثالثا : وجود أدلة خاصة من الاخبار ، التی یمکن عدّ بعضها معتبرا من حیث السند والدلالة :

منها : صحیحة أبی عبیدة الحذاء ، قال : «سألتُ أباجعفر علیه السلام عن الطامث تسمع السَّجدة؟ فقال : إن کانت من العزائم فلتسجد اذا سمعتها»(1) .


1- وسائل الشیعة : الباب 36 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:118

هذه الروایة رواها الکلینی فی «الکافی» والشیخ فی «التهذیب» .

منها : مضمرة أبیبصیر الذی عدّها الأصحاب موثقة ، قال : «قال : إذا قُری ء شی ء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد ، وإنْ کنتَ علی غیر وضوء ، وانْ کنتَ جنبا ، وانْ کانت المرأة لا تُصلّی ، وسایر القران ، أنت فیه بالخیار ، إنْ شئتَ سجدتَ وإنْ شئت لم تسجد»(1) .

ونقل الشیخ هذه الروایة فی «التهذیب» مسندا الی الصادق علیه السلام ، علی ما ادّعاه صاحب «الجواهر» قدس سره .

منها : خبره الموثق الآخر ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قال فی حدیثٍ : والحائض تسجد إذا سمعت السجدة»(2) .

فمع وجود هذه الادلة ، لا اشکال فی عدم حرمة سجدة التلاوة علیها ، بل السجدة جائزة ، مع أن مقتضی هذه الادلة هو الوجوب ، کما علیه الفتوی والشهرة ، خلافا للمفید والشیخ فی «التهذیب» و«الاستبصار» و«النهایة» و«الوسیلة» ، بل عن «المهذب» والشیخ ، وعن بعض نسخ «المقنعة» : لا یجوز السجود الاّ لطاهرٍ من النجاسات ، بلا خلاف .

ولعلّ فتواهم بذلک کان مستندا علی ما رواه الشیخ فی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبداللّه البصری ، عن أبی عبداللّه علیه السلام قال : «سألته عن الحائض هل تقرأ القران ، وتسجد سجدة ، إذا سمعت السجدة؟ قال : لا تقرأ»

وضبط الجواب فی غیر «الوسائل» _ کما فی «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» _ قوله : «تقرأ ولا تسجد»(3) .


1- وسائل الشیعة : الباب 36 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة : الباب 36 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- وسائل الشیعة : الباب 36 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:119

وروایة غیاث بن جعفر ، عن أبیه عن علیّ علیهم السلام ، قال : «لا تقضی الحائض الصلاة ، ولا تسجد إذا سمعت السجدة»(1) .

وهذه الروایة منقولة عن «مستطرفات السرائر» من کتاب محمد بن علی بن محبوب ، إلاّ أنّ سندها ضعیفٌ .

ولکن الاعتماد علی مثل هذه الأخبار لأجل رفع الید عمّا عرفت من الأخبار العدیدة ، المعتضد بالشهرة ، مشکلٌ .

لا یقال : إنّه قد ادعی الاجماع علی نفی الجواز .

لانا نقول : إنّه موهون ، لما قد عرفت من مخالفة جماعة کبیرة ، منهم مثل صاحب «السرائر» والمحقق والعلامة والشهید والمحقق الثانی والشهید الثانی وصاحب «المدارک» رحمهم الله ، حیث ذهبوا إلی الجواز .

بل قد یظهر عن البعض من القول بالوجوب ، بل قد ادعی علیه الاتفاق فی مواضع متعددة ، فکیف یصحّ دعوی الاتفاق علیه؟

کما یشکل قبول دعوی الاجماع فی مقابله أیضا ، مع ذهاب جماعة کثیرة علی الحرمة ، منهم المفید فی «المقنعة» والشیخ فی «الانتصار» و«التهذیب» ، وأبی حمزة فی «الوسیلة» ، بل قد ادعی الشیخ فی «التهذیب» الاجماع علی الحرمة .

وانْ کان قد یوجّه هذا الاجماع _ کما فی «مصباح الهدی» _ بانه کان من جهة ادعاء الشیخ الاجماع علی حرمة سجدة المکلّف وهو علی غیر طهرٍ ، بلا فرق بین سجدة الشکر وسجدة التلاوة ، لأنه یذهب إلی اشتراط الطهارة للسجدة مطلقا ، فلأجل ذلک یقول بحرمة سجدة التلاوة للحائض ، لکونها غیر طاهرة ، أمّا من لا یشترط الطهارة فی سجدتی الشکر والتلاوة _ کما هو الحقّ عندنا _ فلا


1- وسائل الشیعة : الباب 36 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:120

یضرّه دعوی الاجماع من الشیخ علی حرمة السجدة ، ولا یکون مانعا أمامه للحکم بحلیّة السجدة علیها .

هذا مع أنّ أصل ثبوت الاجماع علی اشتراط الطهارة للسجدة ، غیر ثابت ، کما قد حُقق فی محلّه .

قلنا : هذا التوجیه حسن ، لو کان هذه الدعوی منحصرا بالشیخ رحمه الله ومن تبعه ، لکن لم یثبت انحصاره به ، بل قد نسب الاجماع إلی المفید وصاحب «المهذّب» ، هذا أوّلاً .

وثانیا : إنّ هذا التوجیه لا یتناسب مع ما نُقل عن الشیخ فی «المبسوط» _ کما فی «الجواهر» _ من موافقته للمشهور فی الجواز ، بل قال الشیخ رحمه الله فی «التهذیب» و«الاستبصار» _ بعد أن ذکر الروایة الدالة علی الوجوب _ : أنّها محمولة علی الاستحباب . وهو منافٍ لما حکاه من نفی الخلاف عن عدم الجواز ، ولا یناسب مع هذا التوجیه ، کما لا یخفی .

فاذا عرفت الوهن فی الاجماع المدّعی علی الحرمة ، فإنّه ینبغی هنا ملاحظة الروایتین ، وقد عرفت ضعف الثانیة من حیث السند ، فیبقی هنا روایة واحدة صحیحة ، إلاّ أنّه لو سلّمنا تمامیة دلالتها علی الحرمة ، بل وعدم الجواز ، فإنّها تتعارض مع الروایات الدالة علی الجواز أو الوجوب ، وبعد التعارض والرجوع الی المرجحات ، فلابد من تقدیم الجواز علی الحرمة ، وذلک لعدّة وجوه ، وهی : أوّلاً : لکثرتها واعتبارها .

وثانیا : اعتضادها بالشهرة المحققه أو الأشهریّة ، کما عن صاحب «الجواهر»

وثالثا : کونها مخالفا للعامة دون الأخبار الناهیة ، حیث یحتمل کونها وردت علی وجه التقیة ، لأن أکثر الجمهور _ کما نقله الشیخ الأعظم _ ذهبوا إلی منع السجدة علی الحائض .

ص:121

ورابعا : یحتمل کون جملة : (لا تسجد) ، محمولة علی الاستفهام الانکاری ، کما احتمله صاحب «الوسائل» ، ونقله صاحب «الجواهر» وغیرهما .

ولکن نقول : هذا الاحتمال واردٌ وثابتٌ لو کانت الکلمة الواردة فی الخبر علی نحو الاثبات ، مثل : (تقرأ ولا تسجد) ، وحینئذٍ کان یصحّ أن یقال : کیف یصح أنْ تکون القراءة لها جائزة دون السجدة؟! .

وامّا لو کانت الجملة فی الخبر نافیة للقراءة _ کما فی «الوسائل» بقوله : «لا تقرأ ولا تسجد» فلا یناسب مع الانکار الاّ أن تحمل کلتا الجملتین علی الانکار ، وهو لا یخلو عن بُعد .

وهذا الاستبعاد یکون دلیلاً علی عدم صحة ضبط الخبر المنقول فی «الوسائل» ، واللّه العالم .

وخامسا : امکان الجمع بین الطائفتین بحمل النفی فی مقام توهم الوجوب علی الجواز ، بأن یکون المراد من عدم الجواز هو عدم الوجوب ، کما علیه بعض الفقهاء .

وسادسا : بامکان ارجاع النهی عن السجدة ، الی النهی عن ایجاد سببها ، أی لیس علیها أن تقرأ آیة السجدة حتّی تجب علیها السجدة .

وسابعا : علی حمل الروایتن وتقییدهما بما إنْ سمعت آیةً غیر آیات العزائم .

وهذان التوجیهان والحملان وإن کانا بعیدین عن سیاق الخبر ودلالته ولکنهما أحسن من طرح الروایتین .

وثامنا : من الجمع بینهما ، بحمل النهی علی صورة السماع لآیة السجدة ، وروایات الجواز أو الوجوب علی الإصغاء والاستماع والتلاوة ، لما ورد هذا التفصیل فی إحدی الروایات ، وذهب الیه بعض الاعلام ، وهی روایة موثقة عبداللّه بن سنان ، قال : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل سمع السجدة؟

ما یحرم علی الحائض / وطؤها حتّی تطهر

قال : لا یجب ، الاّ ان یکون مُنصِتا لقراءته مستمعا ، أو یصلّی بصلاته ، فاما

ص:122

الخامس: یحرم علی زوجها وطؤها حتّی تطهر (1).

أن یکون فی ناحیةٍ وأنتَ فی اُخری ، فلا تسجد إذا سمعت»(1) .

وقد ذهب الیه صاحب «الجواهر» وبعض المتأخرین ، خلافا لعدد کبیر من الفقهاء ، کالسید فی «العروة» وأکثر اصحاب التعلیق علیها ، لإشتمال الروایات الدالة علی الوجوب علی لفظ (السماع) ، وحملها علی الاستماع مشکل جدا .

فکیف کان ، فمع وجود هذه المرجحات ، کیف یمکن ترجیح القول بعدم الجواز؟!

فالاقوی عندنا _ کما علیه الأکثر _ هو وجوب السجدة علیها ، بلا فرقٍ بین السماع والاستماع ، وبلا فرق بین أنْ تقرأ بنفسها عصیانا أو سهوا وغفلةً أو اضطرارا ، أو سمعت قراءة من یقرأ العزیمة ، وبلا فرق فی وجوب السجدة علیها بین کون السماع فی حال وجود الدم ، و السجدة فی حال انقطاعه قبل الغُسل ، أو کان کلاهما فی حال جریان الدم ، وذلک لاطلاق الأدلة ، واللّه العالم .

(1) لا تردید فی حرمة وطی الحائض مطلقا _ أی سواء کان الواطی زوجا لها ، أم سیّدها ، أو من حلّل له السیّد ، کما لا فرق فی الزوج بین کونه بالعقد الدائم أو بالموقت _ بل الأقوی القول بحرمة وطی الحائض ، إذا کانت أجنبیة مضافا الی حرمة ایقاع الزنا ، فالواطی للأجنبیّة یکون بارتکابه الزنا بمثل الحائض قد ارتکب حرامین ، حرمةً للزنا ، وحرمةً لوطی الحائض ، حیث أنّه یعدّ داخلاً بذلک تحت عنوانین من العناوین المحرّمة الواردة فی آیتین من القرآن الکریم وهما الآیة الآمرة بالاعتزال فی قوله تعالی : «ولا تقربوا الزنی»(2) وقوله تعالی :


1- وسائل الشیعة : الباب 43 من أبواب قرائة القرآن، الحدیث 1 .
2- سورة الاسراء: آیة 32 .

ص:123

«ولا تقربوا الفواحش»(1) والآیة الآمرة باعتزال النساء فی أیّام عادتهنّ ، وهی قوله تعالی : «یسئلونک عن المحیض قل هو اذی فاعتزلوا النساء فی المحیض»(2) .

وحرمته ثابتة بالأدلة الثلاثة ، من الکتاب _ کما عرفت _ ومن السنة بالأخبار المعتبرة الکثیرة علی حدّ الاستفاضة _ لو لم نقل بتواترها _ فنشیر الی بعضها وهی :

منها : صحیحة معاویة بن عمّار ، فی حدیثٍ عن الصادق علیه السلام : «قال : ... ولا یقربها بعلها . . . الی أن قال فی ذیلها أیضا : وهذه یأتیها بعلها الاّ فی أیّام حیضها»(3) .

منها : روایة عبداللّه بن سنان ، عنه علیه السلام فی المستحاضة : «قال: ولا بأس أن یأتیها بعلها إذا شاء ، الاّ أیّام حیضها ، فیعتزلها زوجها»(4).

منها : روایة مالک بن أعین ، قال : «سألتُ أبا جعفر علیه السلام عن المستحاضة . . .؟ الی أن قال : قال : ینظر الأیام التی کانت تحیض فیها ، وحیضها مستقیمه ، فلا یقربها فیعدّة تلک الأیام من ذلک الشهر، ویغشاهافیماسوی ذلک» الحدیث(5).

منها : روایة اُخری لمعاویة بن عمّار عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال : «سألته عن الحائض ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : ما دون الفرج»(6) .

ومثلها روایة أخری مرویة عن ابن سنان(7) وروایة أخری لعبد


1- سورة الانعام: آیة 151 .
2- سورة البقرة: آیة 222 .
3- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
4- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
5- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 11 .
6- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
7- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:124

الملک بن عمرو(1) .

منها : روایة العیّاشی فی «تفسیره» عن عیسی بن عبداللّه ، قال : «قال أبو عبداللّه علیه السلام : المرأة تحیض یحرمُ علی زوجها أنْ یاتیها لقول اللّه تعالی : «ولا تقربوهن حتّی یطهرن» فیستقیم للرَّجل أنْ یاتی امرأته وهی حائض فیما دون الفرج»(2) .

وغیر ذلک من الأخبار المرویّة فی اخبار الباب 25 من أبواب الحیض من کتاب «وسائل الشیعة» الدالّة جمیعها علی الحرمة علی ذلک تصریحا أو تلویحا .

والمسألة واضحة حکمها ، ولا حاجة للبحث عنها ، بحیث قد أسقطها ولم یبحث عنها صاحب «الجواهر» قدس سره .

والدلیل الثالث : هو الاجماع القائم بین الفریقین ، بل هو من ضروریات الدین ، فیحکم بکفر مستحلّه من الرجل والمرأة ، کما هو الحال فی غیره من الضروریات .

کما لا اشکال فی حصول الفسق عند الاقدام علی الاتیان به ولو لمرة واحدة ، لکونه من الکبائر ، لما ورد النهی عنه فی القرآن ، کما قد یظهر ذلک من اطلاق کلام صاحب «الجواهر» حیث قال : «کما أنه لا اشکال بدونه فی الفسق والعصیان ، حیثُ ینطبق ولو بمرة واحدة ، کما یتحقق العصیان بها قطعا» .

بل قد صرّح جماعة بثبوت التعزیر علی مرتکبه وذلک بتقدیر الحاکم الشرعی ، معللاً له بعضهم بانه لا تقدیر له فی الأدلة ، فیناط بنظره ، کما هو الحال فی کلّ ما کان کذلک ، وتفصیل الکلام فی ذلک یناسب فی باب الحدود


1- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 9 .

ص:125

والتعزیرات _ کما اشار الیه فی «مصباح الفقیه» _ وأنّه ینبغی ترک البحث عنه فی هذا الباب ، ولکن نحن نقتفی أثر صاحب «الجواهر» قدس سره ونورد بحثه هنا ، للخوف من أن لا یبلغ بنا العمر والحیاة حتّی نوفّق لشرح کتاب الحدود والدیات ، فمن أجل مخافة ذلک ارتأینا أن نبحث عن هذا الموضوع فی هذا المقام ، فنقول وباللّه الاستعانة : قد حُکی عن أبی علیّ الطوسی ، ولد الشیخ الطوسی تقریر التعزیر هنا باثنی عشر سوطا ونصف أی ما یعادل ثُمن حدّ الزنی ، وصرّح فی «المدارک» وغیره ، تبعا «لجامع المقاصد» بعدم الوقوف له علی مأخذ .

و فی «الجواهر» قال : «ولعلّ الأولی للحاکم اختیار التعزیر بربع حدّ الزانی ، سیما إذا کان فی اوّل الحیض» .

تمسکا بما ورد فی بعض الأخبار ، منها الخبر الذی رواه اسماعیل بن فضل الهاشمی ، قال : «سألتُ أبا الحسن علیه السلام ، قال : عن رجلٍ أتی أهله وهی حائض؟ قال یستغفر اللّه ، ولا یعود . قلت : فعلیه أدب؟ قال : نعم ، خمسة وعشرون سوطا ، رُبع حَدّ الزانی ، وهو صاغرٌ لأنه أتی سفاحا»(1) .

منها : روایة محمد بن مسلم ، قال : «سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یأتی المرأة وهی حائض؟ قال : یجب علیه فی استقبال الحیض دینار ، وفی استدباره نصف دینار . قال : قلتُ : جعلتُ فداک ، یجب علیه شی ء من الحدّ؟ قال : نعم خمس وعشرون سوطا ، رُبع حَدّ الزانی ، لأنه أتی سِفاحا»(2) .

منها : مرسلة علی بن ابراهیم فی «تفسیره» قال : «قال الصادق علیه السلام : مَنْ أتی امرأته فی الفرج فی اوّل حیضها ، فعلیه أن یتصدق بدینار ، وعلیه رُبع حَدّ الزانی


1- وسائل الشیعة : الباب 13 من أبواب بقیة الحدود، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة : الباب 13 من أبواب بقیة الحدود، الحدیث 1 .

ص:126

خمسة وعشرون جلدة ، وإنْ أتاها فی آخر أیّام حیضها ، فعلیه أن یتصدق بنصف دینار ، ویُضرَب اثنتی عشرة جلدة ونصفا»(1) .

ما یحرم علی الحائض / فی من جامع امرأته و هی طامث

وبواسطة هذا الخبر نقید اطلاق الخبرین اللذین ورد فیهما الحکم بأنّ الحدّ هو رُبع حَدّ الزانی مطلقا _ بحیث یشمل الفترات الثلاث من بدایة الحیض ووسطه وآخره _ فیصیر حکم ثُمن الحدّ الذی ورد فی الخبر الذی رواه ابی علیّ ثابتا فی خصوص آخر أیّام الحیض ، وأما ثبوته بذلک فی أوّله فإنّه لیس له مأخذٌ ، کما لا یخفی .

أقول : إنّ وجود هذه الاخبار یوجب اثبات رُبع حَدّ الزانی ، خصوصا فی اوّله ، وبناءً علیه لم یکن ینبغی أن یُعبّر عن الحکم بأنّه : (لعلّ الأولی) کما فی «الجواهر» بل کان حریا أن یفتی بذلک جزما .

ولعل وجه ذلک هو وحدة سیاقه مع الکفارة الّتی یأتی بحثها لاحقا ، من الاعتراض علی وجوبها الذی أورده جماعة من الفقهاء ، برغم أنّه قد ورد التعبیر عنها فی لسان الأخبار _ مثل التعزیر هنا _ بقوله : «یجب علیه» .

ولکن مع ذلک کله _ لولا الاجماع علی خلافه _ یمکن اعتبار الحکم بذلک منجزا ، ولا أقلّ من الشبهة فی وجوب التعزیر ، ویقتضی ذلک الحکم بالاحتیاط وجوبا ، لولا الاستدلال بالقاعدة المعروفة بأنّ الحدود تدفع وتدرء بالشبهات ، لو کان الحدّ صادقا علی مثل ذلک ، مع أنّه لیس کذلک ، بل هو تعزیرٌ لا حدّ _ کما قد صرح به صاحب «الجواهر» _ ومعلومٌ أنّ الحدّ لم یکن باقلّ من ثمانین أو خمسة وسبعین سوطا ، فالاستدلال بمثل ذلک هنا لا یخلو عن تأمّل ، کما لا یخفی علی المتأمّل .

وبقیة الکلام حول هذا الموضوع ، وتفصیله موکولٌ الی محله فی باب الحدود .

* * *


1- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:127

هنا مسائل لا بأس بالاشارة الیها :

المسألة الاولی: أنّه مَنْ جامع امرأته وهی طامث ، فلا اشکال فی حرمته لو کان عالما بالموضوع والحکم ، وعامدا غیر غافل .

کما لا اشکال فی عدم الحرمة ، لو کان جاهلاً بالموضوع ، أی لا یعلم کون المرأة حائضا ، وإنْ کان عالما بالحکم .

کما أنه لا اشکال فی عدم الحرمة إنْ کان عالما معاندا ، وکان علمه متعلقا بالموضوع والحکم _ وهو حرمة النهی فی هذه الحالة _ الا أنّه صدر عنه الفعل غفلةً وسهوا ونسیانا ، من دون أن یتنبّه إلی أنّها حائض .

وانّما الاشکال والکلام فیما إذا لم یعلم بالحکم ، أی کان جاهلاً بالحکم دون الموضوع ، مع عدم غفلة ولا نسیان ، فحینئذٍ هل یأثم فیما أقدم علیه أم لا؟

فقد صرّح غیر واحدٍ من الأصحاب _ علی ما فی «الجواهر» _ بأنّه لا اثم علیه ، ولکن القول بذلک علی نحو الاطلاق لا یخلو عن اشکال ، لأنک قد عرفت کون حرمته من الضروریات ، فحینئذٍ لو کان الشخص الجاهل ممن یعقل فی حقه خفاء مثل هذه الأحکام ، ویصدق علیه أنّه کان جاهلاً وقاصرا عن السؤال ، فله وجهٌ ، حیث لا یحرم علیه لا من حیث أصل الوطی لجهله ، حیث لم یکن قد توجه إلیه الخطاب ، ولا من جهة التنبیه ، لأن المفروض عدم تمکّنه .

وأما فیمن یمکن له ذلک _ أی السؤال عن حکمه _ ولکنّه کان مقصرا فی ذلک ، ومن ثمّ أقدم علی ارتکاب الفعل فلا یبعد القول بانه آثم ویستحقّ العقاب ، لکن من جهة ترکه السؤال والفحص عن الحکم ، وبرغم ذلک لم یتحقق العصیان فی حقه بالنسبة الی أصل العمل ، لأنّه کان جاهلاً بالحکم .

ما یحرم علی الحائض / وطؤها فی أیّام هی محکومة بالحیضیّة

فلعلّ مراد الأصحاب من نفی الحرمة عن فعله ، هو نفی حرمة الوطی فی الحیض عنه ، لا حرمة التقصیر فی ترک السئوال ، کما لا یخفی .

ص:128

المسألة الثانیة: أنّه لا ینبغی الاشکال والتردد فی ترتب أحکام الحیضیة علی تلک الأیّام التی تکون ملحقة ومحکومة شرعا بالحیضیّة ، من حرمة الوطی ، وحرمة مسّ کتابة القران ، والدخول فی المسجدین ، وغیرهما من الأحکام ، وهذه الأیّام هی مثل المبتدأة _ إنْ قلنا بحیضها بمجرد الرؤیة _ وکذا أیّام الاستظهار ، بناءً علی مختار من أوجبها الی العشرة _ مثل صاحب «الجواهر» _ ففی مثل هذه الموارد ، کما یحرم علی المرأة أن تمکّن نفسها للزوج ، کذلک یحرم علی الزوج وطیها فی حال حیضها مستقلاً ، فالحرمة فی هذا الفرض لم یکن من باب حرمة المعاونة علی الاثم ، وإنّما من جهة توجّه عموم دلیل الدال علی الحرمة الشامل لهما مستقلاً ، فإنّ الخطاب برغم أنّه أولاً وبالذات متوجّه الی الرجال ، لکنه متوجّه إلیهم من باب الغلبة ، وإلاّ فإنّ قوله تعالی : « ولا تقربوهن حتّی یطهرن» عامٌ یشمل النساء أیضا بدلیل الاشتراک فی التکلیف .

هذا ، مضافا الی ما ورد فی الاخبار من التحریم للنساء بالتمکین فی تلک الایام ، واعتبار مقاربتها کالزنا ، مع معلومیة حرمة الزنا علیها ، کما هو حرام علی الرجل .

وما قیل من استفادة الحرمة للنساء مستقلاً ، عن بعض الأخبار :

منها : روایة جابر ، عن أبی ایّوب ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله : «أنّه قال لعلیٍّ علیه السلام : لا یُحبک إلاّ مؤمن ، ولا یبغضک الاّ منافق ، أو ولد الزنیة ، أو مَنْ حملته أمّه وهی طامث»(1) .

وقد وردت أخبار أخری مشابهة لهذا الخبر مثل خبر جابر الجعفی(2) وغیره ، فإنّ الملاحظة فی هذا الخبر واضرابه اسناد الحمل الیها ، الظاهر فی ثبوت الحرمة


1- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 7.

ص:129

لها ، کما صرّح بذلک المحقق الآملی فی «مصباح الهدی»(1) .

لا یخلو عن تأمّلٍ ، لأنه لو فرض وجود مثل هذه الأخبار ، إلاّ أنّه مع ورود الخبر _ علی الفرض _ علی جواز الحمل فی هذه الأیّام _ مع الکراهة الشدیدة _ فإنّه لم نلاحظ وجود تناف وتعارض بینهما . ولعلّ هذا الظهور عندنا بالحرمة ، کان لشدة اُنس الذهن بحرمة هذا العمل فی هذه الحالة ، فیوجب غلبة هذا الفهم علی أذهاننا ، وإلاّ فإنّ اللفظ بنفسه لا ظهور فیه فی الحرمة لا بالوضع ولا من جهة دلالة الهیئة الترکیبیّة فیه .

وکیف کان ، والذی یسهل الخطب هو عدم الحاجة فی اثبات الحرمة للمرأة التمسک بمثل هذه الأمور ، لکثرة ما ورد من الأدلّة الدالّة علی الحکم بالصراحة أو التلویح أو التلازم أو الاشتراک ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، وإنْ شئت الوقوف علیها ، فلاحظ الخبر الذی رواه محمّد بن مسلم ، عن الإمام أبوجعفر الباقر وفیه ، قال : «سألته عن الرجل یُطلّق امرأته متی تبین منه؟ قال : حتّی یطلع الدم من الحیضة الثالثة ، تملک نفسها . قلت : فلها أنْ تتزوج فی تلک الحال؟ قال : نعم ، ولکن لا تُمکّن من نفسها ، حتّی تطهر من الدم»(2) .

کما اشار الیه المحقق المزبور أیضا ، ونظائر کثیرة فی أبواب الفقه ، مما یناسب هذا البحث .

والثمرة المترتبة علی کون الحرمة ثابتة للمرأة مستقلة لا من جهة معاونتها علی الإثم ، هی حرمة الوطی ء والتمکین علیها ، وإنْ کان الرجل فی عمله معذورا من جهة الجهل أو الغفلة أو النوم أو الجنون ، مع انه لو کانت الحرمة ثابتة فی حقّها


1- مصباح الهدی ج5/64 .
2- وسائل الشیعة : الباب 16 من ابواب العده، الحدیث 1 .

ص:130

من جهة المعاونة علی الاثم ، فإنّه یجب أن لا تترتب الحرمة فی هذا الفرض علیها لعدم صدق التعاون علی الإثم حینئذٍ .

نعم ، لا بأس بأنْ یقال : إنّه قد یصدق علی تمکینها عنوان المعاونة علی الاثم ، الاّ أن حرمته حینئذٍ لیس حرمة مستقلة غیر ما یحرم بالاصالة ، و الا للزم القول بتعدد الحرمة والعقوبة ، بأن تکون المرأة مستحقة لعقوبتین ، عقوبة لأجل أصل الوطی ، وعقوبة أخری لانطباق المعاونة علی فعلها ، وهذا مما لا یساعده الاعتبار ، اذ المراد من دلیل التعاون هو ثبوت الحرمة الناشئ من نفس التعاون ، بحیث لولاه لما کان العمل علیها حراما مستقلاً ، والاّ لکفی ثبوت الحرمة والعقوبة والمؤاخذة علی أصل العمل ، فتأمّل .

و کیف کان ، فلنرجع الی أصل المطلب ، وهو البحث عن حرمة الوطی علی الرجل والمرأة ، حتّی فی الایام التی تعدّ ملحقة بأیّام الحیض ، وذلک بواسطة قیام الامارة الشرعیة علیه مثل أیّام الاستظهار _ علی القول بالوجوب الی العشرة ، أو قلنا بوجوب الاستظهار بیوم واحد بعد العادة ، کما اختاره بعض _ بل حتّی فی التخییری الوجوبی ، مثل التحیّض بالعدد الذی یناط الأمر باختیار المرأة ، فبعد ما اختارت الجلوس یترتب علی مختارها کلّ ما یترتب علی الحیض من الاحکام ، ومنها حرمة الوطی التخییری الوجوبی فی الیوم أو الیومین فی أیّام الاستظهار ، بعد اختیار المرأة الجلوس ، حیث یترتب علیه ما یترتب علی الحائض . ففی مثل هذه الموارد یعتبر الحکم واضحا ، ولا ینبغی أنْ یبحث فیه ، لوضوح خصوصیة المسألة .

و الذی وقع البحث والاختلاف فیه ، هو ما لو قلنا باستحباب الاستظهار _ کما هو مختار السیّد فی «العروة» فاذا اختارت المرأة الاستظهار فلا اشکال فی حرمة الوطی والتمکین لها للزوج ، علی حسب اختیارها .

ص:131

لکن السؤال هو أنّه هل یحرم علی الزوج حینئذٍ وطئها أم یستحب ذلک؟

أمّا صاحب «الجواهر» فقد قال : «فربما ظهر من بعضٍ استحباب الاجتناب له ایضا ، وفیه تاملٌ ، سیّما إنْ قلنا أن المراد بالاستحباب _ بالنسبة الی اختیارها _ أی یستحب لها اختیار الحیض ، ثم یلحقها أحکامه حینئذ إنْ اختارت _ کما هو أحد الاحتمالین فی التخلّص من شبهة استحباب ترک العبادات الواجبة _ وحینئذ یشکل اطلاق الاستحباب زیادةً علی اشکال أصل ثبوته ایضا ، وإنْ لم نقل بذلک ، لعدم التلازم بین حکمها وحکمه . اللّهم الاّ أنْ یُدّعی استفادته من ادلة الاستظهار ، أو یستند الی بعض الأخبار المعلقة ، نفی البأس بالنسبة للوطی ء علی الاستظهار ونحو ذلک . . . إلی أنْ قال : وأمّا احتمال القول بحرمة الوطی حتّی بعد البناء المتقدم (لعلّ مراده من البناء المتقدم ، هو استظهاره من الأدلة ، أو الاستناد الی بعض الأخبار ، لا البناء بمعنی اختیار المرأة التحیّض ، لوضوح ان اشکال کان فی هذا المورد) تمسکا بباب المقدمة ، لامتثال التکلیف باجتناب الحائض ، من جهة احتمال انقطاعه علی العشرة ، أو ما دون ، فضعیفٌ ، لعدم الاشکال فی جریان أصل البرائة ، فی نحو ذلک من سائر ما اشتبه فیه الموضوع ، ما لم یکن شبهة محصورة . نعم ، لا بأس برجحان الاجتناب لذلک» .

انتهی کلامه رفع مقامه(1) .

و لکن قد یظهر من المحقق الهمدانی فی «مصباح الفقیه» حیث ذهب إلی الجواز ، لأنه بعد ما ذکر بأنّ فیه وجهان ، قال : «من استصحاب المنع ، وکون اختیارها التحیّض کاختیار المضطربة عدد أیامها من کل شهر ، ومن أنّ تخییرها لیس طریقا عقلیّا أو شرعیّا لاثبات حیضیتها ، لما عرفت فیما سبق من أنّ أمر


1- جواهر الکلام ج3/227 .

ص:132

الشارع بالتخیّیر لیس الاّ ترخیصا ، للاعتناء بکلّ من الاحتمالین الّلذین دار أمرها بینهما ، کحکم العقل بالتخیّیر عند تکافؤ الاحتمالین ، فیفهم من کونها مخیرّة فی عملها ، ومن جواز أنْ یطأها زوجها بعد الیوم الذی یجب علیها الاستظهار _ علی ما یفهم من أخباره _ أنّ الشارع أهمل بالنسبة الیها استصحاب الحیض ، أو استصحاب حرمة الوطی ونحوه ، فمقتضی الأصل اباحة وطئها ، وإنْ جاز للزوجة منعه ، کما یجوز لها ترک الصلاة الواجبة .

ولا یقاس المفروض بأیّامها التی تختارها من کل شهر ، لأنّ مرجع الشک فی تلک المسألة الی الشک فی المکلف به ، فکان مقتضی الاصل فیها وجوب الاجتناب فی مجموع اطراف الشبهة ، ولکن الشارع خَیّرها فی تعیین موضوع المکلف به ، فیکون اختیارها بمنزلة طریق تعبد غیر شرعی .

و امّا فیما نحن فیه ، فالشک فیه شکٌ فی أصل التکلیف ، وبعد أن علم من أخبار الاستظهار ، عدم کون الاستصحاب ، أو قاعدة الامکان مرجعا ، وأنه یجوز له وطؤها فی الجملة ، ولم یثبت أن لاختیارها مدخلیة فی عدم الجواز ، فالمرجع فیه البرائة .

ما یحرم علی الحائض / وطؤها فی أیّام الاستظهار

و هکذا وإنْ لا یخلو عن قوة ، ولکن الاحتیاط مما لا ینبغی ترکه ، و اللّه العالم) انتهی کلامه(1) .

اقول : ولا یخلو کلامه عن تأمّلٍ ، لأن الاستحباب انّما کان فی اصل الاختیار ، أی یجوز للمرأة اختیارها حیضا ، ویترتب علیه أحکام الحیض ، وهذا الحکم ثابت لها ولغیر ، فکما أنّه لا یجوز للمرأة اجارة نفسها فی هذه الأیّام لکنس المسجد من أجل ذلک ، کذلک لا یجوز للغیر أنْ یفعل ذلک ، مثل ما لو نسیت أو


1- مصباح الفقیه ج4/141 _ 140 .

ص:133

غفلت أو جهلت عن حکمها فی تلک الحالة ، فلا یجوز للرجل الذی یعلم حالها استیجارها لذلک ، لکونها ممنوعة ، لأجل اختیارها .

و کما أنّ الشک فی أیّام العدّة ، شکٌ فی المکلّف به قبل اختیارها لا بعده تعیّنیا ، ویجب الاجتناب عنه ، فکذلک هنا قبل الاختیار یکون الشک شکا فی المکلف به ، لأنّها لا تدری وتجهل العدد الذی انتخبتها ، فبعد اختیارها یصیر حکمها بالحیضیة ثابتا ومتعینا ، فکما یجب علیها ترتیب آثار الحیض ، کذلک یجب علی غیرها أیضا ترتیب تلک الآثار فی تلک الأیّام لکونها شکا فی المکلّف به قبل الاختیار . ورفع الشارع یده عن الاستصحاب وقاعدة الامکان ، لا تأثیر له فی رفع حکم الحیضیة عنها کانت الحیضیة قدثبتت لها بدلیل آخر ، وهو جعل اختیار بیدها وترتیب آثارها علیها . مضافا الی أنّه یمکن استفادة حرمة الوطی ، وممنوعیّة ذلک للرجل ، عن بعض الأخبار :

منها : صحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : «المستحاضة تکف عن الصلاة أیّام اقرائها ، وتحتاط بیوم أو یومین ، ثم تغتسل کل یوم ولیلة ثلاث مرات . . . الی أنْ قال : فاذا حلّت لها الصلاة ، حلّ لزوجها أن یغشاها»(1) .

منها : روایة عبد الرحمان بن أبی عبد ربه ، قال : «سألتُ أباعبداللّه علیه السلام عن المستحاضة، أیطأها زوجها، وهل تطوف بالبیت؟ قال : تقعدها قرؤها الذی کانت تحیض فیه ، فان کان قرؤها مستقیما ، فلتاخذ به ، وإنْ کان فیه خلافٌ ، فلتحفظ بیوم ویومین ، ولتغتسل . الی أنْ قال: وکل شیء استحلّت به الصلاة، فلیأتهازوجها،ولتطف بالبیت»(2) .


1- وسائل الشیعة : الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 12 .
2- وسائل الشیعة : الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:134

فانّ ذکر الملازمة بین حلیّة الصلاة ، مع حلیّة الوطی للزوج ، کافٍ فی اثبات الحرمة له ، لأنه لا اشکال فی حرمة الصلاة لها بعد اختیارها عدّة أیّام تعتبر نفسها فی تلک الأیّام حائض ، فکذلک یکون علی الزوج اعتبارها حائضا فی هذه الأیام المختارة بحسب لسان هاتین الروایتین .

لا یقال : إن الثابت بالأدلّة هو أنّ حکم الحرمة متوجّه إلی المرأة دون غیرها ، أی أنّ علیها أن تمتنع من أن تمکن نفسها ، وأمّا الحرمة فغیر متوجهة إلی فعل الزوج .

ما یحرم علی الحائض / فی استفسار الزوج عن حالها قبل الوطی

لأنّه نقول : إنّ روایة زرارة صریحة فی جعل حلیّة الوطی للزوج دائرا مدار حلیّة الصلاة للمرأة ، بل ولکن مثل ذلک کما أنّ روایة البصری صریحة أیضا فی ذلک ، کما لا یخفی ، فالحکم بالحرمة أو استحباب ترک المقاربة _ لا یخلو عن قوة ، کما علیه المحقق الآملی قدس سره «مصباحه» .

* * *

تفریع :

فی الموارد التی تتخیر فیها المرأة بین جعل الحیض بیوم أو یومین أو ازید فی أیّام الاستظهار ، إذا طالبها زوجها بالتمکین وکان مختارها للزیادة منافیا لحقه ، فهل یجب علیها مراعاة حقه (وکذلک فی الأمة بالنسبة الی السیّد) أم لا؟

قد عرفت فی المباحث السابقة ، من الاختلاف بین الفقهاء حول أیّام الاستظهار ، فکلّ من ذهب الی وجوب الاستظهار للمرأة بیوم واحد _ کما هو مختارنا _ أو الی العشرة _ کما هو مختار صاحب «الجواهر» _ أو حکم بوجوب ذلک أو أزید منها من باب الاحتیاط ، فلا اشکال فی أنّه لا یجوز لها أن تراعی حقّ أحدٍ فی هذه الفترة لأنّه لا طاعة للمخلوق فی معصیة الخالق ، فیکون حکمها حکم ، وهو واضح لا کلام فیه .

ص:135

و امّا إذا کانت المرأة مخیّرة فی العدد ، بین یوم أو ازید وجوبا _ کما فی المضطربة أو هنا علی القول بالتخییر وجوبا _ بالفتوی أو بالاحتیاط ، فعارض اختیار البراءة لحقهما .

فعن السیّد فی «العروة» فی المسئلة 15 قال : «وجب علیها مراعاة حقّه ، وکذا فی الامة مع السیّد ، وإذا ارادت الاحتیاط الاستحبابی ، فمنعها زوجها أو سیّدها ، یجب تقدیم حقهما . . . إلی آخره»

وهو کذلک ، لأنّ عند الدوران بین حرمة تفویت حقّ الزوج أو السیّد ، وبین تخییر جعل حیضها متی شاءت من الأیام ، یصیر الأمر التخییری تعینیا بالعرض ، من جهة مزاحمته مع الحقّ العینی ، وحرمة تفویت حقّ الزوج والسیّد ، ووجوب مطاوعتهما .

نعم ، لو عصت أو سهت ونسیت ، واختارت ما ینافی حقّهما ، فالظاهر ترتب أحکام الحیض علی ما اختارته ، لأنّ العصیان فیما عصت إنّما هو فی ترک المراعات ، لا فی سقوط التخییر عن ملاکه ، فیکون المقام نظیر العصیان فی ترک الأهم ، والاشتغال بالمهم ، حیث أنّه یصحّ الإتیان بالمهمّ بملاکه ، والاّ سقط الأمر عنه بخطابه .

وأولی من الفرض السابق فی وجوب المراعاة هو فیما إذا سهت أو نسیت ، حیثُ لا تعدّ عاصیةً حینئذ ، فالامر بوجوب الاجتناب عنه ، بواسطة اختیارها حاصل ، والخطاب الیها متوجّه .

ومن هنا یظهر حکم الاستحباب فی أیّام الاستظهار ، بعد ما اختارتها أیّام عادتها ، فإنّه لا یجوز لها بعد ذلک مطاوعة زوجها والتمکین لها ، لو طالبها برفض ما اختارته ، لما قد عرفت فی البحث السابق ، أنّها بعد الاختیار تصیر فی حکم الحائض ، فیعامل معها معاملة الحائض القطعیّ الوجدانی ، بلا فرق فی ذلک بین

ص:136

اعتبار التخییر أمرا بدویا أو استمراریا ، وذلک لوحدة الملاک فیهما فی المقام .

فظهر ممّا ذکرنا أنّ حکم السیّد قدس سره بوجوب رعایة حقهما ، إنّما یصحّ قبل اختیارها ، والاّ فإنّه بعد الاختیار یقدم حکم الحیض ، حتّی ولو کان عملها واختیارها خطاءً ومعصیة کما عرفت .

ومن هنا یظهر حکم المضطربة أیضا إذا کانت مخیّرة فی تعیین عدد الأیّام ، وزاحم اختیارها مع حقّ الزوج ، فإنّ الحکم أیضا یکون مثل حکم الغرض .

المسألة الثالثة: الکلام فی أنّه هل للزوج جواز الوطی قبل الاستفسار وحصول العلم باختیارها ، أو مع خروجها عن القابلیة بجنون ونحوه أم لا؟

وفی «الجواهر» قال : «فیه اشکال ، أقواه الجواز» .

ولکن لابد أنْ یعلم أنّه إذا کان مسبوقا بالمنع عن الوطی ، ثمّ شک فی بقائه باختیارها ، فإنّ الاستصحاب الجاری فی حقه یحکم بالمنع ، ما لم یعلم خلافه بالسؤال وغیره ، بلا فرق بین خروجها عن قابلیّة الجواب أم لا .

نعم لو لم یعلم حالتها السابقة ، وعرض له الشک بالمنع ابتداءا (لو فرض تحقّقه) ، لکان مقتضی الأصل البراءة .

ولکن تصویره لا یخلو عن اشکال ، لأن الشک بالاختیار مساوق للعلم بکونها حائضا قبل ذلک فی المقام ، کما لا یخفی .

لا یقال : انّ هذا الاستصحاب غیر جار فی المقام ، فکیف یمکن الاستناد علیه؟

لأنّا نقول : هذا الاستصحاب یکون ثابتا فی حقّ الزوج ، من جهة علمه بالمنع سابقا ، ولا یرتبط حکمه بالحکم الثابت فی حقّ المرأة التی قد استظهرت من أخبار باب الاستظهار ، بعدم جریان الاستصحاب فی حقّها وعدم اعتباره ، وعدم جریان قاعدة الامکان _ کما قد عرفت سابقا _ فالاقوی عندنا هو لزوم الاستعلام عن حالها فی جواز الوطی ، إذا کانت مسبوقة بالمنع من الوطی ، واللّه العالم .

ص:137

المسألة الرابعة: إذا توقف مقاربة الزوج لها سؤالها عن حالها ، فهل له أن یعتمد علی قولها ویقبل قولها ، أم لا ، أو یجوز ذلک ما لم تکن متهمة بالکذب ، أو ما لم یکن الزوج قد ظنّ بکذبها؟

وجوه واقوال : ففی «الجواهر» : «أنّه لا اشکال عندهم ولا خلاف فی قبول قول المرأة فی الحیض ، إنْ لم تکن متهمة ، بل أطلق بعضهم وجوب القبول من غیر تقیید ، کما انه صرّح آخر بذلک حتّی مع ظنّ الزوج الکذب»(1) .

وکذا قال فی «الحدائق» : «وامّا لو ظن الزوج کذبها ، قیل : لا یجب القبول ، والیه مال الشهید الثانی ، وقیل یجب ، وهو اختیار العلامة فی النهایة والشهید فی «الذکری»» انتهی(2) .

ما یحرم علی الحائض / فی الاعتماد علی إخبارها بطهارتها

و الدلیل علی وجوب القبول _ فی غیر المتهمة ، وغیر ما ظن الزوج کذبها _ مضافا الی الإجماع _ کما عرفت دعواه عن صاحب «الجواهر» قدس سره _ ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن الباقر علیه السلام قال : «العدّة والحیض للنساء إذا ادعّت صُدِّقت»(3) .

وکذلک عن الشیخ باسناده الصحیح ، عن زرارة ، قال : «سمعتُ أبا جعفر علیه السلام یقول : العدّة والحیض الی النساء»(4) .

حیث أنّهما یدلاّن علی کون بیان الحال فی الموردین کان للنساء ، خصوصا من تصریح الروایة الاولی بلزوم التصدیق إذا ادّعت ، کما یساعده الاعتبار ، اذ لولا القبول لم یترتب علی اظهارهنّ غالبا أثر _ مع أنه شی ء یعسر اقامة البینة


1- جواهر الکلام ج3/227 .
2- الحدائق ج2/262 .
3- وسائل الشیعة : الباب 47 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
4- وسائل الشیعة : الباب 47 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:138

علیه ، اذ مشاهدة الدم اعمّ من کونه حیضا .

بل قد استدل بعضٌ بآیة الکتمان ، وهی قوله تعالی : «ولا یَحلُّ لهنّ أنْ یکتمنَ ما خَلَق اللّه فی أرحامهنّ»(1) بأنّه لولا وجوب القبول لما حرم الکتمان .

ففی «الجواهر» : «لکن لا یخلو الاستدلال بها علی المطلوب من نظر وتامّل» .

وکذا فی «مصباح الفقیه» ، حیثُ قال : «ویمکن الخدشة فیه بامکان أنْ یکون الوجه فیه حصول الوثوق من قولها غالبا ، فلا یجب أن یکون قولها حجة تعبّدیة . هذا مع أنّه یکفی وجها لحرمة الکتمان نفود قولها فی حقّها بالنسبة الی ما یترتّب علی الکتمان من مصلحتها التی تکتمه لأجلها ، وانْ لم یجب علی الزوج تصدیقها» ، انتهی محل الحاجة(2) .

و لکن التأمل یقتضی القول بصحة الإستدلال بالآیة الشریفة ، لوضوح أن المقصود من عدم حلیّة الکتمان لما فی رحمها ، هو بیان کونها فی عدّة زوجها بواسطة الحمل ، حیث لا تخرج عن العدة الاّ بعد الولادة والوضع ولیس هذا إلاّ مضمون ما ورد فی الروایتین الصحیحتین الذی رواهما زرارة ، من کون العدة والحیض الی النساء ، فلابد من قبول قولها فی حقّها ، وفی حقّ الغیر من الحرمة فی العقد والخطبة ولو علی کراهةٍ .

فعلی هذا ، لا مانع من أن یکون قولها حجّة تعبدیة فیما یتعلق بحالها ، فالآیة قابلة للاستدلال ، کما استدل بها صاحب «الحدائق» .

والقول بأنّه یحصل غالبا من قولها الوثوق ، لا یضرّ بما نحن فی صدده .

هذا ، مضافا لفحوی ما دل علی قبول قول ذی الید ، اذ هنا یکون قبوله فی حقّ


1- سورة البقرة : آیة 228 .
2- مصباح الفقیه ج/4/142 .

ص:139

نفسه ، فیکون موجبا لقبول قولها بطریق اولی .

مضافا الی قیام السیرة علی قبول إخبارها بالحیض بالخصوص ، وإنْ لم نقل بقبول إخبار ذیالید .

فالقول بحجیة قولها من جهة دلالة الآیة والخبرین ، لا یخلو عن قوة .

غایة الأمر أنّه هل یمکن اعتبار قولها حجة مطلقا _ کما ادعّاه بعض تمسکا باطلاق الخبرین _ أو أنّ قولها حجّة إذا لم تکن متهمة؟

ولا یخلو الثانی عن قوة ، لأنه _ مضافا الی أنّ حجیّة قول ذی الید مقیدة بما إذا لم یکن متهما _ یمکن أن یُستدل فی المقام لهذا القید الموجب للتقید فی اطلاق الخبرین ، بروایة السکونی ، وهو الخبر الذی رواه اسماعیل بن أبی زیاد ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : «أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال : فی امرأة ادّعت أنها حاضت فی شهر واحد ثلاث حیض؟ فقال : کلّفوا نسوة من بطانتها أن حیضها کان فیما مضی مع ما ادّعت ، فان شهدن صُدّقت ، والاّ فهی کاذبة»(1) .

ورواه الصدوق مرسلاً ، الاّ أنّ الوارد فی روایته قوله علیه السلام : «یُسئل نسوة من بطانتها» . فالخبر یفید عدم قبول قولها بمجرّد الإعلام ، إلاّ إذا ثبت عدم اتهامها ، ولأجل ذلک عُلّق القبول علی شهادة نسوة من بطانتها .

ولکن قد نوقش فی دلالتها علی المطلوب ، بأخصیتها من المدّعی ، لإختصاص موردها بما إذا ادّعت أمرا مستبعدا عن عادات النساء ، وأنّ النسبة بین دعواها هنا وبین دعوی الاتهام هی العموم من وجه ، لامکان وجود الاتهام من دون أن تدعی شیئا یخالف ما تعارف علیها النساء . هذا فضلاً عن دعواها ضعف الخبر بواسطة السکونی ، وارسال المرویّ فی «الفقیه» .


1- وسائل الشیعة : الباب 47 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:140

ویجوز للزوج الاستمتاع بما عدا القُبُل (1).

هذا ، ولکن الانصاف أنّ ملاک عدم سماع قولها ، هو الاتهام ، غایة الأمر کونه مختلفا بحسب المصادیق ، إذ قد یحصل تارة دعواها امورا غیر متعارفة وبعیدة ، الموجبة لانطباق الاتهام علیها ، واخری تدعی أمرا متعارفا ومعقولاً ، لکنّها متهمة بالکذب وعدم المبالات فی واجباتها الشرعیّة وغیرها ، ففی جمیع ذلک ، ومنها ظن الزوج بکذبها _ إذا لم یکن الزوج مبتلی بسوء الظن والوسوسة فی حقّ زوجها ، کما هو متعارف عند بعض الأزواج _ لا یسمع قولها ، الاّ أنْ یحصل للزوج الاطمینان عن حالها .

وکذلک یکون الحکم عند اخبارها عن الطهارة ، کاخبارها عن أیام الحیض للخبرین المزبورین ، لأن الظاهر من إحالة أمر الحیض إلی النساء اعتبار قولهنّ فی الحیض وعدمه کما لا یخفی .

والکلام فیه ، کالکلام فی سابقه .

(1) یمکن تصویر هذه المسألة وتقسیمها إلی ثلاثة أقسام ، وهی :

الأوّل : قسم منها وهو الاستمتاع بما فوق السُّرة وتحت الرکبة .

وهذا القسم لا اشکال ولا خلاف فی جوازه ، بل ولا کراهة فیه ، کما تری ذلک من دعوی الاجماع علیه عن صاحب «الجواهر» قدس سره ، حیث قال : «اجماعا محصلاً و منقولاً ، مستفیضا غایة الاستفاضة کالسنّة» .

أمّا الذی ورد فی خبر عبد الرحمن بن أبی عبداللّه ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل ما یحلّ له من الطامث؟ قال : لا شی ء حتّی تطهر»(1) .


1- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 12 .

ص:141

من نفی المطلق ، الشامل بعمومه جمیع الاستمتاعات حتی هذا الفرض .

فإنّه لابد أنْ نأوّله بکون المراد هو الوطی فی الفرج ، اذ هو المراد المتبادر عند الذهن من اطلاقه لا لمثل الاستمتاعات المذکورة فی هذا الفرض ، أو حمل الخبر علی استحباب الترک ، أو حمله علی التقیة ، لموافقته لمذهب کثیر من العامة کما فی «الوسائل» .

ما یحرم علی الحائض / فی استمتاع الزوج بما عدا القبل

ولذلک لم یُنقل من أحدٍ من الخاصة الحکم بحرمة الاستمتاع بالنسبة الی ما فوق السرّة وما تحت الرکبة ، فضلاً عن فوق الثیاب واللباس .

الثانی : وهو الاستمتاع ما بین السرّة والرکبة مباشرةً ، بالوطی فی الدُّبر .

ففیه اختلاف ، تارة : فی المنع عن کلا الامرین من الاستمتاع والوطی فی الدبر .

واُخری : یکون فی المنع عن خصوص الاخیرة دون غیره .

ثالثة : من الجواز فی کلیهما ، کما هو مذهب صاحب «الجواهر» قدس سره حیث قال : «وکذا (أی یجوز الاستمتاع) فیما بینهما ، حتّی الوطی ء الدبر علی المشهور فی الجملة ، شهرةً کادت تکون اجماعا ، بل عن ظاهر «التبیان» و«مجمع البیان» الاجماع علی الدبر ، کما فی صریح «الخلاف» الاجماع أیضا علی جواز الاستمتاع بما بینهما فی غیر الفرج ، ولعلّه یرید به القُبل ، کالمنقول عن «الاقتصاد» و«النهایة» و«المبسوط» أیضا ، بل کادت تکون عبارة «الخلاف» کالصریحة فیما ذکرنا علی ما یشع به استدلاله» انتهی محلّ الحاجة(1) .

وقد یستدل علی الجواز مطلقا ، بعدة أخبار معتبرة مستفیضة :

منها : روایة عبد الملک بن عمرو ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال : کلّ شی ء ما عدا القُبل منها بعینه»(2) .


1- جواهر الکلام ج3/228 .
2- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:142

وهذه أصرح روایة فی الدلالة علی انحصار المنع فی خصوص الإتیان فی القُبل ، والتجویز فی غیره بصورة الاطلاق الشامل لوطی الدبر أیضا ، کما لا یخفی .

منها : روایة اخری له أیضا ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام ما یحلّ للرجل من المرأة ، وهی حائض؟ قال : کلّ شی ء غیر الفرج . قال : ثم قال : إنّما المرأة لُعبة الرجل»(1) . وهی لیس مثل السابق فی الصراحة ، لاحتمال صدق الفرج علی کلّ من القُبل والدُّبر ، وإنْ کان غیر متبادر عند الاطلاق .

بل قیل إنّ الروایة السابقة ، قرینةٌ علی کون المراد هو خصوص القُبل .

منها : موثقة عبداللّه بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قال : إذا حاضت المرأة ، فلیأتها زوجها حیثُ شاء ، ما اتقی موضع الدم»(2) .

فهی أیضا تدل علی جواز الاستمتاع علی نحو الإطلاق _ حتّی الوطی فی الدبر _ ما عدا القُبل .

منها : روایة معاویة بن عمّار ، عن الصادق علیه السلام : «عن الحائض ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : ما دون الفرج»(3) .

والاشکال فیها کما فی روایة عبد الملک .

منها : روایة مشابهة للروایة السابقة وقد رواها عبداللّه بن سنان عن الإمام الصادق علیه السلام ، قال : «قلت للصادق علیه السلام : ما یحلّ للرجل من امرأة وهی حائض؟

قال : ما دون الفرج»(4) . ومثلها روایة العباس(5) .


1- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
4- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
5- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 9 .

ص:143

منها : موثقة هشام بن سالم ، عن الصادق علیه السلام : «فی الرجل یأتی المرأة فیما دون الفرج ، وهی حائض؟ قال : لا بأس إذا اجتنب ذلک الموضع»(1) .

والالف واللام للعهد ، أی موضع الدم ، کما فی روایة عبداللّه بن بکیر .

منها : صحیحة عمرو بن یزید ، قال : «قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : ما بین الیتیها ولا یوقب»(2) .

إنْ ارید من قوله : «ما بین إلیتیها» خصوص القُبل _ کما هو الغالب فی الایقاب _ فحیئذٍ یکون دلیلاً علی جواز وطی الدبر ، ولکن انْ ارید من هذه الجملة کلّ ما وقع بین الالیتین من القُبل والدبر مما یقبل الإیقاب ، فیستفاد منه المنع مطلقا حتّی فی الدبر .

وکیف کان ، فإنّ هذه الاخبار المستفیضة ، دالة علی جواز الاستمتاع المباشر من المرأة الحائض ما عدا القُبل ، أو هو مع الدبر إنْ أخذنا باطلاق روایة عمر بن یزید .

فضلاً عن أن ما دل علی جواز الاستمتاع بغیر الوطی کان أزید من هذا ، کما تری ذلک من دلالة روایة عمر بن حنظلة ، قال : «قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : ما بین الفخذین»(3)

فإنّه لو ارید منه الاستمتاع باللمس والتفخیذ وغیرهما من الاستمتاعات _ دون الوطی _ فهو ، وإلاّ لو قلبنا بإفادته جواز الوطی فی القبل فلابد من طرحها أو تاویلها بما ذکرنا ، أو غیر ذلک .

و کیف کان ، فإنّ حکم جواز الاستمتاع بالمباشرة _ غیر الوطی کالدبر _ مستفادٌ من عدد من الادلة ، خصوصا مع وجود عمومات تدل علی جواز


1- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .
2- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .
3- وسائل الشیعة : الباب 25 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:144

الاستمتاع من المرأة ، مثل آیة « نسائکم حرث لکم فأتوا حرثکم انی شئتم»(1) إنْ ارید منه المکان لا الزمان ، أی من أیّ موضع من جسم المرأة شئتم ، فعمومها یشمل جمیع الموارد ، الاّ ما استثنی ، وهو الاتیان فی القبل أو هو مع الدبر فی حال الحیض ، بواسطة أدلة التخصیص ، أمّا باقی مواضع جسم المرأة فإنّها تبقی تحت عموم الجواز ، کما لا یخفی .

فالاقوی جواز الاستمتاع مابین السُّرة والرکبة مباشرة فی حال الحیض . وامّا حکم الوطی فی الدبر فی حال الحیض ، فقد جاء فی «مصباح الفقیه» قوله : «لا یخفی علیک أنّ استفادة جواز الوطی فی الدبر حال الحیض ، من هذه الروایات ، مبنیّةٌ علی القول بجوازه حال النقاء ، کما هو الأشهر بل المشهور عند الخاصة نصا وفتوی ، عکس العامة» .

وامّا لو لم یثبت ذلک بالنسبة الی حال النقاء ، فربما یتأمّل فی نهوض هذه الأخبار لاثباته ، لورودها فی مقام بیان حکم آخر ، أعنی عدم ممانعة الحیض الاّ من الوطی فی القُبل دون سائر الاستمتاعات ، فیکون اطلاقها منزّلاً علی بیان أنّ له حال الحیض جمیع ما کان له حال الطهر ، ما عدا الوطی فی القُبل .

لکن المتأمّل فی الروایات یراها کالصریحة فی ارادة الوطی فی الدبر ، وإنْ لم یکن اطلاقها مسوقا لبیان أصل الاستمتاعات الجائزة ، فانّ هذا الفرد أظهر افراد الاستمتاع ، بحیث لا یرتاب السامع فی ارادته من قوله علیه السلام فی جواب مَنْ سأله عمّا لصاحب المرأة الحائض _ : «کلّ شی ء منها عدا القُبل منها بعینه» ، وکذا مِنْ قوله علیه السلام : «فلیأتها زوجها حیثُ شاء ، ما اتّقی موضع الدم» .

بل لا شُبهة فی ظهور تخصیص القُبل وموضع الدم بالذکر ، فی اختصاص


1- سورة البقرة: آیة 223.

ص:145

الحکم به دون الدبر ، الذی هو عدیل القُبل فی هذه الفائدة .

هذا کله بعد الإغماض عمّا یدل علی جوازه فی حدّ ذاته ، والاّ فیأتی إنْ شاء اللّه فی محلّه أنّه لا مجال للتشکیک فیه» انتهی(1) .

أقول : دعوی التلازم بین حال النقاء وحال الحیض فی المنع ، غیرُ مسموعة ، لامکان کون التجویز حال الطمث للتسهیل للزوج ، خصوصا لمن کان له شبق فی الجماع ، ولا یقدر علی اشباع ذلک من القبل فی الحالة ، فَجَعل الشارع الدبر له حلالاً ، وهو أمر غیر بعید .

ولکن مع ذلک کلّه إذا راجعنا الادّلة السابقة خصوصا مثل روایة عبد الملک ابن عمرو الدالة بعمومها علی حلیة جمیع بدن المرأة الاّ القبل ، خصوصا مع ملاحظة لفظ (بعینه) حیث یحصر المنع فی خصوص القبل ، ویجوّز الاستمتاع بحوالیه الشامل لمثل الدبر وغیره . وأیضا یدلّ علی ذلک خبر عبداللّه بن بکیر بقوله : «فلیأتها زوجها حیثُ شاء ما اتقی موضع الدم» فإنّهما یدلان علی جواز الوطی فی الدبر .

بل قد یستشعر ذلک من قوله تعالی : « یَسْألُونَکَ عَنِ المَحِیض قُلْ هوَ أذی . . .» ، أی رجس ونجس ، وهو إشارة إلی الدم ، ولا یکون ذلک الاّ فی خصوص القُبل الذی هو موضع الدم ، حیث حکم الشارع الرجال بالاعتزال عن موضعه فلا یشمل مثل الوطی فی الدبر .

و لکن مع ذلک کله ، قد یستشعر المنع من جهة احتمال صحة اطلاق الفرج علی الدبر أیضا ، الذی قد وقع فی طرف الاستثناء علی الحلیّة ، فی روایة عبد الملک ومعاویة بن عمار وعبداللّه بن سنان والعیّاشی ، بل قد یستفاد ذلک أیضا من


1- مصباح الفقیه ج4/146 .

ص:146

المنع الوارد عن الایقاب أو تخصیص الاستمتاع بالفخذین والإلیتین فی روایتی عمر بن حنظلة وعمرو بن یزید ، حیث یشمل باطلاقه ممنوعیّة الوطی بکلا قسمیه ، أی فی القُبل والدُبر .

وبرغم أنّ مقتضی القواعد ، هو تقدیم أدلة الجواز علی المنع ، لأنّ أدلّة الجواز تکون عمومها بالوضع کما فی قوله : «کلّ شی ء ما عدا القُبل منها بعینه» ، فی مقابل أدلّة المنع التی تدلّ علی المنع من جهة الإطلاق الموجود فی لفظ المنع من (الفرج) أو (الایقاب) الشامل لوطی الدبر ، حیث یقید فی خصوص الدبر بدلیل الجواز ، فیحصر المنع فی الوطی فی القُبل .

فانّ مقتضی ملاحظة اطلاق قوله : «له ما شاء ما اتّقی موضع الدم» ، أو قوله : «لا بأس إذا اجتنب ذلک الموضع» ، هو جواز الاستمتاع بالوطی فی الدبر ، ولکنّه یعارض مع اطلاق لفظ (الفرج) والایقاب الواردین فی هذه الاخبار ، وعنه التعارض والتساقط نرجع فی ناحیة الوطی فی الدبر الی التمسک عمومات الادّلة الدالة علی جواز مطلق ما شاءه الرجل من الاستمتاع بالنساء الاّ الوطی فی القُبل حال الحیض الی أصل البرائة .

ولکن مع ذلک کله ، لیس أمر الوطی فی الدبر بلا کلام ولا اشکال ، والسرّ فی ذلک هو صدور روایتین عن عبد الملک بن عمرو وردت فی إحداهما لفظة (القُبُل) وفی الاخری (الفرج) ، وکون السؤال والجواب عنهما مرتین بعیدٌ ، فیدور الأمر بین صدور احدی الروایتین ، فیتردد الأمر فی الجواز فی الدبر ، لاحتمال شمول اطلاق الفرج له علی تقدیرٍ ، فلا یبقی للجواز حینئذٍ دلیلٌ الاّ الاطلاقین المتعارضین المتساقطین ، والرجوع الی العمومات أو الاصل ، لو لم یرجّح أحدهما بالشهرة ، وبالرجوع الی الشهرة یتردد الأمر فیها بین کون الشهرة فی المتقدمین بالجواز _ بل قد عرفت دعوی الاجماع فیه _ وفی المتأخرین بعدمه ،

ص:147

وإنْ کان اعتبار الشهرة عند المتقدمین مقدما علی الشهرة عند المتاخرین ، ولکنه یوجب أنْ لا یخلو المسالة عن اشکال ، فالأحوط وجوبا هو الاجتناب ، واللّه العالم .

الثالث : وقسمٌ منها ، هو الاستمتاع منها ما بین السرّة والرکبة عن فوق الثیاب واللباس .

وهذا أیضا مما اشکال ولا خلاف فیه ، بل علیه الاجماع ، غایة الأمر أنّه قد ذهب السید المرتضی فی «شرح الرسالة» الی تحریم الوط ء فی الدبر ، بل مطلق الاستمتاع ما بین السرّة والرکبة ، ومال الیه الأردبیلی قدس سره فی «مجمع البرهان» مستدلاً علیه بما فی الکتاب من قوله تعالی : « فاعتزلوا النساء فی المحیض»(1) أو بالآیة الناهیة عن المقاربة وهی قوله تعالی : « ولا تقربوهن حتّی یطهرن»(2) .

وبالخبر الصحیح الذی رواه ابن بابویه بسنده عن الحلبی : «أنّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الحائض ، وما یحلّ لزوجها منها؟ قال : تتزر بازارٍ الی الرکبتین ، وتُخْرِج سُرَّتها ، ثم له ما فوق الإزار . قال : وذکر عن أبیه علیه السلام أنّ میمونه کانت تقول : إنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یأمرنی إذا کنتُ حائضا أن أتّزر بثوبٍ ثم اضطجع معه فی الفراش»(3) .

ورواه الشیخ باسناده الصحیح الی الحلبی مثله ، الی قوله : «ما فوق الإزار» .

وبموثقة أبی بصیر عن أبیعبداللّه الصادق علیه السلام ، قال : «سُئل عن الحائض ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : تتزر بإزارٍ الی الرکبتین ، وتُخرج ساقیها ، وله ما فوق الازار»(4) .

ما یحرم علی الحائض / کفّارة وطی الحائض

ومثله روایة الخشّاب ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن الحائض والنفساء


1- سورة البقرة : آیة 222.
2- سورة البقرة : آیة 222.
3- وسائل الشیعة : الباب 26 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
4- وسائل الشیعة : الباب 26 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:148

فان وطأ عامدا عالما ، وجبت علیه الکفارة .

وقیل : لا تجب ، والأوّلُ أحوط (1).

ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : تلبس درعا ثم تضطجع معه»(1) .

ولکن مقتضی الجمع بین الطائفتین المعتبرتین من الاخبار الدالتین علی الجواز ، وعدم المستفاد من مفهوم السؤال : (ما یحلّ لزوجها) ، هو الجمع باحد الطریقتین :

امّا بالتصرف فی الهیئة إذا لم یمکن الجمع الدلالی بینهما بالاطلاق والتقیید ، أو بالعموم والخصوص ، فلازم ذلک هو حمل الأمر الوارد فی علی الاستحباب ، لدفع توهم الخطر ، وحمل النهی علی الکراهة هنا ، بعدما عرفت منا سابقا ، بأنّ المراد من الاعتزال وعدم المقاربة هو استنکار الدخول والجماع نظیر اللمس فی قوله تعالی : «فان لامستم النساء» ، ولا یفید ممنوعیّة الاستمتاع غیر الوطی .

أو حمل الأخبار المانعة علی التقیة ، لموافقتها مع مذهب کثیر من العامة ، حیث یقولون بوجوب کون الاستمتاع محدودا بما فوق اللباس ، وقد عرفت دعوت الاجماع علی الجواز مباشرة ، وعدم وجود المخالفة ، الاّ عن رجلین ، حیث لا یضرّ مخالفتهما بالاجماع ، لکونهما معلومی بالنسب ، کما لا یخفی .

(1) اعلم أنّ المسألة ذات أقوال ثلاث :

قول : بوجوب الکفارة لمن وطی زوجته عالما عامدا من محلّ الحیض ، وهو المشهور بین المتقدمین ، وأعاظم الاصحاب من الصدوقین والشیخین ، وعلم الهدی ، وابن حمزة وابن زهرة وابن ادریس وسعید وغیرهم ، ونسبه الشهیدان


1- وسائل الشیعة : الباب 26 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:149

الی الشهرة ، وغیرهما الی الأکثر ، بل علیه دعوی الاجماع فی «الانتصار» و«الخلاف» و«الغنیة» ، ، ووافقهم فیه صاحب «الجوهر» والسیّد فی «العروة» والعلامة البروجردی والمیرزا عبد الهادی الشیرازی ، والمحقّق الآملی علی الاحوط ، والاحتیاط الوجوبی منقولٌ عن کثیر من أصحاب التعلیق علی «العروة» فراجعها .

وقول : بالاستحباب ، وهو المشهور بین المتأخرین ، کما نقله صاحب «الحدائق» واختاره ، کما هو مختار صاحب «مصباح الفقیه» ، والسیّد الحکیم فی «المستمسک» والمحقّق الخمینی قدس سره فی «کتاب الطّهارة» ، والسید الاصفهانی وضیاء الدین العراقی ، والمحقّق السیّد أحمد الخوانساری والسیّد الگلبایگانی ، وغیرهم من أصحاب التعلیق علی «العروة» .

وقول ثالث : هو للسیّد الخوئی علی ما نقله المقرّر صاحب «التنقیح» بقوله بعد اتمام الاستدلال : «فلا تکون الکفّارة واجبة ولا مستحبة بعنوان کونها کفارة ، وأمّا بعنوان الصدقة والاحسان فهو أمر آخر» انتهی(1) .

حیث نفی الکفارة من أصلها ، فکأنّه لا یجوّز الاعطاء بقصد الکفارة تذنیا ، بل یری أنّ علی الفاعل دفع ذلک بعنوان الصدقة والاحسان .

وکیف کان ، لابد أنْ نراجع الادلة ، حتّی یتضح المرام منها ، فنقول وباللّه الاستعانة .

فقد استدل للوجوب _ مضافا الی الشهرة والاجماع المنقول _ بعدة أخبار ، بعضها معتبرة سندا ودلالة ، فلا بأس بذکرها :

منها : روایة داود بن فرقد ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «فی کفارة الطمث : أنّه


1- التنقیح ج6/461 .

ص:150

یتصدّق إذا کان فی اوّله بدینار ، وفی وسطه نصف دینار ، وفی آخره ربع دینار .

قلت : فان لم یکن عنده ما یُکفّر؟ قال : فلیتصدق علی مسکین واحد ، والاّ استَغفَر اللّه ولا یعود فان الاستغفار توبة وکفارة لکلّ مَنْ لم یجد السبیل الی شی ء من الکفارة»(1) .

ومنها : روایة صحیحة محمد بن مسلم ، قال : «سألته عمّن أتی امرأته و هی طامث؟ قال : یتصدّق بدینار ویستغفر اللّه تعالی»(2) .

ومنها : روایة أبی بصیر ، عن أبی عبداللّه علیه السلام قال : «من أتی حائضا فعلیه نصف دینار یتصدق به»(3) .

ومنها : روایة صحیحة الحلبی ، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «فی الرجل یقع علی امرأته وهی حائض ما علیه؟ قال : یتصدّق علی مسکین بقدر شبعة»(4) .

ومنها : روایة علی بن ابراهیم فی «تفسیره» ، قال : قال الصادق علیه السلام : «مَنْ أتی امرأته فی الفرج فی اوّل أیّام حیضها ، فعلیه أنْ یتصدّق بدینار ، وعلیه ربع حَدّ الزانی خمسة وعشرون جلدة ، وإنْ أتاها فی آخر أیّام حیضها ، فعلیه أن یتصدّق بنصف دینار ، ویُضرب اثنتی عشرة جلدة ونصفا»(5) .

ومنها : روایة ابن بابویه فی «المقنع» ، قال : «روی أنّه إنْ جامعها فی اوّل الحیض ، فعلیه أنْ یتصدق بدینار ، وإنْ کان نصفه فنصف دینار ، وإنْ کان فی آخره فربع دینار»(6) .


1- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
4- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
5- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .
6- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:151

ومنها : الروایة المرویّة فی «فقه الرضا» علیه السلام : «ومتی ما جامعتها وهی حائض ، فعلیک ان تتصدق بدینار ، وإنْ جامعتَ أمتک وهی حائض فعلیک أنْ تتصدق بثلاثة امداد من طعام» الحدیث(1) .

هذه جملة الأخبار التی یمکن الاستدلال بها للوجوب ، من جهة ظهور فعل المضارع فی قوله : «یتصدق» فی مقام الانشاء علی الوجوب وظهور کلمة (علیک ، علیه) علی الوجوب ، بل أصرح من الجمیع کلمة (یجب) الواردة فی روایة محمد بن مسلم ، قال : «سألتُ أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یأتی المرأة وهی حائض؟ قال : یجب علیه فی استقبال الحیض دینار ، وفی استدباره نصف دینار . قال : قلتُ جعلت فداک ، یجبُ علیه شی ء من الحدّ؟ قال : نعم خمس وعشرون سوطا ، رُبع حدّ الزانی ، لأنه أتی سفاحا»(2) .

حیث قد کرّرت کلمة (یجب) مرتان ، فتدل علی وجوب الکفارة والحدّ ، فلا تجری فیه شُبهة عدم ارادة الوجوب من الکلمة ، لصراحتها فیه ، ولأجل ذلک ذهب أعاظم فقهاؤنا إلی الوجوب .

و لکن مع ذلک کله ، قد خالف جماعة کبیرة من الفقهاء هذا الحکم ، منهم المحقّق فی «المعتبر» ، والعلامة فی «المختلف» و«المنتهی» والشهید فی «الروض» ، وصاحب «جامع المقاصد» و«المدارک» ، بل وکذا المحکیّ عن الشیخ فی «نهایة» ، بل قد عرفت من عدد من المتأخرین ذهابهم الی الاستحباب ، ودلیلهم علی ذلک ، أوّلاً : الأصل وذلک عند الشک وفقد الدلیل ، ولو لأجل التساقط بالمعارضة ، لأنّ الشک حینئذ یکون فی أصل التکلیف ، والأصل


1- المستدرک ج1 الباب 23 من ابواب الحیض الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 13 من أبواب بقیة الحدود و التعزیرات، الحدیث 1 .

ص:152

فی هذا الفرض هو البرائة .

ثانیا : وجود عدّة أخبار بعضها معتبرة سندا ودلالة وهی دالة علی عدم الوجوب .

منها : صحیحة العیص بن القاسم ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل واقع امرأته ، وهی طامث؟ قال : لا یلتمس فعل ذلک ، قد نهی اللّه أنْ یقربها . قلت : فان فعل أعلیه کفارة؟ قال : لا أعلم فیه شیئا ، یستغفر اللّه»(1) .

منها : موثقة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : «سألته عن الحائض یأتیها زوجها؟ قال : لیس علیه شی ء ، یستغفر اللّه ، ولا یعود»(2) .

منها : خبر لیث المرادی ، قال : «سألتُ الصادق علیه السلام عن وقوع الرجل علی امرأته وهی طامث خطأ؟ قال : لیس علیه شی ء وقد عصی ربّه»(3) .

قال شیخنا المرتضی رحمه الله : «والظاهر من الخطاء ، بقرینة المعصیة الخطأ فی الفعل ، ومنه الخطیئة ، أو الخطأ فی الحکم مع التقصیر فی السؤال دون الخطأ فی الموضوع» انتهی(4) .

منها : روایة «دعائم الاسلام» : «وروینا عنهم علیهم السلام أنّ من أتی حائضا ، فقد أتی ما لا یحلّ له ، وعلیه أن یستغفر اللّه ، ویتوب من خطیئته ، وإن تصدّق بصدقة مع ذلک فقد أحسن»(5) .

بل قد یؤید الإستحباب ، اختلاف لسان أخبار الوجوب فی مقدار الکفارة ، حیث قد عرفت فی روایة داود و«الفقیه» فی «المقنع» بکونها فی أوّله دینار ،


1- وسائل الشیعة : الباب 29 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة : الباب 29 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة : الباب 29 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
4- کتاب الطهارة /235 .
5- المستدرک ج1 الباب 24 من ابواب الحیض الحدیث 1 .

ص:153

وفی وسطه نصفه ، وفی آخره ربعه ، وفی روایة محمد بن مسلم بدینار علی نحو المطلق وکذلک و فی حدیث علی بن ابراهیم ، وفی روایة أبی بصیر نصف دینار علی نحو المطلق ، وفی روایة الحلبی علی مسکین بقدر شُبعة .

فانّ مثل هذا الاختلاف ، لا یناسب مع الأمر الوجوبی ، بخلاف الاستحباب ، حیث یمکن حمله علی مراتب الفضیلة ، وتأکیدها بالنسبة إلی أوّله ، وأضعفها فی الآخر ، کما قیل مثل ذلک فی الاختلاف فی منزوحات البئر ، فیؤکد ذلک ما وقع فی روایة «دعائم الاسلام» حیث أمر علیه السلام أوّلاً بالاستغفار فی أوّلها ثم یقول فی آخرها : «وإنْ تصدق بصدقة مع ذلک فقد أحسن» .

وما احتمله صاحب «المستدرک» من أنّ هذا الکلام فی ذیل الخبر صادرٌ عن مؤلّف «دعائم الإسلام» ، لا یخلو عن بُعدٍ .

وسند الخبر الذی رواه صاحب «دعائم الإسلام» وإنْ کان ضعیفا ، لکن قد حقّقنا فی محلّه بان الضعف کذلک ، لولا الانجبار بالشهرة والاجماع ، لا یمکن أنْ یعتبر دلیلاً مستقلاً فی الحکم ، نعم یفیدنا فی مقام التأیید ، والمقام یعدّ من هذا القبیل . فهذه جملة اُمور یوجب الحکم الاستحباب وذلک بالتصرف فی هیئة أخبار الوجوب ، بحملها علی الندب .

وإنْ أبیت عن ذلک ، وسلّمنا دلالة ادلة الوجوب علیه ، خصوصا مع ورود لفظ (یجب) فی بعض أخباره ، کما عرفت فی حدیث محمد بن مسلم ، فغایة الأمر هو تعارض الدلیلین _ مع فرض تمامیة دلالة کل علی معناه من الوجوب والاستحباب _ وتساقطهما ، فالمرجع بعد التساقط وفقدان الدلیل ، هو الرجوع الی العمومات والاصل ، وهو هنا أصل البراءة ، لکونه شکا فی التکلیف .

وعلی هذا الوجه ، یصعب الحکم بالاستحباب جزما ، فضلاً عن الوجوب .

هذا إذا لم نقل و لم نرجع الی ملاحظة المرجّحات ، والاّ فإنّه ربما یقال بانّ من

ص:154

المرجّحات عدم احتمال کونه صادرا علی التقیة ، وموافقا لمذهب العامة ، مع أنّ الوجوب یحتمل فیه ذلک ، کما یشهد له ما ورد فی صحیحة عیص بقوله : «لا أعلم فیه شیئا» ، فان هذا التعبیر مشعرٌ بأنّ القول بأنّ علیه شیئا کان معروفا بین فقهاء العامة ، وکان من الصعب علی الإمام علیه السلام إنکاره علنا وجزما .

بل أظهر من ذلک ، ما ورد فی روایة عبد الملک بن عبد الکریم بن عمرو ، قال : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أتی جاریته ، وهی طامث؟

قال : یستغفر اللّه ربّه .

قال عبد الملک : فانّ الناس یقولون علیه نصف دینار أو دینار؟

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : فلیتصدق علی عشرة مساکین)(1) .

حیث لا یبعد أنْ یکون أمره علیه السلام بالتصدق علی عشرة مساکین ، من جهة الفرار عن اظهار المخالفة معهم ، اذ التعبیر بأنّ الناس یقولون کذا لا یقصد بهم الاّ العامة ، فما أنکره صاحب «الجواهر» قدس سره بقوله : «قد اطّرد حدیث العیص وزرارة ، لأجل موافقتهما لفتوی الشافعی فی الجدید ، ومالک وأبی حنیفة وأصحابه ، وربیعة والّلیث وابن سعد ، علی ما نقله عنهم فی «الانتصار» ، مع اشتهار فتوی أبی حنیفة فی زمن الصادق علیه السلام . ومنه تعرف فساد نسبة اخبار الوجوب للتقیة» انتهی کلامه(2) .

ممّا لا یمکن مساعدته ، مضافا الی أنّه لا یناسب مع ما فی الروایتین الدالتین علی ذلک فی الأمة فإنّه لابد أنْ نلاحظ کلام العامة ، وأنّهم فی أی موضع یقولون بعدم الوجوب ، فهل یقولون بذلک فی الطامث وفی الحُرة والأمة ، أم فی خصوص الأمة؟


1- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- الجواهر ج3/232 .

ص:155

وکیف کان ، فقد عرفت صحة الحکم بالاستحباب ، حتّی مع عدم ملاحظة المرجّحات ، وعدم القول بالتقیة فی أخبار الوجوب .

وأمّا ما ادّعاه سیدنا الخوئی قدس سره من عدم وجوب الکفارة وعدم استحباب دفعها بعنوان بعنوان الکفارة ، بل بعنوان الصدقة والاحسان .

فإنّه بعیدٌ عن لسان الدلیل ، لما قد ورد فی روایة داود بن فرقد من التصریح بکفارة الطمث ، فالتصدیق الوارد فی سائر الادلة کان من أجل الکفارة لهذا العمل ، لا الصدقة مطلقا .

فالقول باستحباب الکفارة ، کما علیه المشهور من المتأخرین لا یخلو عن قوة ، وإنْ کان الاحتیاط بالاداء لا یخلو عن حسن ، خصوصا أنّ المخالفة فی مثل هذه المسألة التی اتفقت فیها الشهرة عن المتقدمین مع الوجوب _ ولعلّهم أعرف بها من غیرهم ، لقرب زمانهم الی زمن الائمة علیهم السلام _ مشکلٌ ، وإنْ کان المخالفة مع مقتضی الادلة فیها أشکل ، کما لا یخفی علی المتأمل .

اذا عرفت الحکم فی وطی الحائض الحُرّة ، إذا کانت زوجة دائمة أو منقطعة _ وعرفت عدم وجود دلیل متقن ثابت دال علی الوجوب ، فإنّ الدلیل علی استحباب کفارة الوطی یکون أقوی وأظهر .

أمّا حکم واطی الأمة والجاریة فی حال الحیض ، فقد وقع الخلاف فیه أیضا ، إذ ذهب قدماء أصحابنا إلی الوجوب ، کما هو ظاهر المحکیّ عن «الانتصار» و«الفقیه» و«المقنعة» و«النهایة» و«السرائر» ، بل فی «الجواهر» أنّه هو المشهور بینهم ، بل فی «الانتصار» الاجماع علیه ، وفی «السرائر» نفی الخلاف فیه .

هذا ، مضافا الی تمسکهم بالروایة المرویة فی «فقه الرضا» من قوله : «إذا جامعتَ أمتک وهی حائض ، تصدقت بثلاثة اعداد من طعام»(1) .


1- المستدرک ج1 الباب 23 من ابواب الحیض الحدیث 1 .

ص:156

بل قد یتوهم الاستدلال علی الوجوب بروایة عبد الکریم بن عمرو ، قال : «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أتی جاریته وهی طامث؟ قال : یستغفر اللّه ربه . قال عبد الملک : فانّ الناس یقولون علیه نصف دینار ، أو دینار؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : فلیتصدق علی عشرة مساکین»(1) .

حیث قد حکم علیه السلام بوجوب اعطاء الصدقة لعشرة مساکین؟

بل قد ینضم الی مجموع هذه الأدلة دعوی دعوت عدم القول بالفصل فی الوجوب والاستحباب بین الأمة والحُرّة ، لأنّ کل من قال بالوجوب فی الثانیة ، قال به فی الاولی ، وکلّ من قال بالاستحباب فیها ، یقول به فی الاولی أیضا ، فیصیر هذا اجماعا مرکبا علی اختیار الوجوب فیها ، مع اختیار الوجوب فی الحُرّة .

بل قد یُدّعی کون الکفارة فی الحُرّة واجبة من جهة أنّه لو سلّمنا وجوبها فی الأمة ، ومعلومٌ من الشرع أنّ حکم الاماء فی العبادات والمجازات أخفّ من الحرّة _ فاذا قبلنا وجوب دفع الکفّارة علی مولی الأمة عند وطیه لها فی حال الحیض ، ففی الحُرّة یکون وجوب دفعها بالأولویّة ، وهو المطلوب .

هذا ، وقد اعترض علی التمسک بهذه الادلة ، بأنّ الاجماع المنقول غیر مقبول فی أصل الحُرّة ، ففی الأمة مثله ، لذهاب کثیر من الفقهاء _ کصاحب «المعتبر» و«جامع المقاصد» و«الحدائق» ، وکثیر من المتأخرین کالمحقق الهمدانی والآملی والخوئی ، وکثیر من أصحاب التعلیق علی «العروة» _ إلی عدم الوجوب .

وأمّا الأخبار فإنّها أیضا یصعب الاستدلال بها ، بما فی «التنقیح» و«مصباح الهدی» من عدم وجود دلیلٍ یدل علی وجوب الکفارة فی وطی الأمة فی حال الحیض ، الاّ روایة واحدة وهی روایة عبد الکریم بن عمرو ، فهی فی دلالتها علی


1- وسائل الشیعة : الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:157

عدم الوجوب أولی ، لانها حکمت بالتصدق لأجل عدم المخالفة مع العامة ، والاّ فإنّ الإمام علیه السلام قد صرح فی صدر الخبر بأنّ علی الفاعل (أن یستغفر اللّه ربّه) ، هذا فضلاً عن اشتماله لم بما یفتی علی طبقه أحدٌ من فقهائنا ، وهو التصدق علی عشرة مساکین بلا تعیین مقدار ما یعطی ، ولا بیان الشی ء الذی یجب علیه دفعه ، وأنّه هل یجب أن یکون طعاما أو غیره ، بل أن فتواهم والاجماع المنقول عنهم ، مطابقٌ للخبر المروی فی «فقه الرضا» من وجوب التصدق بثلاثة أمداد من طعام ، بل قیدوا فتاواهم بالذی هو مفقود فی هذا الحدیث وهو لزوم التصدق لثلاثة مساکین ، لکلّ واحد منهم مدّا من الطعام ، ولیس فی الروایتین من ذلک عین ولا أثر .

بل ربما یقتضی اطلاق الروایة جواز اعطاء ثلاثة امدادٍ من الطعام لفقیر واحد .

فاثبات الوجوب _ اوّلاً _ والعدد المذکور _ ثانیا _ من تلک الادلة فی غایة الاشکال .

هذا ، ولکن التأمل والدقة فی المقام یوجب ملاحظة اعتراض یرد علی دعواهم _ وان کنّا موافقین معهم فی أصل الدعوی ، وهو عدم الوجوب فی الامة کالحُرّة _ وهو أنّ یقال : إنّ الأخبار الدالة علی وجوب دفع الکفارة فی وطی الحائض علی قسمین : فبعضها قد ورد فیها ما یدل علی کون الموطوءة هی زوجة ، حیث ورد فیها التصریح بکلمة (امرأته) فإنّ الضمیر فیها راجع إلی الزوج وهو قرینة علی کونها زوجته ، وهی مثل روایة محمد بن مسلم ، وروایة الحلبی وروایة علی بن ابراهیم .

وبعضها الآخر لیس کذلک ، بل ورد فیها (وطی الحائض بصورة العموم والمطلق، مثل روایة أبی بصیر الواردة فیها قوله: «مَنْ أتی حائضا» بصورة النکرة المفیدة للاطلاق، أو قوله: «یأتی المرأة وهی حائض»، المفیدة للجنس.

کما أنه قد ورد فی بعضها التعبیر بکفارة الطمث، کما فی روایتی محمد بن مسلم، وداود بن فرقد.

ص:158

فالمطلق والعموم یشمل جمیع افراد الحائض، حتّی المملوکة، فیجب فیها الکفارة.

غایة الأمر أنّه قد ورد الدلیل علی أن کفارة وطی المملوکة الحائض أقلّ من الحُرّة، وهی التصدق بثلاثة أمداد لعشرة مساکین، وبمقتضی الجمع بین الخبرین هو ثبوت وجوب دفع الکفارة فی وطی الأمة، إذا کانت حائضا بمقدار بثلاثة أمداد علی عشرة مساکین من الطعام.

فاندفع بذلک تمام الاشکالات التی أوردها المحقق الآملی فی «مصباحه» بقوله: «وأنت تری أنّ المصرّح به فی الأول اعطاء الصدقة لعشرة مساکین، من دون ذکر فیه عن مقدار ما یُعطی لکلّ واحد منهم، ولا ذکر کونه من الطعام، وفی الثانی اعطاء ثلاثة أمداد من الطعام، من دون ذکر فیه عمّن یتصدق به، ولا عن مقدار ما یُعطی به» انتهی (1) .

ومعلومٌ أنّ قوله «یعطی لکلّ مسکین مدّا من الطعام» لا یجامع مع قوله «عشرة مساکین»، فیظهر أن إثبات الاجماع فی خصوص هذا القید، لا یخلو عن اشکال.

وکذلک یندفع به کلام السید الخوئی رحمه اللّه حیث قال: «اذن لا یمکن استفادة ما ذکره الماتن _ أعنی وجوب الکفارة فی وطی الأمة الحائض _ من شی ء من الأخبار المتقدمة، ولا مدرک له سوی الاجماع المنقول، والشهرة الفتوائیة بین الأصحاب، و«فقه الرضا»» انتهی(2) .

هذا کله صحیح علی المبنی المشهور عند المتقدمین وعند بعض المتأخرین، من القول بتمامیّة الأخبار الدالة علی وجوب دفع الکفارة فی وطی الحُرّة


1- مصباح الهدی: 5/74 .
2- التنقیح: 6/462 .

ص:159

الحائض، فیمکن استفادة وجوبها فی الأمة الحائض ایضا.

وأمّا علی مبنی المشهور بین المتأخرین، من عدم تمامیة دلالتها للوجوب، بما قد عرفت من تفصیلها فی الحُرّة الحائض، فلا یبقی حینئذٍ عمومٌ ولا اطلاق یدلّ علی الوجوب، حتّی یستدل بهما علی وجوب دفع الکفارة فی وطی الأمه الحائض، فلا محیص الاّ الحکم بالاستحباب فی کلّ منهما، فیصیر الاختلاف المذکور فی مضمون الأخبار، مؤیدا للاستحباب، کما لا یخفی .

ولو سلّم وقلنا بوجود الاطلاق أو العموم فی حکم کفارة وطی المرأة الحائض، الشامل للأمة، فانّه حینئذٍ لا یبقی فرق فیه بین کون الأمة لنفس الواطی أو لغیره، فاحتمال الاختصاص بالاوّل _ لأجل ما فی الروایة من ورد التعبیر بقوله: «جاریته» أو «أمتک» کما عن صاحب «الجواهر» قدس سره _ غیر مقبول وغیر مسموع، کما عن «کشف الغطاء».

کما لا یبقی فرق فیه بین القول بالوجوب أو الاستحباب، کما لا یخفی.

کما لا فرق فی ثبوت الحکم بین أقسام الأمة، من کونها أمةً قنّة أو مدبّرة أو اُمّ ولد، بل والمکاتبة المشروطة المطلقة، ما لم یتحرّر منها شی ء، لأنها فی حکم القنّ.

أما حکم المُبعضّة، أی الأمة المکاتبة المطلقة التی أدّت شیئا من مال الکتابة، والأمة المشترکة بین الإثنین أو ازید، والأمة المزوّجة والمحللة إذا وطئها مالکها لا من یحلّل له، وکان الواطی فی جمیع هذه الفروض قد وقع حین حیضها ، ففی عدم وجوب الکفارة فی وطئها، أو الحاقها بالزوجة فی لزوم دفع الدینار أو نصفه أو ربعه، أو هی ملحقة بالأمة القنّة، أو بالتفصیل بین المبعّضة والمشترکة، وبین المزوجة والمحلّلة، بالحاق الأولیین بالزوجة، والأخیرتین بالأمة، وجوهٌ: والأقوی عندنا هو القول بوجوب کفارة الزوجة أو استحبابها فی الجمیع، الاّ ما خرج منها، وهو الأمة، الظاهرة فی کونها کذلک تامة بواسطة الاجماع، أو دلالة

ص:160

والکفّارة فی أوّله دینار ، وفی وسطه نصف دینار ، وفی آخره ربع دینار (1).

ظهور بعض الأخبار، فتبقی غیرها داخلةً تحت العموم، فبالنتیجة تکون الکفارة ثابتة علی الجمیع _ الاّ الأمة الحائض _ وهی الدینار أو نصفه أو ربعه، علی حسب ما هو المختار فی المقدار، کما تقرر فی محله، وکما سیأتی الاشارة الیه.

بقی هنا الکلام فی وطی الأجنبیة، إذا کانت حائضا، فهل یجب فیه الکفارة، إنْ قلنا بالوجوب فی الزوجة أم لا؟

فیه قولان: قولٌ: بالوجوب.

وقولٌ: باحتمال عدم الوجوب، للتشکیک فی شمول الأدلة لها، بقرینة ماورد فی جملة من الاخبار من التعبیر بالزوجة، وأنّ کون الحکم فی وطی الزوجة أشدّ لا توجب ثبوت الکفارة، اذ لعلّ الأشدّ لا کفارة له، أو أنّ له کفّارة تتفاوت عن الکفارة الثابتة لغیر الزوجة .

هذا، و لکن الأقوی ما علیه الفقهاء، من المحکی عن «المنتهی» و«الذکری» و «شرح المفاتیح» و«جامع المقاصد» فی الحاقها بالزوجة، بل علیه أکثر المتأخرین لولا کلّهم، کماتری فی «العروة»، لما قد عرفت من وجود العموم والاطلاق فی النصوص، من قوله: «مَنْ أتی حائضا»، أو «أتی المرأة و هی طامث»، فلا وجه لتخصیصها بذکر الزوجة فی بعضها، مع کون ذکرها کان من جهة ورود القید مورد الغالب، کما لا یخفی .

(1) فی هذا الفرع عدة مسائل ینبغی التنهیه الیها وهی :

المسألة الاولی : اعلم أنّه علی القول بوجوب الکفارة أو استحبابها، کان تقدیرها علی ما عمل به الأصحاب وافتوا به، والوارد تقدیرها فی مرسل داود بن

ص:161

فرقد، ونحوه ما فی «فقه الرضا»، وقد عرفت تفصیلهما وقلنا ان ضعفهما وارسالهما منجبران بعمل الأصحاب والمؤید بدعوی الاجماع من المرتضی وابن زهرة، والمعتضد بالشهرة المتحققة بین المتقدمین والمتأخرین، بل لم نعثر علی مخالف لهذا التقدیر، سوی ما یظهر من المنقول عن الصدوق فی «المقنع» من جعل الکفارة ما یشبع مسکینا، وهو غیرُ قادحٍ، لأنه _ مضافا الی شذوذه _ فقد خالف نفسه الشریف فی «الفقیه» کما أشار الیه صاحب «الجواهر» قدس سره

فالمسئلة من هذه الجهة واضحة، ولا یحتاج الی مزید بیان.

المسألة الثانیة: فی بیان ما هو التقسیم المعتبر لهذا التفصیل.

والأقوال فیه ثلاثة: قول: للمشهور، بل علیه جُلّ الأصحاب، وهو أنّ کلّ حیض بحسب حال الحائض من أیّام العادة، ینقسم الی ثلاثة فترات متساویة: ففی الثلث الأوّل الدینار، بلا فرق فی ذلک الشک بین کونه بعدد صحیح، کما لو کانت عادتها ثلاثة أیّام، فالشک الاوّل هو یوم واحد، أو کونه مع الکسر، بأن تکون عادتها أربعة أیّام أو خمسة، حیث یکون ثُلثها یومٌ مع ثلث الیوم فی الأربعة، أو الیوم مع ثلث الیومین فی الخمسة.

وامّا فی الوسط، وهو فی الیوم الثانی من الکامل، وفی الیوم الثانی من الثلثین الباقی منه، ومن الیوم الثالث بثلثیه فی الأربعة وهکذا، وهذا هو الاقوی، حیثُ یوافق مع ما ورد فی النصوص والفتاوی من الاوّل والوسط والآخر، بما لکلّ واحدٍ منها من الکفارة، الظاهر فی التقسیم المساوی .

و قولٌ: منقول عن «المراسم» حیث قال: إنّ الوسط یؤخذ ما بین الخمسة، الی السبعة فانه قد یوجب خروج الوسط والآخر عن بعض العادات، مثل ما لو کانت عادة المرأة أقلّ من الخمسة _ مثل الثلاثة والأربعة _ فلابد أنْ یحسب فیهما بالأول من الدینار، مع أنه لیس کذلک، بل اللازم علیه هو الوسط _ ای نصف

ص:162

الدینار _ أو الأخیر وهو ربعه.

وهذا الاشکال یجری فی هذه الصورة والتی تلیها .

القول الثالث: وهو للراوندی رحمه الله ، أنّه اعتبر الأطراف الثلاثة بالنسبة الی العشرة، التی هی أکثر أیّام الحیض.

ولعلّ مرادهما بیان ما هو الغالب من العادات من باب المثال لا التعیین والإلزام، حتّی یرد علیهما بضعف استدلالهما و مستندهما من جهة عدم علیهما مساعدة الدلیل علیه، کما هو واضح .

ثم إنّ الملاک فی التقسیم بالثلاثة، هو تحقق حکم الحیض فی الخارج، _ بلا فرق فیه بین کونه زائدا علی العادة او اقلّ منها _ لا الحیض الواقعی، لعدم امکان العلم بالواقع نوعا، وأنّ علمه عند اللّه سبحانه وتعالی، کما أشار الیه النبی صلی الله علیه و آله کما فی کلام الصادق علیه السلام ، تفسیرا لکلامه صلی الله علیه و آله الوارد فی مرسلة یونس الطویلة حیث قال: «تحیض فی علم اللّه بستة أو سبعة»(1) .

و علیه فانّ حکم الکفارة وتعیین مقدارها یکون متوقفا وتابعا لزمان وقوع الوطی، والفترة التی اختارها الحائض لحیضها، علی حسب الروایات، فان کانت قد اختارت التحیّض قبل الوطی، ما لم ینکشف الخلاف، حیث یصدق علیها أن الوطی قد وقع فی الحیض.

وامّا لو وقع قبله، ففی «الجواهر»: قدس سره یشکل الحکم بوجوب الکفارة، لعدم صدق الوطی فی الحیض عالما عامدا.

واضاف بعده بقوله: بل قد یشکل هذا الصدق فی سابقه، فضلاً عنه، لعدم ثبوت کونه حیضا.


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من ابواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:163

ثم استدل بما یُشعر به من الحدیث المذکور سابقا، ثم أخیرا قال: فتأمّل .

ولعل وجهه ما عرفت من أنّ الملاک لیس بالواقعی، حتّی یقال یتم ما قاله، بل المدار هو الحکم الظاهری، الناشی من جعلها أیاما وعدّها من الحیض، وذلک بأمر من الشارع، کما کان الأمر کذلک بالنسبة الی سائر احکامها، منها الکفارة الوطی فی حقّ زوجها.

نعم یبقی الاشکال فیما إذا کان الوطی قبل اختیاره، فیما لم یصدق تحیضها قبل الاختیار، حیث لا یدخل تحت عموم قوله: «مَنْ وطی ء حائضا عالما عامدا فله کذا»، کما لا یخفی .

هذا کله إذا لم ینکشف الخطأ، والاّ کان الملاک بالنسبة الی الواقع بعد الاستقرار، فلا اعتبار للظن أو القطع بکون الوطی قد حدث فی الثلث الاوّل مثلاً، إذا انکشف خطائه، بل یترتب علیه بما فی الواقع من کونه فی الثلث الأوّل أو الثانی أو الثالث، أو کون الواقع کان خارجا عن الحیض، فیحکم بما یقتضیه الواقع من مقدار الکفارة، أو عدم وجوبها علیه، ولا یوجب ذلک کون ما اختارته من التحیض قبل انکشاف الخلاف، خالیا عن الحکم المفروض، فتأمل جیّدا.

المسألة الثالثة: ما لو کان خروج دم الحیض عن غیر مخرجه المعتاد، فهل یعدّ وطئها حراما مطلقا، أو فیه تفصیل.

والمسألة ثبوتا لها أربع احتمالات: من وجوب الاجتناب عن کلا الموضعین، کما علیه المحقق الآملی فی «مصباحه».

أو وجوب الاجتناب عمّا یخرج دون الآخر، أو عکسه، کما علیه السیّد فی «العروة» وکثیرٌ من أصحاب التعلیق، وهو المختار.

أو جواز الاتیان بهما، کما هو ظاهر کلام صاحب «الجواهر»، حیث تمسک باصالة البرائة للشک فی شمو الادلة لمثله.

ص:164

ولکن الأقوی هو الثالث، لصدق عنوان وطی الحائض مع علمه بکون الدم حیضا، لان خصوصیة المورد فی الخروج لا مدخلیة لها إذا صدق أنّه قد وطی ء فی المخرج المعتاد، وکانت المرأة حائض، فمجرد کون المخرج خالیا عن الدم، لا یؤدی الی جواز الوطی.

ومن ذلک یظهر أنّ مجرد خروج الدم عن ثقب مّا، لا یوجب کون الوطی فیه صادقا علیه انّه وطی للحائض، وإنّ کان الاحتیاط بالاجتناب عنه، لا یخلو عن حسن .

نعم، لو تقرر اعتبار وجوب الاجتناب، لتحصیل العلم بترک وطی الحائض، فانّ العلم الاجمالی الحاصل فی المقام یوجب لزوم الاجتناب عن کلّ واحد منهما، تحصیلاً للموافقة القطعیة فی اطراف الشبهة المحصورة.

ولکن اثبات ذلک لا یخلو عن وهن ، لما قد عرفت من صدقه فی الوطی ء فی المخرج المعتاد، مع کونها حائضا دون الآخر، فینحلّ العلم الاجمالی بالتفصیلی، فیما هو المخرج المعتاد والشک فی الآخر.

ثم علی القول بوجوب الاجتناب عن کلیهما _ کما اختاره المحقق الآملی _ وأنّه یجب الاجتناب عن فعل الوطی فی کلا المخرجین، فلا اشکال فی ثبوت الکفارة علیه _ إنْ قلنا بوجوبها _ لأنّه باقدامه علی ذلک یقطع بوقوع الوطی علی الحایض.

ولا یجب علیه کفارتان، لأن حرمة الآخر لیس الاّ لتحصیل العلم بالامتثال، فلا تکون حرمته واقعیةً حتّی یجب علیه الکفارة.

کما أنّه لو أقدم علی الوطی فی أحد المخرجین، فانّه لا یجب علیه الکفارة، لعدم علمه حینئذٍ بوقوع الوطی فی الحائض، لان الکفارة مترتبة علی الوطی فی أحدهما المعین فی الواقع، المشتبة عند المکلف، فعند الشک فی وجوب الکفارة بالوطی فی احدهما الذی لا یعلم کونه مخرج الدم یکون الأصل هو البرائة،

ص:165

فیشابه المقام من شرب أحد المایعین الذی یعلم کون أحدهما خمرا، فان شربه یعدّ حراما بالنظر الی العلم الاجمالی، الاّ أنّه لا یترتب علیه حدّ شرب الخمر، ما لم یثبت کون المشروب کان خمرا، نعم، یترتب علیه الحدّ قطعا، لو شربهما معا، للقطع حینئذٍ بشرب الخمر .

المسألة الرابعة: فی أنّ حرمة وطی الحائض، هل هی مطلقة، أی سواء کانت الحائض حیّة أو میتة، أو تختص الحرمة بالاولی دون الثانیة؟

فیه قولان: قولٌ بالاوّل کما علیه السیّد فی «العروة»، حیث قال فی المسألة 10: «لا فرق فی وجوب الکفارة بین کون المرأة حیّة أو میتة».

وهو المختار، لأنّ اطلاق بعض الأخبار، مثل قوله: «مَنْ أتی حائضا»، وقوله: «فی الرجل یأتی المرأة وهی حائض» ونحوهما، یشمل حتّی الحائض التی تکون قد ماتت.

والقول بأنّ الحائض لا یصدق الاّ علی المرأة الحیّة دون المیّتة، لان الحائض عبارة عن المرأة التی تقذف رحمها الدم، وهو لا ینطبق الاّ علی الحیّة، مضافا الی دعوی الانصراف الی الاحیاء دون الأموات، لو سلمنا وجود الاطلاق فیها .

مردودٌ ومنقوضٌ علیه، لأنّ المرأة إذا صارت حائضا حال حیاتها، وبان قذفت رحمها الدم فی حال الحیاة، فانه ینطبق علیها وصف الحائض، فما دام لم یخرج عن هذا الوصف بالغُسل الذی یوجب طهارتها کان الوصف _ مثل الجنابة _ باقیا فی حقها، ولذلک حرم ادخالها فی المسجد فی تلک الحالة، فالجماع معها فی تلک الحالة یصدق أنّه وطی للحائض، فیترتب علیه الکفارة.

فدعوی الانصراف الی خصوص الاحیاء، کان بدویا، لأجل غلبة وقوع هذا العمل للاحیاء عادةً، کما لا یخفی .

هذا، مضافا الی امکان اجراء استصحاب حکم الحرمة الذی کان ثابتا حال

ص:166

الحیاة الی بعد الممات، إنّ قلنا ببقاء الموضوع عرفا، أما لو قلنا بتبدل الموضوع، بان یقال کان الموضوع فی الحرمة عبارة عن المرأة التی تقذف رحمها الدم، وبالموت ینتفی القذف، خصوصا مع فصل زمان متعدّ بین موتها ووطئها، حیث ینتفی صدق الحائض علی الموطوئة، فحینئذ لا مجال لجریان الاستصحاب، لأنّ من شرط جریانه وحدة الموضوع فی القضیة المتیقنة والمشکوکة، وحیث أنّ الاصل غیر جار عند الشک فی احراز الموضوع أو الشک فی بقاءه فالتمسک بالاستصحاب لا یخلو عن اشکال.

ولکن لا حاجة لمثل هذا الاستدلال بعد قیام الدلیل الاجتهادی کما عرفت.

فبذلک یظهر ما فی کلام صاحب «الجواهر» حیث تمسک باصل البرائة، للاشکال فی شمول الاطلاقات للاموات .

ثم علی القول بالحرمة _ کما هو مختارنا ومختار السید فی «العروة» فهل تجب الکفارة علی القول بالوجوب، أو یستحب ذلک علی القول به، أم لا یجب ولا یستحب؟

قد یقال بالثانی _ کما عن المحقق الآملی، حتّی علی القول بالحرمة حیث قال فی «المصباح»: «وعلی القول بالحرمة، ففی ثبوت الکفارة وجهان: من کونها تابعة للحرمة، ومن أنّ تبعیتها لهاحال الحیاة بدلیل، لا یستلزم تبعیتها لها بعد الموت، مع انتفاء الدلیل علیها فی هذا الحال. والأقوی فی هذا أیضا هو الأخیر» انتهی کلامه(1) .

و لا یخفی ما فیه من الاشکال، لأنّ الاخبار التی تثبت الکفارة، تفید ترتب الکفارة علی عنوان (مَنْ وطی ء الحائض)، فکلّ مورد صدق علیه ذلک العنوان


1- مصباح الهدی: 5/8 .

ص:167

فی لسان الدلیل عرفا، یترتب علیه الکفارة أیضا، بلا فرق بین کون المرأة الحائض حیّة أو میتة.

نعم من ادّعی عدم صدق الحائض علی المیتة، أو ادعی انصراف الاطلاق عنها، فلا تجب علیه الکفارة، لعدم کون الوطی بها حینئذٍ حراما.

فدعوی عدم وجوب الکفارة _ مع ثبوت الحرمة _ مما لا یمکن المساعدة علیه، کما لا یخفی .

ثم أنّه قد ألحق فی «الجواهر» الخنثی المشکل الی هذا الحکم وانه لا یترتب علی وطیه الکفارة وذلک للشک فی شمول الأدلة لمثله، بناءً علی زعمه من عدم الحرمة والکفارة فیه، مثل المیتة، تمسّکا بأصل البرائة السالمة عن المعارض.

ثم قال بعده: خلافا لما یظهر من الاستاذ فی «کشف الغطاء».

فکانّه قد ذهب الی الحرمة وثبوت الکفارة فیه، وقد عرفت صحة کلامه فی الموردین من المیتة وممن یخرج دمها عن غیر الموضع المتعاد اذا أقدم علی وطی المخرج المعتاد الخالی عن الدم.

وامّا فی مورد الثالث، وهو الخنثی المشکل، فاثبات الحرمة والکفارة فیه لا یخلو عن اشکال، لعدم احراز صدق عنوان وطی بالحائض حینئذٍ، لاحتمال کون المخرج ثُقبا، وکون الخنثی رجلاً، والدم غیر دم الحیض، فمع الشک فی صدق الوطی مع الحائض، یکون المرجع هو اصل البرائة، لا الرجوع الی الاطلاقات، لکونه حینئذٍ مثل التمسّک بالعام فی الشبهة المصداقیه له، فلا یثبت الحرمة ولا الکفّارة، لکونها فرعا لها، کما عرفت.

وبناءً علی ذلک یکون الحق مع صاحب «الجواهر» 1، کما هو واضح لمن یتامل .

ثم علی القول بوجوب الکفارة أو استحبابها، لا فرق فی الوطی الحائض وثبوتها علیه، بین کونه مع الانزال وعدمه، وبین ادخال تمام الذَکَر وعدمه بعد

ص:168

ادخال الحشفه فیه، لأنّ کلّ ما فعل یوجب به صدق الوطی، یوجب ترتب احکامه علیه . نعم، قد یظهر من صاحب «کشف الغطاء» تعمیم الحکم، حتّی لادخال بعض الحشفة. وفی «الجواهر»: فیه اشکال.

ولکن الحقّ مع صاحب «کشف الغطاء»، لأنّ الملاک فی ثبوت الحرمة، هو صدق الاتیان و مخالفة حکم الاعتزال الذی ورد به الأمر فی القران، فی قوله تعالی: «فاعْتَزِلُوا النِّساء فِی المَحیض»(1).

فادخال بعض الحشفة یعد خلاف الاعتزال، وشکلاً من اشکال المقاربة، فیترتب علیه الکفارة ایضا.

ولا یقاس المقام بالجنابة والغُسل، حیث أنّهما موضوعات آخران، لا یتحققان بادخال بعض الحشفة .

نعم قد یشکل بأنّ الحکم _ من الحرمة وثبوت الکفارة _ قد عُلّق علی وطی ء الحائض، فادخال بعض الحشفة لیس بوط ء حتّی یدخل تحت عموم الحکم.

لکنه لا یخلو عن تأمل، لأنّه وطی ایضا، لکنه بالبعض، ولأجل ذلک قد احتاط السیّد فی «العروة» وجوبا، ووافقناه علی ذلک.

ولا فرق فی الحکم _ بالوجوب أو الاستحباب _ بالکفارة، بین کون الزوجة دائمة أو منقطعة ، بل قد عرفت حرمتها حتّی مع الأجنبیة، وثبوت الکفارة فیها أیضا، فضلاً عن الزوجة، کما لا یخفی .

ثم المراد من الدینار _ الذی هو الموضوع للکفارة فی المقام، وما یترتب علیه من الأحکام الشرعیة هنا وفی سائر المقامات _ هو المقدار المعین من الذهب الخالص عرفا، المضروب بسکة المعاملة، التی کانت فی قدیم الزمان تعدّ من


1- البقرة: الآیة 222 .

ص:169

النقود المتداولة، وکان وزنه عبارة عن مثقال شرعی، تعادل ثلاثة أرباع المثقال الصیرفی. بل قد صرح بعضهم أنّ قیمته عشرة دراهم جیاد، وفی «جامع المقاصد»: «أنّه المعروف بین الأصحاب هنا وفی باب الدیة، ولا یعتبر فی سکّته خصوصیة خاصة، بعدما کان مسکوکا بسکّة المعاملة، ولا یعتبر أنْ یکون المسکوک بالسکة الرائجة فی زمان صدور الحکم، بل المراد هو الرائج فی أیّ زمان کان، فیعمّ مطلق السکة الرائجة».

وهذا ثابت مما لا بحث فیه فی الجملة .

و الذی ینبغی أنْ یُبحث عنه، هو أنّه هل المتعین اخراج عین الدینار _ مع امکانه _ أم یجزی اخراج قیمته؟

فیه وجهان، بل قولان : بل وعلی الأخیر أیضا، هل یتعین کون اخراج القیمة من التبر _ ای الذهب الخالص غیر المسکوک _ أو یجوز من کلّ جنس _ من الفضة وغیرها _ وجوهٌ واقوال: المحکیّ عن کتب العلامة والشهیدین والمحقّق الثانی، وغیرهم من محققی المتأخرین، هو الاوّل، ای لزوم اخراج عین الدینار، استظهارا من الأخبار وتمسکا بظهور لفظ (الدینار)، مع عدم صدق اسم الدینار علی القیمة، فلابد من الاقتصار علی خصوص ما هو المنصوص .

خلافا لما هو المحکیّ عن ظاهر «المقنعة» و«الموجز» و«کشف الإلتباس» و«کشف اللثام» و«الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» وجماعة من أصحاب الحاشیة علی «العروة»، حیث ذهبوا الی الثانی، استظهارا بکون لفظ (الدینار) المأخوذ فی الحکم، المقصود منه الطریقیة والمالیة لا أنّه ملاحظ بنحو الموضوعیة، إذا المقصود ایصال هذا المقدار من المال الی المستحق، فلا یتفاوت فیه بین کونه من الذهب أو الفضة أو غیرهما من النقود، کما هو المتعارف فی زماننا هذا، حیث قد تعارف التعامل بالنقود الورقیة وغیرها، ولم یعد أحدٌ یتعامل بالذهب والفضة .

ص:170

بل قد یؤید ذلک _ مضافا الی تعارف التعامل بها فی تلک الأعصار دون هذه الأزمنة _ انّ المهم هو القیمة والمالیة التی تحملها الذهب والفضة لا اصلهما، ومن هنا مع ثبوتهما فی ذمة المکلف فانّه لا یسقط بتعذر الدینار، بل یجب اخراج قیمته اجماعا، حتّی عند القائلین بلزوم اخراج العین، مع أنّه لا دلیل لنا لاخراج القیمة، الاّ الدلیل المشتمل لاخراج عین الدینار، بل لا یبعد جعل ذلک دلیلاً فی المسالة لا تأییدا فقط .

اللّهم الاّ أن یتمسک بوجوب اخراج القیمة بقاعدة المیسور، لو عدت القیمة میسور الدینار عند تعذّره، وهو اول الکلام، إنْ استظهرنا الخصوصیة للدینار من الدلیل کما ادعی .

بل قد یؤید هذا القول أیضا أمرهم علیهم السلام بالنصف والربع فی تالییه، مع عدم وجود مضروبهما فی زمان صدور الحکم، حیث یوجب کون الظاهر من الدلیل هو المالیّة الموجودة فی مطلق المسکوک، لا خصوصه .

و القول بکون المراد هو الکسر المشاع، بأن یُسلّط الفقیر علی المال الموجود، والدینار الذی کان بید صاحبه، بعیدٌ فی الغایة، مضافا الی أنّه موجبٌ للعسر والحرج بحسب النوع، لو تعلق بالعین _ من جهة أنّه ربما لم یکن یملک مؤدی الکفارة دینارا، حتّی یتعلق به حق الفقیر فی عینه، فلا جرم من تعلیقها بالذّمة، وهو لا یکون الاّ بالدینار الکُلّی القابل تطبیقه علی القیمة. وکان من الأولی القول بتعلقها بالمالیة أوّلاً وبالذات، من دون حاجة الی أنْ یرجع الیه بتکلّف، کما لا یخفی .

و علیه یظهر أنّه إذا دار الأمر بین حمل الدینار علی القیمة مطلقا، و أجزأه اخراجها ولو من غیر الذهب، وبین حملها علی مقدار الدینار من خصوص الذهب، ولو لم یکن مسکوکا، لما کان فی اولویة الثانی اشکالٌ، لکونه أقرب الی الدینار من جهة احتفاظه بخصوصیته، الا أنه لا یوجب الحکم بلزوم کونه کذلک،

ص:171

لما قد عرفت کون الملاک فیه هو المالیة لا خصوصیة الذهب أو المسکوکیة، حتّی یقال بوجوب مراعاتها .

فما عن المحکی من «المنتهی» للعلامة قدس سره ، بأنه لا فرق بین المضروب و غیره، لتناول الاسم لهما، الی أن قال: «وفی اخراج القیمة نظرٌ، أقربه عدم الجواز، لأنّه کفارة، فاختص ببعض انواع المال کسائر الکفارات»(1) .

لیس بوجیه، لأنّه إذا قیل بأنّ المقصود من ذکر کلمة (الدینار) لیس الاّ المالیة، وذکره اشارة الی طریقیته للمالیة، فلا وجه للحکم بالالتزام بکونها من التبر.

اما اذا قلنا بلزوم رعایة خصوص الدینار، فلا وجه للاکتفاء بغیر المضروب من التبر.

فالأولی هو القول بجواز اخراج القیمة من النقود الرائجة، ولو کان من الذهب الرائج کان أولی، لأقربیته الی ما هو المستفاد من ظاهر الدلیل، وإنْ کان اخراجه من غیر الذهب أیضا مجزیا .

نعم، لابدّ أن یلاحظ فی المدفوع مطابقته لقیمة الذهب المسکوک بما أنه هو الأصل، لا قیمة التبر، فما نسبه الشیخ الأعظم ل_ «المنتهی» باجزاء التبر، لصدق الاسم علیه، ومن ثمَّ قال: وفیه نظرٌ ، غیر بعید کون النسبة صحیحة، لو لم یرد کون الاخراج من التبر بدل المسکوک، من حیث المالیة .

کما قد یقرّب ذلک الاحتمال، حیث قد تنظّر فیها اخراج القیمة، مع أنّه لو اراد المالیة من اخراج التبر، لما کان وجهٌ لقوله: (فیه نظر)، کما لا یخفی .

ثم، علی القول بجواز اخراج القیمة، هل المعتبر قیمة زمان صدور الحکم _ وهی علی المعروف عشرة دراهم _ أو قیمة وقت الوطی، الذی هو زمان اشتغال الذمة، أو قیمة وقت الأداء؟


1- هی المحکی فی «مصباح الهدی» عنه: ج 5 / 84 .

ص:172

وجوه وأقوالٌ: المصرح به فی «الجواهر» هو الأول، حیث قال: «لکن هل یعتبر القیمة فی ذلک الوقت، فلا عبرة بالزیادة والنقصان فی غیره، لا یبعد فی النظر ذلک» . و صرّح بعضهم بالثانی، معللاً بأنّه زمان الاشتغال، فهو الواجب علی المکلف الذی تعلقت بذمته.

ولکن المختار عند الشیخ الاعظم، وصاحب «العروة»، وکثیر من أصحاب التعلیق، ومنهم المحقق الآملی والبروجردی والاصطهباناتی والسید عبد الهادی الشیرازی _ وهو المختار عندنا _ هو قیمة وقت الأداء، لما قد عرفت أنّ الذی تعلق بذمة المکلف المتخلف هو الدینار باعتبار یمثّل قیمة شرائیة معیَّنة، وهی بمقدار المثقال الشرعی من الذهب المسکوک فاشتغال الذمه، یکون بمالیة الدینار، لا بکونه قیمة یوم الوطی، بل بما هی قیمة الدینار، فتکون الذمة مشغولة بهذه الدینار بما لها من القیمة الی حال الاداء، سواء زادت قیمته أو نقصت، ولأجل ذلک لا اشکال فی حصول الفراغ باداء نفس الدینار، سواء زادت قیمته أو نقصت عن وقت الوطی أو صدور الحکم، مع أنّه لو کانت الذمة مشغولة بالدینار المقیدة بقیمة وقت الوطی أو وقت صدور الحکم، لما حصل الفراغ باعطاء الدینار بقیمة زمان الاداء، إذا کانت القیمة أنقص، مع أنه یحصل به الفراغ قطعا، کما صرح به صاحب «الجواهر» قدس سره .

ما یحرم علی الحائض / مصرف کفّارة وطی الحائض

ثمّ لا بدّ من التنبیه علی أنّ الاختلاف فی کفایة القیمة وعدمها، إنّما تنشأ فیما إذا تمکن من اخراج الدینار، وامّا إذا کان متعذرا من أساسه وغیر قادر علی دفعه _ کما فی ایامنا هذا _ فلا اشکال فی اجزاء القیمة قولاً واحدا، کما لا یخفی .

فرع: الکلام فی مصرف هذه الکفارة وعدده.

فنقول: وأما أصل مصرفها یکون کمصرف سائر الکفارات، من لزوم دفعها الی المستحقین والمساکین.

ص:173

ولو تکرّر منه الوطی فی وقتٍ لا تختلف فیه الکفارة، لم تتکرر ،

وقیل: بل تتکرر ، والأوّل أقوی (1).

والسؤال هو أنّه هل یجب التعدّد فی مصرفها أم لا؟

ففی «الجواهر» قوله: «ولا یشترط التعدد بلا خلاف أجده فیهما، نعم یمکن اشتراط المساکین الثلاثة فی کفارة وطی الأمة، لما عرفت أنّ العمدة اجماع «الانتصار» المعتضدة بنفی الخلاف» انتهی کلامه(1) .

و لکن قد عرفت منا أنّ الدلیل غیر وافٍ لخصوص کون المساکین ثلاثة، وکون مقدارها ثلاثة أمداد، لأن الحدیث الوارد فی المقام والدال علی هذا الموضوع، خبران و هما خبر عبد الملک، والوارد فیه الأمر بالتصدق علی عَشَرة مساکین، دون أن یرد فیه ذکر عن المقدار، ولا عن جنس الشی المدفوع، وثانیهما الحد المروی فی کتاب «فقه الرضا»، الذی فیه الأمر بالتصدّق بثلاثة أمداد من الطعام، بلا ذکر من یتصدق علیه من ثلاثة مساکین، ولا مقدار ما یُعطی لکلّ مسکین.

فلم یبق هنا دلیل علی ذلک الاّ الاجماع، فان تم مع تلک القیود فهو، والاّ فالأصل یقتضی العدم، وبما أنّه لم یثبت الاجماع _ وإنْ ادّعی _ فانّ الأحوط هو مراعاته، أی یجب التصدق علی ثلاثة من المساکین، بان یدفع لهم ثلاثة أمداد .

(1) و اعلم أنّ تعدد الوطی قد یکون واقعا فیما کان کفارته من نوع واحد کما لو أقدم علی تکرار الوطی فی الثلث الاول من الحیض، وقد یکون واقعا فی نوعین، کما لو کرر الوطی کان الاول منه فی الثلث الاوّل، والثانی فی الثلث الثانی.


1- الجواهر: 3/236 .

ص:174

فالآن نبحث عن الاوّل منهما فنقول: لو کان التعدّد عرفیا أی بأن عدّ الوطی متعددا عرفا، لأجل وجود الفصل بینهما فی الجملة، فهل تتکرر الکفارة بتکررها أم لا؟

ما یحرم علی الحائض / تکرّر کفّارة وطی الحائض بتکرّره

قیل بالثانی بشرط عدم تخلل التکفیر بینه، هذا کما عن «المدارک»، بل هو مختار المحقق فی «الشرایع» ظاهرا، وإنْ کان ظاهر اطلاقه یقتضی خلافه، کما صرح الشیخ فی «المبسوط»، حیث قال بعدم التکریر، مع تنصیصه علی اختصاص الحکم بما إذا کان لم یتخلل بالتکفیر.

وقیل تتکرر مطلقا، وهو مختار جملة من الأصحاب، منهم الشهید فی «البیان» و«الدروس» و«جامع المقاصد» و«روض الجنان» و«مسالک الأفهام»، بل هو مختار أکثر المتأخرین، ومتأخری المتأخرین، کالسیّد فی «العروة»، وأکثر أصحاب التعلیق _ ولو علی نحو الاحتیاط الوجوبی، کما هو مختارنا، ومختار المحقق الآملی _ .

وقیل لا تتکرر مطلقا، حتّی مع تخللّ التکفیر، کما هو ظاهر ابن ادریس فی «السرائر»، بل یستظهر من اطلاقه، عدم الفرق بین التخللّ وعدمه، ولکن فی «مصباح الفقیه» قال: «التزامه بذلک فی صورة التخللّ فی غایة البُعد، اذ لا ینبغی التأمل فی کون الوطی المسبوق بالتکفیر کالمبتداء، فی استفادة سببیتة للکفارات من عمومات الأدلة» .

و کیف کان، فانّ حجة القائلین بالتکرر مطلقا، ظهور تعلیق الجزاء علی الشرط، فی کون وجود الشرط علّة لتحقق الجزاء، ما لم یرد دلیلاً علی خلافة، من القرینة اللفظیة أو المقامیة، لأنّ یقتضی اطلاق سببیته، تکرر المسبّب بتکرره، لأنّه إذا وجد ثانیا، امّا أنْ یکون مؤثرا وهو المطلوب، أم غیر مؤثرٍ وهو خلاف ظاهر دلیل السببیة، فاذا کان مؤثرا إمّا أن یکون أثره مطابقا لأثر الأول، أی أوجب ما وجب بالسبب الأول، فهذا یعدّ من المحالات، لأنه تحصیل للحاصل،

ص:175

مضافا الی أنّه یلزم تقدم المسبب عن سببه بالنظر الی سببیة الثانی، فلا سبیل لنا الا القول بلزوم ایجاب جزاء مسستقل، وسبب علی حدة، وهو المطلوب، فاذا کان تعدد الجزاء هو المستفاد من ظاهر تعلیق الجزاء علی الشرط عرفا، فللقائلین بعدم التکرر _ حتّی مع عدم التخلل بالتکفیر، فضلاً عما تخلّل _ من اقامة دلیل علی کلامهم، ولا دلیل عندهم الاّ دعوی انکار ذلک الظهور فی القضیة الشرطیة، بان یقال بأنّ المستفاد منها لیس الاّ عموم سببیّة اتیان الحائض من کلّ أحد للکفارة فی الجملة، بصورة القضیة المهملة، لا القضیة المطلقة المستغرقه لافراد الاتیان، إذ لا یفهم من قوله علیه السلام : «مَنْ أتی حائضا فعلیه الدینار أو نصفه» الاّ عموم الحکم بالنسبة الی افراد المکلفین، بلحاظ العموم المستفاد من الموصول، لا أفراد الصلة، فمن الجائز أن تکون سببیّته اداء الکفارة مشروطة بعدم مسبوقیّته باتیان آخر، والاّ لا یکون سببا لفردٍ آخر، بل و مع الشک فی ذلک _ أی فی سببیته _ نرجع الی اصالة البرائة، ولازم ذلک هو عدم التکرر، حتّی مع التخلّل بالتکفیر، فضلاً عمّا لم یتخلّل، فیصیر ذلک دلیلاً ومستندا لقول الحلّی فی «السرائر» .

لکنه فی غایة الضعف والوهن، لوضوح أنّه کما أنّ للموصول عموما عند العرف لجمیع الافراد، ویشملها بصورة الاستغراق، کذلک للصلة اطلاق أحوالی یشمل جمیع الحالات، سواءً کان مسبوقا بفرد آخر أم لم یکن مسبوقا، إذا کانت القضیة واردة فی مقام بیان الحکم، اذ الحکمة تقتضی ذلک الاطلاق .

و الشاهد علی هذا الاطلاق، هو استفادة هذا الحکم لهذا المکلف الذی أقدم علی وطی حائض آخر، أو جامع المرأة فی حیض آخر، مع أن الدلیل منحصر فی هذا الدلیل، ولیس فیه دلالة علی حکم التکرر، الاّ أن یستفاد من اطلاقه الاحوالی فی الصلة لیشتمل کلّ فرد یصدق علیه الجماع مع الحائض، سواءً کان الشخص متفاوتا فی التکرار أم لا، ولیس المنشأ لمثل هذا الاقتضاء دلیل

ص:176

الحکمة، کما هو الحال فی سائر المطلقات .

أو یقال: بأنّ تعلیق الجزاء علی طبیعة الشرط، لا یقتضی الاّ سببیة ماهیة الشرط _ من حیث هی، بلحاظ تحققها فی الخارج مطلقا _ للجزاء بطبیعته من دون دخل لأفرادها، من حیث خصوصیتها الشخصیة فی الحکم، ومن الواضح أنّ الطبیعة من حیث هی، لا تقبل التکرّر، بل تتحقق بمجرد تحقق فرد واحدٍ منها، والتکرر فی أفرادها لا مدخلیة لها فی تحقق الجزاء، فیکون تحقق الطبیعة فی الفرد الثانی کتحققها فی الفرد الاوّل، بعد حصول المسمی، فکما أنّه لا أثر لتحقق الطبیعة فی ضمن الفرد الاول، بعد حصول المسمی، عند استدامته الی الزمان الثانی، کذا لا أثر لتحققها فی الفرد الثانی بعد کونه مسبوقا بتحققها فی ضمن الفرد الاوّل ، نظیر سببیّة الحدث للوضوء، حیث أنّ الوضوء یصیر واجبا بعد تحقق مسمّاه، ولا أثر بعده حتی یفید وجوبه ثانیا.

ولیس هذا تقییدا لاطلاق ما دل علی سببیة صرف الطبیعة بلحاظ تحققها الخارجی للوضوء، حتّی تنفیه اصالة الاطلاق، وانّما یکون هذا الأثر ثابتا من جهة عدم مدخلیة الخصوصیة الفردیة الشخصیة فی ثبوت الجزاء .

فصدق حدوث الوطی مرات عدیدة عند تخللّ الفصل المتعد به عرفا، دون ما اذا لم یحدث فصّل بینها، إنّما یصلح کونه فارقا إذا کان الحکم معلّقا علی الطبیعة بافرادها واشخاصها، لا علی طبیعتها وتحققها الخارجی، والاّ لا یتکرر الجزاء بتکرر الطبیعة .

وممّا یؤید ذلک، ما عرفت من أنّ الطبیعة من حیث هی هی صادقة علی القلیل والکثیر، والواحد والمتعدد، ومقتضی ذلک کونها مؤثرة باعتبار اول تحققها، وکون ما عداه من وجوداتها أسبابا شأنیة، یعنی أنّها قابلة للتحقیق الجزاء، إذا کان تحققها بدویة، فبعد وجوها فی أوّل الآنات، فلا یتعدد فی سائر الوجودات، سواءً

ص:177

وانْ اختلفت تکررّت (1).

کانت متصلة بوجودها الاول، بحیث یعدّ مجموع وجوداتها فردا واحدا مستمرا بنظر العرف، أو مفصولة عنه، بحیث یتعدد بسببها الأفراد، هذا بخلاف ما لو کان مرتبا علی وجودات الطبیعة _ أی بافرادها _ حیث یکون مقتضی القاعدة حینئذٍ تکرر الجزاء بتعدد الفرد، من دون فرقٍ بین ما لو وجدت الأفراد دفعة أو تدریجا .

و التقریب الثانی علی عدم التکرار، یعدّ أولی من التقریب الاوّل، کما أنّ مقتضی التقریب الثانی هو ما قوّاه صاحب «المدارک» من التفصیل بین ما لو وقع التکرار فی وقت لا تختلف فیه الکفارة، بشرط عدم تخلّل التکفیر، وبین غیره، لأنّه إذا اختلف الوقت فلا یأتی هذا الدلیل فیه، کما إذا تخلّل التکفیر یتعدد أیضا مثل تجدّد الحَدَث بعد الوضوء، حیث یفید لزوم تجدید الوضوء أیضا .

و کون المسألة ثبوتا _ مع هذین الوجهین الدالین علی تعدد الجزاء بتعدّد الشرط أو عدمه عن الوجه الثانی _ أمرا ثابتا ممّا لا اشکال فیه، لکن الاشکال إنّما وقع فی مقام الاثبات من جهة أن قوله: «مَنْ أتی حائضا فعلیه الکفارة» یفید الوجه الاوّل _ کما هو الغالب _ أو الوجه الثانی علی أحد التقریبین، حیث لم یتبین أحدهما، فالأحوط هو التکرر، کما قلنا فی تعلیقتنا علی «العروة» تبعا لعدد کبیر من الفقهاء، خلافا للمصنف، بل واختاره صاحب «الجواهر» والمحقق الهمدانی، مع تأمل منه فی صحّته، خصوصا مع تمسکه عند الشک فی لزوم تکررها بعد تعدد الوطی بالأصل، والرجوع الی اصالة البرائة عن التکلیف الزائد المشکوک .

(1) لما قد عرفت بأنّ عدم التکرر عند من یقول به، کان فیما إذا لم یختلف الوقت، ولم یسبقه بالتکفیر، وأمّا مع فقد أحد الشرطین فی الوجود الثانی، فلا اشکال حینئذٍ فی لزوم تکرر الکفارة، اذ لا نزاع فی تغیّر المُوجِب والموجَب

ص:178

حینئذ: فعلی هذا، ینتج أنّه لو وطی الحائض مرّة فی الثلث الأوّل، وثانیةً فی الثلث الثانی، کان علیه تکرار الکفارة بالدینار ونصفه، وجوبا أو ندبا، علی حسب اختلاف الفتوی .

هاهنا فرعان وهما:

الفرع الأوّل: ورد فی «الجواهر» قوله: «واعلم أنّه الحق بعضهم النفساء بالحائض. قیل وعلیه یمکن اجتماع زمانین بل ثلاثه فی وطی واحد، نظرا الی امکان قلة النفاس، فیلزم حینئذ بالکفارات الثلاثة. وهو لا یخلو عن اشکال، لعدم صدق الاوّل والوسط والآخر، ولا الوطی فیهما، بمجرد الاستدامة الحاصلة، فالمتجه حینئذ مراعاة أوّل آنات مسمی الوطی بادخال الحشفة، أو الاقل إنْ قلنا به . نعم قد یشکل الحال مع فرض اشتراک زمان التحقق، ولعل المتّجه فیه ایجاب الکفارتین تحصیلاً للبرائة الیقینیة، للقطع بُشغل ذمته، إذ احتمال سقوط الکفارة مقطوع بعدمه، فتأمّل جیّدا» انتهی کلامه(1) .

و جاء فی «مصباح الهدی» قوله : «وفی الطهارة نسبته الی الالحاق الی ظاهر الأصحاب وحُکی عن «التذکرة» عدم العلم بالخلاف، وهو ظاهر کلّ من قال بتساوی الحائض والنفساء، فی کلّ الأحکام، الاّ ما استثنی، و مع عدم استثنائه کفارة الوطی، ولذا یمکن أنْ یقال إنّه المعروف بین الأصحاب، لکن لم یذکروا الحاقها بها دلیلا، وإنْ اسند الی عموم النص، لکن لیس علیه نصٌ یستند الیه، فان کانت المعروفیة عند الفقهاء بمثابة، تکونُ اجماعا منهم علی الالحاق فهو، والاّ فلا دلیل علیه، کما قاله المصنف قدس سره . ولکن مخالفة المعروف أیضا شی ءٌ لا یتجرء


1- الجواهر: 3/273 .

ص:179

علیه، واللّه العالم» . انتهی کلامه(1) .

قلنا: الحاق الأصحاب النفساء بالحائض بنحو العموم _ إلاّ ما استثنی _ یکون بالنسبة الی الأحکام الواردة فی الاخبار المترتبة علی عنوان النفساء الذی یدل علی الالحاق تصریحا أو تلویحا، کحرمة الوطی، ودخول المسجد، ومسّ کتابة القرآن، وأمثال ذلک .

و أمّا اثبات حکم الکفارة المترتب علی وطی الحائض التی تخرج منها دم الحیض، لمن لا یخرج منها هذا الدم، بل یخرج منها دم آخر غیر دم الحیض مع عدم ورود اشارة الیه فی أخبار الوطی _ حتّی فی النصوص التی وردت الاشارة فیها الی دم النفاس، وحُکم فیها بحرمة الوطی وثبوت الکفارة التی تعدّ من الامور المالیة، والتی تعدّ من العقوبات المشترکة بین وطی الحائض والنفساء _ ففی غایة الاشکال، ولأجل ذلک لم یفت بذلک کثیر ممن ذهب الی وجوب الکفارة فی وطی الحائض کالسیّد فی «العروة»، وکثیرٌ من أصحاب التعلیق علیها، کما هو مختارنا فیه .

و علی فرض قبول الالحاق، وتمکّنا برغم قلّة مدة النفاس من فرض فترات ثلاث لها، وأقدم الواطی علی وطی النفساء فی جمیع هذه المدة فرضا ، فهل یجب علیه ثلاث کفارات، من الدینار ونصفه وربعه بملاحظة استغراق وطیه لها للفترات الثلاث المفروضه، أو یکفی کفارة واحدة وهی الدینار الواحد، لأجل وحدة الوطی، وعدم صدق التعدّد برغم أنّه استوعب الفترات الثلاث، فیجب علیه کفارة واحدة للثلث الاوّل، وهو المتحقق بدخول الحشفة ولو ببعضها، واستمرار الوطی واستیعابه لبقیة الوقت لا یوجب التکثر، وإنْ استوجب استیعاب


1- مصباح الهدی ج5/89 .

ص:180

تمام الوقت، إذ العرف لا یری مثل هذا الوطی الاّ واحدا، فاذا کان الأمر کذلک، فیتضح منه حکم الواطی ء للحائض إذا کان وطیه فی آخر الثلث الأوّل، فامّتد حتّی دخل فی الوسط، أو شرع الوطی فی أواسط الفترة الثانیة، واستمر علی ذلک حتّی دخل فی الفترة الثالثة، فانّه لا یجب علیه الاّ ما یصدق علیه الوطی فی أوّله، فیکون الواجب علیه دفع الکفارة الاولی دینارا واحدا، وفی الثانی نصفه، وفی الثالث ربعه، والتعدد والوحدة فی الوطی أمر عرفی، والحکم تابع لموضوعه عرفا، وإنْ لم یصدق علیه وقوع الوطی فی حال الحیض، بل یکفی وقوعه فیه.

ما یحرم علی الحائض / حکم العاجز عن أداء کفّارة الوطی

ومنه یظهر وجوب دفع الکفارة الواحدة، لمن کان فی حال الوطی و عرض لزوجته الحیض، وعلم الواطی بذلک، ولکنه برغم ذلک استمر فی الجماع، وبرغم أنّ حدوث الوطی لم یقع فی حال الحیض، الاّ أن کونه فیه، یکفی فی ثبوت الکفارة علیه ووجوبه، عند من قال بالوجوب، فیجب علیه دفع دینار واحد لصدق الوطی فی حال الحیض علیه، کما لا یخفی .

و ممّا ذکرنا یظهر ما فی کلام صاحب «الجواهر» من الاشکال مع فرض اشتراک زمان التحقق، حیث قال: «ولعلّ المتّجه فیه ایجاب الکفارتین، تحصیلاً للبرائة الیقینة»

ولکن تصور ذلک لا یخلو عن اشکال، اذا کان الملاک فی صدق الوطی هو اوّل آنات دخول الحشفة، حیثُ لا یقع ذلک الاّ فی وقت واحد من الثلاث، فایجاب الکفارتین _ خصوصا مع الشک فیه، الذی کان شکا فی التکلیف الزائد فی الأقلّ و الاکثر الاستقلالی، مع وجود اصالة العدم فی الموضوع والمتعلق _ لا یخلو عن بُعدٍ ووهن، کما لا یخفی .

و کیف کان، إنْ أمکن فرض الاشتراک فی زمان التحقق بوطی واحد، بالانطباق علی فردین من الزمان المتعلق للکفارة، کان لکلامه وجهٌ وجیه من

ص:181

لزوم الکفارتین بل الثلاث، إنْ فُرض امکان انطباقه علیه حتّی علی الشک، فلیتأمل جیّدا .

الثانی من الفرعین : بیان حال العاجز عن أداء الکفارة.

ففی «الجواهر» قال: «ثم أنّ الظاهر من ذیل مرسلة داود، سقوط الکفارة مع العجز، والرجوع الی الاستغفار، بل جعله السبیل الی کلّ کفارة عجز عنها، وهو لا یخلو عن قوة، بناءً علی الاستحباب، کما أنّه لا یخلو من اشکال بناء علی الوجوب، لعدم الجابر لها فی خصوص ذلک، بل ینبغی انتظار الیسار کما فی غیره من الکفارات. وبناء علیه، ینبغی ملاحظة العجز عن التعلیق دون المتجدد، لمکان شُغل الذمة به سابقا، واللّه أعلم» انتهی کلامه(1) .

قلنا: وحیثُ کان الدلیل فی هذا الفرع منحصرا فی مرسلة داود، فلا بأس بایرادها حتّی یتضح لنا مفادها لکی نستفید منها فی مقام الاستدلال. والمرسلة هی التی رواها الشیخ باسناده عن محمد بن احمد بن یحیی، عن بعض أصحابنا، عن الطیالسی، عن أحمد بن محمد، عن داود بن فرقد، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، فی حدیثٍ.

قلت: «فانْ لم یکن عنده ما یکفّر؟ قال : فلیتصدق علی مسکین واحد، والاّ استغفر اللّه، ولا یعود، فانّ الاستغفار توبة وکفارة لکلّ من لم یجد السبیل الی شی ء من الکفارة»(2) .

اقول: لا یخفی علیک أنّ ظاهر الروایة یفید أن العجز عن الاداء حدث حین تعلق الکفارة بالواطی، کما یدل علیه قوله: «فإنْ لم یکن عنده ما یکفی» ای لم یکن عنده الکفارة حین ثبوت التکلیف بالدفع بذمته، لا مَنْ عرض له العجز بعد


1- الجواهر: 3/237 .
2- وسائل الشیعة: الباب 28 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:182

ما کان قادرا حین العمل، کما هو مقتضی القاعدة، اذ یقبح توجیه التکلف لمن کان عاجزا عن امتثاله، حیث لا یتعلق به التکلیف.

هذا، بخلاف من کان قادرا، وتعلق به التکلیف بالدفع، واستغلت ذمته بها، فسقوطها حینئذٍ یحتاج الی دلیل بالخصوص، وحیث کان مفقودا، فیجبُ علیه الکفارة عند الیُسر، وتبقی ذمته مشغولة الی حین یساره، کما هو مقتضی استصحاب بقاء الاشتغال، لسبق الاستقرار، وخروجه عن مورد الروایة .

و امّا بالنسبة الی العجز حین العمل، فانه لا اشکال فی عدم ثبوتها فی هذا الحال، والسؤال هو أنّه هل یکون حال سقوطها کحال سقوط الدَیْن عن المدیون، إذا کان معسرا، حیث أنّ سقوطه ما دامی لا دائمی، أی ساقط عنه ما دام کونه معسرا، أمّا اذا حصل له الیسار، فانّه یجب علیه الأداء، کما هو نص الآیة الشریفة فی قوله تعالی: الآیة « فإنْ کانَ ذو عُسْرَة فَنَظِرةٌ الی میسرة» .

أو یکون سقوطه حال العمل، کسقوط العاجز عن دفع نفقة الولد والوالد عن الوجوب الی حین الیسار، اذ لیست نفقتهما کنفقة الزوجة الثابتة والمتعلقة بالذمة، ویجب علیه ادائها متی ما قدر علیها وصار میسورا، ولو کان عاجزا حال التعلق.

والظاهر من الروایة هو الثانی لا الاوّل، بل قد یقال بان القول بالسقوط لیس لوجیهٍ لأنّه لا یطلق الاّ بعد الثبوت، وهنا لم یثبت حال العمل حتّی یطلق علیه السقوط .

بل قد یؤید الثانی، بیان ذکر البدل للکفارة، وهو الاعطاء الی مسکین واحد، والاّ استغفر اللّه، ومعلومٌ أن معنی البدلیة، هو الاکتفاء بالبدل عن المبدل، نظیر التیمم إذا کان بدلاً عن الوضوء، حیث یکون الامتثال به محققا وجوب سقوط الأمر به، لا بأن یکون السقوط ما دامیّه، بمعنی انه إذا زال العذر، فیجب علیه اعادة الصلاة مع الوضوء کالاول، بل الأصل أیضا یقتضی الثانی، لأنّ الشک حینئذ یکون شکا فی اصل الثبوت، فالأصل العدم، کما لا یخفی .

ص:183

بل ظاهر الروایة یفید أنها فی مقام بیان الکبری الکلّی لکلّ کفارة، لکلّ من ثبت فی حقّه الکفارة وعجز عن ادائها، فیکون الاستغفار بدلاً عنها، حیث جَعل الاستغفار سبیلاً للعاجز عن دفعها.

ولکن بما أنّ الروایة مرسلة، فسندها ضعیف بالارسال، فلا یصحّ التمسک بها الاّ أن یقوم جابرٌ من الاجماع أو الشهرة أو مؤیدا یوجب تقویتها وبما أنّه لا نمتلک مثل هذا الجابر، فقد ذهب بعض کالسیّد فی «العروة» وأکثر اصحاب التعلیق لولا الکلّ، علی القول بالاحتیاط الوجوبی، وذلک بأن یستغفر عند العجز عنها، مادام العجز باقیا، ومتی صار میسورا وجبت.

بل لا یبعد القول بکون الأحوط هو أن یدفع الکفار بقدر المیسور بأن یدفع لفقیر واحد، ثم یستغفر عن البقیة .

ما یحرم علی الحائض / فی طلاق الحائض

فاذا ظهر لک الحال فی وجوب الکفارة وعدمه، بالنسبة الی تمام الکفارة، یظهر لک حال بعضها بالنسبة الی ما لو کان عاجزا عنها فی حال الوطی، حیث أنّ مقتضی القاعدة، کون حال البعض کحال الکلّ، فان کان میسورا یجب فیه دون غیره من حال العجز، وبعد رفع العُذر کان حکمه کحکم رفع العذر عن الکلّ، من الوجوب وعدمه، کما هو مقتضی قاعدة المیسور، وهذا صریح المحکی عن «التحریر» و«المنتهی»، خلافا لظاهر جماعة آخرین الذین اقتصروا فی الکفارة علی ذکر الدینار، مع تصریحهم بسقوطها مع العجز، حیث ادعی صاحب «مصباح الهدی» قدس سره أنّه ظاهر فی کون مختارهم هو السقوط بالکلّ مع العجز عن البعض، وإنْ اختار نفسه الشریف الاوّل، مستدلاً علیه بکون الواجب هو مالیة الدینار لا نفسه حتّی یسقط باسقاط بعضها، لأجل العجز عنه .

و لکن الانصاف عدم ظهور ذلک فیما ذکره، لامکان أن یکون الفقهاء قد قصدوا من کان عاجزا عن اداء الکل _ کما هو الغالب _ وأمّا بالنسبة الی البعض

ص:184

السادس: لا یصحّ طلاقها إذا کانت مدخولاً بها، وزوجها حاضر معها (1).

فنرجع الی مختارهم فی مسألة الدینار، بکون الواجب هو عین الدینار، فلازمه سقوط الکلّ بسقوط البعض، لعدم امکان تصور التبعیض فی المالیة، فیتحقق التفکیک حینئذٍ بین الکل بالسقوط دون البعض، کما لا یخفی .

و امّا حکم البعض المعسور بعد رفع العسر عنه، یکون کحکم الکلّ فی وجوب الکفارة وعدمه، کلّ علی مذهبه ومختاره .

(1) اعلم أن صریح نص هذه المسألة هو الاشارة الی الحکم الوضعی حیث قد تعرض لخصوص عدم صحة الطلاق اذا کانت الزوجة حائضا مدخولاً بها، وزوجها حاضر، ولم یتعرّض المصنف للحکم التکلیفی، وهو الحرمة، مع أنّ صاحب «الجواهر» قدس سره تعرض لذلک وقال بأنّ اجماع المسلمین _ أی الفریقین _ علی ذلک. مع أنّه لیس الأمر کذلک فی الحکم الوضعی _ وهو بطلان الطلاق _ حیث أنّه اجماعی عند الفرقة المحقّة، دون غیرهم من علماء العامة، لأنهم صرّحوا بالصحة مع الحرمة کالشافعی وأبی حنیفة ومالک وأحمد .

ثم أنّ المصنف لم یتعرض لبقیة احکامه، مثل کفایة طلاق الزوج الغائب الذی هو بحکم الحاضر من جهة امکان استعلامه، وعدم کفایة الحاضر إذا کان بحکم الغایب، من جهة عدم امکان الاستعلام منه.

کما أنّه لم یتعرّض لحکم من یصحّ طلاقه فی حال الحیض، إذا لم یکن مدخولاً بها، أو کانت مدخولاً بها ولکن کانت حاملاً دون حائل، فانّه یصح طلاقها اجماعا _ تحّصیلاً ومنقولاً _ کما لم یتعرض لحال تحدید الغیبة، حیث قد وقع الخلاف فیه بین کونه شهر أو ثلاثة أشهر، کما وقع الخلاف فی کفایة العلم بانتقالها من طُهر المواقعة الی آخر بحسب عادتها، وفی توقف تحقق الغیبة علی السفر الشرعی أو تحصل بدونه.

فی غسل الحیض / هل یجب غسل الحیض لنفسه أم لا؟

ص:185

السابع: إذا طَهُرتْ وجب علیها الغُسل (1).

ولعلّ المصنف ترک الاشارة الی حکم هذه الامور هنا، لأجل أنّه لیس هنا موضعه، بل محله بحث الطلاق، وتعرضه لموضوع الطلاق فی المقام، لعلّه لاجل اجتماع الحیض مع الطلاق، فالاولی حینئذ ترک تفصیل البحث هنا واحالته الی محلّه.

(1) اعلم أنّه ربما یوهم اطلاق عبارة المصنف باستعماله لفظ (وجب) هنا، کون الغُسل فی الحیض واجبا نفسیا، ولو لم یجب علیها فعلاً عبادیا مما یشترط فیه الطهارة، کما قیل فی غُسل الجنابة، کما هو محتمل اختیار «المنتهی» مستدلاً باطلاق الأمر، ونحوه القاضی، بل فی «المدارک» قوله: إنّ قوة الوجوب ظاهرة .

و لکن الأقوی خلافه، أی ان الغُسل لم یکن واجبا لنفسه، کما هو الأمر فی غُسل الجنابة، الذی قد صرّح بعض بوجوبه لنفسه لا للغیر، فضلاً عن مثل غُسل الحیض، حیث أنّ وجود الخلاف فیه أبعد احتمالاً عن وجوده فی غُسل الجنابة .

و لعلّ وجه اطلاق المصنّف بالوجوب علیها، من جهة الاشارة الی أنّ المقصود من الوجوب هو الغیری وذلک بملاحظة العبارات المشروطة بالطهور، اذ هو المتبادر من الامر بالغُسل فی الأحداث المانعة من الصلاة وغیرها، نظیر اطلاق الامر بغَسل الثوب والبدن الملاقی للنجس، واراقة الانائین المشتبهین، ونحوهما من الأوامر المتعلقة بشرائط العبادات وأجزائها، دون الوجوب النفسی المطلق، کما هو المعهود فی غیر المقام عند الاطلاق، لأن معهودیة وجوبها الشرطی هنا بنفسه، تعدّ قرینة صارفة للاطلاق بأن یصرف الوجوب المطلق عن الوجوب النفسی الی الوجوب الغیری ، لأنّ العرف المتشرع یفهم من الوجوب فی الغُسل والوضوء والتیمم _ الذی تعدّ مقدمة للصلاة ونحوها من الواجبات المشروطة بالطهارة _ کونه وجوبا غیریا لا نفسیا. واتیان کلمة (الوجوب) فی مثل هذه

ص:186

وکیّفیته، مثل غُسل الجنابة (1).

الأمور مطلقا و غیر مقیّد، منصرف الی الوجوب الغیری، ولا یکون ترک القید والتقید و التعرّض لکونه غیّریا، منافیا للغرض الباعث علی الأمر، بعد مساعدة دلیل غیر متصل دالٍ علی أنّ وجوبه غیری، فلا یقبح عند العرف ترک التقیید، والاعتماد علی القرینة المنفصلة، وهذا نظیر جمیع الأوامر المطلقة المتعلقة بغَسل الثوب والبدن وتطهیر الاناء، کما لا یخفی علی العارف المتأمل فی الاوامر الصادرة فی الشرع وکیفیّتها .

فی غُسل الحیض / غسل الحیض مثل غسل الجنابة

(1) أی من جهة واجباته ومندوباته، بل فی «الجواهر»: بلا خلاف أجده فیه، الاّ فیما ستسمع.

بل فی «المدارک»: أنّه مذهب العلماء کافة. فالحجة _ علیه مضافا الی الاجماع بکلا قسمیه _ دلالة الأخبار علی المماثلة:

منها: ما فی موثقة الحلبی، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «غُسل الجنابة والحیض واحد»(1) .

منها: روایة الصدوق، قال: قال الصادق علیه السلام : «غُسل الجنابة والحیض واحد».

ورواه أیضا فی «المجالس» و«المقنع» مرسلاً(2)

منها: روایة عبداللّه بن سنان، عن الصادق علیه السلام فی حدیثٍ قال : «غُسل الجنابة والحیض واحد»(3) .

وهذه الاخبار تدل علی التداخل أیضا، حیثُ یفهم منها تساویهما فی جمیع


1- وسائل الشیعة: الباب 22 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 23 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- وسائل الشیعة: الباب 23 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:187

الواجبات والمندوبات، من الترتیب والارتماس وغیرهما، بخلاف ما یدل علی المماثلة، مثل حدیث أبی بصیر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «سألته أعلیها غُسلٌ مثل غُسل الجنابة؟ قال: نعم، یعنی الحائض»(1) .

منها: روایة الحلبی، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «غُسل الجنابة والحیض واحد. قال: وسألته عن الحائض، علیها غُسلٌ مثل غُسل الجنب؟

قال: نعم»(2) .

منها: روایة فضل بن شاذان، عن الرضا علیه السلام ، فی حدیثٍ: «قال: وغُسل الجنابة وغُسل الحیض مثله»(3) .

و لکن قد یشاهد من الأخبار وجود الاختلاف فیها بالنسبة الی بعض المندوبات، کحدّ الماء، المستعمل فی الغُسل کما قد صرّح بذلک صاحب «النهایة» حیث قال: «وتستعمل فی غُسل الحیض تسعة أرطال من ماء، وإنْ زاد علی ذلک کان أفضل، وفی الجنابة، وإنْ استعمل أکثر من ذلک جاز».

وقد احتمل صاحب «الجواهر» کون مراده من جواز استعمال الزیادة فی الثانی، هو ما أراد فی الأول.

لکنه خلاف ظاهر کلامه.

نعم، یحتمل کون الزیادة فی استعمال الماء فی غسل الحیض لاجل الاسباغ من جهة طول شعر المرأة وطول مدة جلوسها أیام الحیض حیث لم یصل الماء إلی جسمها .

و لعل نظره الی ما ورد فی مکاتبة الصفار الذی رواها الصدوق رحمه الله بسنده عن


1- وسائل الشیعة: الباب 23 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .
2- وسائل الشیعة: الباب 23 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة: الباب 23 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:188

محمد بن الحسن الصفار، أنّه کتب الی أبی محمد علیه السلام : «کم حدّ الماء الذی یُغسل به المیتّ، کما رووا أنّ الجُنب یغسل بستة أرطال من ماء، و الحائض بتسعة، فهل للمیتّ حدّ من الماء الذی یُغسل به؟ فوقّع علیه السلام : حَدّ غُسل المیت یغسل حتّی یطهر إنْ شاء اللّه تعالی»(1) .

و الی ما ورد فی روایة محمد بن الفضیل، قال: «سألتُ أبا الحسن علیه السلام عن الحائض کم یکفیها من الماء؟ قال: فرق»(2) .

و فی «الجواهر» عن تفسیر کلمة (فرق)، وهو کما قاله أبو عبیدة، بلا اختلاف بین الناس، ثلاثة أصواع.

و الشیخ علی المحکیّ فی «الوسائل» حمله علی الإسباغ والفضل، و یمکن حمله علی کثرة الشعر والنجاسات والوسخ، بحیث تحتاج الی ذلک القدر، لما مرّ هنا وفی الوضوء والجنابة وغیر ذلک .

مضافا الی امکان القول بأنّ التفاوت فی بعض المندوبات، لا یضرّ بالمماثلة فی أصل حقیقته فی الإجزاء، بأن یکون مثل غُسل الجنابة، حتّی قد عرفت کفایة التداخل فیهما، کما لا یخفی .

فی غُسل الحیض / لو تخلّل الحدث الأصغر فی أثنائه

و من جملة المماثلة، جواز الاتیان بالارتماس، کما یأتی کذلک فی غُسل الجنابة، حیث قد صرح به بعضهم فی المقام وفی الجنابة، بل مقتضی الاطلاق عند الأمر بالغُسل، هو الانصراف الی ما هو المعهود المتعارف فی غُسل الجنابة، الذی قد عرفت کیفیته حتّی فی الأغسال المندوبة، نظیر اطلاق الصلاة المنصرف الی رکعتی التطوع کالرکعتین من صلاة الفریضة عند الفجر إذا لم یرد قرینة متصلة


1- وسائل الشیعة: الباب 27 من أبواب غسل المیّت، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 20 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:189

أو منفصلة یقصد بالمطلق خلافة، لأنه المتبادر من الأمر بالامور المعهودة المفروضة فی الشرع کما فی الکیفیة کالترتیب والارتماس وغیرهما من الامور اللازمة فیه، هنا وفی غُسل الجنابة .

نعم، قد استثنی فی «الجواهر» عن المماثلة فی الأحکام، موضوع تخلل الحدث الأصغر فی اثنائه، لأنّه یدّعی : «أنّه ینفی القطع بعدم قدحه فیه، کما عن العلامة فی «التذکرة» و«النهایة»، بناء علی عدم الاستغناء عن الوضوء، مع عدم مدخلیته فی رفع الحدث الاکبر. نعم، قد یتجه البحث فیه بناءً علی أحدهما، کما أنه یمکن القول بالفساد هنا بناء علی الأول أیضا، إن قلنا به فی غُسل الجنابة، مستندین علی الروایة المرسلة المتقدمة هناک، بضمیمة مادلّ علی اتحادهما بما ذکرناه الآن، لا الی غیرها من التعلیلات المتقدمة هناک، فتأمل جیدا فانه دقیق» انتهی محلّ الحاجة(1) .

بل قد یظهر من صاحب «مصباح الهدی» أنّه: «مما لا اشکال فی صحته فی و قوع الحدث فی أثناء غیر غسل الجنابة، مثل الحیض وغیره من الاغسال الواجبة، ووجوب الوضوء بعده، کما أنه لولاه لکان یجب علیه الوضوء، فلا یجری فیه ما تقدم من أدلة القولین الأخیرین، کما لا یخفی»(2) .

و المراد من الروایة المرسلة، هو ما رواه السیّد محمد بن أبی الحسن الموسوی العاملی فی کتاب «المدارک» نقلاً عن کتاب «المجالس» للصدوق ابن بابویه، عن الصادق علیه السلام ، قال: «لا بأس بتبعیض الغسل، تغسل یدک وفرجک ورأسک وتؤخر غَسل جسدک الی وقت الصلاة، ثم تغتسل جسدک إذا أردت


1- الجواهر: 3/239 .
2- مصباح الهدی: 4/327 .

ص:190

ذلک، فان احدثت حَدَثا من بول أو غائط أو ریح أو منی، بعد ما غسلت رأسک من قبل أنْ تغسل جسدک، فأعد الغُسل من أوّله»(1) .

و ما یقرب منه المرویّ عن «فقه الرضا»، کما فی «مصباح الهدی»(2) .

وبرغم کون الخبرین مرسلین، ولکن حیث أنّ الفقهاء قد عملوا بمضمونهما فی غُسل الجنابة، من الحکم بالاستئناف _ عن بعضٍ _ أو الاتمام _ عن آخر _ مع ضمّ الوضوء معه، فلابأس من القول به فی غُسل الحیض ونحوه، لاطلاق عنوان الغُسل فی الروایة، خصوصا مع ما عرفت من دلالة أخبار متعددة، علی اتحاد غُسل الحیض وغُسل الجنابة، فلازم الاتحاد هو القول بذلک فیه أیضا، لا من حیث لزوم الاستئناف أو التمام والاتمام بقصد ما فی الذمة، غایة الأمر لا اشکال هنا فی لزوم الوضوء معه، کما أن الامر کذلک قبل عروض الحدث، ولاجل ذلک ذهب السید فی «العروة»، بل وکثیر من أصحاب التعلیق الی الحکم بعدم بطلانه علی الاقوی.

ولکن الأحوط اعادة الغُسل بعد اتمامه، والوضوء بعده، أو الاستیناف والوضوء بعده، وکذا إذا أحدث سائر الاغسال .

و هذا الاحتیاط عند السیّد ندبیٌّ، لأنه قد أفتی بعدم بطلانه، ولکن کثیر من الفقهاء قد أوجبوا الاحتیاط فی غُسل الجنابة، وغیره من الأغسال، مع ایجاب اتیان الوضوء بعده، حیث یظهر منهم أنّ تخلّل الحدث فی الاثناء یوجب عندهم الشبهة فی رافعیة الغُسل للحدث الأکبر، من جهة احتمال کون عدم هذه الاحداث فیه دخیلا فی رافعیته للحدث، بواسطة دلالة هاتین الروایتین، فالاستثناء


1- وسائل الشیعة: الباب 29 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .
2- مصباح الهدی: 4/316 .

ص:191

المُدّعی هنا من أحکام المشترک بینه وبین غُسل الحیض لا یخلو عن شبهة، کما لا یخفی علی المتأملّ.

و ظهر ممّا ذکرنا أنّ هذه المسالة غیر مبنیة علی القول بکفایة الغُسل عن الوضوء وعدمها، کما أشار الیه صاحب «الجواهر» نقلاً عن صاحب «جامع المقاصد»، یعنی هذا الاحتیاط هنا واجبٌ وإنْ قلنا بعدم کفایة سائر الاغسال الواجبة عن الوضوء، کما هو المختار عندنا.

کما ظهر عدم تمامیة ما نُقل عن «الذکری» فیه، من تعلیل عدم القادحیة، بأنّ الطهارتین فی غُسل الحیض _ أی الصغری والکبری _ یشترکان فی رفع الحدثین.

لما قد عرفت من احتمال دخالة عدم الحدث الأصغر فی تأثیر الغُسل لرفع الحدث الأکبر، وإنْ قلنا بعدم کفایته عن الوضوء علی کلّ حال .

اذا عرفت ذلک، فاعلم أنّه لا اشکال بأنّه لا یُغنی عن الوضوء، وینفرد فیه عن غُسل الجنابة، للاجماع محّصلاً ومنقولاً مستفیضا غایة الاستفاضة، کالنصوص الواردة والدالة علی أنّ غُسل الجنابة بمفرده یغنی ویُجزی عن الوضوء، بل الظاهر عدم استحباب الوضوء فی غُسل الجنابة، وفاقا للمحکیّ عن المشهور، بل فی «الذکری» نسبته الی الاصحاب، وفی «المنتهی» قوله: عندنا، المُشعر بالاجماع عند الامامیة، علی أنّه لا وضوء بعد غُسل الجنابة.

خلافا للشیخ فی «التهذیب»، لظاهر خبر أبی بکر الحضرمی، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال سألته: «قلت: کیف اُصنعُ إذا أجنبتُ؟ قال: اغسل کفیک وفرجک، وتوضأ وضوء للصلاة، ثم اغتسل».

وخبر عبداللّه بن سلیمان، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه علیه السلام یقول: الوضوء بعد الغُسل بدعة».

فی غُسل الحیض / عدم کفایته عن الوضوء

حیث أنّه باطلاقه وبمفهومه یدلّ علی جواز الوضوء قبل غُسل الجنابة.

ص:192

لکن لابدّ له من وضوء قبله أو بعده (1).

وفی «الجواهر»: «حملهما علی التقیّة أولی»

مع أنّ هذا الحمل یصحّ فی الخبر الأول دون الثانی، لا مکان حمله علی غُسل الجنابة علی حسب المتعارف من تحصیل الوضوء بعد الغُسل، فلا یکون لقید (بعد) مفهوم، لوروده مورد الغالب. فالبدعة تکون مطلقة، أی قبله وبعده.

وامّا غُسل الحیض فهل یجزی عن الوضوء أم لا؟ ففیه خلافٌ، وقد اختار المصنف قدس سره العدم، کما نصّ علی ذلک فی الجملة القادمة .

(1) وعدم کفایته عن الوضوء، مثل سائر الاغسال _ غیر الجنابة _ یکون وفاقا للأکثر، کما ورد فی لسان جماعة، بل فی «الذکری» _ کما أشار الیه فی «الجواهر» _ أنّه المشهور، شهرةً کادت تکون اجماعا، کما عن الصدوق فی «الامالی» نسبته الی دین الامامیة، وقد أیدهما صاحب «الجواهر» بقوله: «والأمرُ کما ذکرا»، ثم نقل الأقوال وحکاها وقال فی ادامة کلامه: إذ هو خیرة «الفقیه» و«الهدایة» و«المقنعة» و«التهذیب» و«المبسوط» و«النهایة» و«الغنیة» و«المراسم» و«الوسیلة» و«السرائر»، وکما فی أبی الصلاح، و«اشارة السبق» و«الجامع» و«المعتبر» و«النافع» و«المنتهی» و«التحریر» و«الارشاد» و«المختلف» و«الموجز الحاوی» و«الذکری» و«الدروس» و«البیان» و«التنقیح» و«جامع المقاصد» و«کشف اللثام» و«منظومة الطباطبائی» و«شرح الآقا للمفاتیح» و«الریاض» و«کشف الغطاء» وغیرها.

بل هو المقبول عند المتأخرین والمعاصرین، کالسیّد فی «العروة»، واکثر أصحاب التعلیق علیها، لولا کلّهم .

خلافا لجماعة آخرین من المتقدمین، علی ما هو المنقول عن أبی علیّ وعلم

ص:193

الهدی والأردبیلی قدس سره ، وتلمیذه صاحب «المدارک» وصاحب «الذخیرة» و«المفاتیح» و«الحدائق» .

فلا بأس حینئذ من الاشارة الی الادلة التی اقیمت علی عدم الکفایة فنقول: «فقد استدلوا بنصوص من کتب بعض الفقهاء اللذین یعدّ کتبهم نصوص الأخبار، مثل «النهایة» و«الفقیه» و«الهدایة»، وهو المنقول عن والد الصدوق أیضا، مع أنّه علّله فی «الفقیه» و«الهدایة» بما یُنبی ء عن ذلک، حیث قال أولاً: «یُجزی ء غُسل الجنابة عن الوضوء، لأنهما فرضان اجتمعا، فأکبرهما یُجزی ء عن أصغرهما، ومن اغتسل لغیر جنابة، فلیبدأ بالوضوء ثم یغتسل، ولا یُجزئه الغُسل عن الوضوء، لأنّ الغُسل سنة والوضوء فرض، ولا تُجزی ء سنة عن فرض».

ونحوه فی «الهدایة» کالمنقول عن فقه «مولانا الرضا» علیه السلام ، مع زیادة تأکید بعدم الأجزاء .

و کذلک استدلّوا لذلک بعموم أو اطلاق ما دل علی ایجاب البول ونحوه من أسباب الوضوء مع التیمم، بضمیمة عدم القول بالفصل بین حصول سبب الغسل وعدمه، حیث لا یحصل الاّ الأکبر، یعنی إذا أوجب البول ونحوه _ من اسباب الوضوء _ عدم حصول سبب الغُسل فکذلک یوجب الوضوء أیضا.

وفیه أنّه اذا لم یحصل له الاّ الحدث الأکبر وهو لا یوجب التفاوت بینهما من عدم لزوم الوضوء له، لأجل حصول سبب الغُسل، اذ لم یقل أحدٌ بالفصل بین القولین.

مع ملاحظة قوله تعالی: «إذا قُمْتُم الی الصَّلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَکم... الی آخره»، مع التیمم المذکور أیضا یتم المطلوب، کما لا یخفی .

و مما استدل به علی وجوب الوضوء مع غُسل غیر الجنابة، هو مرسل ابن أبی عمیر الذی یعدّ کالمسند لذهاب الاصحاب علی قبول مراسیله، لأنّه یعدّ ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه، وأنّه لا یروی الاّ عن ثقة، کما عن

ص:194

(عُدة الاصول) . و هو عن الکلینی، باسناده الصحیح الی ابن أبی عمیر، عن رجل، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «کلُ غُسل قبله وضوء الاّ غُسل الجنابة»(1).

ورواه الشیخ باسناده عن محمد بن یعقوب .

و مثله فی الدلالة روایة اخری رواها الکلینی، باسناده عن ابن أبی عمیر، عن حمّاد بن عثمان، أو غیره، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «فی کلّ غُسل وضوءٌ الا الجنابة»(2).

فانّ دلالته علی المطلوب أولی، حیث لم یقید بکون الوضوء قبل الغُسل، فتصیر هذه قرینة علی عدم کون القبلیة فی ما قبله للشرطیة، بل غایته الحمل علی الأفضلیة، کما أنّ الثانیة ایضا من جهة السند معتبر، لأنّ الراوی الذی نقل عنه ابن أبی عمیر، إنْ کان هو حمّاد بن عثمان فهو ثقة ومعتبر، فالسند صحیح حقیقة، وإنْ کان هو غیره، فیکون مرسلاً کسابقیه، فیکون مصححا لا صحیحا.

وعلی کل حال، یعدّ سنده معتبرا وقابلاً للاستدلال به .

و احتمال کون الروایتین واحدة، خاصة مع ورود الاشارة فی الخبر الثانی الی الرجل المجهول فی الخبر الاول بقوله «أو غیره»، حیثُ یحتمل حینئذ کونه هو الرجل المذکور فی سلسلة السند الأولی.

نعم، ورد ذکر هذا الخبر فی «مختلف الشیعة» و«الذکری» دون أن یشیر الی قوله «أو غیره» فی السند، ونقلا الروایة عن حمّاد بن عثمان، فیحتمل حینئذ کون الروایتین واحدة.

فی غُسل الحیض / فی کلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة

ولکن اختلاف نص الخبرین یبعدّ وحدتهما، وعلی فرض قبول الوحدة یأتی


1- وسائل الشیعة: الباب 35 من أبواب الجنابة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 35 من أبواب الجنابة، الحدیث 2.

ص:195

البحث عن النص الصادر من الامام علیه السلام ، وأنّه هل الصادر منه کان یتضمن کلمة (قبله) أم لا، فیدور الأمر حینئذ بین حصول الخطأ والاشتباه فی النقیصة والزیادة، فاصالة عدم الزیادة تکون مقدما علی اصالة عدم النقیصة، ولازم هذا الأصل هو ان الصادر منه علیه السلام کان یتضمن کلمة (قبله)، فلا یلتفت حینئذ الی ما اعترض علی هذا الخبرین من عدم دلالته بالصراحة علی الوجوب، لوضوح أنّ مثل هذه الجمل ظاهرة فی الانشاء، وبیان حکم الوجوب، الاّ إذا وردت بقرینة صارفه عنه.

مضافا الی أنّ بیان الوضوء مع کل غُسل، لا یکون الاّ بلحاظ ما یشترط فیه الطهارة، فوجوبه شرطی، سواء کان المشروط أمرا واجبا _ فیکون شرطه أیضا کذلک _ أو أمرا مندوبا _ فشرطه هنا کذلک _ وعلی کلّ حال، یدل علی ما هو المطلوب، کما لا یخفی علی المتأمل.

واحتمال کون قوله فی الخبر: «فی کلّ غُسل...» استفهاما انکاریا بحیث یفید عدم لزوم الوضوء فی کلّ غُسل.

بعیدّ غایته، بل قد یمکن التأیید لذلک _ أی لزوم الوضوء _ بالمروی عن کتاب «غوالی اللئالی» عن النبیّ صلی الله علیه و آله : «کلّ غُسل لابدّ فیه من الوضوء، الاّ الجنابة»(1) .

و حدیث علی بن یقطین، عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام ، قال: «إذا أردت أنْ تغتسل للجمعة، فتوضأ و(ثم) اغتسل»(2).

مع تتمیمه بعدم القول بالفصل، بناء علی المشهور من النقل عن المرتضی وأبی علیّ، من الاجتزاء بکلّ غسل عن الوضوء، فاذا احتاج غُسل الجمعة الی الوضوء، فکذلک یکون غیره من سائر الاغسال، وهو المطلوب .


1- المستدرک الباب 25 من ابواب الجنابة الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 35 من أبواب الجنابة، الحدیث 3 .

ص:196

بل قد یمکن استفادة وجوب الوضوء، مع غُسل المستحاضة، من الخبر الصحیح الذی رواه زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «سألته عن الطامث، تقعد بعدد أیامها، کیف تصنع؟ قال: تستظهر بیوم أو یومین، ثم هی مستحاضة، فلتغتسل و تستوثق من نفسها، وتُصلّی کلّ صلاة بوضوء، مالم ینفد (یثقب) الدّم، فاذا نفد اغتسلت وصلّت»(1) .

فی غُسل الحیض / عدم کفایته عن الوضوء

و کذلک یمکن الاستدلال بالمضمرة التی رواها سماعة، قال: «قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الکرسف، اغتسلت لکلّ صلاتین، وللفجر غُسلاً، وإنْ لم یجز الدم الکرسف، فعلیها الغْسل لکلّ یوم مرّة، والوضوء لکلّ صلاة» الحدیث(2) .

فان هذین الخبرین یدلان علی وجوب الوضوء لکلّ صلاة فی المستحاضة المتوسطة، حیث یشمل بالاطلاق ما لو کانت الصلاة بعد الغُسل بلا فصل معتدٍ به، مثل الغُسل الواقع اوّل الصبح فی کلّ یوم، المجزی لصلاة الصبح وغیرها، فلابد فیه من الوضوء مع الغُسل، فاذا کان الحکم هنا کذلک، فلزوم الوضوء بعد کلّ غسل فی المستحاضة الکثیرة أیضا کذلک، بل لعله أولی لأجل عدم القول بالفصل بین الصورتین والقسمین فی الکفایة وعدمها، هذا اوّلاً.

وثانیا: امکان القول بالأولویة فی لزوم الوضوء مع الغُسل فی الکثیرة، وذلک إذا قلنا بلزومه فی المتوسطه لشدّة الحدث فیه، کما لا یخفی.

وهذا الوجه وان کان مما یمکن المناقشة فیه، بامکان کون الشدّة فی الحدیثه أولی فی کفایة الغُسل عن الوضوء، لکن مثل هذه الاستحسانات ما لا یمکن اثبات الحکم الشرعی بها، فالأولی الاکتفاء فی ذلک بمثل الاجماع المرکب، ودلالة الادلة.


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 9 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 6 .

ص:197

ولعلّ اشارة صاحب «الروض» بقوله: «إنّ فیه أخبارا صحیحة»، کان یقصدبه صحیحة زرارة، حیث تدل علی وجوب الوضوء مع غُسل الاستحاضة، فاذا کان الأمر فیه کذلک، ففی غُسل الحیض وغیره أیضا کذلک، لعدم القول بالفصل بین الأغسال فی الاستغناء وعدمه، کما لا یخفی .

فاذا عرفت دلالة مجموعة من الاخبار علی لزوم الوضوء مع کلّ غُسل، الاّ الجنابة، فقد صدر الأشکال والاعتراض عن صاحب «مصباح الفقیه» بالنسبة الی التمسک بدلالة بعض الأخبار مثل مرسلة ابن أبی عُمیر، حیث وردت فیها قوله: «کلّ غُسل قبله الوضوء الاّ غُسل الجنابة»، حیث قال: «انّ هذه الجملة لا تدل الاّ علی مشروعیة الوضوء مع سائر الاغسال، دون الوجوب، لانّها أعمّ من الوجوب .

فاجاب عنه بأنّ الثابت فی محلّه، کون الجملة الخبریة _ کالأمر _ ظاهرها الوجوب، بل قد یدّعی أظهریتها من الأمر، لکونها إخبارا عن الواقع، وظاهرها عدم الانفکاک، وأقرب مجازاته عدم جواز التفکیک، لأن مقتضی هذا الظاهر _ بعد حمل مطلق الأخبار علی مقیّدها _ إنّما هو وجوب کون کلّ غُسلٍ مسبوقا بالوضوء، وظاهره الوجوب الشرطی . هذا، مع مخالفته للمشهور، ممّا لا یمکن الالتزام به، اذ لا یمکن ارتکاب التقید فی جمیع الأوامر المطلقة، الواردة فی مقام البیان، المتعلقة بالأغسال الواجبة والمسنونة.

وکذا الأخبار الخاصة الدالة علی أنّ غُسل المیت أو غُسل الحائض، یکونان مثل غُسل الجنب، مع خلوّ الأخبار المسوقة لبیان کیفیّة الغُسل عن التعرّض له بمثل هذا الظاهر، مع مخالفته للمشهور، ومعارضته بالموثقة الآتیة، التی ورد فیها التصریح بأنّه: لیس علی الرجل ولا علی المرأة، فی شی ء من الأغسال _ لا قبله ولا بعده _ وضوء» وهذا نصّ فی نفی وجوبه الشرطی، حیث أنه هو القدر المتیقن من مفادها .

فیجب امّا حمل الأمر بالوضوء قبل الغُسل، علی الاستحباب، والالتزام بکون

ص:198

الوضوء السابق کالمضمضه والاستنشاق، یعدّ من سُنن الغسل.

أو حمله علی الوجوب أو الاستحباب النفسی، من دون أن یکون للتقدیم مدخلیة فی صحة الغُسل ولا فی صحة الوضوء.

وهذا مع بُعده فی حدّ ذاته، مما لا یظنّ بأحدٍ أنْ یلتزم به .

أو الالتزام بکون التقدیم شرطا فی صحّة الوضوء، ورافعیته للحدث الاصغر.

وهذا أوضحُ بطلانا من سابقه .

أو الالتزام بکون الأخبار مسوقه لبیان أنّ ما عدا غُسل الجنابة، غیر مجزی ء عن الوضوء، وإنّما أمر الشارع بایجاده قبل الغُسل، لکونه أفضل فردی الواجب المخیّر.

وهذا المعنی وانْ کان موافقا لما علیه المشهور، الاّ أنّ حمل الروایة علیه لیس باولی من حملها علی المعنی الاوّل، بل العکس أولی، بالنظر الی ظاهر الروایة، حیث أنّ مقتضاه کون الوضوء السابق شرطا لصحة الغُسل.

وعند تعذّر هذا المعنی، یکون حمله علی ارادة کونه شرطا لکماله، أولی من سائر الاحتمالات، هذا فضلاً عن أنّه أوفق بما یقتضیه الجمع بینها وبین الأخبار الآتیة .

هذا، ولکن یمکن لأحد أن یعترض و یدعی منع تقید بعض الروایات ببعض، ویدّعی أنّ المنساق الی الذهن من قوله علیه السلام فی المرسلة الثانیة: «وفی کلّ غُسل وضوء الاّ الجنابة»، وکذا من روایة «العوالی»، هو عدم الاجتزاء بالغُسل عن الوضوء المعهود للصلاة، ولا مقتضی لتقییدها بالمرسلة الاولی لعدم التنافی، لإمکان ثبوت کلا الحکمین فی الواقع، بان لم یکن ما عدا غُسل الجنابة مجزئا عن الوضوء، وکون الوضوء فی حدّ ذاته مستحبا قبل الغُسل، أو کونه أفضل من تاخیره. وبناءً علی هذا یتجه الاستدلال بالروایتین.

انتهی محلّ الحاجه من کلامه(1) .


1- مصباح الفقیه: ج4/171 _ 169 .

ص:199

اقول: ولقد أجاد فیما أفّاد، وجزاه اللّه عنا خیر الجزاء فیما حقّقه وبیّنه، ولکن الأولی أن نقول إن الدلیل علی أن معنی لزوم تقدیم الوضوء قبل الغُسل فی غیر الجنابة، هو بیان کونه أفضل الافراد، وموثرا فی کمال الغُسل لا فی صحته، هو وجود أخبار کثیرة دالة علی بیان حاجة کلّ غُسل غیر الجنابة للوضوء، من دون ذکر لزوم کونه قبله، حیث یفهم منها ان سابقیة الوضوء علی الغُسل، لیس شرطا فی صحة الغُسل، ولا فی صحة الوضوء، بل غایة ما یقتضیه الجمع بینها وبین الروایة المشتملة علی قبلیة الوضوء، هو کونه أفضل الافراد، نظیر ما یقال فی قوله: «اعتق رقبة» و «اعتق رقبة مؤمنة» فی الدلیلین المثبتین، حیث یُقیّد أحدهما الآخر من جهة الأفضلیة، کما یقال فی قوله: «صلّ» و«صلّ فی المسجد»، وهذا أمرٌ مقبول عند العقلاء، کما لا یخفی .

فاذا عرفت الأخبار الدالة علی وجوب الوضوء مع الاغسال _ الاّ فی غُسل الجنابة _ مع العمومات والأدلة الخاصة المنصوصة وهی أخبار کثیرة مستفیضة، فلا یبقی وجه لما قاله المحقق الهمدانی، بأنّ الاستدلال بالعمومات _ کاستصحاب الحدث، وقاعدة الشُّغل _ إنّما یتم علی تقدیر التشکیک فی ادلة السیّد واتباعه لما قد عرفت من عدم انحصار الدلیل بالعمومات، والاصول العملیة، حتّی یقال بامکان تقیید الأولی، وعدم جواز العمل بالاصول مع وجود دلیل اجتهادی من النصوص، بل غایته ملاحظة ادلة الخصم، وأنها هل هی قادرة علی المعارضة مع تلک الأخبار السابقة.

أمّا أدلتهم، فهی أخبار کثیرة .

منها: صحیحة محمّد بن مسلم، عن الباقر علیه السلام ، قال: «الغُسل یُجزی ء عن الوضوء، وأیّ وضوء أطهر من الغسل»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 1 .

ص:200

منها: مکاتبة محمد بن عبد الرحمن الهمدانی: «کتب الی أبی الحسن الثالث علیه السلام یسأله عن الوضوء للصلاة فی غُسل الجمعة؟ فکتب: لا وضوء للصلاة فی غُسل یوم الجمعة ولا غیره»(1) .

منها: مرسلة حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «فی الرجل یغتسل للجمعة، أو غیر ذلک، أیجزیه من الوضوء؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : وأیّ وضوء أطهر من الغُسل»(2) .

و منها: موثقة عمار الساباطی، قال سُئل أبو عبداللّه علیه السلام : «عن الرجل اذا اغتسل عن جنابته، أو یوم جمعة، أو یوم عید، هل علیه الوضوء قبل ذلک أو بعده؟ فقال: لا، لیس علیه قبل ولا بعد، قد اجزأه الغُسل، والمرأة مثل ذلک، إذا اغتسلت من حیض أو غیر ذلک، فلیس علیها الوضوء، لا قبل ولا بعد، قد اجزأها الغُسل»(3) .

و منها: مرسل محمد بن أحمد بن یحیی: «أنّ الوضوء قبل الغُسل وبعده بدعة»(4) .

منها: روایة عبداللّه بن سلیمان، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه علیه السلام یقول: الوضوء بعد الغُسل بدعة»(5) .

منها: مرسلة الکلینی: «ورُوی أنّه لیس شی ء من الغُسل فیه وضوء، الاّ غُسل یوم الجمعة، فان قبله وضوء»(6).


1- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .
3- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 3 .
4- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .
5- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 6 .
6- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 7 .

ص:201

منها: مرسلة الکلینی أیضا: «قال: وروی أیّ وضوء أطهر من الغسل»(1).

منها: وروایة سلیمان بن خالد، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «الوضوء بعد الغُسل بدعة»(2).

منها: المرسلة التی رواها المحقق فی «المعتبر»، قال رُوی من عدة طرق عن الصادق علیه السلام ، قال: «الوضوء بعد الغُسل بدعة»(3) .

و منها: صحیحة حکم بن حکیم، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن غُسل الجنابة... الی أنْ قال: قلتُ: إنّ الناس یقولون یتوضأ وضوء الصلاة قبل الغَسل. فضحک، وقال: وایّ وضوء أنقی من الغُسل وأبلغ»(4).

بناء علی أنْ یکون المقصود من الغُسل حقیقته اللفظی، لا الغُسل المعهود الشرعی کالجنابة مثلاً، فلا یقصد مطلق الاغسال المعهودة شرعا، التی یؤتی مع غایة من الغایات .

وکذلک یمکن الاستدلال بالاخبار الکثیرة الواردة فی باب الحیض والاستحاضة والنفاس، من الحکم بالغُسل خاصة، من غیر تعرض للوضوء معه، برغم أنّ المقام مقام البیان والحاجة، حیثُ یشعر علی کفایته عنه .

بل وکذا یُشعر لذلک الأخبار الواردة فی بیان التداخل، وما دلّ علی مماثلة غُسل الحیض لغُسل الجنابة، واتحاده معه. هذا، مضافا الی امکان الرجوع الی أصل البرائة عن تکلیف الوضوء بعد الغُسل. فهذه جملة ما استدلوا علی ذلک.

و لکن بعد ما عرفت من إعراض أکثر الاصحاب والقدماء عن ذلک، بل وعن


1- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 9 .
3- وسائل الشیعة: الباب 33 من أبواب الجنابة، الحدیث 10 .
4- وسائل الشیعة: الباب 34 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .

ص:202

الصدوق رحمه الله نسبة خلاف هذا القول الی دین الامامیة، المشعر باتفاق فقهاء الشیعة علی خلافه، فلابد امّا من حمل تلک الأخبار علی ما لا ینافی مع ما عرفت من النصوص الّتی دلت علی لزوم الوضوء مع غیر غسل الجنابة، أو طرحها فیما لا یمکن ذلک، أو حملها علی التقیة. هذا بالنسبة الی النصوص.

وامّا فی الاصل کالبرائة، فمن الواضح أنّه لا موقع له، مع وجود نص صریح علی خلافه، مضافا الی وجود الاستصحاب وقاعدة الاشتغال علی خلاف أصل البرائة، وهما حاکمان علیه.

فی غُسل الحیض / الوضوء قبله أو بعده؟

هذا فضلاً عن امکان القول فی بعضها _ مثل صحیح ابن مسلم _ علی کون المراد من الغُسل، هو الغُسل المعهود الشایع فی العرف، وهو غُسل الجنابة الذی قد وقع فیه البحث بین العامّة والخاصة، فی کفایته عن الوضوء وعدمه، لا سائر الاغسال _ مثل الحیض والاستحاضة والمسّ للمیّت، وغُسل الجمعة وغیرها _ ، والشاهد علی هذا ضحک الامام علیه السلام ، وما ورد فیما نسبوا الی امیر المؤمنین علیه السلام وتکذیب الامام له، وهو کما فی صحیحة حکم بن حکیم، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن غُسل الجنابة. الی أنْ قال: قلت: انّ الناس یقولون یتوضأ وضوء الصلاة قبل الغُسل. فضحک، وقال: وایّ وضوء أنقی من الغسل وابلغ»(1).

فان ضحک الامام علیه السلام مع هذه النسبة، وجوابه وردّه بتلک المقالة عن غُسل الجنابة، یصیر شاهد الحمل فی سائر الروایات.

کما قد یؤید ذلک ما وردت فی روایة اخری لمحمّد بن مسلم، الذی صدر منه الکلام السابق فی مطلق الغُسل، حیث قد یتوهم کون المراد منه هو ماهیة الغسل ومعناه اللغوی، لا الغُسل المعهود، والخبر هو: «قال: قلتُ لأبی جعفر علیه السلام : إنّ اهل


1- وسائل الشیعة: الباب 34 من أبواب الجنابة، الحدیث 4 .

ص:203

الکوفة یروُونَ عن علیّ علیه السلام أنّه کان یأمر بالوضوء قبل الغُسل من الجنابة؟ قال: کذبوا علی علیّ علیه السلام ، ما وجدوا ذلک فی کتاب علیّ علیه السلام ، قال اللّه تعالی: «وإنْ کُنتُم جُنُبا فاطّهروا»»(1) .

کما انه یمکن حملها علی التقیة، کما فی «الوسائل» من روایة أبی بکر الحضرمی، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «سألته کیف أصنع إذا اجنبت؟ قال: اغسل کفک وفرجک وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل» .

وفی بعض الروایات کان الجواب بصورة المطلق، الشامل للجنابة و الجمعة وغیرهما، فیصح تقییده بالاختصاص لخصوص غُسل الجنابة، بواسطة تلک الأخبار الکثیرة الصریحة، الدالة علی لزوم الوضوء فی غیر غُسل الجنابة ، مثل مرسلة حماد بن عثمان، حیث قد اجاب الامام علیه السلام بقوله: «وأیّ وضوء أطهر من الغسل»، حیث یطابق ذلک مع ما فی غُسل الجنابة دون غیره.

بل وکذلک یمکن أنْ یقال بمثله فی مکاتبه ابن عبد الرحمن، مضافا الی احتمال التقیه فیها لأجل أنّها مکاتبة، کما یرفع الید عن خصوص غُسل الجمعة، وفی سائر الاغسال غیر الجنابة، لأجل نصوص کثیرة دالة علی لزوم الوضوء فی غیر غُسل الجنابة، کما یحمل علی کون المراد هو غُسل الجنابة، لا مطلق کلّ ما دلّ علی کون الوضوء مع الغُسل بدعة، سواء کان قبله أو بعده .

فیبقی هنا من الأخبار الصریحة الدالة علی خلاف ما قلناه، موثقة عمّار الساباطی، حیث نفی الوضوء قبل الغُسل وبعده فی الجنابة والجمعة ویوم عید، بل فی الرجل والمرأة، حیث یمکن رفع النافی بینه وبین غیره، بحملها علی من کان فی ذمته غُسل الجنابة وغیره من الجمعة وغیرها، أو الحیض مع الجنابة


1- وسائل الشیعة: الباب 34 من أبواب الجنابة، الحدیث 5 .

ص:204

والعید والجمعة، فانّ هذا الحمل وانْ کان خلافا لظاهرها من الاتیان لکلمة (اَوْ)، الاّ أنّه لا یمنع أنْ یدخل فیه هذا الفرض أیضا، اذ الجمع مهما أمکن اولی من الطرح، خصوصا مع ملاحظة کون هذه الأخبار صادرة علی مرأی ومسمع الاصحاب، ومع ذلک أعرضوا عنها، لاسیّما مع ملاحظة ما قد یقال من أنّه کلما کثرت النصوص، وکانت صحیحة وصریحة فی الدلالة، کانت علی المرأی والمسمع، ولم یلتفت الیها والأصحاب، یوجب الاطمینان علی طردها، لأنّه کلما زید فی سحة صدورها زید فی ضعفها، لأجل الاعراض، کما لا یخفی علی المتأمل العارف، لانه یحصل الظنّ القویّ للفقیه علی عدم الاعتماد والرکون الیها، فیصیر الحقّ مع المشهور، واللّه العالم بحقائق الامور .

فاذا عرفت عدم اغناء سائر الأغسال _ غیر غُسل الجنابة _ عن الوضوء، وأنّه لابد للمکلف من تحصیل الوضوء، فهل یجب أنْ یکون تحصیل ذلک قبل الغُسل أو بعده أو أنه مخیرٌ؟

المستفاد من کلمات جماعة من فقهائنا رحمهم اللّه لزوم تحصیله قبل الغُسل، کما یظهر ذلک عن «الفقیه» و«الغنیة» و«الکافی» وصاحب «شرح المفاتیح»، بل فی «الذکری» قد تمسک علی دعواه ببعض الأخبار الدالة علیه بظاهره، مثل مرسلة ابن أبی عُمیر، عن رجلٍ، قال: «کلّ غُسل قبله وضوء إلاّ غُسل الجنابة».

مثلها خبر علی بن یقطین، قال: «إذا أردت أنْ تغتسل للجمعة فتوضا واغتسل».

بل قد یُشعر بذلک، ما فی ورد فی مرسل حمّاد بن عثمان أو غیره من قوله: «فی کلّ غُسلٍ وضوء، الاّ الجنابة».

ومثله ما رواه «غوالی اللئالی» عن النبی صلی الله علیه و آله .

وذهب آخرون الی التخییر فی ذلک، بأنّه مخیرٌ فی الاتیان به قبل الغُسل أو بعده، کما صرح به المحقق رحمه الله فی «الشرایع» و«المعتبر»، والشیخ فی

ص:205

«المبسوط» و«النهایة»، وصاحب «الوسیلة» و«السرائر»، والعلامة فی «القواعد».

بل هو مقتضی اطلاق کلمات غیرهم فی الفقهاء، کما أنّه المشهور نقلاً وتحصیلاً، کما فی «الجواهر»، بل فی «السرائر» نفی الخلاف عنه، کما علیه أکثر المتأخرین لولا کلهم.

نعم ذهب بعضٌ منهم کالمحقق الهمدانی الی القول بأنّه: «لو أتی بعد الغُسل، فینبغی رعایة الاحتیاط فیه، بأن لا ینوی بوضوئه الاّ الاحتیاط، رعایة للمستفیضة الدالة علی کون الغُسل مجزئا عن الوضوء، وأنّ الوضوء بعده بدعة، فیقصد بفعله الاحتیاط، حتّی لا یکون علی تقدیر عدم مشروعیته مشرّعا» انتهی کلامه(1) .

و الأقوی عندنا هو أنّه لا وجوب فی تقدیمه، برغم أنّ التقدیم یعدّ أفضل الافراد، فیجوز اتیانه فی الاثناء، إذا کان الغُسل ترتیبیا، کما یجوز اتیانه بعده.

فی غُسل الحیض / ثمرة تقدیم الوضوء علیه و تأخیره عنه

والدلیل علیه: وجود اطلاقات کثیرة من الأخبار الواردة والدالة علی ثبوت أصل الوضوء، وعدم اغناء الغُسل عنه، بلا فرق فیه من جهة القبلیة والبعدیة، الأخبار واردة فی مقام البیان والحاجة والعمل، ولولا ذلک لکان مقتضی قاعدة الاطلاق والتقیید، هو العمل بما دل علی التقیید بالقَبلیة، خصوصا بالنظر الی ما فی «الأمالی»، من نسبة کلّ غُسل فیه وضوء فی أوّله الاّ غُسل الجنابة، الی دین الامامیة .

و لکن قد عرفت دعوی صاحب «السرائر» من نفی الخلاف فی عدم الوجوب، بضمیمة ما عرفت من الأخبار المطلقه الواردة فی مقام البیان، وحمل الأخبار المقیدة بالقبلیة، علی صورة أفضل الافراد، فان ملاحظة جمیع هذه الامور یوجب حصول الأطمئنان للفقیه بعدم وجوب هذا القید .


1- مصباح الفقیه: ج4/177 .

ص:206

ثم علی القول بالوجوب، فهل یعدّ شرطا لصحة الغُسل، بحیث لو لم یأت بالوضوء قبله، کان الغُسل باطلاً، أم لیس کذلک بل یعدّ آثما و عاصیا لیس الاّ، مع صحة غُسله؟

والأقوی هو الثانی، کما اُدّعی علیه نفی الخلاف فی «الریاض»، نقلاً عن بعض المشائخ، مضافا الی امکان التأیید لذلک بما ورد فی «فقه الرضا»، فانه وإنْ اشتمل اوّله الأمر بالبدء بالوضوء قبل الغُسل، لکن قال علیه السلام أخیرا فی ذیل کلامه: «فانْ اغتسلتَ ونسیتَ الوضوء، توضّأت فیما بعد عند الصلاة»(1).

فانه کالصریح فی عدم کونه شرطا، والاّ لما کان النسیان موجبا للصحّة فی الواجب المشروط، الاّ أن نقول بالشرطیة فی خصوص حال عدم النسیان، ولکن الالتزام بهذا یعدّ مخالفا للاجماع، ولعدم القول بالفصل فی الشرطیّة بین النسیان وعدمه .

فثبت من جمیع ما ذکرنا، عدم وجوب القبلیة له، کما هو مقتضی أصل البرائة، لو فُرض صحة التمسک بها فی المقام لنفی الوجوب عنه، وذلک لاجل عدم حصول الاطمئنان من الأخبار الواردة لأحد الطرفین من الوجوب وعدمه.

کما أنّه لو سلمنا وجوبه، فانّه لا دلیل لنا علی ثبوت الشرطیّة فیه، مع أنّ مقتضی الأصل عند الشک فیه هو عدمه، کما لا یخفی .

و الحاصل من جمیع ما قدمناه، هو وجوب الوضوء مع کل غُسلٍ من الأغسال _ واجبا أو مندوبا _ الاّ غُسل الجنابة، وأنّ الوضوء اللازم معه لم یکن تقدمه علیه الزامیا علی نحو الوجوب، کما أنه لا یعدّ تقدمه علیه شرطا فی صحة الغُسل.

نعم یعدّ تقدمه علی الغُسل أفضل الأفراد من الوضوء فی أثناء الغسل، إذا کان ترتیبیا، وأتی به تدریجا والوضوء بعده، بخلاف غُسل الجنابة حیث لا وضوء له


1- المستدرک الباب 25 من ابواب الجنابة الحدیث 1 .

ص:207

مطلقا _ ای فی الحالات الثلاث _ بل الاتیان به معه تعدّ بدعة، کما هو المستفاد من ظاهر بعض الأخبار التی کان هو القدر المتیقن منه، فلیتأمل .

فذلکةٌ علمیة:

بعد ما عرفت فی المباحث السابقة، عدم کفایة غیر غُسل الجنابة عن الوضوء، فلابد من تحصیل الطهارة لما یشترط فیه ذلک، من اتیان کلیهما متقدما لأحدهما علی الآخر، أو اتیانهما معا، فحینئذٍ یأتی البحث فی أنّ رفع الحدثین _ من الأکبر والأصغر _ الذی یتحقق بهما مشترکا، هل یکون بنحو التوزیع بان یرفع الغُسل الحدث الاکبر والوضوء والحدث الأصغر أم لا؟

وتظهر ثمرة هذا البحث فی ترتب أحکام کلّ منهما بمجرّد فعله قبل فعل الآخر، سواء تقدم الغسل علی الوضوء أو تاخّر .

وبناءً علی ذلک قال صاحب «المدارک»علی ما نسبه الیه صاحب «الجواهر» بقوله: «حدث الحیض وغیره من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل عند القائلین به، هل هو حدثٌ واحد أکبر لا یرتفع الاّ بالوضوء والغُسل، أو حدثان أصغرٌ وأکبر؟ ثم إنْ قلنا بالتعدد، فهل الوضوء ینصرف الی الأصغر والغُسل الی الأکبر، أم هما معا یرفعان الحدثین علی سبیل الاشتراک؟ احتمالات ثلاثة، ولیس فی النصوص دلالة علی شی ء من ذلک».

انتهی کلامه علی المحکی فی «الجواهر»(1) .

لکن صاحب «الجواهر» رحمه الله لم یبیّن فی هذه العبارة، أیا من الاحتمالات الثلاث! ولکن فی «الذکری» احتمل مدخلیة الوضوء فی تحقق غایات الأغسال، بل ظاهر اطلاق کلامه احتمال ذلک، حتّی فی الأغسال المندوبة، فضلاً عن


1- الجواهر: ج3/247 .

ص:208

غیرها، واحتمل أیضا العدم، وأن یکون الوضوء شرطا بالنسبة الی غایات الغُسل کالصلاة والطواف ونقل صاحب «جامع المقاصد» عن «الذکری» استبعاد القول بالتوزیع _ ای توزیع الغسل للاکبر والوضوء للاصغر _ وقال بعد نقل ذلک بقوله: «إنّه لا ریب فی ضعف القول بالتشریک».

ثم نقل «جامع المقاصد» عن ابن ادریس أیضا قوله: «أنّه لا یجوز نیة الرفع فی الوضوء إذا تقدم، نظرا الی أنّ الرفع إنّما یتحقق برفع الحدث الأکبر، فانْ تقدم الوضوء فهو باق، وإنْ تاخر فقد زال».

ثم قال المحقق قدس سره : وظهور ضعفه یُغنی عن رده.

انتهی ما فی «جامع المقاصد» علی المحکیّ عنه فی «الجواهر»(1) .

کما قد ردّ علیه الشهید فی «البیان» _ بعد نقل قول ابن ادریس _ بقوله: «إنّ کلامه یفید توزیع الوضوء والغُسل علی الأصغر والأکبر، ولیس الأمر کذلک».

والذی یظهر من کلام ابن ادریس _ علی حسب حکایة صاحب «الجواهر» عنه، فی باب الحیض _ فی «السرائر»: «أنّ الحائض تنوی الرفع بالغُسل، سواء تقدم عن الوضوء أو تاخر، وتنوی الاستباحه بالوضوء، تقدم عنه أو تاخر، وعلّله بالنسبة الی الوضوء بأنّه قبل الغُسل لا رفع، لمکان بقاء الحدث الاکبر، وبعده بأنّ الحدث ارتفع».

و لکن العلاّمة فی «المنتهی» بعد نقل الرأی المذکور علّله بقوله: «بأنّ الحدث لا یرتفع الاّ بهما، فکان الأول غیر رافع، فلا ینوی به الرفع، أو أنّه مع المتأخر کالجزء، فجازت نیة رفع الحدث، وکان أبی یذهب بالاوّل، وعندی فیه توقف»، انتهی ما فی «المُنتهی»(2) .


1- الجواهر: ج3/247 .
2- الجواهر: ج3/248 .

ص:209

هذا ما عرفت من کلمات الاصحاب قبل صاحب «الجواهر»، لکنه قدس سره بعد نقل هذه العبارات، قال: «والذی یختلج فی النظر القاصر هنا، هو أنّ المستفاد من ملاحظة النصوص والفتاوی، أنّ الحدث الأکبر حالةٌ تحصل للمکلف، یمتنع بها عن فعل سائر ما ثبت توقعه علی فعل الطهارة الصغری وزیادة، کالّلبث فی المساجد للجنب والحائض، وقراءة العزائم ونحوهما، وهو معنی استلزام الأکبر للأصغر . نعم، قد یُشکل استفادة هذا التعمیم بالنسبة الی مسّ الأموات خاصة، وقد ذکرناه فی أول الکتاب، ولا اشکال بحسب الظاهراستباحة ذلک الزائد، بمجرد الغُسل، من غیر حاجة الی الوضوء، وکذا الوطی، فلا یتوقف جواز الّلبث فی المساجد مثلاً للحائض لو اغتسلت، علی الوضوء إنْ قلنا بتوقفه علی الغُسل، وقراءة العزائم ونحوهما، لظهور الأدلة فی استباحة ذلک کلّه بمجرد الغُسل فهی به حینئذ تکون کغیر الحائض الغیر المتوضأه . و أمّا ما اشترکا فیه کالصلاة والطواف ونحوهما، فلا اشکال فی توقف استباحته علی الوضوء والغُسل، فلا الوضوء وحده رافعٌ له بتمامه، ولا الغُسل، بل هما مسببان لسبب واحد، فلا معنی لنیة الرفع فی کلّ منها، إنْ اُرید بها التمام، کما أنّه لا مانع منه إنْ اُرید بها ملاحظة الجهة الخاصة...» الی آخر کلامه(1) .

أقول: ان ما قاله رحمه الله وإنْ لم یخلو عن وجاهة، الاّ أنّه اعترف بنفسه عدم کلیّة ذلک، لعدم لزوم التیمم بالنسبة الی مسّ الاموات، کما أشار الیه، بل وهکذا بالنسبة الی الاستحاضة المتوسطة، المحتاجة الی الغُسل فی کلّ یوم مرة واحدة، بل وهکذا المستحاضة الکثیرة المحتاجة الیه حین الصلاة فی اوقات الصلاة، حیث لا یکفی الغُسل فی رفع الحدث بالنسبه الی الأصغر، لو لم نقل کون الکثیرة،


1- جواهر الکلام: ج3/249 .

ص:210

کالحیض من جهة حرمة اللبث فی المساجد، وحرمة الوطی _ کما علیه بعض _ والاّ لخرج عمّا ذکرنا من النقض لاشتماله بالزیادة علی ما عارضه الأصغر .

و لکن الذی یختلج ببالی القاصر، واللّه هو العالم القادر، القول بأنّ عروض مثل تلک الأحداث الکبیرة _ من الحیض والنفاس والاستحاضة، ومسّ الأموات عدا الجنابة _ مما یحتاج فی رفعها وازالتها، مضافا الی الغُسل المتعلق بکلّ واحد منها. الی الوضوء، مشتمل علی عروض حدث الأصغر لها، واختلاف التسمیة فی الاحداث بالأکبر والأصغر إنّما یکون بلحاظ ما یُزیل الحدث، فکلّ حدث کان رافعه متوقفا علی اتیان الغُسل، الذی هو عبارة عن غَسْل (بالفتح) جمیع الاعضاء، وایصال الماء الیه، یطلق علی مثل هذا الحدث بانّه الحدث الاکبر. وکلّ حدثٍ کان رافعه الوضوء، یطلق علیه الحدث الاصغر، کما قد یوحی الی ذلک ما ورد فی النصوص من الاشارة الی الأکبریة (بأنّ الغُسل أنقی وأطهر) لأجل احاطة الماء لجمیع البدن وتطهیره، کذلک فی کلّ مورد قد امضاه الشارع ذلک بلا ضمیمة وضوء کغُسل الجنابة، أو مع الضمیمة کسائر الأغسال.

وکیف کان، فالأکبریة والأصغریة عنوان منتزع عن غسل بعض الاعضاء أو جمیعها، فلازم کلّ حدثٍ أکبر، اشتماله علی حدث أصغر، من دون أن ینفک منه دون العکس، حیث قد یعرض علی الانسان حدث الأصغر دون الأکبر، کما هو الغالب من عروض اسباب الوضوء خاصة دون الغُسل .

فحینئذٍ یأتی الکلام فیما لو عرض الحدث الأکبر، المشتمل علی الأصغر، حیث أنّ مزیل الاصغر حینئذ قد یکون نفس ما یزیل الأکبر، بلا حاجة الی مزیل آخر بالخصوص للأصغر، وذلک مثل الجنابة التی لا یزیلها الاّ الغسل دون ان یحتاج الی الوضوء، فانّ المستفاد من الادلة فی غُسل الجنابة أنّه یُغنی عن الوضوء، لأنّ المنی _ علی ما فی بعض الأخبار _ یخرج عن جمیع البدن، وهو

ص:211

الذی یکون من مرکز أصل الشعر ومنبته، ولذلک تری عروض الفتور بعد اخراج المنی علی جمیع البدن، ولأجله لابد من ایصال الماء حین غُسله الی جمیع البدن، فکما یکون هذا الغسل مُزیلاً للأکبر، فکذلک یعدّ مزیل للاصغر، وهذا أمرٌ ثابت عند الجمیع ولا نقاش فیه.

وأمّا فی غیر غُسل الجنابة من سائر الاغسال، فبعد تحقق الحدثین، فلابد فی ازالتها، من الاتیان بالأمرین من الغُسل والوضوء، فلا ینافی حینئذ أنْ یقال بانّ الغُسل یزیل ما یتعلق بنفسه خاصّة من الحدث الأکبر، أی أنّ المرأة بعد غُسل الحیض یجوز لها الدخول فی المساجد والّلبث فیها وقراءة العزائم والتمکین لزوجها _ إنْ قلنا بتوقفه علی الغُسل _ ومسّ کتابة القرآن، وامثال ذلک، ولکن مثل هذه الأغسال لا تکفی فی رفع الحدث الأصغر، فلابد لازالة ذلک من تحصیل الوضوء، فاذا لم تتوضأ المرأة لم تتمکن من اداء الصلاة والطواف، وکلّ ما یتوقف علی الطهارة الصغری.

ففی هذه الموارد، ظهر أنّ کلّ غُسل ووضوء رافع لما ینتسب الیه من الحدث الاکبر والأصغر، غایة الأمر أنّه مع اتیان الوضوء بمفرده دون أن یُلحق به غسل، لا یمکنه ترتیب أثر رفع الحدث الأصغر علیه، لوجود المانع له، وهو وجود الحدث الأصغر، فیما یکون وجوده موقوفا برفع الحدث مطلقا، من الأکبر والاصغر، فالنقص فی مثله لیس لأجل نقص المقتضی فی الوضوء، بل لأجل وجود المانع فیه، وهو الحدث الأکبر.

نعم، قد یترتب علی الوضوء أثره المختص به، فیما لا یکون وجود الحدث الأکبر مانعا له، حتّی فی مثل الجنابة، فضلاً عن غیرها، کما لو لو توضأ الجُنب للنوم أوالاکل والشرب _ حیث یکره الاتیان بهامع الجنابة _ فلااشکال فی تحصیل الوضوء فیمثل هذه الأمور لکی یترتب علیه الأثر، ولایکون وجود الحدث الأکبر

ص:212

مانعا، فیکون ذلک مؤیدا لما ذکرنا، کلّ غة سل ووضوء یعدّ مزیلاً لحدثه المتعلق به، فیما إذا لم یمنع مانعٌ عن تاثیره وهذا حکم ثابت و جاء فی جمیع الاغسال .

نعم لنا بعض الأحداث التی برغم أنها تندرج ضمن الحدث الأکبر لکن یؤثر أثر الحدث الأصغر، ومع زواله بواسطة الغُسل لا یکون لذلک تأثیرٌ خاص فی المورد، مثل غُسل مسّ المیّت، وغُسل المستحاضة المتوسطة، حیث أن غسلهما لا یترتب علیهما أثر بالخصوص، الاّ أنّه یوجب _ بعد ضمّ الوضوء الیه _ جواز الاتیان بما یتوقف علی الطهارة الصغری، فوجود هذه الأحداث الکبری، تؤثر فی مانعیة الوضوء فی الرفع، والاّ المقتضی تام فی اقتضائه، لکنه وحده لا یکفی فی تحقق المسبب، بل لابد من ازالة المانع عن التاثیر فی تمام هذه الموارد، فالأغسال کلها _ غیر غُسل الجنابة _ تأثیر الوضوء فی المراد فیه، کان ترتب ذلک الأثر موقوفا لرفع تلک الموانع، والاّ یترتب علیه الأثر المختص بالوضوء، إذا لم تکن الاحداث الموجودة مانعا لذلک الأثر، مثل النوم والشرب والأکل، حال وجود الحدث الأکبر، حیث یترتب الأثر مع تحصیل الوضوء لها برفع الکراهة الموجوده حال الجنابة .

فثبت من جمیع ما ذکرنا أن الغُسل والوضوء، یؤثران فی رفع ما یتعلق بنفسه، لاعلی نحو التشریک، کما احتمله الشهید رحمه الله فی «الذکری»، حیث ضعّف القول بالتوزیع.

کما ظهر ممّا ذکرنا ضعف ما قاله ابن ادریس، من أنّه لا یجوز نیّة الرفع بالوضوء، إذا تقدم عن الغُسل، لما قد عرفت من انّ کلّ واحد منهما إذا تحقق، یؤثر فیما هو أثره، الاّ أنْ یمنع عنه مانع، وهو أمرٌ آخر غیر ما هو مقتضاه.

وکیف کان فحکم هذه الصورة صارت واضحة، وللّه الحمد .

و مما ذکرنا ظهر أیضا ضعف ما احتمله صاحب «الجواهر» _ بل نسبه الی شیخه فی «کشف الغطاء»، وسبطه فی «البغیة» علی المحکیّ فی «المستمسک»

ص:213

لسیدنا الحکیم قدس سره بقوله : «نعم یحتمل الفرق بین الوضوء والغُسل بنحو آخر، وهو أنْ یقال إنّ ایجاب هذا السبب لهذین المسببین ینحلّ الی أصغر وأکبر، لکن لما لم یتصور رفع الأصغر مع بقاء الحدث الأکبر، اذ لیس لنا موضوعٌ فی الخارج مطهر من الأصغر غیر متطهر من الأکبر، بخلاف العکس، کان المتجه حینئذ فی غیر الواجدة الاّ لماء الوضوء مثلاً التیمم، وسقوط حکم الماء، لما عرفت من عدم امکان الأصغر مع بقاء الأکبر، بخلاف ما لو وجدت ماء الغُسل، فانه یجب علیها الاغتسال والتیمم بدل الوضوء. هذا مع أنّه للتأمّل والنظر فیه مجال، بل المتّجه _ بناء علی ما ذکرنا _ فعل ما تمکنّت منه، وقیام التراب مقام المتعذر، لاطلاق ما دلّ علی وجوب الوضوء، ولانّه (لا یسقط المیسور بالمعسور)، و(ما لا یُدرک کلّه لا یُترک کله) و(اذا أمرتکم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) ونحوها، اذ لا ارتباط لأحدهما بالآخر. ولعدم تناول أدلة التیمم لمثله، وما ذُکر من تضمّن الأکبر للأصغر، وأنه لیس الی آخره لا حقیقة له عند التأملّ الاّ ارادة ایجاب السبب لهما معا، وغیره لا یصلح لأن یکون مدرکا لحکم شرعی . علی أنّه لو روعی ما ذکر، لکان اللازم حینئذ تأخیر الوضوء عن الغُسل حال وجدان الماء لها، لعدم تصور تأثیره مع بقاء الأکبر، وهو مخالفٌ للاجماع بحسب الظاهر. ودعوی أنّه لا یؤثر أثرا حال التقدیم، الاّ بعد ایقاع الغُسل، فیکون حینئذ من قبیل وجود المقتضی مع حصول المانع منه. ممنوعة، لمخالفتها لظاهر الأدلة الدّالة علی سببیة الوضوء، لمقارنة حصول مسببه بحصوله، وعلی تقدیر التسلیم، فلِم لا یقوم حینئذ التیمم مقام الغُسل فی ذلک»(1) انتهی .

أقول: إنْ کنا نوافقه فی أصل المدعی، لما اخترناه، کما أنه رحمه الله قد أجاد فیما


1- الجواهر: ج3/250 _ 249 .

ص:214

أفاد من جهة الاستدلال بما قد ذکره من الأدلة لکن فی کلامه مواقع للنظر وهی:

اوّلاً: قوله «عدم رفع الأصغر مع بقاء الاکبر»، فقد عرفت أنّه علی کلیته ممنوعه، اذ من الممکن رفع الأثر بواسطة الوضوء، بما یتوقف علیه، ولو مع بقاء الأکبر، فیماتری فی مثل الأکل والشرب والنوم، حیث تزول الکراهة عن ارتکاب مثل هذه الامور بعد الوضوء حتّی مع بقاء الأکبر من الخباثة والحیض، إنْ قلنا فیه ذلک.

نعم، یصحّ قوله فی موارد اُخری مثل الصلاة والطواف وغیرهما.

وثانیا: انکاره لتضمّن الأکبر للأصغر حقیقة، ما عدا ارادة ایجاب السبب لهما معا، لیس علی ما ینبغی، لوضوح أنّ تحقق الحیض ومسّ المیت والاستحاضة _ فی بعض أقسامها _ یوجب کون صاحبه محدثا بالحدث الأصغر _ أی کان ناقضا للوضوء مثل البول والنوم _ فضلاً عن کونه محدثا بالأکبر أیضا، فرفعه یحتاج الی الوضوء _ إنْ امکن _ أو التیمم _ إن تعذّر _ و معلوم أنّ رافع کل حدث خاص یتحقّق بحدوث ما یزیله من الغُسل والوضوء، فاتیان کلّ مؤثر لا یؤثر الی فی ترتب أثره المخصوص به، وامّا الآثار المشترکة، فلا یتحقق الاّ بهما، امّا بأنْ یکون کلّ واحد منهما جزء المقتضی، حتّی یکون حتی یؤثران مشترکا، وقد عرفت أنه خلاف الظاهر.

وامّا بوجود المانع، مع تمامیة المقتضی، وثبت أنّه الاقوی.

فظهر مما ذکرنا ضعف کلامه.

ثالثا: ویرد علیه من جهة انکاره صورة المقتضی والمانع، مع أنه اقوی عندنا من التشریک، کما لا یخفی، واللّه العالم .

تنبیهٌ: جاء فی «الجواهر» _ نقلاً عن «الذکری» و«جامع المقاصد» _ بأن من الواجب علی الزوج دفع نققة ماء غُسل الزوجة، قال: «إنّ الأقرب کون ماء الغُسل علی الزوج، لأنه من جملة النفقة، فیجب نقله الیها، وبذل العوض لو احتاج _ کما

ص:215

فی الحمام ونحوه _ مع تعذّر الغیر، دفعا للضرر».

فی غُسل الحیض / فی أنّ ماء غسل الحائض علی الزوج

ظاهر کلامهما أنّه لا فرق بین کون الزوجة غنیّة أو فقیرة، کما لا فرق بین کون الغُسل للخباثة أو غیرها من الحیض والاستحاضة .

خلافا «للمنتهی» من القول بالتفصیل بین الغنیّ والفقیر، بالوجوب فی الثانی دون الأوّل، وخلافا لصاحب «الجواهر» حیث قد تنظروجوبه، خصوصا لغیر غُسل الجنابة، تمسکا أولاً بالأصل _ أی البرائة عند الشک فی دخولها فی النفقات _ وثانیا بتوجه الخطاب الیها بالغُسل.

ثم اعترض علی اطلاقه من التفصیل، لوضوح أنّه لو کانت من النفقات، فلا فرق بین الصورتین، والاّ فلا دلیل علی وجوبه .

و الاقوی عندنا هو الوجوب، لأنّ العرف یساعد علی اعتباره وعدّه من النفقه، خصوصا مع ملاحظة کون الغالب فی النساء تعذرهنّ عن دفع مثل هذه النفقات، کما أنّ الالتزام بکون تکلیفهن _ بعد عجزهنّ عن دفع ثمن الماء والغُسل _ هو التیمم، فی تمام هذه الموارد، مما لا یساعده الفهم العرفی، فاذا عُدّ الثمن من افراد النفقة فلا تدور مدار فقر المرأة و غناها، کما لا یخفی.

کما لا فرق فی کون الثمن نفقة بین الأغسال التی تجب علیها اتیانها حین اداءها الواجبات أم لا.

نعم لا یأتی ذلک فی نفقة ماء الأغسال المندوبة، لو لم تجمع بینها وبین الاغسال الواجبة.

والظاهر کون الأمة أیضا کذلک، لما قد عرفت ذلک من الاستظهار العرفی، حیث أنهم یفهمون من عنوان النفقة لزوم، اعطاء اُجرة الماء للغُسل والنظافة، فلو لم تکن الأمة فیه أولی، فلا أقل تکون مثل الزوجة، کما لا یخفی .

ص:216

وقضاء الصوم دون الصلاة (1).

(1) و فی «الجواهر»: «وجوب القضاء للصوم دون الصلاة»، وأنّ هذا حکم اجماعی علی نحو الاجماع المحصّل والمنقول نقلاً مستفیضا من الفرقة المحقّة، بل فی «السرائر» و«المعتبر» و«المنتهی» من المسلمین الاّ الخوارج فی الأخیر، بل کاد یکون ضروریا من ضروریات الدین. والنصوص به کادت تکون متواترة، بل قد اشتملت النصوص علی الزام أبی حنیفة بابطال القیاس، وفی بعض النصوص افحام أبی یوسف.

فی قضاء الصوم و الصلوات الفائتة عن الحائض

و هذا الحکم فی الجملة ممّا لا کلام فیه .

و الذی ینبغی أنْ یبحث فیه هو سبب عدم قضاء الصلوات الفائتة منها دون الصوم، وان عدم القضاء هل هو مختص بالصلوات الیومیة فی الأول وصوم شهر رمضان فی الثانی، أو یعمّ الحکم فی الطرفین لکلّ فریضة وصوم واجب، بحیث یشمل المندوب منهما، لو فرض التشریع له فی القضاء لولا الحیض.

فیه خلافٌ بین الاعلام، حیث ذهب کثیر من الفقهاء _ خصوصا المتقدمین منهم _ باختصاص الحکم فی الطرفین بالفرائض الیومیة خصوص صوم شهر رمضان، تمسکا بأنّه المتبادر من النصوص والفتاوی، خلافا لما قد صرّح بذلک السیّد فی «العروة» بالنسبة الی الصیام من التعمیم، وبالنسبة الی الصلوات بتخصص الحکم بالفرائض بالیومیة، وهذا هو القول الثانی فی المسألة.

وقول ثالثٌ: هو الحکم بعدم القضاء لکلّ صلاة موقته، سواءً کانت یومیة أو غیرها، ووجوب الاتیان لغیر الموقته، مثل صلاة الطواف وصلاة الآیات.

وهذا القول قال به «البیان» و«جامع المقاصد» و«الروض» و «المدارک».

و قول رابع: هو عدم وجوب قضاء الفرائض مطلقا، یومیة کانت أو غیرها، بل

ص:217

حتّی الموقته _ کالمنذورة فی وقت أو غیرها _ .

وهذا هو الذی یظهر من کلام المحقق الخوئی قدس سره .

وتفصیل المسألة یقتضی أنْ یقال: أولاً: لا تردید فی وجوب قضاء صوم شهر رمضان الذی فات منها بسبب الحیض، لوجود الاجماع المستفیض من الفرقة المحقّة علی ذلک، بل من ضروریات الدین، کما عن «المنتهی»، وعلیه اجماع المسلمین، کما عن «السرائر»، هذا فضلاً عن دلالة الاخبار الصحیحة علیه:

منها: مثل صحیح زرارة، عن الباقر علیه السلام : «لیس علیها أنْ تقضی الصلاة، وعلیها أنْ تقضی صوم شهر رمضان»(1) .

منها: خبر أبی بصیر، عن الصّادق علیه السلام ، قال: «سألته ما بال الحائض تقضی صومها، ولا تقضی صلاتها. قال: لأنّ الصوم إنّما هی فی السنة شهر، والصلاة فی کلّ یوم ولیلة، فأوجب اللّه علیها قضاء الصوم، ولم یوجب علیها قضاء الصلاة لذلک»(2).

منها: روایة حسن بن راشد، قال: «قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : الحائض تقضی الصلاة؟ قال: لا. قلت: تقضی الصوم؟ قال: نعم. قلت: من أین جاء هذا؟ قال: أوّل من قاس ابلیس» الحدیث(3).

وکذا الأخبار المطلقة المشتملة جملة منها علی هذا الحکم، مثل مرفوعة عیسی بن عبداللّه القرشی، عن الصادق علیه السلام (4)، ومرسل شعیب بن یونس(5)، ومرسلة ابن شبرمة علی الزام أبی حنیفة(6)، ومرسل عثمان بن عیسی، عن


1- وسائل الشیعة: الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 12.
3- وسائل الشیعة: الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
4- وسائل الشیعة : الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 10 .
5- وسائل الشیعة : الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 11 .
6- وسائل الشیعة: الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 13.

ص:218

موسی بن جعفر علیه السلام ، علی افهام أبی یوسف(1) .

حیث أنّ القدر المتیقن منها، هو صوم شهر رمضان، وهو ممّا لا کلام فیه .

ثانیا: مما یجب الاتیان به من الصوم الواجب، ولا علاقة له بالقضاء، هو کلّ صومٍ واجب لم یقیّید وجوبه بوقت خاص، کما لو نذرت صوم یومٍ من أیّام الشهر، أو من أیام السنة، فصادف الحیض، فلا اشکال فی وجوب قضاء ذلک الیوم علیها، بعد طهرها منه، بنفس دلیل الوجوب علیها، ولا حاجة لاثبات قضاءها الی التمسک بدلیل القضاء، لأنّه لم توقتها بوقت خاص حتی یطلق علیه الفوت والقضاء، کما لا یخفی .

ثالثا: الصوم الواجب الموّقت بالأصل لو صادف حیضها، مثل صوم الکفارة لمن نام عن صلاة العشاء، بناء علی القول بوجوبه، فهل یجب علیها قضائها بعد الطهر أم لا؟

فیه وجهان: من ملاحظة إطلاق ما دل علی وجوب قضاء الصوم للحائض _ مثل حدیث ابن راشد _ فیجب.

و من ملاحظة انصرافه الی صوم شهر رمضان _ کما یدل علیه حدیث زرارة وأبی بصیر، خصوصا مع التعلیل فی بعض الأخبار بکونه شهر من السنة فلا یجب . و لکن لا یبعد دعوی صحّة الوجه الاوّل، لأن ذکر التعلیل فی بعض الأخبار غیر وافٍ لتقیید الاطلاقات الدالة علی وجوب القضاء لکلّ صوم واجب.

ودعوی الانصراف الی خصوص شهر رمضان، ربما یکون بدوّیا، لأن منشأه شُهرة صوم شهر رمضان وندرة وجوب الصوم الموقت، خصوصا بالأصل، لو سلّمنا کثرته فی الموقت بالعارض _ کالنذر والعهد والقسم _ فمثل هذا النحو من


1- وسائل الشیعة : الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 14 .

ص:219

الانصراف بدویٌ، لا یوجب تقیید الاطلاق حتّی یوجب استفادة الحکم منه .

و امّا وجه عدم کفایة التعلیلات للتقیید، لأنّها عللٌ للتشریع لا للحکم، فلا یفید الاطراد هذا اوّلاً.

وثانیا: لو سلّمنا کونها تعلیلات للحکم، لکنها لیست علة منحصرة فی خصوص ما ورد فی روایتی أبی بصیر، من أن الصوم یجب قضائه لانه مختصٌ بفترة زمنیّة قصیرة وهی شهر فی کلّ عام، حتّی ینحصر فیه، لامکان کونها احدی العلل، فله علل شتّی لا ینحصر فی خصوص شهر رمضان، کما یدل علیه ما ورد فی حدیث فضل بن شاذان، عن الرضا علیه السلام قال: «انما صارت الحائض تقضی الصیام، ولا تقضی الصلاة، لعلل شتّی:

منها: أنّ الصیام لا یمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها، واصلاح بیتها، والقیام بامورها، والاشتغال بمرمة معیشتها، والصلاة تمنعها من ذلک کلّه، لأن الصلاة تکون فی الیوم واللیلة مرارا، فلا تقوی علی ذلک، والصوم لیس هو کذلک.

ومنها: أنّ الصلاة فیها عناءٌ وتعب واشتغال الأرکان، ولیس فی الصوم شی ء من ذلک، وانّما هو الامساک عن الطعام والشراب، فلیس فیه اشتغال الارکان.

ومنها: أنّه لیس من وقت یجیی ء الاّ تجب علیها فیه صلاة جدیدة فی یومها ولیلتها، ولیس الصوم کذلک، لأنه لیس کلما حدث علیها یومٌ وجب الصوم، وکلما حدث وقت الصلاة وجبت علیها الصلاة» الحدیث(1) .

فانّ هذه العلل کما تناسب مع صوم شهر رمضان، تجامع وتناسب من سائر الصیام، فالعلل کما قد تکون مخصصة لحکم لموضوع، فکذلک قد تکون معمّمة، کماتری فی مثل قوله «لا تشرب الخمر لأنّها مسکر» حیثُ یفهم منه أنّ العلّة فی


1- وسائل الشیعة: الباب 41 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .

ص:220

تحریمها هو اسکاره، فکلّ مایع کان مسکرا یکون حراما، ولا ینحصر الحکم فی خصوص الخمر، فهکذا یکون فی المقام، لأنّک إذا عرفت الملاک فی وجوب القضاء للصوم فی شهر رمضان، فیعمّ الحکم لکلّ صوم واجب موقّت کصوم شهر رمضان، کما لا یخفی.

هذا کلّه فیما إذا أردنا استفادة وجوب القضاء للصوم الواجب الموقت بالأصل، من لسان الأخبار والنصوص .

و لکن ان شئت تحصیل الحکم من طریق القاعدة الکلّیة _ لولا الاخبار _ فلابد أنْ نبحث عن الاصل أو القاعدة الجاریة فی الواجبات الموقتة بالأصالة، والمقصود منها هی الثابتة من الشارع ابتداءً من دون مدخلیة المکلف فی ایجابه، وإن کان سببها تارة نفس المکلف، لأجل کونه کفّارة لفعله مثلاً.

هذا، بخلاف ما لو کان وجوبه بالنذر والعهد والقَسَم، حیثُ تُسمی مثل هذه الواجبات بالواجبات الموقته عرضا .

و کیف کان، فلابد أنْ نلاحظ أنّ الاصل فی الواجب الموقت بالاصالة، هل هو وجوب القضاء فیما إذا لم یؤدی الواجب فی وقته _ سواء کان عدم اتیانه لأجل عصیان الأمر به أم لا، وسواء کان لأجل عدم ورد الأمر به، أو مع النهی عن فعله فیه، أو عدم وجوب القضاء _ أم لا؟

فان قلنا بالاوّل، فلازمه هو الحکم بوجوب القضاء فی کلّ واجب موقت بالاصالة، إذا لم یأتی به فی وقته، من دون حاجة فی الحکم علی وجوب القضاء من التمسک بالأخبار المطلقة، الدالة علی وجوب قضاء الصوم.

لکن یرد علیه أنّها منصرفة الی صوم شهر رمضان، کما قیل .

فان ثبت هذا الأصل، فلازمه کون هذا الواجب من قبیل تعدد المطلوب، بان کان فعله مطلوبٌ مطلقا وفعله فی وقت ثانٍ مطلوبا آخر، بلا فرق فی احراز هذا

ص:221

التعدد، بان یکون من قبیل نفس الأمر المتعلق بهذا الفعل فی وقته، أو بالأمر الجدید المتعلق بفعله فی خارج الوقت، عند ترکه فی وقته .

هذا، بخلاف ما لو کان الاصل والقاعدة فی الواجبات الموقتة بالاصالة، عدم وجوب القضاء، فلازمه عدم وجوب القضاء، ویکون وجوب الموقت حینئذ من باب وحدة المطلوب، ویحتاج فی اثبات وجوب القضاء فی غیر وقته، من قیام الدلیل الدال علی ذلک .

فاذا عرفت دوران الأمر بین تعیین القاعدة والأصل فی ذلک، فنقول: بأنّ الأصل الأولی فی الواجبات المشروطة _ مهما کان شرطها _ ، هو کون الشرطیة: مطلقة، المقتضی لسقوط المشروط بسقوط شرطه، وانتفائه، فاثبات وجوب القضاء فی الموقتات، یحتاج الی ملاحظة دلالة الاخبار المطلقة علی ذلک .

ولکن قد وقع التشکیک فی دلالتها بوجهین:

الاوّل: دعوی الانصراف الی خصوص صوم شهر رمضان.

وقد عرفت الاشکال فیه، و أنه شکٌ بدوی، لندرة وجود غیره، وکثرة الاستعمال فی صوم شهر رمضان .

الثانی: دعوی منع صدق الفوت فی المقام، إمّا من جهة عدم قابلیة المکلف للتکلیف بالفعل فی الوقت، أو من جهة وجود الحرمة والتکلیف بالعدم، والنهی عن الفعل، فلا تکلیف علیه، حتّی یصدق علیه الفوت .

ولکن یرد علیه: أن اطلاق القول بأنّ (ما فات منها الصوم فی حال الحیض، حتّی بالنسبة الی صوم شهر رمضان)، موجودٌ فی الأخبار والفتاوی، حیث قد ورد فی الأخبار أنّها تقضی الصوم ولا تقضی الصلاة، مع اشتراک صوم شهر رمضان، وصوم غیره فی انتفاء الأمر به والنهی عنه فی حال الحیض، فاذا صحّ اطلاق القضاء علی صوم شهر رمضان، مع وجود تلک الحالة لها، فلا مانع من

ص:222

صدق حکم القضاء لسائر الواجبات الموقتة للصوم، إذا کان قد فات منها حال الحیض .

بل قد یظهر من المحقق الآملی فی «مصباح الهدی»، قوله: «عدم اناطة وجوب القضاء، بصدق الفوت، وأنّ المستفاد من النصوص والفتاوی، هو ترتبه علی ترک الفعل فی وقته، ولو لم یصدق معه الفوت. ثم قال: فالأقوی حینئذ وجوب قضاء الصوم الموقت بالأصل مطلقا»، انتهی محل الحاجة(1).

ولکن نقول: إنّ الفوت لیس الاّ عنوان ترک الفعل فی وقته، فالفوت مع ترک الفعل فی وقته تعبیران لمعنی واحد، والقضاء یترتب علی ذلک، غایة الأمر أنّه لابد أنْ نعلم أنّ کلّ ما یصدق علیه عنوان الفوت، ووجوب القضاء، یحتاج الی دلالة دلیل دال علیه، فان کان بالأوّل فلا اشکال فی وجوب القضاء، والاّ فلا وإنْ صَدق علیه الفوت.

والأقوی عندنا أنّ ظهور کل دلیل یدل علی وجوب شی ء، فی وقت متعین، هو کونه بصورة وحدة المطلوب، واختصاصه بخصوص ذلک الوقت، فی الواجبات الموقتة، فاثبات وجوب القضاء فی خارج الوقت، حتی یصیر وجوبه بصورة تعدد المطلوب، یحتاج الی دلالة دلیل علیه، بنحو العموم أو الخصوص، ومع فقده فلا وجه للقول بوجوب القضاء منه.

فوجوب الصوم لمن نام عن صلاة العشاء فی یومه یعدّ کفارةً _ علی القول بالوجوب _ مخصوص بذلک الیوم، فلو نسی أو جهل وترک صوم ذلک الیوم، فهل یجب علیه صوم یوم آخر بعده _ بلا فصل أو مع الفصل _ أم لا؟ فیه کلامٌ.

الظاهر هو الثانی، لأن ظاهر دلیل الکفارة، کون صوم ذلک الیوم هو الکفارة لا مطلق الصوم، فاطلاق عنوان الکفارة علی اتیان صوم یوم آخر مع الفصل، بحاجة


1- مصباح الهدی: ج5/110 .

ص:223

الی دلیل یثبت ذلک.

نعم، لولا دعوی الظهور العرفی، یکون الأصل عند الشک فی لزوم رعایة الخصوصیة وعدمه، هو البرائة، فلازمه وجوب القضاء علیه، لو لم یکن أصلاً مثبتا، لأنه حکم بلازم الاصل.

ولکن یمکن أنْ یجاب عنه: بأن حکم وجوب القضاء، لیس مستفادا من مفادّ أصل البرائة، بل هو بمقتضی نفی لزوم رعایة الخصوصیة، وبناءً علی مفاد الدلیل الدال علی وجوب الصوم، ومن هنا فمن ترکه، فانه یحکم علیه بوجوب الصوم بمقتضی ذات الدلیل، لکونه من مصادیقه، وهو لیس بأصل مثبت، کما لا یخفی.

اللّهم الاّ أنْ یقال: إنّ دلیل البرائة دلیل امتنانی، وقد ورد فی مورد الامتنان من اللّه سبحانه علی العباد، فلا یمکن التمسک به فی مورد یجعل الکلفة علی المکلف بدل أن یرفعها عنه، کما فی مثل المقام، حیث أنّ لازمه وجوب القضاء علیه، مضافا الی امکان اجراء استصحاب حکم وجوب الصوم، مع زوال القید، لو لم ندع أنّه یکون من قبیل تعدد الموضوع، فلا یصدق وحدة القضیة المتیقنة مع المشکوکة، حتّی یجری فیه الاستصحاب، واللّه العالم.

رابعا: الصوم الموقت بالعارض، کما إذا نذرت الصوم فی یوم من أیّام شهر رجب من هذه السنة، فأخرّت الی آخر الشهر فحاضت فیه، ففی وجوب قضائه علیها احتمالان: من ملاحظة ما یدلّ علی وجوب القضاء لما فات منها فی وقته، حیث یشمل بعمومه المقام، فیقتضی الوجوب.

ومن أنّ مقتضی النذر، تبعیته لقصد الناذر، فاذا کان الناذر قاصدا ایجاد المنذور فی وقت مخصوص، کیوم من أیام شهر رجب، یعدّ ایجاده فی یوم من شهر آخر غیر ما أوجبه علی نفسه، فلا یعمّه حینئذ دلیل وجوب الوفاء بالنذر، ولا عموم ما یدل علی وجوب قضاء الفوائت، ولا خصوص ما یدل علی قضاء ما

ص:224

فات منها من الصیام بسبب الحیض، فالذی فاته هو الوفاء بالنذر فی الوقت المعیّن، وهو غیر قابل للقضاء، وذات الفعل وإنْ کان قابلاً للتدارک، الاّ أنه لم یکن واجبا حتی یجب قضائه، ولهذا تری وجوب کفارة الحنث لو ترکها کذلک عمدا، کما، لا یمکن تدارکه بالقضاء، ولا یتحقق الوفاء باتیان قضائه .

نعم، لو قصد فی نذره ایجاد المنذور فی وقتٍ مخصوص، وأنّه لوفاته یؤدیه فی وقت آخر علی نحو تعدد المطلوب، فحینئذٍ یجب علی الناذر اتیانه بعد الخروج من الحیض، وحینئذ لا یکون الاتیان به بعد خروج الوقت قضاءً، بل یعدّ تسمیته بالقضاء مسامحة، وانّما یعدّ وفاءً بأصل مفاد النذر ولا یصدق الفوت الاّ اذا کان نذره مقیدا بوحدة المطلوب دون أصل الفعل.

وکیف کان، فالأقوی عندنا _ کما علیه المحقق الآملی فی «مصباحه» _ عدم وجوب القضاء فی هذه الصورة، کما فی القسم الاوّل، وهو المطلوب .

خامسا: الخامس ما لو فرض ایجاب الصوم علیها فی الوقت المعین المضیّق بواسطة النذر، ثم عارضها الحیض فی ذلک الوقت، کما ما لو نذرت صوم اوّل یوم من شهر رجب من نفس السنة، فحاضت فی ذلک الیوم.

فلا ینبغی التأمل فی بطلان نذرها، لخروج متعلقه عن القدرة، بواسطة الحیض، ومعلومٌ أنّه لا تردید فی اشتراط اعتبار القدرة علی اتیان متعلق النذر فی صحة الفعل، فبطرو الحیض یستکشف عدم انعقاد النذر، من جهة عدم تعلق وجوب الوفاء بها لفجرها عن ذلک .

سادسا: ما لو نذرت صوم کل خمیس من شهر رجب مثلاً، فصادف بعضه الحیض.

ففی القول ببطلان النذر حینئذ مطلقا، أو صحته مطلقا _ کما عن الشیخ فی «طهارته» علی ما نسبه الیه فی «مصباح الهدی»، أو التفصیل بین الخمیس

ص:225

المصادف بالبطلان، وبین غیره بالصحة، أو التفصیل بین ما کان النذر فی کل خمیس علی نحو وحدة المطلوب، وبین ما کان علی نحو تعدد المطلوب، کما لوکان الناذر قد نذر اتیان صوم خمیسٍ ما، مستقلاً عن الأمر فی متعلقه؟

وجوه، أقواها الأخیر عند المحقق الآملی قدس سره .

و لکن الأقوی عندنا، أنه علی فرض تعدد المطلوب یعدّ نذرها باطلاً، لعدم قدرتها علی الامتثال، ومعلومٌ ان من شرائط صحة النذر القدرة، فالتفصیل بین وحدة المطلوب وبین تعدده فی البطلان والصحة، إنّما یفید بالنسبة الی التی لم تصادف حدوث الحیض منها فی یوم الخمیس، وامّا التی یحدث لها ذلک فان نذرها یعدّ باطلاً مطلقا.

اللّهم الاّ أنْ یقال، إنّ المراد من تعدّد المطلوب، هو وجوب الصوم علیها مطلقا، حتی فی غیر یوم الخمیس، بحیث یکون قید اتیانها فی ذلک الیوم بأمر آخر، فالبطلان إنّما یکون بلحاظ القید، وهو الوقت، دون أصل الفعل، فحینئذ لا یکون قید یوم الخمیس تقییدا، بل یکون من قبیل وجوب شی ء فی واجب آخر وذلک بنحو القضیة الحینیّة، بحیث لو عجزت عن احضار الواجب فی فرد مّا، فان ذلک لا یوجب عدم وجوب فرد آخر من الصوم علیها فی یوم آخر، کما لا یخفی.

ومن هنا یمکن القول بأن للقول الأخیر وجه وجیه. هذا تمام الکلام فی وجوب قضاء صوم الحائض وعدمه . بقی أن نتعرض لحکم الصلاة، بالنسبة الی الحائض، من حیث وجوب القضاء علیها وعدمه.

فنقول: لا اشکال فی دفع حکم وجوب الفرائض عن الحائض، وذلک لصراحه الاخبار الواردة فی رفع التکلیف عنها فی فترة حیضها.

والذی ینبغی أنْ یبحث عنه، هو الصلوات الموقتة غیر الیومیة، کصلاة الکسوفین، ففی وجوب قضائها علیه وجهان: من اطلاق بعض الأخبار، الدالة علی عدم وجوب قضاء الصلاة علیها مطلقا، الشاملة باطلاقها لغیر الیومیة أیضا.

ص:226

الثامن: یستحب أن تتوضأ فی وقت کلّ صلاة ، وتجلس فی مصلاّها بمقدار زمان صلاتها ، ذاکرة للّه تعالی (1).

ومن انصرافها الی الیومیة، خصوصا مع ملاحظة تأییدها بالأخبار المعلّلة، حیث لا تجری هذه التعلیلات فی غیر الیومیة.

ومع دعوی «جامع المقاصد» علی المحکی عنه فی «مصباح الهدی» من الاتفاق علی وجوب قضاء الصلاة الموقتة المنذورة، نسب صاحب «الجواهر» عدم وجوب القضاء فی الموقتة من الصلاة من الیومیّة وغیرها الی «البیان» و«جامع المقاصد» و«الروض» و«المدارک».

وکیف کان، فالأحوط _ بل الاقوی _ وجوب القضاء علیها فی الکسوفین من الآیات، لو لم تدرک أداءهما فی حال الطهر، والاّ فانّه لا اشکال فی وجوب القضاء علیها بعد الانجلاء.

وامّا فی مثل صلاة الزلزلة، أو سائر الآیات من المخوفات السماویة، فلا اشکال فی وجوب اداء الصلاة علیها بعد الطهر، بل اطلاق القضاء فی مثل هذه یعدّ ضربا من المسامحة، لعدم کونها من المؤقتات لکی یصدق علیها القضاء، بل یکون حالها کحال صلاة الطواف، فاطلاق القضاء علیها _ کما فی کلام السیّد فی «العروة» _ لا یخلو عن مسامحة .

و امّا الکلام فی الصلوات الواجبة بالنذر، کالکلام فی الصوم الواجب بالنذر فی الاقسام المتقدمة وأحکامها، فلا حاجة الی التکرار، فلیراجع.

(1) هذه العبارة من المصنف مشتملة علی عدة امور، وهی:

الأمر الاوّل: فی استحباب الوضوء للحائض، کما هو مختار المصنف، بل هو المشهور شهرةً کادت تبلغ الاجماع، بل فی «الخلاف» التصریح بالاجماع علیه،

ص:227

بل عساه قد یظهر ذلک من غیره، کما قد صرّح به صاحب «الجواهر» قدس سره المؤید هذه الدعوی بالأصل، مع عموم البلوی به _ یعنی هذا الامر _ بما یعمّ به البلوی، فلو کان ذلک واجبا من صدر الاسلام، لبان لنا وبلغنا أظهر من ذلک، أی لو کان الوضوء واجبا علی الائمة علیهم السلام عند بیان حکم الحائض من بیان ذلک، أی الوجوب، وحیث لم یشیروا الی هذا الحکم صراحةً، بل غایته ظهور بعض الأخبار المعارض بما ینافیه من الشهرة والاجماع، حیث لم یطمئن الفقیه بوجوب الوضوء علیها .

ما یستحب علی الحائض

نعم، قد صرّح بالوجوب الصدوقان کما فی «مصباح الهدی»، وإنْ کان الظاهر من کلام صاحب «الجواهر» کون القائل بالوجوب خصوص والد الصدوق، حیث قال: فما نقله الصدوق عن والده... الی آخره).

ولعلّ وجه کلامهما هو ملاحظة دلالة بعض الأخبار علیه:

منها: صحیحة زرارة عن الباقر علیه السلام ، قال: «وعلیها أنْ تتوضأ وضوء الصلاة» الحدیث(1). من جهة ظهور لفظ (علیها) علی الوجوب، کما فی غیر المقام.

ومنها: صراحة الخبر المنقول فی «فقه الرضا» علیه السلام ، حیث قال: «ویجب علیها عند حضور کلّ صلاة أنْ تتوضأ وضوء الصلاة» الحدیث(2)

مضافا الی امکان استفادة الوجوب من جملة المضارع فی روایة معاویة بن عمّار، عن الصادق علیه السلام ؛ قال:«تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أنْ تأکل، وإذا کان وقت الصلاة توضأت» الحدیث(3) اذا فرضنا صحة اتیان جملة المضارع علی حکم بعد الأکل، وهو الوضوء لکلّ صلاة.


1- وسائل الشیعة: الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- المستدرک الباب 29 من ابواب الحیض الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة: الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .

ص:228

لکنه مشکل، نعم، یصح ذلک فی مثل حسنة محمد بن مسلم، حیث قال: «أمّا الطُّهر فلا، ولکنها تتوضأ وقت الصلاة واستقبلت» الحدیث(1) .

لکنهم حملوا تلک الأخبار علی الاستحباب.

وکلام ابن بابویه عن الوجوب یُحمل علی تاکّد الاستحباب، أو الثبوت، بدعوی أنّهما یعبّران کثیرا عن المستحب بالوجوب، تبعا للأخبار.

وکذا یحمل علیه فیما جاء فی کلام الکلینی فی «الکافی» حیث عنون الباب فیه بقوله: «ممّا یجب علی الحائض»، والسرّ فی ذلک وجود بعض الأخبار الدالة علی الاستحباب، مثل کلمة (ینبغی) الواقعة فی روایة زید الشّحام، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه علیه السلام یقول: ینبغی للحائض أنْ تتوضأ عند کلّ وقت کل صلاة» الحدیث(2). الظاهرة فی الاستحباب.

مع وجود امکان هذا الحمل فی غیر روایة «فقه الرضا» أی علی الاستحباب، اذ فی مثل روایة «فقه الرضا» وحدها غیر قابلة للاستدلال علی الفتوی، لعدم امکان الاطمینان بکونه کلام المعصوم علیه السلام ، لامکان کونه مستفادا أو مستنبطا عنه، فلا یمکن رفع الید عن ظاهر بعض الأخبار بواسطته، وإنْ کان یصحّ التمسک به تأییدا، کما اشرنا الیه فی محلّه .

مع أنّه یمکن أنْ یکون السبب فی تعبیره الوجوب، هو الحمل علی الندب، لأجل کونه واردا مورد توهم الخطر، کما یظهر من حسنة محمّد بن مسلم، حیث قال الامام علیه السلام : «وأمّا الطُّهر فلا» عقیب سؤال الراوی عن الحائض تطهر یوم الجمعة ولا تذکر اللّه. مضافا الی ما عرفت من أنّه لو کان واجبا، لاشتهر ذلک


1- وسائل الشیعة: الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:229

وذاع، وذلک لکثرة الابتلاء به وحیث ترد الیه الاشارة فی أخبار الائمة علیهم السلام لم یفهم کونه أمرا مندوبا، خصوصا مع وجود الشهرة والاجماع یطمئن الفقیه بالاستحباب، کما هو واضح .

الأمرالثانی: المستفاد من ظاهر خبری زید الشحام وزرارة، بقولهما: «تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت کلّ صلاة»، هو عدم الاکتفاء بوضوء واحد للظهر والعصر، وکذا المغرب والعشاء، وان لم تصدر منها ما ینقضه.

اللّهم الا أنْ یقال باندراج مثل ذلک تحتهما، ولعلّ مراد صاحب «الجواهر» من هذه العبارة، هو کفایة وضوء واحد لهما، لاندراج العصر بوقته والعشاء بوقته فی وقت الظهر والمغرب، بأن یصیر وقتهما فی الظهر والعصر وفی المغرب والعشاء واحدا، خصوصا مع وجود بعض الأخبار _ غیر الخبرین السابقین _ التی ورد فیها اطلاق الوضوء فی وقت الصلاة، من دون ذکر الاستغراق، من قوله: «لکلّ وقت من الصلاة». نعم لا تردید فی تکرر الوضوء مع وجود الاختلاف فی الوقت کالصبح والظهر مثلاً .

و لکن الذی یظهر من المحقق الهمدانی، هو التأملّ فیه، فانه رحمه الله بعد أن نقل عدم کفایة وضوء واحد للجلوس مقدار صلاتین، وإنْ لم یتخلل بینهما حدث، بل وان جمعت بینهما فی مجلس واحد، قال : «وهذا لا یخلو عن تأمل، لأنّ المتبادر من الوضوء لیس الاّ الماهیة المعهودة المؤثرة فی رفع الحدث، علی تقدیر صلاحیة المحل، یُفهم من أمر الحائض بایجاده، أنّه یؤثر أثرا لا ینافیه حدث الحیض، کخفّة الحدث، أو ارتفاع الأصغر، أو التمرین، أو غیر ذلک، فیکون الأمر به لأجل کونه مسببا لحصول ذلک الأثر، لا التعبد المحض، ولذا لا نشک فی عدم الاعتداد بوضوئها لو بالت عقیبه قبل أنْ جلست مصلاّها، فمتی حصل ذلک الأثر، یجوز الاتیان بغایته، وهی الجلوس فی مصلاّها، ذاکرة اللّه تعالی.

ص:230

وکون حدث الحیض بنفسه رافعا لذلک الأثر غیر معلوم، بل المنساق الی الذهن من أمر الحائض بالوضوء والذکر فی وقت کلّ صلاة، جریها علی ما کانت علیه فی حال طهارتها، عدا تبدیل صلاتها بالذکر، واللّه العالم» .

و هذا التوجیه حسنٌ جدّا، خصوصا مع ملاحظة الاطلاق فی روایة معاویة من قوله علیه السلام «واذا کان وقت الصلاة توضأت»، وکذا فی روایة محمد بن مسلم.

أو ینزّل الاستغراق علی ما کان المتبادر المعروف فی تلک الأعصار، تبعا للعنایة بالفصل بین الصلاتین، من حیث الزمان من الظهر و العصر والمغرب والعشاء، حیث لا یبعد القول باستحباب تکرار الوضوء مع ذلک الفصل، بخلاف ما لو جمعت فی مجلس واحد، حیث یکتفی بوضوء واحد.

هذا، بناءا علی أنْ یکون الملاک فی التکرار وتجدید الوضوء هو الفصل الزمانی فیه، لا حدوث الحیض فی البین وعدمه، کماتری دعوی القطع بالتکرار بین الصبح والظهر.

وبناءً علی هذا یمکن دعوی عدم استحباب التکرار، حتّی مع الجمع بین المغرب والعشاء مع الظهر والعصر، لعدم الفصل الزمانی بینها.

لکنه لا یخلو عن تأمل، کما کان کذلک فیما اذا جمعت بین الصبح والظهر والعصر، إذا اردت جبران ما ترکته فی الصبح من الجلوس فی المصلی، إنْ قلنا بجواز تدارکه فی غیر وقته، لعدم احراز کون الملاک هو الوحدة فی الزمان، خصوصا إذا فرضنا عدم حدوث دم الحیض وغیره بین هذین الزمانین، فلا یکون الحکم بالتجدّد الاّ حکما تعبدیا محضا، کما لا یخفی علی المتأمل، کما کان الأمر کذلک بین الصبح والظهر، حتّی مع عدم تحقق الحدث منها شیئا، کما لا یخفی .

الأمر الثالث: فی أنّ مثل هذا الوضوء هل ینتقض بالنواقض المعهودة غیر الحیض الی حین الفراغ من الذکر أم لا ینتقض؟

ص:231

ففی «الجواهر»: «وجهان ینشئان: من اطلاق أو عموم ما دل علی ناقضیتها. ومن ظهورها فی الوضوء الرافع دون غیره.

ولعل الأقوی الأوّل، سیّما إنْ قلنا إنّ فیه نوعا من الرفع، اذ رفع کل وضوء بحسب حاله، فهو رافعٌ لحکم الحدث بالنسبة الی هذا الذکر، بل حدث الحیض، فضلاً عن غیره، ولا ینافیه دوامه کما فی المسلوس، فتأمّل»، انتهی(1) .

قلنا: إنّ الظاهر من الأمر الوارد فی الأخبار باستحباب الطهارة للحائض، کون المراد هو الوضوء الرافع المعهود الشرعی، نظیر الأمر بالوضوء للجنب لأجل الاکل والنوم، حیث یرفع الحدث بالنسبة الی تلک الغایة، لا مطلقا، هکذا یکون هنا فی ان هذا الوضوء اثناء الحیض یعدّ رافعا للحدث الأصغر بالنسبة الی تلک الغایة، وهو الجلوس فی المصلی للذکر والتسبیح، فنواقضه لیست الا نواقض سائر الوضوءات الاّ الحیض، حیث أنها لیست هنا ناقضة کالمسلوس والمبطون، فلیس الوضوء هنا تمرینی ولا لتخفیف الحدث فقط من غیر رفع، بل هو وضوء رافع مثل سائر الوضوءات الشرعیّة، ونواقضه کنواقضها بلا فرق بینهما .

الأمر الرابع: فی أنّ المستحب لها بعد الوضوء هل هو حینما تقصد الجلوس فی مصلاّها الخاص، لو کان لها مصلی _ کما عن «المبسوط» و«الخلاف» و«الوسیلة» و«الجامع» و«النافع» وغیرها _ أو فی خصوص غیر مصلاّها _ کما عن «المقنعة» _ أو _ کما عن «المعتبر» و«المنتهی» _ ؟

وجوهٌ وأقوال، والأقوی هو الاخیر.

ولعلّ ذکر المصلی فی کلمات البعض کالمصنف، کان لأجل أنّ المتعارف ان المرأة تجلس فی مصلاّها غالبا، إذا کان لها ذلک، وهو أمر طبیعی، فتکون الاخبار


1- جواهر الکلام:3/254 .

ص:232

اشارة الی ما هو المتعارف خارجا، لا لاجل الخصوصیة فیه، حتّی یکون من المندوبات، و من أجل ذلک تری الأطلاق فی الأخبار، بل قد ادّعی صاحب «الجواهر» إنّه لم یقف علی ما یدل علی الاول، سوی دلیل التسامح فی ادلة السنن، وهو یقتضی الاطلاق، حیث لم یثبت الاستحباب فی خصوص المصلی، وإنْ کان هو الأولی، لأجل التناسب بین الحکم والموضوع، ولکنه لا یوجب الحکم بالاختصاص .

بل قد نذهب الی تأیید الوجه الثانی _ ای الجلوس فی غیر مصلاها _ بدلالة الخبر الذی رواه الحلبی، عن الصادق علیه السلام ، قال: «وکن نساء النبی صلی الله علیه و آله لا یقضین الصلاة اذا حضن، ولکن یتمشین حین یدخل وقت الصلاة، ویتوضین، ثم یجلسن قریبا من المسجد، فیذکرن اللّه عزّ وجلّ»(1) .

بتقریب أنْ یقال: انْ یکون المراد من بالمسجد مصلاّها المعهودة، فیدل علی کون جلوسهن فی غیر مصلاّهن.

واحتمل فی «الجواهر» کون المراد بالمسجد فیها، هو محل السجود، فیکون القریب إنّما هو المصلی، أی محل الجلوس للصلاة.

وفی «مصباح الهدی»: ولا یخفی ما فیه من الُبعد، کما أمر قدس سره بالتأمّل فیه.

الاّ أنّه احتمل صاحب «المصباح» کون المراد من المسجد هو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، فکان جلوسهن قریبا منه، لأجل عدم جواز دخولهن فیه، وهذا هو الاقرب، لکنه لا یوجب الحکم باختصاص الاستحباب فیه، فالاولی هو القول بالاطلاق، وهو العمل بالوظیفة، من الجلوس للذکر بمقدار الصلاة، سواء جلست فی مصلاها أو فی غیرها، وانْ کان الأول أولی.


1- وسائل الشیعة: الباب 40 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:233

کما أنّ القول باستحباب الجلوس فی مکان طاهر من المصلی أو غیره، غیر بعید، لما قد ورد ذلک القید فی صحیحة زرارة، حیث قال: «ثم تقعد فی مکان طاهر، فتذکر اللّه»، کما قد أفتی بذلک صاحب «نجاة العباد».

الأمر الخامس: فی أنّه هل المستحب لها هو الجلوس بمقدار زمان صلاتها أم لا؟

وهذا مما لا خلاف فیه، لماتری من التصریح بذلک فی خبری زرارة وزید الشَّحام، وهو مما لا کلام فیه.

والذی ینبغی أنْ یبحث فیه، بیان المقدار المعتبر من الزمان، هل المعتبر الفترة التی قضاها فی اداء الصلاة السابقة علی الحیض، أو ملاحظة الفترة الزمنیّة للصلاة المتعارفة؟ وتظهر ثمرة هذا البحث فیما لو بین القصر والتمام، ففی «الجواهر»: ولعلّ الأقوی، ملاحظة التمام علی کلّ حال، لانصراف الاطلاق بالنسبة الیه، سیّما بالنسبة الی النساء .

و لکن الأقوی عندنا هو الثانی، وذلک لأن الوارد فی خبر زرارة نسبة مقدار الجلوس الی صلاتها، خصوصا مع قوله بعدها: «ثم تفرغ لحاجتها»، حیث تفید کون المدة للجلوس ملحوظة بمقدار ما یقتضی حالها لو لم تکن حائضا من القصر والاتمام، کما لا یخفی .

الأمر السادس: والظاهر من کثیر من الأخبار هو استحباب مطلق الذکر، سواء کان من التسبیح أو التهلیل أو التکبیر أو التحمید أو غیرها مما تعدّ ذکرا للّه سبحانه وتعالی مثل الاستغفار والصَّلاة علی النبیّ وآله لو قلنا بانه یطلق علیه الذکر _ فیحمل ما یدل علی التسبیح والتهلیل والتحمید، الواردة فی بعض الأخبار مثل خبر زرارة، أو ما فی روایة معاویة من التهلیل والتکبیر وتلاوة کتاب اللّه علی المثال، لا علی الاختصاص، علی ما هو المعروف بین الفقهاء، من عدم تقییدالمطلق والمقیید إذا کانا مندوبین ومثبتین.

ص:234

فدعوی الاختصاص، کما یوهم عبارة بعض، مما لا یمکن المساعدة علیه.

کما أنّ الحاق الاستغفار والصَّلاة علی النبیّ بالذکر لیس مبنیا علی وجود دلیل بالخصوص علیه، بل لأجل امکان دعوی شمول مطلق الذکر لهما، وهو غیر بعید.

فما فی «النفلیّة» دعواه، وقبله المحقق الآملی، لا یخلو عن وجاهة .

کما أنّ الدلیل الوارد فی جواز تلاوة القران هنا، یوجب کونه مخصصا، لما دلّ الدلیل علی کراهیتها علی الحائض، فیوجب اثبات استحبابه فی خصوص الجلوس فی المُصلّی للذکر لا مطلقا، ولأجل ذلک قد صدرها الفتوی من أصحابنا بالجواز بلا کراهة، کما نسب الیه صاحب «مصباح الهدی» .

و احتمال کون المراد من التسبیح هنا، هو التسبیحات الأربع المستحبة فی الصلاة، لکونها واقعة عوض بعض الرکعات فی المقصورة، فلا یبعد کونها کذلک بما للکل هنا _ کما فی «الجواهر» _ .

توجیه حسن، لکنه من قبیل ذکر المناسبات بعد الدلیل، والاّ لا یمکن جعل مثل هذه الاستحسانات دلیلاً علی الحکم، خصوصا بعد ملاحظة الجواز لمطلق الذکر، کما ورد فی بعض الاخبار .

الأمر السابع: المستفاد من بعض الأخبار _ کالمروی عن «دعائم الاسلام» وخبر معاویة بن عمّار، ومحمّد بن مسلم، وزید الشحام _ هو استحباب الاستقبال حال الجلوس للذکر، وإنْ لم یذکره المصنف قدس سره ، کالتحشی بالکرسف الوارد فی حدیث الحلبی، حیث لم یدل الاّ علی حکایة ما کانت تفعلها النساء، بل لعلّه طریق وارشاد لکیفیة الاجتناب عن النجاسة والدم والتلوث، فلا یستفاد منه الاستحباب مطلقا، حتّی للتی لا تخاف ذلک لأجل علمها بانقطاعها فی فترة غالبا بما لا تخرجها عن الحیضیة، کما لا یفهم الشرطیة علی فرض اثبات الاستحباب فیه.

وکیف کان، فالقول بالاستحباب فی الاوّل _ کما نص علیه بعض الأصحاب _

ص:235

لا یخلو عن قوّة، وانْ کان استحبابه من قبیل المستحب فی المستحب لا الشرطیّة.

بل وکذا فی الثانی، لأجل الخبر المروی فی «دعائم الاسلام» المتوجه فیه الخطاب الی نسائهم، فالقول بالاستحباب مع ملاحظة قاعدة التسامح فی ادلة السنن غیر بعید .

الأمر الثامن: لو قلنا بعدم اجتزاء غُسل المندوب عن الوضوء، حتّی فی مثل غُسل الجمعة، فلا أقل ینبغی القول فی عدم قیامه مقامه، فالذی ینبغی أن یلاحظ، هو ما لو قلنا بالاجتزاء _ کما علیه بعض الأصحاب _ ففی جواز قیامه مقامه وعدمه احتمالان، والأقوی هو الثانی، کما علیه صاحب «الجواهر» قدس سره ، وصاحب «مصباح الفقیه»، وذلک لظهور الدلیل الدال علی قیام الوضوءات المتعارفة مقام الرافع للحدث والمبیح للصلاة، لا مثل هذا الوضوء الذی لا یرفع حدثا الاّ بالنسبة الی خصوص الذکر، وقد عرفت الاشکال عن بعض فی رافعیته.

ولو سلّم وقبلنا کونه رافعا کبقیة الوضوءات، لکنه لا یوجب تسریة الحکم حتّی بالنسبة الی ما هو بدله کالغسل، فان سلمنا اطلاق ادلة البدلیة، لکنه منصرف عن مثل هذا الوضوء، ولأجل ذلک لا یصح أن ینوی رفع الحدث أو الاستباحة، الاّ أن یأتی به ناویا القربة المحضة، أو رفع الحدث بالنسبة الی خصوص الذکر، إذ اتیانه مع الوضوء یعدّ أفضل، لأنه من الفرد الکامل، بأن یکون اشتراط کماله منوطا بالوضوء، وهو غیر بعید، ومثله لا ینافی مع دوام الحدث، کما لا یخفی .

الأمر التاسع: فی أنه هل یقوم التیمم مقام الوضوء، عند عدم تمکنها من استعمال الماء أم لا؟

وجهان بل قولان: ففی «الجواهر» قال: «إنّه لم نعثر علی قائل بالأول هنا، ونصّ فی «التحریر» و«المنتهی» و«جامع المقاصد» و«المدارک» علی الثانی، لأنّ التیمم طهارة اضطراریة، ولا اضطرار هنا. نعم نُقل عن «نهایة الأحکام» انه

ص:236

استشکل» انتهی (1).

ولکن الأوجه عندنا هو الجواز، لأن الاضطرار هنا أیضا بالنسبة الی ما هو المقصود هنا، مع امکان استفادة الجواز، ممّا یدلّ علی تنزیل التراب منزلة الماء، کما علیه صاحب «الجواهر».

بل قال هو ظاهر «جامع المقاصد» _ أو صریحه _ اختیاره فی مبحث الغایات، بل هو مختار المحقق الآملی فی «مصباحه» . و منه یظهر جواز قیام التیمم بدل الأغسال المندوبة ونحوها، لما عرفت من الدلیل .

الأمر العاشر: فی أنّه هل یستحب الوضوء والجلوس والذکر لغیر الفرائض الیومیة، مثل صلاة الآیات والرواتب وسائر النوافل اذا صادفت مع حیضها أم لا؟

فیه وجهان: ولا یبعد القول بالأوّل، لاطلاق بعض الأخبار باستحباب الوضوء علیها والجلوس للذکر عند وقت کلّ صلاة.

ودعوی انصرافه الی الفرائض من الصلوات الیومیة بدوی، خصوصا إذا لوحظ کون المرأة مما کانت معتادة علی اداء النوافل، فأیّ مانع من القول بکفایة هذا الوضوء و الجلوس والذکر لاداء الفریضة ونافلتها السابقة علیها أو المتاخرة عنها، وهکذا بالنسبة الی کلّ صلاةٍ _ لولا حیضها _ کانت علیها واجبة أو مندوبة.

وإنْ أبیت عن القول بالاستحباب، فلا أقلّ من القول بالاتیان بقصد الرجاء والمطلوبیّة واللّه العالم .

الأمر الحادی عشر: البحث فی لزوم أن یکون الجلوس والذکر بعد الوضوء والتیمم مباشرة فی دون أن یقع بینهما فصلٌ عرفا، وذلک لأجل ملاحظة سیاق الحدیث، من ذکر هذه الامور عقیب الوضوء.


1- الجواهر:3/256 .

ص:237

ویکره لها الخضاب (1).

نعم لا یمکن استفادة شرطیة ذلک، بل غایة ذلک کونه أولی، کما اختاره السیّد رحمه الله فی «العروة»، بلا فرق فی ذلک بین تخلل حدث الحیض بینه وعدمه، وذلک للاطلاق فی الأدلة .

(1) و هو مذهب علمائنا أجمع، کما فی «المعتبر» و«المنتهی»، ووجه ذلک کونه مقتضی الجمع بین الطائفتین من الأخبار، طائفة آمرة بالنهی عنه، مثل روایة عامر بن جذاعة، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «سمعته یقول: لا تختضب الحائض ولا الجنب»(1) . و روایة أبی جمیلة، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال: «لا تختضب الحائض»(2).

فان مقتضی ظهور النهی هو التحریم، ولم یعلّل بما یوجب دلالته علی الکراهة، فلا یبقی وجه لحملهما علیها الاّ الجمع، بملاحظة ما یدل علی الترخیص، کما سنشیر الیه، بخلاف ما سنشیر الیه مما یدل علی النهی المشتمل علی التعلیل، المستلزم کونه قرینة علی ذلک الحمل، مثل ما فی موثقة أبی بصیر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «هل تختضب الحائض؟ قال: لا، یخاف علیها الشیطان عند ذلک»(3) .

فی کراهة الخضاب علی الحائض

و مثله روایة أبی بکر الحضرمی، عنه علیه السلام : قال: «لا، لأنّه یخاف علیها الشیطان»(4) . و عن المفید فی «المقنعة» تعلیل الکراهة بمنع وصول الماء، لکن


1- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 8.
3- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
4- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:238

ردّ علیه العلاّمة فی «الذکری» بانه یقتضی المنع لا الکراهة. واجیب عنه کما فی «المعتبر» و«الجواهر»: بأنه لا یرید المنع التام من وصول الماء.

هذا ما ذکره صاحب «مصباح الهدی» .

و لعل وجه الکراهة _ واللّه العالم _ هو صدق الزینة علی فعلها الخضاب، الموجب لرغبة الزوج فی المقاربة معها، کما یوحی الیه قوله علیه السلام : «فیخاف علیها الشیطان»، أی الوقوع فی الحرام، وهو الجماع فی هذه الحالة، کما کان الأمر کذلک بالنسبة الی الزوج من جهة زوجیتها.

ولا یقال: ربما لا تکون قد تزوجت بعدُ.

لأنا نقول: بأنّ الأحکام محمولة علی ما هو المجعول عند الشرع، من تعجیل الزواج وکونه غالبا کذلک، فکأنّ الشارع قد أخذ جانب الاحتیاط و لم یترک الأمر والحکم بید المکلف، نظیر العدّة فی الطلاق.

ولیکن علی ذُکرٍ منک بانّه فی مثل هذه الامور یجب ملاحظة الحکم الشرعی دون البحث والفحص عن العلل و الاسباب الظنیّة فان ملاکات الاحکام وعللها بعیدة عن عقولنا .

و کیف کان، فانه مع ملاحظة هذه النواهی، وودود الدلیل الدال علی الترخیص، فانّه یوجب الحمل علی الکراهة والدلیل الدال علی الرخصة مثل خبر محمّد بن سهل بن الیسع، عن أبیه، قال: «سألتُ أبا الحسن علیه السلام عن المرأة تختضب، وهی حائض؟ قال: لا باس»(1) .

و روایة علی بن أبی حمزة، قال: «قلتُ لأبی ابراهیم علیه السلام : تختضب المرأة وهی طامث؟ فقال: نعم»(2) .


1- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:239

و روایة أبی المعزا (عن علیّ) عن العبد الصالح علیه السلام ، فی حدیثٍ قال: «قلت: المرأة تختضب وهی حائض؟ قال: لا لیس به بأس»(1) .

و روایة سماعة، قال: «سألتُ العبد الصالح علیه السلام عن الجنب والحائض أیختضبان؟ قال: لا بأس»(2) .

فالقول بالکراهة ثابتٌ .

والظاهر کون المراد من الخضاب، هو مطلق ما یصدق علیه الخضاب، سواء کان بالحناء وغیره، کما أنّ الاطلاق یقتضی کون مورد الکراهة هو الید والرجل أو الشعر، فدعوی اختصاص الکراهة بخصوص الید والرجل لا لشعورهن _ کما فی «المقنعة» _ أو الاختصاص بالحناء دون غیره _ کما هو المنقول عن «المراسم» _ مما لا یمکن الالتزام به، وان کان مورد المتقین والمتبادر من النص والفتوی هو ما ذکراه، ولکنه لا یوجب اخراج غیرهما عن الحکم، لأجل التسامح، کما لا یخفی .


1- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 42 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:240

الفصل الثالث : فی الاستحاضة

وهو یشتمل علی أقسامها وأحکامها :

أمّا الاوّل : فدم الاستحاضة....(1)

(1) اعلم أنّ الاستحاضة فی الأصل استفعال من الحیض، ففی «الحدائق» و«الجوهر»: «یقال استحیض المرأة، أی استمر بها الدم بعد ایّامها، فهی مستحاضة کما فی «الصحاح» للجوهری وهذا ظاهرٌ ویفید أن بناء المعلوم غیر مسموع».

ولکن فی «مصباح الهدی» قال: ولکنک ستسمع فی مرسلة یونس الطویلة، استعمال ماضیه بالبناء للفاعل.

فی الاستحاضة / أوصافها و علائمها

و لعله أراد مرسلة یونس الواردة فی الباب 12 من أبواب الحیض فی «الوسائل»وفیها: «وإنْ تمّ لها ثلاثة، فهو من الحیض، وهو أدنی الحیض، ولم یجب علیها القضاء، ولا یکون الطهر أقل من عشرة أیّام، فاذا حاضت المرأة، وکان حیضها خمسة، ثم انقطع الدم، اغتسلت وصلَّت» الحدیث .

و هو کما تری وتشهد أنّه استعمل الماضی بقوله: «حاضت المرأة» للدلالة علی الحیض لا الاستحاضة التی کانت هی المقصود من کلامهما.

وأمّا بالنسبة الی الاستحاضة، فانه لا یستفاد الاّ البناء للمفعول، حتّی فی هذا الحدیث، فلاحظ ذیله بعد ذلک، بقوله: «فإنْ رأت الدم من أول ما رأته الثانی الذی رأته تمام العشرة أیّام، ودام علیها، عدّت من أول ما رأت الدم الاول والثانی عشرة أیّام، ثم هی مستحاضة، تعمل ما تعمله المستحاضة» الحدیث .

و لعل وجه الفرق والاختلاف بین الحیض والاستحاضة هو کون الغالب فی دم

ص:241

الحیض بالحدوث والبناء للفاعل، والمعلوم من الاستحاضة الاستمرار والدوام، المناسب مع بناء المفعول والمجهول، و لذلک یطلق علی المرأة المبتلی بالحیض کلمة الحائض، والمبتلی بالاستحاضة کلمة المستحاضة، وهکذا یکون الأمر فی الاخبار أیضا .

و کیف کان، فانّ الثابت أنّ المستحاضة هی التی تسیل دمها لا من الحیض بل من عروق العاذل _ کما فی «القاموس» _ .

وعن الشیخ الأعظم فی «طهارته»، قال: «وظاهر غیر واحد من أهل الّلغة منهم الزمخشری والفیروزآبادی، أنّ الاستحاضة تخرج من عرقٍ یقال له العاذل. قال فی «الفائق»: کأنّ تسمیة ذلک العرق بالعاذل، لأنّه سبب لعذل المرأة، أی ملامتها عند زوجها»، انتهی(1) .

ثم قوله قدس سره : «فدم الاستحاضة»، یدل علی أنّ اطلاق الاستحاضة علی الدم یکون مجازا، ثم صار حقیقة اصطلاحیة عند الفقهاء .

ثم تعرّض المصنّف لذکر علامتها الغالبة _ کما اشار الیه فی المتن _ بقوله: «إنّ دمها فی الأغلب أصفرٌ بارد رقیق یخرج بفتور».

وهذه العبارة أی قوله: «والأغلب» قد وردت فی کثیر من کلمات الأصحاب، مثل «النافع» و«التحریر» و«المنتهی» و«القواعد» و«اللمعة» و«الروضة» و«البیان» و«الدروس» وغیرها، وإنْ اقتصر بعض الاصحاب بالنسبة الی العلامات بذکر الأولین منها کما فی «المصباح» و«الذکری» وظاهر «المعتبر»، وعلی الثلاثة الاوّل منها، کما فی «الوسیلة» و«النافع» و«المنتهی»، وعن «التبیان» و«روض الجنان» و«المراسم» و«الغنیة» و«المهذّب»


1- کتاب الطهارة: ص 243 .

ص:242

و«الکافی» و«الاصباح». وعلی الأربعة کما فی «القواعد» و«التحریر» و«البیان» و«اللمعة» و«الروضة» وغیرها،وغیر ذلک من الاختلافات قد تکفل ذکرها صاحب «الجواهر» قدس سره .

کما أنّ هذا الاختلاف قد ورد فی الأخبار ایضا، ولعلّه هو المنشاء لوقوع الاختلافات فی کلمات الاصحاب، کما تری ذکر الأولین فقط فی خبر حفص بقوله: «دم الإستحاضة أصفر بارد»(1).

ویدل علی الثانی فقط فی الصحیح أو الحسن لمعاویة بن عمّار: من قوله: «إنّ دم الاستحاضة بارد»(2).

وکذا فی حدیث اسحاق بن جریر مع زیادة قوله : «فاسد علی البارد» ، قال: «دم الإستحاضة فاسد بارد»(3).

وعلی الأوّل والثالث فی صحیح ابن یقطین، عن الکاظم علیه السلام : «فی النفساء، فاذا رقّ وکان صفرة اغتسلت»(4) .

و هذه الاوصاف تکون بالغالب، بل قد یطلق للعلامة بوصف المقابل، ویفهم منه ضدّه، مثل لفظ العبیط الوارد فی النص والفتوی _ کما فی خبر حفص _ لذکر علامة الحیض، فانه وانْ فسّر بالخالص الطریّ کما فی «الجواهر»، الاّ أنّ المراد منه ظاهرا کون الدم غلیظا، کما یذکر الدفع والحرارة فی مقابل ما لا یخرج بالقوة، حیث یناسب مع الرقة الوارد فی بعض النصوص، حیث یفهم من ذلک أنّ ذکر هذه العلامات کان من أجل التمییز بین الحیض والاستحاضة فیما اذا تردد بینهما،


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
3- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
4- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 16 .

ص:243

وقد یتفق بمثل هذا الوصف حیضا ، اذ الصفرة والکدرة فیالحیض حیض ، وفی أیّام الطهر طهرٌ (1).

ومن هنا فانها لا تعدّ علامة مطلقة بحیث عُدّ الدم الحامل لها استحاضة وان کانت تعلم آنهادم حیض مثل الدم التی تراها المرأة ایام الاستظهار المحکوم بالحیضیة، لأجل انقطاع الدم بعد التجاوز عن العادة، وقبل العشرة، أو ما لو علمت کون الدم دم استحاضة لاجل عدم واجدیته لشرائط الحیض، مثل ما لو انقطع الدم قبل الثلاثة، ولم یحصل التوالی ولو کانت متصفة بصفة الحیض، أو رأت الدم قبل التسع أو بعد الیأس، وامثال ذلک مثل ما لو رأت الدم قبل تخلل العشرة بین الحیضتین .

و کیف کان، فذکر بعض الصفات فی الحیض مثل السواد والبحرانی وغیرهما، یفهمنا ویوصلنا الی أنّ الغلبة فی غیر الحیض غیر هذین الوصفین، فلا تنحصر الاستحاضة بخصوص الاصفریة، بل انّما یکون ذکر ذلک من باب کون أغلب الغالب هو هذا، والاّ ربما یکون دم الاستحاضة أبیض، کما عن «جامع المقاصد» وهو لون یختص به، ولأجل کون هذه العلامات غالبیة جاءت الاشارة الی ذلک فی کلام المصنف .

فی الاستحاضة / أوصافها و علائمها

(1) حیث أنه من الواضح بأنّ وصف الصفرة والکدرة فی اثناء العادة، لمن کانت لها عادة، محکوم بالحیضیة اجماعا، محصلاً ومنقولاً، بل انّ هذا منصوصٌ علیه وهکذا بالنسبة الی ما یحکم بکونه حیضا، کالمتخلل بین العادة والعشرة، مثلاً إذا انقطع الدم فی العَشَرةُ فی فترة الاستظهار، فیحکم بالحیضیة من جهة قاعدة الامکان وغیرها، بل فی «الخلاف» الاجماع علیه، ولعل هذا داخل فی کلام المصنف أیضا ولو من باب التغلیب، لأجل کون الدم محکومٌ بالحیضیة.

فما فی «المدارک» من أولویة التفصیل الأول، بلزوم وجود أوصاف

ص:244

وکلّ دمٍ تراه المرأة أقلّ من ثلاثة ، ولم یکن دم قرحٍ ولا جُرحٍ ، فهو استحاضة(1).

الاستحاضة للحکم بها فی غیر أیام العادة ضعیفٌ، لما قد عرفت الحکم بالاستحاضة، إذا کان الدم الخارج لا یمکن أن یکون حیضا، ولو لم یکن متصفا بصفتها .

وکذلک یضعف قوله أیضا فی جعل أوصاف الاستحاضة، أوصافا خاصة مرکّبة، لما قد عرفت من أنّها لیست الاّ علامات غالبیة، ربما تکون جامعة لجمیعها، وربما تکون غیر جامعة، لأجل وجود بعضها دون بعض .

و من هنا یظهر أنّ وجود السواد والحمرة فی أیّام الطهر طهرٌ قطعا، وعلیه الاجماع کما عن «الناصریات» و«الخلاف»، ولا یحکم بالحیضیة.

فبناء علی ما ذکرنا، من عدم امکان الاعتماد علی الاوصاف المشهورة فقط، بل لابد من أن یُلاحظ مع تلک الأوصاف، سائر الشرائط الدخیلة فی الحیضیة، کما یشیر الیه المصنف فی النص القادم .

فی الاستحاضة / ما تراه المرأة قبل التسع أو بعد الیأس

(1) وهذا حکم منه رحمه الله مبنیٌ علی ما ذکرناه من أنّه لأبد أنْ یکون الدم الثلاثة متوالیا، وتعلم أنّه لیس بدم قرح أو جرح، حتّی یحکم بالحیضیة، فالضابط علی اعتبار حیضیة الدم، هو کلّ دم لیس بحیض ولا نفاس، فهو استحاضة .

و حیث بلغ الکلام الی هنا، فنقول: قد وقع الخلاف بین أصحابنا فیما اذا رأت المرأة دما قبل التسع، أو بعد الیأس مثلاً، فهل یحکم علی هذا الدم کونه استحاضة بحیث یترتب علیه أحکامها ولو فی المستقبل _ أی بعد البلوغ، فیما إذا کان الدم قبل التسع، من أحکام الغُسل والوضوء والتطهر اللاّزم لها _ .

أو یترتب علیها أحکام غیرها، مثل نزح ماء البئر إذا وقع فیها، ولزوم غَسل الثوب بقلیله، الذی لم یکن معتبرا فی الصلاة وامثال ذلک.

ص:245

أو لا یحکم به، الاّ مع وجود دلیل یدل علیه.

والمسألة ذات اقوال و وجوه:

القول الاوّل: هو الحکم بکونه استحاضة، إذا لم یکن حیضا ولا نفاسا، وتعلم بعدم کونه دم قرح وجرح أو دمُ عُذرة.

هذا هو الظاهر من الماتن، مع ما نسب الیه، وکذا فی «القواعد» و«البیان» و«جامع المقاصد» و«کشف الّلثام» و«التحریر» و«الارشاد» وعلیه السید فی «العروة»، وکثیر من أصحاب التعلیق، والمحقق الهمدانی .

القول الثانی: لصاحب «الجواهر» وهو الحکم بالاستحاضة، بمجرد عدم العلم بکونه من سائر الدماء مطلقا، ولو مع العلم بوجود القرح أو الجرح فی الباطن، إذا لم تعلم کونها منهما .

القول الثالث: وهو لصاحب «المدارک»، هو التفصیل بین ما کان الدم بصفة الاستحاضة فیحکم بها، وما لم یکن کذلک فلا، وإنْ علمت بانتفاء سائر الدماء الأربعة _ من الحیض والنفاس والقرح والجرح _ الاّ فیما دل الدلیل علی کونه استحاضة .

القول الرابع: هو التفصیل بین أقسام الاستحاضة، ففی الناقص عن الثلاثة یشترط العلم بکونه لا من قرح ولا جرح، دون غیره مثل التجاوز عن العشرة ونحوه، حیث لا یشترط فیه العلم کذلک.

وهذا ما احتمله صاحب «الارشاد» و«التحریر» .

القول الخامس: هو التفصیل بین احتمال وجود الجرح والقرح، وبین سائر الاحتمالات، حیث یحکم بعدم الاستحاضة فی الاول، وبالاستحاضة فی الثانی .

القول السادس: التفصیل بین الاحتمال الناشی من العلم بوجود القرح أو الجرح، فلا تعتنی بالاحتمال مطلقا، وتحکم بکونها مستحاضة، الاّ أنْ یکون الاحتمال نشاء من العلم بوجود القرح والجرح. وهذان القولان أشار الیهما

ص:246

المحقق الآملی من دون أن یشیر الی وجود القائل بهما .

و کیف کان الأقوال کثیرة، بل لعلّها أکثر مما ذکرنا، ومنها: ما اختاره المحقق الهمدانی والآملی قدس سرهم ، حیث أنّهما قد أختارا القول الأول لکن مع زیادة قید فی جنسه، وهو أنّه تحکم بالاستحاضة فیما لم تستبعد یکن احتمال کونه من الاستحاضة العادة، کالدم الذی تراه الصغیرة فی سنّ الرضاع أو ما یقرب منه، وما تراه العجوز فی أرذل عمرها .

و الأقوی عندنا هو الاوّل _ کما علیه المصنف _ لأنّه المستفاد من أخبار الاستظهار، حیث یحکم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحیض والنفاس، مع العلم بعدم کونه دم قرح وجرح، لوضوح أنّ مع وجود احتمال هذین الدمین یُشکل الحکم بکونه استحاضة، لأنّ الاصل عدم کونه مستحاضة، لکون لان دم الاستحاضة تابعة من الفاسدة فی الجسم، والأصل العقلائی هو الحکم بالسلامة، هذا فضلاً عن جریان اصالة البرائة عما یترتب علیها من أحکام الدم المخصوص به، لکون قلیله غیر معفو فی الصلاة .

لا یقال: إنّ هذا الاصل یعارض مع اصالة عدم کون الدم دم قرح وجرح، فیتعارضان ویتساقطان، فیرجع الی دلیل آخر .

لأنا نقول، أوّلاً: بان الاصل المتعارض المتساقط، کان هو عدم کونه دم استحاضة، حیث یعارض مع اصالة عدم کونه دم قرح أو جرح، فیبقی أصل آخر وهو حالة السلامة عن کون الدم نابعة من وجود الآفة والعاهة فیها خالیا عن المعارض، فیحکم بانتفاء الاستحاضة، مع وجود احتمال کون الدم من القرح أو الجرح. اللّهم الاّ أنْ یُدّعی أن اصالة السلامة جاریة فی دم القرح والجرح أیضا، لان خروج هذین الدمین أیضا مخالفٌ لاصالة السلامة والعافیة.

ثانیا: لو سلمنا وجود وحصول التعارض، لکن بعد التعارض والتساقط نرجع

ص:247

الی الأخبار، وهو مثل مرسلة یونس المتقدم، من اشتراط التوالی فیما رأت الدم یوما أو یومین وانقطع عنها، أنّه لیس من الحیض بقوله علیه السلام : «إنّما کان من علّة، امّا قرصة فی جوفها، وامّا من الجوف، فعلیها أنْ تعید الصلاة تلک الیومین التی ترکتها، لأنها لم تکن حائضا»(1) .

حیث قد استدل المحقق الآملی بذلک، للحکم بعدم الاستحاضة، بل لعلّه هو المستفاد من کلام صاحب «الجواهر» حیث قال فی ذیل مختار الماتن بقوله: «ویؤیّده بعد الأصل وقاعدة التقین، ما فی مرسل یونس المتقدم...» .

و لکن التأمّل والدقه فی الروایة، ربما یوجب احتمال المناقشه فیما استدل به، لأمکان أنْ یکون المراد من قوله علیه السلام : «وامّا من الجوف»، هو ما ینطبق علی الاستحاضة، ولعلّه لذلک قد استدل المحقق الهمدانی بهذه الروایة للحکم بها، حیث قال بعد ایراده المرسلة، بقوله: «وقد تقدم فی مبحث الحیض التنبیه علی أنّ الغُسل المأمور به بعد یوم أو یومین، لا یمکن أنْ یکون غُسل الحیض، فوجب أن یکون غُسل الاستحاضة». وکیف کان فانّ اثبات الاستحاضة جزما أو عدمها بتّا من هذه الروایة لا یخلو عن خفاء .

و لکنّ الذی یُسهّل الخطب هنا فی الحکم بعدم کون الدم استحاضة، أنّ بناء العقلاء فی النساء، وغلبتهن فی الاستحاضة، یوجب کون المعهود عندهن هو الحمل فی مثل هذا الدم علی الاستحاضة، وقد صارت هذه الحالة عندهن من الکثرة بحیث لا تعدّ المرأة جدوث هذه الحالة عندها آفة وعلّة حتی نتمسک عند الشک فی ذلک باصالة السلامة عن ابتلاءها بمثل هذه العلة والمرض وهذا أمر متعارف شائع بین النساء، إذا لم یزاحمهن احتمال وجود دم القرح والجرح،


1- وسائل الشیعة: الباب 12 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:248

أو یکون مع الحمل علی الأظهر(1).

بواسطة العلم بوجودهما، اذ مع وجود هذا الاحتمال فانّ احراز وجود هذه البناء بترتیب أحکام الاستحاضة علیه، زائدا علی أحکام أصل الدم، مشکل جدّا، فلو شک فیه، فاصالة البرائة من تلک الأحکام الزائدة جاریة.

وهکذا ثبت أنّ الحق مع المصنف، ومن تابعه علی ذلک.

ولعل هذا هو المراد من الأصل المؤید فی کلام صاحب «الجواهر». أمّا المراد من قاعدة الیقین فهو قطع المرأة بعدم کونها مستحاضة قبل أن تری هذا الدم، فیعرض لها الشک بمجرد الرؤیة، فیشکل رفع الید عن یقینها السابق بعدم الاستحاضة قبل التسع أو بعد الیأس، بواسطة مشاهدة هذا الدم، مع امکان حمله علی کون الدم دم جرح أو قرح .

فبذلک یظهر عدم صحة التفصیل بأقسامه الثلاثة، وغیرها من الأقوال، اذ لا فرق بین ما وقع الدم فی الأقل من الثلاثة، فیما اشترط فیه التوالی الی الثلاثة، وبین المتجاوز للعشرة ونحوها، کما لا فرق فی ذلک بین کون الدم منحصرا بین الخمسة _ إذا فرضنا دم العذرة من الجرح والاّ یصیر سته _ وبین عدم الانحصار، اذ لا تاثیر فیما هو المقصود من عدم الحکم بکونه استحاضة بین الصورتین، کما هو واضحٌ اذا لاحظنا ذلک.

فی الاستحاضة / ما یزید عن العادة و یتجاوز العشرة

فاذا عرفت ما ذکرناه فانه یتضح لک ما قاله المصنف فی ادامة هذا البحث حیث حکم بان الدم التی تراه المرأة بعد التجاوز عن العشرة استحاضة، بقوله:

(وکذا ما یزید عن العادة، ویتجاوز العشرة ، أو ما یزید عن أیّام النفاس)

(1) أی الحکم بالاستحاضة علی کلّ دمٍ تراه الحامل مدة حمله، بناءً علی عدم اجتماع الحیض مع الحمل.

فی الاستحاضة / ما تراه الحامل

ص:249

ویعدّ هذا أحد الأقوال فی المسألة، کما روی ذلک عن الاسکافی و«التلخیص»، وفی «النافع» أنّه اشهر الروایات، ونقله العلامة فی «المنتهی» عن المفید وابن ادریس، واختاره الوحید البهبهانی قدس سرهم .

والقول الثانی: هو الذی نسب الی المشهور تارةً، والی الأکثر اخری، والی الأشهر الاظهر ثالثة، وفی «الجواهر» أنّه المشهور نقلاً وتحصیلاً، وهو اجتماعهما مطلقا، سواء کان قبل الاستبانه أو بعدها، وسواء کانت العادة قبلها أو بعدها، وسواء کان بعد العادة بعشرین یوما أم لا، وسواء کان بصفات الحیض أم لا، إذا امکن أنْ یکون حیضا، وقد حُکی عن «الناصریات» للسیّد ؛ الاجماع علیه .

والقول الثالث: هو التفصیل بین استنابة الحمل فلا یجتمع، وبین عدمه فیجتمع. وهذا هو المنقول عن الشیخ فی «الخلاف»، معبرا عنه بأنّه کذلک عند الظاهر من دعواه الاجماع علیه، بل قد نُقل عن ابن ادریس دعوی کونه مذهب الأکثر .

والقول الرابع: هو التفصیل بین ما اذا لم یمض عشرین یوما من العادة فیجامع مع الحیض، وبین کونه بعده فلا یجتمع.

وهذا هو المنقول عن الشیخ فی «التهذیب» و«الاستبصار» و«النهایة»، ومال الیه المحقق فی «المعتبر» و قوّاه فی «المدارک» .

والقول الخامس: هو التفصیل بین ما اذا کان الدم بصفة الحیض فیجامع، امّا إذا لم یکن بصفته فلا یجامع.

وهذا هو المنسوب الی ظاهر الصدوق فی «الفقیه»، وربما یظهر من صاحب «الجواهر» المیل الیه، حیث أیّده بتأییدات متعددة.

و هذه هی الأقوال فی المسألة، فلا بأس بالاشارة الی ادلتهم فی الجملة، حتّی نستظهر منها الحق فی المقام .

فنقول: إنّه قد استدل للقول الاول بامورٍ:

ص:250

الامر الاوّل: روایة السکونی، عن جعفر، عن أبیه علیه السلام أنّه قال: «قال النبی صلی الله علیه و آله : ما کان اللّه لیجعل حیضا مع حبل، یعنی اذا رأت الدم وهی حامل، لا تدع الصلاه، الاّ أنْ تری علی رأس الولد، إذا ضربها الطلق ورأت الدم، ترکت الصلاة»(1) .

وقد یجاب عنه، اوّلاً: بضعف سنده لمکان النوفلی والسکونی.

وفیه: انّهما یعدّان ممن أکثرا من الروایة عنه علیه السلام ، وقد عمل الاصحاب باخباره فی غیر هذا المقام، وتعدّ أخباره مقبولة ، نظیر مقبولة عمر بن حنظلة فیجب أن نبحث عن دلیل آخر للرد علی هذا الخبر .

وثانیا: موافقتها مع التقیة، کما احتملها صاحب «الوسائل» والآملی و صاحب «الجواهر» وغیرهم، لذهاب کثیر من العامة الی ذلک، وقد ذکر صاحب «الجواهر» اسماءهم بقوله: «المشهور بین العامة من عدم الحیضیة، المنقول عن سعید بن المسیب، وعطاء، والحسن، وجابر بن یزید، وعکرمة، ومحمد بن المنکدر، ومکحول، وحماد، والثوری، والأوزاعی، وأبی حنیفة، وابن المنذر، وأبی عبید، وأبی ثور، والشافعی فی القدیم .

بل قد یؤیده من کون النبوی منقولاً عنهم، والامام علیه السلام ینقل النبوی الشاهد علی کونه فی مقام التقیة.

کما قد یؤید أیضا احتمال کون التفسیر فی قوله «یعنی إذا رأت الدم... الی آخره» من الراوی لا من الامام.

هذا فضلاً عن وجود احتمال کون المراد من النبوی الاشارة الی القضیة الغالبة، اذ الغالب کون الأمر کذلک) .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 12 .

ص:251

وثالثا: احتمال عدم کونه حیضا، لقصور الدم عن أقلّ الحیض وهو ثلاثة أیّام متوالیا، أو لأجل اختلال بعض الشرائط التی یوجب امکان حمله کونه حیضا .

الأمر الثانی: ما رواه الصدوق فی «العلل» باسناده عن مقرن، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «سأل سلمان رحمه الله علیّا عن رزق الولد فی بطن اُمّه؟ فقال: إنّ اللّه تبارک وتعالی حبس علیه الحیضة، فجعلها رزقه فی بطن اُمّه»(1) .

والاستدلال به علی المدّعی لا یخلو عن ضعف، لماتری من امکان الجمع بین حبس الحیض لزرق الولد، وعدّ الدم الزائد عن رزق الولد _ خصوصا فی اول ایام انعقاد النطفة _ حیضا، کما یدل علی ذلک ما جاء فی حدیث سلیمان بن خالد، قال: «قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : جعلتُ فداک، الحُبلی ربما طمثت؟ قال: نعم، وذلک انّ الولد فی بطن اُمّه غذائه الدم، فربما کثر ففضل عنه، فاذا فضل دفعته، فاذا دفعته حرمت علیها الصلاة»(2).

قال الکلینی: وفی روایة اُخری: «إذا کان کذلک تاخّر الولادة»(3) .

الأمر الثالث: الاستدلال بصحیحة حمید بن المثنی، قال: «سألتُ أبا الحسن الاوّل علیه السلام ، عن الحُلبی تری الدفعة والدفعتین من الدم، فی الایام وفی الشهر والشهرین؟ فقال: تلک الهراقة لیس تمسک هذه عن الصلاة»(4) .

الاّ أنه قد یرد علی دلالتها کون الدفعة والدفعتین فی الایام أو فی الشهر والشهرین، یجامع مع عدم کونه بمقدار أقلّ الحیض _ أی ثلاثة أیّام متوالیة _ إذا صدق عنوان الدفعة، مع کونه أقلّ منها کان أشدّ واولی من کونه ما یوجب صدق الحیض علیه .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 13 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 14 .
3- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 15 .
4- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 8 .

ص:252

کما أن تقسیمه علیه السلام الدم الی قسمین قد ورد فی روایة ثانیة رواها حمید بن المثنی، المکنی بأبی المغرا، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن الحلبی، قد استبان ذلک منها، فتری کما تری الحائض من الدم؟ قال: الهراقة إنْ کان دما کثیرا فلا تصلین، وإنْ کان قلیلاً فلتغتسل عند کل صلاتین»(1) .

فان قلنا بصدور الخبرین من امام واحد فانهما یفیدان حُکما واحدا؛ وانّما اشار فی احد الخبرین الی صورة الدفقة والدفقتین (کما فی ذیل الحدیث الثانی) فتکون الصحیحة من الاخبار الدالة علی امکان اجتماع الحیض والحمل، کما أشار الیه صاحب «المنتقی» علی ما نسبه الیه صاحب «الوسائل»، لا المانعة کما تمسک به آخرون .

الأمر الرابع: الاستدلال بما ورد من لزوم الاستبراء فی الأمة بحیضته، کماتری التصریح بذلک فی روایة مسمع بن کردین، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام : عشرٌ لا یحلّ نکاحهن، ولا غشیانهن.... الی أنْ قال: وأمتک وقد وطئت حتّی تستبرأ بحیضة، وامتک وهی حُبلی من غیرک... الحدیث»(2) .

و روایة محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام : «فی الرجل یشتری الجاریة، فیعتقها ثم یتزوجها، هل یقع علیها قبل أنْ یستبری ء رحمها؟ قال یستبری ء رحمها بحیضة... الحدیث»(3) .

و مثله روایة عبید بن زرارة، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ قال: «یستبری ء رحمها بحیضة، وإنْ وقع علیها فلا بأس»(4) .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 19 من أبواب نکاح العبید والاماء، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة: الباب 16 من أبواب نکاح العبید والاماء، الحدیث 1 .
4- وسائل الشیعة: الباب 16 من أبواب نکاح العبید والاماء، الحدیث 2 .

ص:253

وهذا حکم المذکور جاء فی الجواری المسبّیات المنتقلات ببیع وغیره، وبالموطوئة بالزنا، والأمة المحلّلة للغیر.

وجه الاستدلال علی المنع واضحٌ، فانّ الاستبراء بحیضة لیس الاّ لأجل استکشاف حال الجاریة، من کونها حاملاً من الغیر أم لا، فلو اجتمع الحیض مع الحمل، لم یبق وجه للاستبراء، لامکان وجود الحمل معه فیستلزم نقض الغرض، کما لا یخفی .

هذا، و لکن لا یخفی علیک أنّ هذا الحکم فی الأمة، حکم ظاهری لاستکشاف ذلک من اکتفائها فی الاستبراء بحیضة واحدة، مع أنّه من المعلوم أن الشارع جعل عدّة الطلاق فی الحُرّة ثلاثة قروء، فلو کان ما ذکر من عدم امکان الاجتماع بین الحیض والحمل صحیحا، لکان الاستبانه بحیضة واحدة کانیا للدلالة علی عدم وجود الحمل فیها، ولما بقی وجهٌ لجعل ثلاثة قروء عدة للطلاق؟

فمن ذلک یفهم أنّ وجود الاختلاف فی مثل هذه الأحکام؟! بین الحُرّة والامة تتضمن علی مصالح مختلفة واقعیة نحن لا نعلمها، نظیر الاکتفاء بالعدل الواحد فی الشهادة فی مورد، وبالعدلین فی مورد آخر، وباربعة فی مورد ثالث، فنحن نجهل الحکمة الموجودة فیها، فلا یمکن جعل مثل هذه الامور ملاکا للاحکام الشرعیة، حتّی یحکم بالامتناع، والاّ للزم لغویة الاستبراء .

الأمر الخامس: بالاجماع المحکی قائمٌ علی صحة طلاق الحامل، مع رؤیتها للدم کما أنّ الاجماع قائم أیضا علی عدم صحة طلاق الحائض، فیستکشف من الاجماعین عدم تحقق الحیض مع الحمل.

لکن نقول: بامکان أنْ یکون هذا خارجا عمّا یدل علی بطلان طلاق الحائض، أی یصح طلاق الحامل ولو کانت حائضا، وانّما قام الاجماع علی عدم صحة طلاق هو من لا تکون حاملاً، فیکون طلاقها صحیحا، نظیر صحة طلاق الغائب،

ص:254

وبناءً علی هذا یصحّ الاجماع المذکور دون أن یمنع عن اجتماع الحیض مع الحمل، کما هو واضح .

الأمر السادس: قیل یجوز فی هذا المقام التمسک بالاصول الحکمیة، مثل اصالة عدم الحیض، واصالة بقاء التکلیف بالعبادات الثابتة علیها قبل رؤیة الدم، واستصحاب بقاء ما لها من الأحکام من جواز الدخول فی المساجد و قراءة العزائم وجواز الوطی وأمثال ذلک، ولعلّ هذا هو مراد صاحب الجواهر من الاشارة الی قاعدة الیقین، واللّه العالم .

و الجواب عنه: «کما عن المحقق الآملی وغیره» أنّ هذه الاصول محکومة باصالة بقاء ملکة الحیض، واستعداد المرأة وقابلیتها قذف الدم فی حال الحمل، فانها أصلٌ موضوعی حاکم مع الاصول الحکمیة، مضافا الی أنّه لا وجه للمتمسک بالاصول، مع وجود الأخبار والادلة الاجتهادیة، کما سنشیر الیه إنْ شاءاللّه.

فاذا عرفت الاشکال فی القول الاول، من عدم تمامیة ادلّتهم، فلا بأس بصرف عنان الکلام والاستدلال علی القول الثانی الذی هو الاقوی عندنا وعند کثیر من الفقهاء من المتقدمین والمتاخرین، والدلیل عی هذا القول «مضافا الی ما عرفت من دعوی الاجماع من السیّد المرتضی قدس سره ، وفی «الناضریات» وهو خیرته وخیرة «الفقیه» و«المنتهی» و«المختلف» و«القواعد» و«الدروس» و«التنقیح» و «جامع المقاصد» والسید فی «العروة»، وکثیر من اصحاب التعلیق، وهو المشهور المنصور نقلاً وتحصیلاً، کما فی «الجواهر» : «بل قد عرفت أنّ مقتضی الاصل والاستصحاب، بقاء قابلیتها للحیض بعد الحمل» .

هو دلالة أخبار مستفیضة _ لو لم تکن متواترة لکثرتها وقوة دلالتها _ علی امکان الجمع بین الحمل والحیض، وصحة أسانید کثیر منها وهما :

ص:255

منها: صحیحة عبداللّه بن سنان، عن أبی عبداللّه علیه السلام : «أنّه سأل عن الحُبلی تری الدم، أتترک الصلاة؟ فقال: نعم، إنّ الحبلی ربما قذفت بالدم»(1) .

و منها: صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سألت أبا الحسن (أبا ابراهیم) علیه السلام عن الحُبلی، تری الدم وهی حامل کما کانت تری قبل ذلک فی کلّ شهر، هل تترک الصلاة؟ قال: تترک الصلاة إذا دام»(2) .

فان کلامه علیه السلام کان لاجل اخراج ما یکون أقلّ من ثلاثة أیّام، حیث لا یمکن أنْ یکون حیضا، وأیضا لافهام أنّه یمکن أنْ یجتمع مع الحمل أیضا .

و منها: صحیحة صفوان، قال: «سألتُ أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الحُبلی تری الدم ثلاثة أیّام أو اربعة أیّام، تُصلّی؟ قال: تُمسک عن الصلاة»(3) .

و منها: صحیحة محمد بن مسلم، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال: «سألته عن الحُبلی تری الدم کما کانت تری أیّام حیضها مستقیما فی کلّ شهر؟ قال: تمسک عن الصلاة، کما کانت تصنع فی حیضها، فاذا طهرت صلت»(4) .

فان دلالتها ظاهرة فی رؤیة الدم بصورة الحیض، مضافا الی معهودیّة الدم بالألف واللام، وورد قوله: «کما کانت تری حیضها» مع ما اشار فی الذیل بقوله «تصنع کما تصنع الحائض» فان جمیعها تدل علی المطلوب .

و منها: حسنة سلیمان بن خالد، قال: «قلت لأبی عبداللّه علیه السلام جعلتُ فداک، الحبلی ربما طمثت؟ قال: نعم ، وذلک أنّ الولد فی بطن اُمّه غذائه الدم، فربما کثر


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .
4- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 7 .

ص:256

ففضل عنه، فاذا فضل دفقته، فاذا دفقته حرمت علیها الصلاة»(1) .

و منها: مرسل محمد بن مسلم، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال: «سألته عن الحبلی قد استبان حبلها، تری ما تری الحائض من الدم؟ قال: تلک الهراقة من الدم، إنْ کان دما أحمر کثیرا فلا تصلی، وإنْ کان قلیلاً أصفر فلیس علیها الا الوضوء»(2) .

فان قوله: «تری ما تری الحائض من الدم» اشارة الی کون الدم بصفات الحیض وشرائطه، فیسأل أنّه فی هذه الصورة هل یترتب علیه أحکامه أم لا؟ فاجابه علیه السلام بان الدم اذا کان واجدا للصفات فانه یترتب علیه حکم الحائض والاّ فلا .

بل قد یدل علی امکان الجمع بین الحمل والحیض، صحیحة أبی المغرا: «قال: سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن الحُبلی قد استبان ذلک منها، تری کما تری الحائض من الدم؟ قال: تلک الهراقة، إنْ کان دما کثیرا فلا تُصلیّن، وإنْ کان قلیلاً فلتغتسل عند کل صلاتین»(3).

ولعلّ المقصود من الکثرة والقلة، کون الدم مستمرا ثلاثة أیّام متوالیات، وهو أقلّ أیّام الحیض، والاّ فان الدم دمُ استحاضة.

ولعل هذا هو المراد ممّا رواه أبی المغرا عن اسحاق بن عمّار، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة الحبلی، تری الدم الیوم والیومین؟ قال: إنْ کان دما عبیطا فلا تُصلی ذینک الیومین، وإنْ کان صفرة فلتغتسل عند کل صلاتین»(4) .

لوضوح أنّ الدم لیوم واحد أو الیومین وإذا لم یعدّ مثالاً علی اراقة الدم، ولم


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 14 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 16 .
3- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
4- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:257

یبلغ الی ثلاثة أیّام، لا یکون حیضا الاّ عند من لا یشترط التوالی فیه الی ثلاثة أیّام، کما لا یخفی .

کما قد یؤید ما ذکرناه مضمرة سماعة، قال: «سألته عن امرأة رأت الدم فی الحبل؟ قال: تقعد أیّامها التی کانت تحیض، فإذا زاد الدم علی الایام التی کانت تقعد استظهرت بثلاثة أیّام، ثم هی مستحاضة»(1) .

الأخبار الدالة علی ذلک فی الحُبلی أکثر ممّا ذکرناه، من ذلک مثل مرسلة حریز(2) وخبر أبی بصیر(3)، خاصة اذا لاحظنا التفصیل والبسط الموجود فی هذه الاخبار، فان هذه الکثرة والتفصیل دلیلٌ حیٌ علی امکان اجتماع الحمل مع الحیض، وهذا ما یزید فی استغرابنا أنّه برغم هذه الأخبار الکثیرة یفهم المتامل فیهما فمع وجود هذه الاخبار الکثیرة الدالة علی امکان ادّعی المحقق رحمه الله فی «النافع»: أنّ عدم الاجتماع هو الذی علیه الأشهر فی الروایات !

فمع وجود هذه الاخبار الکثیرة الدالة علی الحیضیة، من دون اشارة الی التفصیل _ الذی وقع فی کلام الشیخ فی «التهذیب»، ومال الیه المحقق فی «المعتبر»، وقواه صاحب «المدارک» وهو اختصاص الحیضیة بما إذا رأته فی أیّام العادة، أو مع التقدم بتعلیل، دون ما إذا تأخر عن العادة بعشرین یوما _ یوجب الظن القوی _ بل الاطمینان _ للفقیه علی عدم صحة هذا التفصیل، والاّ لاستلزم التنبیه علیه فی الأخبار التی وردت فی مقام بیان المسائل التی تعم بها البلوی، وکان المقام مقام حاجة وبیان، حیث لا یجوز ینبغی للامام علیه السلام أن یؤخر البیان عن وقت حاجة المکلف، کما لا یخفی .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 11 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 9 .
3- وسائل الشیعة : الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 10 .

ص:258

نعم قد اشیر الی ذلک فی خبر صحیح وهو روایة الحسین بن نعیم الصحّاف، قال: «قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : إنّ اُمّ ولدی تری الدم وهی حامل، کیف تصنع بالصلاة؟ قال: فقال لی: إذا رأت الحامل الدم، بعد ما یمضی عشرون یوما من الوقت الذی کانت تری فیه الدم، من الشهر الذی کانت تقعد فیه، فانّ ذلک لیس من الرحم، ولا من الطمث، فلتتوضأ وتحتشی بکرسفٍ وتُصلّی. واذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الذی کانت تری فیه الدم بقلیل، أو فی الوقت من ذلک الشهر، فانّه من الحیضة، فلتمسک عن الصلاة عدد أیّامها التی کانت تقعد فی حیضها، فإنْ انقطع عنها الدم قبل ذلک، فلتغسل ولتصلّ الحدیث»(1).

حیث ورد فیه التفصیل بما قد عرفت.

وقد جعله الشیخ شاهد جمع بین الطائفتین من الأخبار وذلک بأنّ عدم الاجتماع یکون فیما إذا کان الدم قد مضی علی دفقه عشرین یوما، أو قد استبان منها الحمل، وما یدلّ علی جواز الاجتماع هو ما اذا رأته قبل مضی عشرین یوما، أو لم تستبن منها الحمل.

هذا کما اختاره الشیخ فی «الخلاف» بالنسبة الی الاستبانة وعدمه .

و لکن لا یخفی ما فیه من البُعد، لعدم وجود شاهد علی کون الاستبانة فی کل الافراد علی هذا المقدار، اذ أنّ لازم ذلک عدم استبانته حتّی لو کان بأقلّ من عشرین یوما أو نصفه، علی ما هو مقتضی التحدید، وهو کماتری من البعد .

مضافا الی معارضته مع ما یدل علی الحکم بالحیضیة، حتّی بعد الاستبانة، مثل ما عرفت من روایة أبی المغرا، من قوله: «عن الحُبلی قد استبان ذلک منها، تری کما تری الحائض من الدم؟ قال: الهراقة ان کان دما کثیرا فلا تصلین» الحدیث .


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:259

أو مع الیأس ، أو قبل البلوغ (1).

وخبر محمّد بن مسلم: «عن الحُبلی قد استبان حبلها، تری ما تری الحائض من الدم؟ قال: تلک الهراقة إنْ کان دما أحمر کثیرا فلا تُصل، الحدیث» .

فلا یبعد حمل صحیحة الصحاف علی الغالب، أی کون الغالب فی الحبلی ذلک، فلا ینافی امکان ا لاجتماع بعد مضی عشرین یوما فی بعض النساء، خصوصا إذا کانت صغیرة کما هو الحال فی نساء العرب وغیرهنّ ممن یسکنّ فی المناطق الحارة.

فهذا التفصیل غیر مقبول عندنا، واللّه العالم .

ولکن الاحتیاط فیه یقتضی أن تجمع العمل بین تروک الحائض واعمال المستحاضة، خصوصا مع ملاحظة اعراض المشهور عن الافتاء به، مع کون سنده ودلالته نقیّة صحیة ولها القدرة علی تقیید الاخبار المطلقة السابقة الذکر.

ویحتمل أن یکون حکم اصحابنا من جهة مشاهدة أن کثیرا من النسوة تتدفق منهن الدم المشابه لدم الحیض بعد مضی عشرین یوما، مع کونه واجدة لصفات الحیض.

الاّ أنّه مع ملاحظة الاخبار الدالة علی لزوم مراعاة الصفات والعادة، یشکل القول بعدم کونه حیضا، ولأجل ذلک نقول بالاحتیاط الوجوبی أیضا فی الدم الواجد للصفات، من الجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة، واللّه العالم بحقائق الامور .

(1) لما قد عرفت منا سابقا _ کما علیه صاحب «الجواهر» والسیّد فی «العروة» وکثیر من أصحاب التعلیق علیها _ بانّ کل دم لم یکن دم حیض ولا نفاس وتعلم أو لا یعلم بکونه من دم القروح والجروح، یحکم بکونه من الاستحاضة، لأنّ الأخبار الواردة تفید علی نفی الحیضیة والنفاس عنه ممّا یستلزم الحکم بکونه استحاضة، هذا فضلاً عن غلبة الاستحاضة فی النساء،

ص:260

واذا تجاوز الدم عشرة أیّام ، وهی ممّن تحیض ، فقد امتزج حیضها بطهرها ، فهی إمّا مبتدأة ، أو ذات عادة مستقرة ، أو مضطربة (1).

بحیث تکون طبیعة ثانیة لهن، کما أنّ اصالة عدم وجود سبب غیرها، یوجب الاطمینان للفقیه من الحکم بکون ما تراه المرأة قبل البلوغ، أو بعد الیأس استحاضة، کما أشار الیه المصنف، وتبعه جماعة من الفقهاء، کما فی «الارشاد» و«القواعد» و«النافع» و«التحریر» و«جامع المقاصد» و«کشف اللثام» و«الریاض» فی أحدهما أو کلیهما، مضافا الی أنّه إنْ قلنا بانحصار الدماء فی الأوصاف الخمسة، فانه یوجب التعیّن فیها، بعد ثبوت أنّه لم تکن من الأربعة، کما لا یخفی ولا حاجة حینئذ الی قیام دلیل علی ذلک، خلافا لما یظهر من صاحب «المدارک» حیث قال: لا یحکم بها الاّ إذا قام بها الدلیل .

فی الاستحاضة / ما تراه المرأة مع الیأس أو قبل البلوغ

و لکن الظاهر من بعض الاشکال فی کونه استحاضة، بالنسبة الی الصغیرة _ کما فی «القواعد» _ للاقتصار بذکر الیائسة، ولوجود الشبهة فی أصل قابلیتها للاستحاضة، کما قد یتوهم نفس الاستحاضة فیهما من جهة ملاحظة اطلاق الأخبار، وکلمات الأصحاب تحیضها بأیامها أو بالتمیّز أو نحوهما، حیث لا ینطبق الاّ بما بین سن البلوغ والیأس.

کما قد یؤید هذا الاحتمال مما جاء فی اطلاق کلمات الأصحاب من تقسیم المستحاضة الی المبتدأة والمعتادة والمضطربة.

ولکن قد عرفت أنّ الحق هو الحکم بالاستحاضة مطلقا، فی المورد الذی سبق منا بیانه، واللّه العالم .

(1) و المبتدأة، امّا تکون بکسر الدال أو بفتحها، فعلی الأوّل اذا ابتدأت المرأة بالدم، بأن تکون المرأة بصورة المعلوم للفاعل، والدم للمفعول، أو أنْ یکون بعکس ذلک، بأن یکون الاسناد للدم بالفاعلیة، وللمرأة بالمفعولیة.

ص:261

فالمبتدأة : ترجع الی اعتبار الدم ، فما شابه دم الحیض فهو حیضٌ ، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة (1).

وکیف کان، فانّ ظاهر کلام المصنف هنا وفی «المعتبر»، کون المراد من المبتدأة، هی التی لم تسبق بحیض، أی المبتدأة بالمعنی الاخص.

وعلی هذا التقدیر تکون المضطربة أعمّ من الناسیة، أو من لم تستقر لها عادة.

ولکن الظاهر من کلام المصنف، هو اختصاص المضطربة بالناسیة. فی أقسام المرأة التی تری الدم إذا تجاوز العشرة

هذا، کما فی «الجواهر»، ولعلّه استفاد هذا الظهور من جعل المضطربة بعد ذات العادة المستقرة، فتصیر المضطربة التی لم تکن کذلک _ أی کانت ناسیة للعادة بالوقت أو بالعدد أو هما معا _ لاضطرابها من جهة النسیان، فیطلق علیها ذلک، بل قد یقال لها ویطلق علیها المتحیّرة .

فلازم ذلک کون المبتدأة _ بصورة الاعمّ _ هی التی لم تسبق بالحیض، أو التی لم تستقر لها عادة، وإنْ سبق رؤیتها الحیض.

ولکن الانصاف أنّ ادخال القسم الثانی منهما فی المضطربة، وجعلها أعمّ کان أولی مِنْ جعل المبتدأة کذلک، وإنْ کان اعمیّة المبتدأة بکلا قسمیها اولی عند بعض الاصحاب، بل فی الرویة أنّه الأشهر، وفی «المسالک» أنّه المشهور.

والمسألة واضحة، ولا ثمرة فی مثل ذاک هذا الاختلاف، لعدم تعلیق الأحکام فی الأخبار علی لفظ المبتدأة، حتّی یلیق بنا اطالة البحث عنه، اذ الحکم تابع للدلیل دون مجرد الاصطلاح، حتّی یترتب علیه فائدة، وإنْ کان ظاهر کثیر من کلمات الاصحاب ارادة الثانی، لأنّ من لم تستقر لها عادة تعدّ من المبتدأة .

فی حکم المبتدأة

(1) وبعبارة اخری فان کلام المصنف یفید رجوع المبتدأة فی تشخیص الحیض عن الاستحاضة الی صفات الدم، وهذا هو الظاهر المستفاد من

ص:262

«المبسوط» و«الوسیلة» و«السرائر» و«الجامع» و«المعتبر» و«النافع» و«القواعد» و«المنتهی» و«التحریر» و«الدروس» و«البیان» و«جامع المقاصد» وغیرها من مصنفات المتأخرین مثل صاحب «الجواهر» والمحقق الهمدانی والآملی، وصاحب «العروة»، وکثیر من أصحاب التعلیق لولا الکل، بل لا أجد فیه خلافا بین المتأخرین، بل فی «المعتبر» نسبته الی فقهاء أهل البیت علیهم السلام ، و«المنتهی» و«التذکرة» الی علمائنا، مع زیادة أجمع فی الاخیر ودعوی انعقاد الاجماع علی المبتدأة، والقدر المتیقن منها هو المعنی الأخصّ، أی من لم یسبق بحیض وهو المستفاد من اجماع الفرقة المحکیّ فی «الخلاف» .

فی الاستحاضة / فی حکم المبتدأة إذا تجاوز الدم عشرة أیّام

وهذا أحد الأقوال فی المسألة وفی مقابله اقوال أخری:

منها: قول صاحب «الحدائق» رحمه الله ، حیث قال: «المستفاد من خبر یونس، ومن الأخبار لمن استمر بها الدم بالرجوع الی العشرة فی الدور الاوّل، والی الثلاثه فی الدور الثانی» .

و منها: قول ابن زهرة فی «الغُنیة» من عدم ذکر التمییز للمبتدأة، بل جعل مدارها علی أکثر الحیض وأقل الطهر .

و منها: قول أبی الصلاح فی «الکافی»، من جعل مدار المبتدأة عادة نسائها، وکذا المضطربة التی لا تعرف زمان حیضها من طهرها.

لکن ذکر فی الثانیة أنّها إنْ لم یکن لها نساء تعرف عادتهن، لاحظت صفة الدم.

هذا کله علی حسب نقل صاحب «الجواهر» فراجع کلامه(1) .

و لکن الأقوی عندنا، هو القول الاوّل فی المبتدأة بالمعنی الأخص، بل لا یبعد کون الأمر کذلک فیها بالمعنی الاعمّ أیضا، بل فی المضطربة بمعنی الناسیة أو


1- الجواهر: 3/270 .

ص:263

الاعمّ منها، کما سیاتی الاشارة الیه إن شاء اللّه تعالی .

والدلیل علی ذلک _ مضافا الی ما عرفت من الاجماع المنقول، بل المحصل، لندرة نقل الخلاف فیه، ولا أقلّ من الشهرة العظیمة التی کادت أنْ تکون اجماعا _ وجود الأخبار المعتبرة المستفیضة علیه.

منها: صحیحة معاویة بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه علیه السلام : إنّ دم الاستحاضة والحیض لیس یخرجان من مکان واحدٌ إنّ دم الاستحاضة بارد، وإنّ دم الحیض حارّ»(1) .

منها: صحیحة حفص البختری، قال: «دخلتْ علی أبی عبداللّه علیه السلام امرأة فسالته عن المرأة، یستمر بها الدم، فلا تدری حیضٌ هو أو غیره؟ قال: فقال لها: إنّ دم الحیض حارّ عبیط أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فاذا للدم حرارة ودفع وسواد، فلتدع الصلاة. قال: فخرجت وهی تقول، واللّه أنْ لو کان امرأة ما زاد علی هذا»(2) .

منها: روایة اسحاق بن جریر، قال: «سألتنی امرأة منّا أنْ أدخلها علی أبی عبداللّه علیه السلام ، فاستأذنت لها، فاذن لها، فدخلتْ. الی أنْ قال: فقالت: له ما تقول فی المرأة تحیض، فتجوز أیّام حیضها؟ قال: إنْ کان أیّام حیضها دون عشرة أیّام، استظهرت بیوم واحد، ثم هی مستحاضة. قالت: إنْ الدم یستمر بها الشهر والشهرین والثلاثه، کیف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أیام حیضها، ثم تغتسل لکلّ صلاتین. قالت له: إنّ أیّام حیضها تختلف علیها، وکان یتقدم الحیض الیوم والیومین والثلاثه، ویتأخر مثل ذلک، فما علمها به؟ قال: دم الحیض لیس به


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:264

خفاء، هو دمٌ حارٌّ تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد. قال: فالتفت الی مولاتها فقالت: أتراه کان امرأة مرّة»(1) .

فان هذه الروایات تدل علی أنّ دم الحیض له خصوصیّة وعلامة یمتاز بهما عن دم الاستحاضة، بلا فرق بین کون المرأة ذات عادة أم لا، مبتدأة کانت أم لا، مضطربة کانت أم لا، فاطلاقها یشمل جمیع أقسامها إذا فرض للدم تمییز من حیث الصفات، خصوصا بالنظر الی الروایة الثالثة، حیث أجاب الامام علیه السلام علی نحو الحکم الکلّی بأنّ دم الحیض لیس به خفاء، أی مع وجود الصفات المتفاوته فی الدم، إذا استمر منها الدم، ولو کانت مبتدأة و لو بالمعنی الأعمّ، کما لا یخفی .

فانّ هذه الأخبار مع اعتبار سندها، واشتمالها علی ما هو کالمعجز، واعتضادها بما سمعت من الاجماعات أو الشهرة العظیمة الحاصلة من تتبع کلمات الأصحاب، یوجب الاطمینان للفقیه فی مقام الفتوی بذلک، خصوصا مع ملاحظة عدم وجود معارض صریح فی ذلک ، سوی ما قد یتوهم من ذیل مرسلة یونس الطویلة، والمتوهم هو صاحب «الحدائق»، ولعلّ موضع التوهم من الروایة، قوله علیه السلام : «وامّا السنة الثالثة، فهی التی لیس لها أیّام متقدمة، ولم تر الدم قط، ورأت اوّل ما أدرکت فاستمر بها، فان سنّته هذه غیر سنّة الاولی والثانیة، وذلک أنّ امرأة یقال لها حمنة بنت جَحْش، أتت رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقالت: إنّی استحضتُ حیضة شدیدة؟ فقال: احتشی کرسفا. فقالت: إنّه أشدّ من ذلک، إنّی اشجه شجا. فقال: تلجمی وتحیّضی فی کلّ شهر فی علم اللّه ستة أیّام أو سبعة أیّام، ثم اغتسلی غُسلاً وصومی ثلاث وعشرین یوما أو أربعة وعشرین، الحدیث»(2).


1- وسائل الشیعة: الباب 30 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:265

حیث أنّ هذه الجملات التعابیر الواردة منها تختص بالمبتدأة، حیث أمر فیها بالرجوع الی الستة أو السبعة فی الحیض، والی ثلاث وعشرین أو اربعة وعشرین فی الاستحاضة .

ثم جعل الرجوع الی التمییز بالصفات للمضطربة، التی کانت لها أیام متقدمه، ثم اختلط علیها من طول الدم، تمسکا لذلک بهذه الفقرة من الروایة التی مرّت علیک وهی قوله علیه السلام : «و أمّا سنة التی قد کانت لها أیّام متقدمة، ثم اختلط علیها من طول الدم، فزادت ونقصت، حتّی اغفلت عددها وموضعها من الشهر، فان بنیتها غیر ذلک، وذلک أنّ فاطمة بنت أبی حبیش أتت النبی صلی الله علیه و آله فقالت: إنّی استحاض ولا اطهر. فقال لها النبی صلی الله علیه و آله لیس ذلک بحیض، إنّما هو عرق، فاذا أقبلت الحیضة فدعی الصلاة، واذا أدبرت فاغسلی عنکِ الدم وصلّی، الحدیث»(1) .

و لأجل ذلک ذهب صاحب «الحدائق» الی خلاف ما ذهب الیه المشهور، مع أنّ الخبر مضافا الی کونه مرسلاً ولا یقاوم مثله بتلک الاحادیث التی قد عرفت اعتبارها، وقوة دلالتها، أنّه معرضٌ عنها عند الاصحاب، ومعلوم أنّ اعراضهم یوجب وهن الروایة المعتبرة، فضلاً عن کونه مرسلة.

مع أنّ التامل فی الروایة _ صدرا وذیلاً _ یفهم أنّ حکم المضطربة و المبتدأة من حیث حکم الحیض والاستحاضة، یکون حکما واحدا، کما صرح بذلک الوحید البهبهانی فی «شرح المفاتیح»، فیکون الملاک الحکم أولاً بالتمّییز بالصفات، ثم الرجوع الی الروایات .

وممّا یزید الحکم وضوحا قوله فی ذیل الحدیث: «وإنّ اختلطت علیها أیّامها، وزادت ونقصت، حتّی لا تقف منها علی حدّ ولا من الدم لون، عملت باقبال الدّم


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:266

وإدباره، ولیس لها سنة غیر هذا، لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله : إذا اقبلت الحیضة فدعی الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلی، ولقوله صلی الله علیه و آله : إنّ دم الحیض أسود یُعرف، کقول أبی: إذا رأیت الدم البحرانی وانْ لم یکن الأمر کذلک، ولکن الدم اطبق علیها، فلم تزل الاستحاضة دَرّة، وکان الدم علی لون واحد، وحالة واحدة، فبسبتها السبع والثلاث والعشرون، لأن قصتها کقصة حمنة حین قالت انی أشجه شجّا» انتهی .

فانت تری کیف جعل سنة السبع والثلاث والعشرین، لمن کان دمها علی لون واحد وحاله واحدة وطبق علیها قصتة حمنة بنت جحش، بلا فرق بین کونها مضطربة أو مبتدأة، کما لا یخفی.

فتصیر هذه العبارة فی الذیل قرینة علی کون المراد من الصدر أیضا مثل ذلک، فلا تکون الروایة معارضة مع تلک الاخبار .

مضافا الی ما قاله الشیخ الانصاری قدس سره فی کتاب «الطهارة» _ ونعم ما قال _ : «من أنّ المستفاد من تلک الأخبار أنّ تمیّز الحیض عن الاستحاضة أمرٌ مرکوز فی اذهان النساء، ومن المسلّمات عندهن بالتجربة والاعتبار، وحینئذ یجب التمییز بها لصدق الحیض علی ذی الصفة، وسلبه عن فاقدها عرفا. وهکذا ثبت تطابق العرف والشرع علی أنّ الأصل فی غیر المعتادة، الرجوع الی الصفات عند الاشتباه»، انتهی کلامه.

بل یستفاد من کلامه رحمه الله عدم خصوصیّة للصفات المذکورة فی الروایة، بل العبرة بما یمتاز به الحیض عن غیره من الصفات، ولو لم تکن الصفات المذکورة موجودة فیها وإنّما کان ذکر هذه الصفات لغلبة اتصاف الحیض بها، وکونها أظهر اوصافه . هذا کلّه لو سلّمنا ظهور الروایة المرسلة فیما قلنا، الموجب لموافقتها للأخبار السابقة.

وإنْ ابیتم وادّعیتم ظهورها بالرجوع الی الروایات فی المبتدأة، سواء کانت لها

ص:267

تمیزا فی صفات الدم أو لم تکن، و کانت ذات دم مستمر بلون واحد وحالة واحدة، فان غایة ما یلزم ذلک حدوث تعارض الظهورین، لأن ظاهر تلک الأخبار هو الاطلاق ویفید لزوم الرجوع الی الصفات مطلقا، أی حتّی فی المبتدأة، فلازم التعارض فی المبتدأة ذات العادة والدم المتمیّز، التی کانت مورد التصادق، والتعارض یکون من باب حمل کل منها علی أظهر أفراده، وعلی القدر المتیقن منه، فالمستفاد من الأخبار المبتدأة ما کانت ذات تمییز، والمستفاد من الروایة المبتدأة إذا کانت ذات دم مستمرة بلون واحد وحالة واحدة فیحمل کلّ منهما علی أظهر افرادها. مع أنّه لو سلّمنا تعارضهما فی مورد المبتدأة التی لها دمٌ قابل للتمییز، فانّه لا اشکال فی تقدیم الأخبار علی المرسلة، وذلک من جهة کثرتها وقوة دلالتها وقوة اعتبار سندها، وکونها معتضدة بالاجماع والشهرة وأمثال ذلک، کما لا یخفی مع المتأملّ .

فبواسطة هذه الروایات، نرفع الید عن اطلاق بعض الاخبار الموثقة الواردة فی المبتدأة من الأخذ بأکثر أیّام الحیض وهو العشرة، وأقل أیّام الطهر، ولعلّ منه روایة موثقة ابن بُکیر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «المرأة رأت الدم فی أول حیضها، فاستمر بها الدم، ترکت الصلاة عشرة، ثم تُصلّی عشرین یوما، فانْ استمر بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة ثلاثة و صلّت سبعة وعشرین یوما»(1) .

و هذه الروایة هی التی تمسک بها صاحب «الغنیة».

ومنها: روایة اخری رواها عبداللّه بن بکیر، قال: «فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم، فتکون مستحاضة، أنّها تنتظر بالصلاة فلاتُصلّی حتّیتمضی أکثرمایکون من الحیض، فاذامضی ذلک وهو عشرة أیّام، فعلت ما تفعله


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .

ص:268

بشرط أنْ یکون ما شابه دم الحیض ، لا ینقص عن ثلاثة ، ولا یزید عن عشرة (1).

المستحاضة، ثم صلت، فمکثت تُصلّی بقیة شهرها، ثم تترک الصلاة فیالمرة الثانیة أقلّ ما تترک امرأة الصلاة، وتحبس أقلّ ما یکون من الطمث، وهوثلاثة أیّام، فان دام علیها الحیض صلّت فی وقت الصلاة الّتی صلت، وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر، وترکها للصلاة أقلّ ما یکون من الحیض»(1).

ومنها: و هکذا موثقة سماعة، قال: «سألته عن جاریة حاضت أول، فدام دمها ثلاثة أشهر، وهی لا تعرف أیّام اقرائها؟ فقال: أقرائها مثل أقراء نسائها، فان کانت نسائها مختلفات، فأکثر جلوسها عشرة أیّام، وأقلّه ثلاثة ایام»(2) .

فان هذه الأخبار تُحمل علی ما لم تکن للمرأة المبتدأة تمیّیز من الصفات، فحینئذٍ یمکن الالتزام فی مثل هذا المورد من الامور من الرجوع الی عادة نسائها، أو الی الروایات، واللّه العالم .

(1) ورد ذکر هذین الشرطین عند الرجوع الی التمییز، فی کلام جماعة کثیرة من فقهائنا کالشیخ فی «المبسوط»، والمحقق فی «المعتبر»، والعلامة فی «المنتهی» و «القواعد» و«التحریر» و«الذکری»، والشهید الأول فی «الدروس» و«البیان»، والمحقق الثانی فی «جامع المقاصد»، بل وأصحابنا فی کلمات أصحابنا المتأخرین کصاحب «الجواهر» والمحقق الهمدانی، والآملی فی «مصباح الهدی»، والسید فی «العروة»، وکثیرٌ من أصحاب التعلیق علیها، بل


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:269

کلهم. بل فی «التذکرة» دعوی الاجماع علیه، کما أنّه یظهر ذلک من قول صاحب «المعتبر».

بل عن بعض نفی الخلاف فیه وذلک لما دلّ الدلیل علی أنّ أقلّ الحیض ثلاثه، وأکثره عشرة، وهذا الحکم مستفادٌ من النصوص والاجماعات الدالین علی اثبات الشرطیة لهذین الأمرین، ولزوم الرجوع الی الصفات والتمییز، فیما کان الدم قابلاً لأن یحکم علیه بالحیضیّة، وهو لا یکون الاّ إذا کان الدم أکثر من الثلاثه _ أو نفس الثلاثة _ ومن دون أن یتجاوز سیلانه العشرة .

و فی مقابل هذین الشرطین قد یفرض فرضین:

الأول: أن یقال بلزوم التحیّض ولو کان الدم أقلّ من الثلاثة کالیومین والیوم الواحد إذا کان الدم قویا بصفة الحیض، وهکذا فی الزائد عن العشرة إذا کان قویّا، من دون ملاحظة التکمیل فی الاوّل ولا التنقیص فی الثانی.

ولازم هذا الاشتراط، عدم کون الناقص بوصف یصف نقصانه، ولا الزائد یوصف زیادته حیضا.

ومعلومٌ أن هذا الشرط ممّا لا خلاف فیه، الاّ عن صاحب «الحدائق» قدس سره ، حیث قال بان لزوم الرجوع الی الصفات والتمییز مطلقٌ أی الا سواء کان أقلّ من الثلاثة أو أکثر من العشره، وذلک لما ورد فی بعض الأخبار _ مثل مرسلة یونس الطویلة _ بأنّ ما شابه دم الحیضٌ، حیض قلیلاً کان أم کثیرا، وحمل الأخبار الدالة علی أنّ أقلّ الحیض ثلاثة وأکثره عشرة علی غیر هذا المورد .

وفیه: أنّه ضعیفٌ ومردود، مضافا الی ما عرفت من مخالفة قوله للاجماع والشهرة، بل مخالفته للأخبار المطلقة الدالة علی لزوم رعایة التحدیدین فی الحیض، فی طرف الأقل بالثلاثة، وفی طرف الأکثر بالعشرة .

هذا فضلاً عن أنّ اخبار الصفات لا تدل علی قصده، لانها باطلاقها وردت فی

ص:270

مورد التمییز بالصفات من الحیض عن الاستحاضة بعد احراز قابلیّة الدم لکونه حیضا باستجماعه للشرایط.

وبذلک یظهر أنّ المراد من القلیل والکثیر الواردین فی المرسلة، هو القلیل والکثیر القابلین لقبول الحیضیة، لا ما اذا کان سیلان الدم مدة یسیرة مثل الساعة أو الساعتین، کما یلاحظ هذا الشرط بالنسبة الی الدم المرئی قبل البلوغ وبعد الیأس، حیث لا یلاحظ فیهما الصفات، لأجل فقد أصل الشرطة، وهو کون الدم بعد البلوغ وقبل الیأس، فهکذا یکون الأمر فی المقام أیضا.

الثانی: جعل الأقلّ من الثلاثة حیضا، مع فرض تکمیله بما هو فاقد للصفات، حتّی یصیر ثلاثا وأزید، و جعل الزائد عن العشرة استحاضة، لکن مع الاقتصار فی الحیضیّة علی العشرة، وحذف الزائد عنها وجعله استحاضة، ولو کان بصفة الحیض بیان القولین: أحدهما: للشیخ فی «المبسوط»، حیث اعتبر ذلک فی طرف الزیادة مع التنقیص، أی یحکم للزائد عن العشرة بأن العشرة حیض والزائد استحاضة، ولو کان بصفة الحیض .

و الثانی: لصاحب «کشف اللثام» و«الریاض»، بالالتزام بما قاله الشیخ فی الأثر، وفی طرف الناقص بالتکمیل، فلو رأت الدم فی یومین علی صفة الحیض، جعلته حیضا بشرط اکمالهما بیوم بعده، ولو کان الدم بصفة الاستحاضة .

و مرجع هذا الاختلاف الی أنّ مقتضی قول المشهور، بلزوم رعایة الشرطین، هو عدم الرجوع فی الناقص عن الثلاثة وفی الزائد عن العشرة الی عادة نسائها، إنْ کانت لهنّ عادة مفروضة، والاّ فانه یجب الرجوع الی الروایات دون الصفات والتمییز. ومقتضی قول الشیخ هو الرجوع الی الصفات فی ناحیة الأکثر، مع تنقیصه عن العشرة، وفی طرف الأقلّ _ مثل قول المشهور _ بعدم الرجوع الی عادة نسائها، أو الی الروایات.

ص:271

ومقتضی قول «کشف اللثام» و«الریاض»، هو الرجوع الی التمییز والصفات فی الطرفین بما فیه صفة الحیض، وفی التکمیل والتنقیص بالرجوع الی عادة نسائهن أو الی الروایات، دون ما کان بصفة الحیض، حیث یکون رجوعا الی التمیّز والصفات فی الحکم بالحیضیة فی الأقل، مع تکمیله بالاستحاضة فی الأکثر عن العشرة .

فاذا عرفت الأقوال فی المسالة فانه ینبغی أنْ نلاحظ ادلّّتهم: فامّا دلیل قول المشهور _ حیث حکموا فی جواز الرجوع الی أدلة التمییز والصفات _ ملاحظة وجود الشرطین، و عدم کون الدم أقل من الثلاثه، ولا أکثر عن العشرة حیضا.

وامّا من کانت فاقدة للشرطین فهو ممن لا تمییز لها امّا لعقدها أو لاختلاط الحیض عندها مع الاستحاضة فلا یمکن فیها القول بالرجوع الی عادة النساء أو الی الروایات الواردة فیه، لأنّ ظاهر هذه الادلة لزوم الرجوع الی العادة فی النساء والروایات، کون کل واحد منهما علی حدّ مرجعا مع القابلیة، أی لا یمکن ملاحظة ذلک الاّ بعد عدم امکان الرجوع الی التمیّیز، لأجل فقده أو لاختلاطه مع الاستحاضة، لکثرة ما یشبه الحیض فیما کان قابلاً، فاذا کان الدم أقلّ من الثلاثة أو أکثر من العشرة، یکون خارجا عن أدلة التمیّیز، أی لا یعدّ وجود صفات الحیض فیهما امارة علی الحیض، حتّی یحکم فی صورة الأقلّ بالحیضیّة، وعلی تکمیلة بالاستحاضة، وفی صورة الأکثر بنقصانه عن الزائد علی العشرة بما یشابه دم الحیض بأنّه حیضٌ، بل یجب فی مثل ذلک عدم الرجوع الی عادة نسائهن أو الی الروایات، لعدم وجود الشرطیة فیه .

مضافا الی کون ذلک مؤیدة ومعتضدة باجماع الاصحاب تحصیلاً ومنقولاً، فلا یبقی حینئذ مورد للقول الثانی المنقول عن الشیخ، أو القول الثالث المنسوب للفاضل الهندی و صاحب «الریاض»، حیث استدلوا بأنّ ظاهر ادلة التحدید لا

ص:272

یقتضی الأزید، من عدم جواز الاقتصار فی التحیّض علی الأقل، بل لابد فی الحکم بالحیضیة من تکمیله الی الثلاثه، أی یترتب علیه حکم الحیض الی الثلاثه، وان کان الدم واجدا للصفات التی تکون امارة علی الحیض وهی کون الدم أقلّ من الثلاثة، وهکذا عدم جواز الحکم بتحیّض تمام الأکثر مع عدم تنقیص الزائد علی العشرة عنها، فانّ هذا لا یقتضی رفع الید عن التمیّز حتّی بالنسبة الی ما فیه علامة الحیض وصفته فی الأقل، ولا ما فیه ذلک بالنسبة الی الأقل عن العشرة، فلابد حینئذ من الرجوع الی عادة النساء أو الی الروایات، لتکمیل ما هو الناقص الی الثلاثة وتنقیص ما هو المتجاوز عن العشرة.

فبذلک یجمع بین ما یدل علی الرجوع بالتمیّز وأخذ ما یشابه الحیض حیضا، وما یشابه الاستحاضة استحاضة، وبین ما یدل علی تحدید الدم بانه حیضٌ، وذلک فیما اذا لم یکن قد نقص الدم عن الثلاثة ولا یزید علی العشرة .

و فیه ما لا یخفی، اوّلاً: إنْ ارید من التکمیل بالثلاثه فی طرف الأقل، تکمیله بواسطة ادلة التمییز، فهو مما لا یمکن یساعدة علیه، لأنّ المفروض فقدانه؛ حیث لا یکون فیه امارة الحیضیة علی الفرض، الاّ یوما، أو یومین، وانْ اُرید تکمیله بواسطة الرجوع الی عادة النساء مثلاً، أو الی الروایات، ربما یزید عن الثلاثة دون أن یضاف الیها، حتّی یقال بجعل ما هو الأقل من الثلاثة حیضا، وتکمیله بالثلاثة مما یشابه دم الاستحاضة، اذ لابد من ملاحظة عدد أیّام عادتهن، فربما تکون أربعة أو خمسة، وهو خلاف ما فرضه «کشف اللثام» و«الریاض» من التحدید بالأقلّ مع تکمیله بالثلاثه، بل وهکذا بالنسبة الی الأکثر، حیث أنّ الشیخ فی «المبسوط» جعل العشرة حیضا، والباقی استحاضة، لأجل التنقیص، مع أنّ مقتضی الرجوع الی عادة نسائهن فی العشرة، ربما یوجب الحکم بحیضیة ما هو أقلّ من العشرة، بأن تکون عادتهن ثمانیة أو سبعة أو غیرهما.

ص:273

فهذا الاستدلال لا یوافق مع شی ء من القولین، من صورتی الزیادة والنقیصة، کما لا یخفی .

وثانیا: أنّه کیف یقدّم حکم ما هو مقتضی مراعات أدلة التمیّز فی الطرف القوی، بجعل الناقص فی الطرف الضعیف حیضا، من تغلیب حکم جانب القوی علی الضعیف علی عکسه، بأن یقدّم حکم طرف الضعیف _ من الحکم بالاستحاضة _ علی الطرف القوی، وذلک بجعل کل دم تراها المرأة حتّی القوی منه استحاضة، اذ لا أولویة للاوّل علی الثانی، غایة الأمر کونهما امارتین، أحدهما امارة للحیضیة فی الطرف القوی، والاُخری امارة للاستحاضة، فتتعارضان وتتساقطان، فلا یترتب حکم احداهما، ولا أوّلویة لأحداهما علی الاُخری. فاثبات حکم الحیضیة لابدّ من دلیل اثباتی علیه، ومع عدمه فیحکم بکونه استحاضة، لما قد عرفت سابقا من أنّه اذا لم یکن الدم حیضا ولا نفاسا، یحکم بکونه استحاضة .

اللّهم إلاّ أنْ یقال فی سبب أولویة امارة الحیض فی القوی، علی امارة الاستحاضة الضعیف، بأنّ الترجیح فی ناحیة الاستحاضة بالحکم بکون جمیع الثلاثة استحاضة، یوجب خروج المورد عن ادلة التمییز، مع أن المفروض اختلاط الحیض بالاستحاضة، فلا یصح تمییزهما بجعل الجمیع استحاضة، لأنه طرح لادّلة التمییز، ولزوم الرجوع الی غیرها من عادة النساء أو الی الروایات .

هذا بخلاف ما لو حکمنا علی الناقص بالحیض، مع تکمیله من الأیام، وعلی الضعیف بالاستحاضة، الاّ فیما یحتاج الیه من التکمیل، فانه یوجب العمل بأدلة التمییز، من دون تقیید زائدٍ علی ما هو المعلوم فی کلّ من الضعیف والقوی، من لزوم وجود القابلیة الشرعیة فیه : هذا، مع امکان المنع من کون المقام من موارد تعارض الامارتین، لانه برغم صحة کون القوی امارة للحیضیة، الاّ أنّه لا یمکن

ص:274

فرض الضعیف امارة للاستحاضة، اذ الاستحاضة إنّما تکون فیما لو فقدت الامارة علی الحیضیّة، لا کونها مشتملاً علی امارة الاستحاضة، فلا یتصور هنا المعارضة بینهما .

و لکن التأمل فی المسألة، یقتضی القول بعدم تمامیة کون القوی فی طرف الأقل أو الأکثر إذا لم یبلغ الی الثلاثة وتجاوز فی الزائد عن العشرة امارة للحیضیّة لأنّ مقتضی الشرطیة بالأمرین _ من عدم کون الدم أقلّ من الثلاثة ولا أکثر من العشرة _ هو عدم اماریة الدم علی الحیض فی الأقل ولا فی الاکثر، والاّ فلولا ذلک لم یبعد دعوی کون الضعیف امارة علی الاستحاضة مثل القوی للحیضیة، لو کان الشرط موجودا فی کلیهما .

فدعوی عدم اماریة الضعیف علی الاستحاضة، لیس علی ما ینبغی، لما قد عرفت من دلالة بعض الأخبار علی اماریة بعض الصفات للاستحاضة.

هذا تمام الکلام فی الشرطین الواردین فی کلام المصنف فی الحیض، من ناحیة الأقلّ بالثلاثة، بأنْ لا یکون الدم أقلّ منها، ومن ناحیة الأکثر الی العشرة بأنْ لا یتجاوز منها .

و لکن الأصحاب لم یقتصروا علیهما فقط، بل اضافوا شرطا ثالثا الیها، و هو لزوم کون أقلّ الطهر عشرة، وقد یعبّر عنه فی بعض الکلمات _ کما فی «کشف اللثام» _ باشتراط عدم قصور الضعیف المحکوم بکونه طُهرا عن أقله وهو العشرة، وهذا هو المشهور، بل فی «کشف اللثام»: أنّه مما لا خلاف فیه، بل فی «الریاض»: أنّه حکی علیه الاجماع.

وهذا هو الاقوی عندنا، بل عند کثیر من أصحاب التعلیق علی «العروة»، مثل آیة اللّه البروجردی، والاصفهانی، والسید عبد الهادی الشیرازی وغیرهم، بل کذلک عند المحقق الهمدانی والآملی صاحب «مصباح الهدی»، وصاحب

ص:275

«الجواهر». هذا فیما لو کان المقصود امکان الحکم بحیضیّة الطرفین القویین مع الضعیف المتوسط، مثل ما لو رأت الدم أسودا غلیظا خلال ثلاثة أیّام، ثم الأصفر لثلاثة أیام، ثم الأسود لثلاثة أو أربعة أیام، ثم اصفرَّ واستمر علی ذلک، حیث یمکن الحکم بکون المجموع حیضا واحدا، حیث لا یخرج المجموع من القویین مع الضعیف المتخلل عن العشرة عن کونها دم واحد، فلا مانع فیه من الحکم بحیضیة المجموع .

فالمحتملات هنا فی مقام الثبوت أربعة: الأوّل: هو الذی عرفت من الحکم بکون المجموع حیضا واحدا، لامکان کون القویین حیضا، فیعقبهما الضعیف المتوسط، فیکون الضعیف هنا کالنقاء المتخلّل بین الدمین الّلذین لا یتجاوز المجموع عن العشرة، فلیس دم الضعیف هنا أقوی من النقاء، فاذا قلنا بالحاقه بالحیض إذا کان متخللاً بین الدمین الموصوفین بالعشرة، ففی الضعیف الموصوف بها تکون الحیضیّة أولی .

نعم، قد یدعّی وجود الفرق بین النقاء المتخلل وبین الدم الضعیف، لأجل أنّ النقاء غیر واجد لامارة الاستحاضة، فلا یحکم علیها، یحکم حینئذ بالحاقه بالحیضیة، بخلاف الضعیف، حیث أنّه واجد لامارة الاستحاضة.

قد یقال بالرجوع الی الصفات والتمییز، بأن یحکم فی القویین بالحیضیة، وفی الضعیف وغیر الفرض المذکور بالاستحاضة.

وقد نُسب هذا القول للشیخ وغیره علی ما فی «الجواهر»، حیث أفتی بمضمون خبر یونس بن یعقوب، وهو : «قال: قلتُ لأبی عبداللّه علیه السلام : المرأة تری الدم ثلاثة أیّام أو أربعة؟ قال: تدع الصلاة. قلت: فانها تری الطهر ثلاثة أیّام أو أربعة؟ قال: تُصلّی. قلت: فانها تری الدم ثلاثة أیّام أو أربعة. قال: تدع الصلاة. قلت: فانها تری الطهر ثلاثة أیّام أو أربعة؟ قال تُصلّی. قلت: فانها تری الدم ثلاثة

ص:276

ایّام أو أربعة؟ قال: تدع الصلاة، تصنع ما بینهما وبین شهر، فان انقطع عنها الدم، والاّ فهی بمنزلة المستحاضة»(1) .

و خبر أبی بصیر، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة تری الدم خمسة أیّام، والطهر خمسة أیّام، وتری الدم أربعة أیّام، وتری الطهر ستّة أیّام؟ فقال: إنْ رأت الدم لم تُصل، وإنْ رأت الطهر صلت ما بینهما وبین ثلاثین، یوما فاذا أتمت ثلاثون یوما فرأت دما صبیبا، اغتسلت واستشفرت و احتشت بالکرسف فی وقت کلّ صلاة، فاذا رأت صفرة توضأت»(2) .

هذا کما فی «الجواهر»(3) حیث نسبه الی الشیخ، ثم ذکر بعد نقله الخبرین، کلام الشیخ الّذی نقله صاحب «الوسائل»، قال: «قال الشیخ: الوجه فی هذین الخبرین، أنْ نحملها علی امرأة اختلطت عادتها فی الحیض، وتغیرت عن اوقاتها، ولم تتمیّز لها دم الحیض من غیره، أو تری ما یشبه دم الحیض أربعة أیّام، وتری ما یشبه دم الاستحاضة مثل ذلک؟ قال: ففرضها أنْ تترک الصلاة، کلّما رأت ما یشبه دم الحیض، وتصلّی کلما رأت ما یشبه دم الاستحاضة الی شهر. و قال المحقق فی «المعتبر»: هذا تأویلٌ لا بأس به. ولا یقال: الطهر لا یکون أقلّ من عشرة أیّام. لانا نقول: هذا، ولکن هذا لیس بطهر علی الیقین، ولا حیضا، بل هو دم مشتبه، فعمل فیه بالاحتیاط» انتهی.

انتهی کلام صاحب «الوسائل»(4) .

أقول: إنّ ما نسبه صاحب «الجواهر» الی الشیخ من الفتوی بمضمون الخبرین،


1- وسائل الشیعة: الباب 6 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 6 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .
3- الجواهر: 3/273 .
4- وسائل الشیعة: ج 2 / 545 .

ص:277

لیس هو الذی فرضناه فی البحث من کون الدم القویین والضعیف المتخلل بینهما لا یخرج عن العشرة، لوضوح أنّ ما فی الخبرین مرتبط بما یخرج عن العشرة، الذی هو القسم الثانی الذی سیأتی البحث عنه .

فمخالفة الشیخ مع المشهور، کان فی غیر الفرع المفروض، کما لا یخفی، ولذلک تری أنّ صاحب «مصباح الهدی» نسب الی الشیخ فی «المبسوط» فی هذا الفرض بکون المجموع حیضا فراجع کلامه(1) والظاهر کون الأمر کذلک .

و کیف کان، فلا اشکال ظاهرا _ وإنْ کان قد تردد فیه بعضٌ _ هو الحکم بحیضیة المجموع، بالحاق الضعیف المتخلّل بالحیضیة، لکونه أقلّ من العشرة، فلا یمکن أنْ یحکم بالحیضیّة فی الدم الاوّل وبالاستحاضة فی الضعیف وحیضا آخر فی الثانی، لفاقدیته للشرط، مضافا الی ما عرفت من أنّه لیس حکم الضعیف أولی من الطهر المتخلّل بین القویین، حیث یحکم بحیّضیته، وکون المجموع مع النقاء حیضا واحدا وإنْ کان قد ناقش فیه بعض الفقهاء، وحکموا بالاحتیاط فیه بالجمع بین عمل المستحاضة وتروک الحایض، کما تری التصریح بذلک من صاحب «العروة» فی مسئلة السابقة من باب الحیض.

هذا تمام الکلام فی الصورة الاولی من الاحتمال الاول، من الحکم بحیّضیة المجموع، وعدم الرجوع الی الصفات والتمییز بالنسبة الی الضعیف _ لکونه فاقدا للشرط وهو وجود الفصل المتخلّل بین القویین بالعشرة، وان ناقشنا فیه وقلنا انه لیس الأمر کذلک .

و اما الاحتمال الثانی: أی ما کان المجموع غیر خارجٍ عن العشرة، فیقال بأنّه من موارد فقد بالنسبة الی القویین _ کالثلاثة فی الأول والثلاثة فی آخر العشرة _


1- مصباح الهدی: ج5/13 .

ص:278

لأجل تعارض اماریة الوجدان فی القویین مع الفقدان فی الضعیف، فالتعارض بینهما ساقط، فتصیر المرأة فاقدة للتمییز، و علیها أن ترجع حینئذ الی عادة نساء أهلها، أو الی الروایات، فلا یقاس الضعیف هنا بالنقاء المتخلّل لأنّ مقتضی أدلة التمییز کون الضعیف طاهرا، کما ان القوی یعدّ حیضا، بخلاف النقاء المتخلّل، حیث أنّه لا یعارض الحکم بحیضیته مع شی ء من الأدلة .

فیدور الأمر فی المقام بین الأربع: إمّا القول بکون المجموع حیضا، وهو باطل، لأنّه ینافی مع أدلة التمییز الدالة علی کون الضعیف استحاضة، بمثل بطلان القول بکون القویین حیضا، والضعیف استحاضة لأنّه مناف مع ادلة اعتبار کون الطهر بالعشرة، ولا یکون بالاقل منها، وهو هنا أقلُ.

أو القول بکون أحد القویین حیضا بکلا وجهیه، وهو مستلزم للترجیح من غیر مرجح، لأنّ المفروض هانما أنّ کلاً من الطرفین واجدٌ للتمییز والصفات، فلا وجه لترجیح الأوّل علی الثانی أو بالعکس، فیجب الرجوع حینئذٍ الی عادتها الأصلیّة المعتادة علیها، أو تتمسک بالروایات.

هذا هو الاحتمال الثانی فی المقام .

و أمّا الاحتمال الثالث: هو الحکم بکون القویین الواقعین فی طرفی الضعیف حیضا، والضعیف المتخلّل بینهما استحاضة، وانْ کان المجموع بینهما أقلّ من العشرة. هذا بناء علی مختار صاحب «الحدائق» من أنّ اعتبار العشرة للنقاء بین القویین، شرط بین الحیضتین، لا بین الحیضة الواحدة، کما فی الفرض، فلا بأس هنا بالحکم بالحیضیة فی الطرفین، والاستحاضة فی الوسط .

وفیه: قد عرفت بأنّه غیر تام، لأنّ ظاهر الأدلة، وکلمات الأصحاب والنصوص، هو شرطیة کون الطهر بالعشرة، و أن لا یکون أقل منها، بلا فرق بین القویین فی حیضة واحدة، أو فی حیضتین، فحیث لا یکون واجدا للشرط، فلا

ص:279

یمکن الحکم بالاستحاضة فی الضعیف، کما لا یخفی .

و أمّا الاحتمال الرابع: هو الحکم بحیضیة أحد القویین والضعیف، والحکم علی القوی الآخر بالاستحاضة.

فهو أیضا علی احتمالین: أحدهما: عدّ الاول حیضا، والآخر مع الضعیف استحاضة.

والثانی: کون الاول مع الضعیف استحاضة، والآخر حیضا.

وقد یتصور هنا احتمال ثالث وهو التخییر بینهما بین الموردین .

و قد یستدل للرابع، بأنّ کون أحد القویین حیضا، فان ذلک لدلالة ادلة لزوم الرجوع الی التمییز وقاعدة الامکان کما أنّ الحکم بکون الضعیف استحاضة فلظهور أخبار التمییز فی کون الصفرة علامة الاستحاضة، فبذلک یحکم فیه بالاستحاضة _ لا لعدم وجود علامة الحیض فیها، فاذا حکمنا بالاستحاضة فی الضعیف، فانّه یجب أنْ یکون أحد القویین ایضا استحاضة، و الا یلزم أنْ یکون الطهر _ أعنی ما هو محکوم بالاستحاضة _ أقلّ من العشرة، وحینئذ فانْ لم یکن مرجّحٌ فی البین لجعل أحد الدمین حیضا للزم أن تتخیّر المرأة بینهما، فی جعل أحدهما حیضا، وإنْ کان لأحدهما هنا مرجحٌ فیکون هو المقدم.

ولا یبعد أنْ یکون المقام مما فیه المرجّح، ولعلّ وجود المرجح فی جانب القوی المتقدم، من اجراء قاعدة الامکان، وما فی الأخبار الواردة فی المبتدأة والمضطربة من الأمر بالتمییز بمجرد الرؤیة.

مضافا الی أنّه لا معارض له فی الاوّل، إذ الشرطیة إنّما یتحقق بعد الحکم بالحیضیة فی الاوّل لوجود امکان ملاحظة الفصل بینه وبین ما یأتی من القوی من أقلّ الطهر وهو العشرة.

والتمسک باستصحاب بقاء الطهر، وعدم الحیضیة الی زمان القوی المتأخر،

ص:280

لیس بوجیهٍ، لأنّه بعد تحقق علامة الحیضیّة وقابلیة انطباق الکبری علی الصغری، وتطبیقها علیها، فلا یبقی مورد لاجراء الاستصحاب، لأنّه فرع وجود الشک للمکلّف، فمع تطبیق الدلیل علیه، والحکم بالحیضیة، لا یبقی له شک حتی یقدم علی اجراء الاستصحاب.

فدعوی المرجحیّة للاوّل علی الثانی لیست بمجازفة .

و قد عرفت منا فی أوّل البحث من القول بأنّ الأقوی عندنا هو الاحتمال الاوّل، بجعل المجموع حیضا واحدا، بالحاق الضعیف الی القوی، لأنّ المجموع لا یتجاوز عن العشرة.

أمّا اشتراط الطهر فی البین، إنّما یکون فی الحیضتین، وفی الحیضة الواحدة، اذ لم یحکم فی الضعیف أنّه حیض والاّ لا حاجة الی مثل هذا الشرط، لکونه حیضا، فلا حاجة لأن نرجع فی الضعیف هنا الی التمییز والصفات.

هذا تمام الکلام فی الصورة الاولی، أی فیما اذا لم یکن مجموع الدم الخارج _ من الحیض والضعیف المتوسط _ عن العشرة .

أمّا الصورة الثانیة: وهی ما لو کان الدم بصفة الحیض فی الطرفین، مع الضعیف فی الوسط، اکثر من العشرة، کما لو رأت دم الحیض لثلاثة أیام، ثم رأت ثلاثا دم الاستحاضة، ثم رأت الاسود، واستمر الی ستة عشر یوما.

ومعلومٌ أنّ الجمع بین تمام الأیام، یتجاوز عن العشرة، وقد عرفت أن الشرط فی الحیض، هو عدم التجاوز عنها، فمن المعلوم عدم امکان الحکم بحیضیة الدمین القویین جمیعا، مع الضعیف المتوسط.

وقد نقل صاحب «الجواهر» عن الشیخ فی «المبسوط» من أنّ حیضها فی المفروض العشرة، وإنّ الأیام الستة السابقة استحاضة.

ثم ضعَّفه بقوله: فما فی «المبسوط» ضعیف.

ص:281

وقد استظهروا من قوله: «وإنّ الستة السابقة استحاضة»، أنّه جعل الحیض فی الأخیر الی أن یتم العشرة، وجعل الثلاثة الأولی مع المتوسطة استحاضة، کما أشار الیه صاحب «الجواهر» قدس سره بقوله: «وإنّ وجّهه المصنف بأنّه لما حکم بأن الثلاثة استحاضة، خرج ما قبله، فانه لا یترجح لاخراج السابق علی اخراج اللاحق، فتأمّل»(1).

والظاهر أنّ قول صاحب «الجواهر»: «فانّه لا ترجیح... الی آخره» ورد لبیان وجه الضعف.

ولعلّ وجه التأمّل، هو أنه یرد علیه مثل ما یرد علیه فی الاوّل، من أنّه لا ترجیح لاخراج اللاحق علی اخراج السابق من حیث وجود العلامة .

و کیف کان، بما أنّه قد استشکل عنده الأمر من الحکم بالحیضیة فی کل من الطرفین، ذهب الی القول بأنّ الأقرب فی مثل ذلک _ کما فی «کشف اللثام» وعن «التذکرة» واستحسنه المصنف _ کونها فاقدة للتمییز، فترجع الی عادة النساء أو الی الروایات.

وهذا القول یعدّ فی مقابل قول الشیخ، قولاً ثانیا .

ویحتمل ثبوتا من امکان الحکم بالحیضیة فی العشرة، من جعل العلامة دلیلاً علی الحیض فی الثلاثة الاولی، والباقیة من العلامة للحیضیة بعد ثلاثه علامة الاستحاضة، الی أن تتم العشرة حیضا، والباقی بعد العشرة استحاضة، بحیث یصیر مجموع العشرة حیضا وبعدها استحاضة.

قد یقال فی توجیه ذلک أن ما یمکن أن تجعلها حیضا یُحکم بحیضیته من الأول والاخر، أمّا الضعیف المتحلّل فمحکومٌ بالحیضیة أیضا، لکونه أقصر من


1- الجواهر: 3/274 .

ص:282

أقل الطهر، فیکون حالها کحال النقاء المتخلّل.

وهذا هو ثالث الاحتمالات .

و لکن صحة هذا الاحتمال، مبنیٌ علی عدم جعل علامة الاستحاضة علامة لها، بل یعدّ هذا الدم استحاضة لفقدها علامة الحیضیة، والاّ فانّه اذا ذهبنا الی أنّ للاستحاضة علامات متمیّزة، لما أمکن من الحکم بالحیضیّة علی الدم فی فرضنا هذا، کما لا یخفی .

و لکن الأقوی عندنا، _ وعند صاحب «العروة» والبروجردی، والمیرزا عبد الهادی الشیرازی، والاصطهباناتی والسید الاصفهانی _ هو الحکم بالحیضیة فی الثلاثة الاولی، و عدّ الباقی استحاضة، لأجل أنّ قاعدة الامکان جاریة فی الثلاثة بلا معارض، فضلاً عن انتقال الدم علی علامات الحیض، فلا وجه لرفع الید عنهما.

وامّا عدم الحکم بالحیضیّة، فانّ ذلک لاجل استمرارها بما قد یتجاوز العشرة، وإنْ کانت واجدة للصفات، ولکن لا یمکن التبعیض فی العلامة بان نستدل بها علی الحیضیة فی بعض الایام، ونترک الاستدلال بها فی غیرها، کما لا یمکن جعلها حیضةً ثانیة، لأجل عدم امکان صیرورة الضعیف المتوسط بأقل الطهر وهو العشرة حیضا، کما لا یمکن الحکم فی المتوسط بالاستحاضة، لأجل وجود امارتها فیها.

فالمورد علی هذا التقدیر والبیان بالنسبة الی الثلاثة الاولی لیس خارجا عن أخبار التمییز والصفات .

مضافا الی ما قیل من الاشکال، من أنّ جعل بعض القوی الأخیر من الحیضة الاولی _ وهو ما یصحّ منه فی العشرة بحکم التمّییز _ موجبٌ لخروج المورد عن محتوی أخبار، التمییز لصیرورة المرأة حینئذ بمنزلة التی یستمر دمها علی هیئة

ص:283

واحدة الی أن تتجاوز العشرة، فیکون مرجعها عادة نسائها أو الروایات، وهذا بخلاف جعل القویّ الأول حیضا، والباقی استحاضة، فانه یعدّ عملاً عمل بأخبار التمییز، کما لا یخفی.

هذا کما فی «مصباح الهدی»(1) و«مصباح الفقیه»(2) .

و لکن لا یخفی ما فیه، فانّ فرض المورد کالمرأة المستمرة علی هیئة واحدة الی أن تتعدی الایام العشرة، إنّما یکون بالنسبة الی القول الأخیر الی أن یتم العشرة، لا بالنسبة الی القوی الاوّل الذی یتعقّبه الضعیف الذی یتضمن علامة الاستحاضة .

فالأولی أن یقال فی توجیه کلام صاحب «الجواهر» _ تبعا ل_ «کشف اللثام» و«التذکرة» _ إنّ: فرض تحیّر المرأة فی مثل المورد، یکون لأجل تحیّرها بین کون الحیض هو القوی الاوّل أو الثانی، مع فرض کون الضعیف علامة للمستحاضة، فالمرأة المتحیرة تعدّ فاقدة للتمییز، فترجع الی عادة نسائها إنْ علمت بذلک، والاّ فانّ علیها العمل بمقتضی الروایات .

و لکن قد عرفت منا وجه قوة الحکم بالحیضیّة فی الاولی، وعدم عدّ المرأة حینئذٍ متحیرة، فالمورد یکون فی موارد لزوم الرجوع الی أخبار الصفات والتمیّیز بالنسبة الی القوی الاوّل، والحکم بالاستحاضة فی الباقی، واللّه العالم .

ثم إنّ اشتراط کون أقل الطهر عشرة، وعدم امکان کونه أقلّ منها شرطٌ ثابتٌ فی الحیضتین، أی لا یمکن جعل القوی الثانی حیضا مستقلاً، الاّ بعد مضی العشرة من القوّی الاوّل، بلا فرق فی الطهر المتوسط بین الحیضین بالعشرة أو


1- مصباح الهدی: 5/16 .
2- مصباح الفقیه: 4/231 .

ص:284

ازید، سواءً کانت المرأة فی هذه الفترة طاهرة ونقیة عن الدم، أم کانت تری الدم الضعیف الذی یحکم باستحاضة .

و اما إذا کان الدم الضعیف أو النقاء المتوسط خلال العشرة، أی لم تتجاوز المجموع عن العشرة، وأمکن الحکم بحیضیة الطرفین، ولم یکن بأقل من ثلاثة أیام متوالیة _ التی هی شرط فی الحکم بالحیضیة _ فالاقوی فیها عندنا، هو الحکم بالحیضیة فی القویین، مع الضعیف المتوسط الذی کان أقلّ من العشرة، وکان المورد من موارد الرجوع الی أخبار التمییز بالصفات، فانه فی هذه الصورة لا تعدّ المرأة متحیرة مترددة حتّی یوجب صدق کونها فاقدة للتمییز _ کما علیه البعض _ حتی یقال بلزوم الرجوع الی عادة نسائها، أو الی الروایات، فلا یکون فی الرجوع الی أخبار الصفات، فی مثل هذا الفرض الذی یمکن عدّ المجموع حیضا واحدا، شرطیة عدم قصور الضعیف عن أقل الطهر، کما لا یخفی.

ولعلّه لذلک _ أی لأجل کون البحث الذی تعرض له المصنف کان فی الحیض الواحد _ لم یذکر هذا الشرط هنا، وإنْ کان شرطیّته فی الحیضتین مما لا اشکال فیه، واللّه العالم .

هذا، وقد أضاف بعض الفقهاء فی شرطیة الحکم بالحیضیة بالرجوع الی الصفات شرطا آخر، وهو أن لا تکون معارضة مع العادة، حیث أنّ وجود العادة فی المرأة المعتادة، موجب للحکم بحیضیة عادتها، لا الرجوع الی التمییز، اذ الثانی انما یکون المرجع بعد فقد الاولی.

ولعلّ وجه عدم ذکر المصنف لهذا الشرط الزائد، هو استغنائه عنه، لأجل أنّه یبحث عن حکم المرأة المبتدأة التی لا عادة لها حتّی یقال بتقدّمها ، ففرضه خارجٌ عن مورد هذا الشرط .

کما أنّه لا حاجة الی ذکر اشتراط عدم خروج الدم عن الأیسر، بناء علی أنّ

ص:285

الحیض لا یخرج عن الأیسر، لأنّه قد فرض فی کلامه حدوث الخلط والاشتباه فی الدم بین الحیض والاستحاضة، وهذا لا یحصل الاّ عند وجود الشبهة والتردید.

کما أنّ فرض المصنف المسألة فی المتجاوز عن العشرة، یجعله مستغنیا عن اشتراط التجاوز فی الرجوع الی التمییز، کما لا یحتاج الی اشتراط عدم معارضة صفة الدم بصفة أقوی، لوضوح أنّه لا یعدّ فی الحقیقة شرطا للتمییز أو الرجوع الیه، لامکان تحققهما مع المعارضة المذکورة، لکنها ترجع الی الأقوی علی القول به، کما سیاتی بحثه إنْ شاء اللّه تعالی .

تنبیهٌ: اعلم أنّ بعض الأوصاف المشترطة فی الحیض _ کالسواد والحمرة والغلظة، والطراوة والعبطة (بمعنی السلامة)، والحرارة والحرقة، والاستحاضة _ کالرقة والبرودة والأصفریة _ منصوصة علیها فی الأخبار، ومن هنا فلا تردید فی عدّ المنصوص علیها علامات علی کل واحد منهما. لکن توجد بعض الاوصاف والعلامات _ کالشقرة فی مقابل الکدرة وما له ریح نتن وفاقده _ غیر المنصوص علیها فیهما، یمکن ان تکون ممیّزة لهما، ومن هنا ادعی اعتبار مطلق الظن الحاصل للمرأة فی کفایته علی ترتیب آثار احدهما علیها، حتی لو کانت العلامة من غیر الامارات، لأنّ الملاک فی ترتب الآثار حصول مطلق الظن بذلک، ومن أیّ طریق حصل.

لکن اثبات ذلک مشکل جدّا، اذ لا دلیل لنا علی اعتبار مثل هذا الظن، وجواز ترتیب الأحکام الشرعیة علیه.

ولا فرق فی مثل هذا الظن فی عدم الاعتبار، إذا لم یکن مستندا الی الامارات المنصوصة حقّه بین المجتهد وغیره، إذ لیس جعل الاعتبار و الجمعیّة لمثل هذا الظن من منصب المجتهد، حتّی یقال بحجیّته فی حقّه _ کبعض الظنون المختصة بالمجتهدین فی الأحکام الشرعیة والوضعیة _ لان المجتهد مع غیره فی هذا الظن

ص:286

علی حدّ سواء، کما لا یخفی .

کما لا یصحّ دعوی اختصاص الظن الحاصل من خصوص الامارات المنصوصة، بل لا یصح أیضا دعوی الاقتصار علی المنصوصة، ولو لم یحصل منها الظن، لأنّ ما ذکر من اعتبار وحجیّة الامارات المنصوص علیها لکونها علامات لحصول الظن بکونه حیضا، فاذا حصل لها الظن من الامارات الدالة علی حیضیة الدم ولو لم یکن منصوصةً کان معتبرا .

و لقد أجاد فیما أفاد الشیخ الاعظم قدس سره فی کتاب «الطهارة» حیث قال: «ویلزمهم ملاحظة مراتب الصفات، فالأشد سوادا أو حرارة أو ثخانة قوی ما دونه، وذکروا أن ذا الوصفین قوی ذی الوجه، إذا لم یکن أقوی منهما» .

و لعلّ هذا کلّه لما یستفاد من الأخبار، من أنّ العبرة بقوة الدم وضعفه، عند اشتباه الحیض بالاستحاضة، کما یشعر به بل یدل علیه التعبیر عن ذلک فی المرسلة بالاقبال والادبار، وقوله علیه السلام : «دم الحیض أسود یُعرف»، وقوله علیه السلام : «دم الحیض لیس به خفاء»، فانّ الظاهر من وکوله الی الوضوح _ مع أنّه لا یتضح عنه للعرف، ولا یمتاز عن الاستحاضة، الاّ بالقوة والضعف مطلقا لا خصوص ما نصّ علیه فی الروایات _ أنّ العبرة فی التمییز لمطلق الامارات المختصة بالحیض غالبا انکشافه عند العرف عن الحیض کشفا ظنیا، لا أنّ العبرة لمطلق الظن، حتّی یلزمه اعتبار الظن ولو من غیر الصفات، وهو باطلٌ اجماعا) انتهی کلامه(1) .

و کذلک قد حُکی عن جماعة من المحققین، کالشیخ والمحقق والشهیدین والمحقق الثانی، وکثیر من المتأخرین مثل صاحب «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» وأصحاب التعلیق علی «العروة»، من جواز التعدی الی غیر


1- کتاب الطهارة: 211 .

ص:287

المنصوصة من الامارات، وجعلوا المدار فی التمییز علی القوة والضعف.

وهذا هو الأقوی عندنا، فالمسألة واضحة لا نقاش فیها .

وبعد وضوح وثبوت هذا الأمر، فانّه یترتب علیه بأنّ الصفات والامارات علی حیضیّة دم الحیض تکون فی ثلاث:

الأولی: فی اللون، فالأسود قوی الأحمر، والأحمر قوی الأشقر، والأشقر قوی الأصفر، والمنکدر کما عن «النهایة»، أو انه قوی الأصفر، والأصفر قوی المنکدر کما فی «المسالک» .

الثانیة: فی الرائحة، فذوا الرائحة الکریهة قوی قلیلها، وهو قوی عدیمها .

الثالثة: فی الثخانة، فالثخین قوی الرقیق .

وهذا هو مستفاد من کلمات أصحابنا .

کما أنّهم ذکروا أیضا بأنّ ذا الوصفین قوی ذی الواحد، إذا لم یکن أقوی منهما، وکذلک یلزمهم القول بکون الأشد سوادا أو حرارة أو ثخانة، قوی علی ما دونه.

وکلامهم لا یخلو عن قوة وجودة، لما قد عرفت أنّه المستفاد من النصوص ما دل علیه مرسلة یونس الطویلة .

و یترتب علی هذه المسألة أنّه لو انحصر الدم فی القوی والأقوی و تعارضا، مثل ما لو رأت الدم أیّاما اسود وأیّاما أحمر، فهل یحکم بحیضیّة کلّ منهما أم لا؟

فلها صورتان: تارة: تفرض الایّام فی الموردین بما یزید انضمامهما معا عن العشرة، کما لو رأت الدم فی خمسة أیّام أسود، وفی ستة أیّام أحمر، فلا اشکال فی الحکم بالحیضیة فی الاقوی، والاستحاضة فی الضعیف _ وهو الأحمر _ لأنّ الثانی فاقد للشرط من جهة تجاوزه علی العشرة .

واُخری: ما لا یکون انضمامها کذلک، أی لم یتجاوز عن العشرة، کما لو رأت الدم ثلاثة أیّام أسود، وثلاثة أیّام أحمر، فیحکم بالحیضیة فی کلیهما، لوجود

ص:288

الامارة فی کلیهما، ووجدان الشرط فیهما، فلا وجه لاخراج الثانیة عن الحیض، کما لا یخفی.

إذا عرفت الحکم فی هذه الامارات، کذلک یکون الحکم فی سائر الصفات، إذا حصل تعارضٌ بین الاقوی والضعیف، وذلک لوحدة الملاک فیها، کما هو واضح .

و ممّا ذکرناه وفهمت الملاک فیه، بامکانک معرفة الجواب عن مسألة اخری اشار الیها صاحب «الجواهر»، والسیّد فی «العروة»، وهی المسألة الثامنة فی هذا الباب، وهی ما لو رأت المرأة الدم بصفة من الأقوی لثلاثه أیّام کالسواد، ومن القوی لثلاثة أیّام کالاحمر، ثم رأت ما فیه صفة الاستحاضة، ففی مثل ذلک هل یحکم بتحیض الستّة، من جعل الأحمر من الحیض، أو التحیض فی خصوص الأقوی وهو السواد، والحاق القوی _ وهو الاحمر _ بالاستحاضة أم لا؟

فیه قولان: قولٌ: باعتبار الوجه الثانی وهو المحکی عن «المعتبر» و«المنتهی» وفی موضع آخر من «التذکرة»، مستدلین علی ذلک بأنّ الحمرة مع السواد إذا تجاوز عن العشرة، مع الانفراد عن الصفرة، تکون استحاضة، وکذلک یکون مع الانضمام، مضافا الی دلالة الأصل الحکمی وهو البرائة عمّا یجب علیها من احکام الحیض أو الأصل الموضوعی، بأن یکون الأصل عدم حیضیتها زائدا علی ما هو الثابت فی حقّها هو، ومن قوتهما بالنسبة الی الأصغر.

وقول: باعتبار الوجه الاوّل، لأجل أنّ الحمرة تعدّ من امارات الحیضّیة _ کالسواد _ والمفروض واجدیته لجمیع شرائط الحکم بالحیضّیة، وامکان جریان قاعدة الامکان فیه. مضافا الی کون الأصل هو الحکم بالحیضیة، لاستصحاب حالتها السابقة، مع ان «الجواهر» قد استدل باصالة عدم الاستحاضة، والظاهر کون مراده هو الاستصحاب المزبور، والاّ لا معنی لهذا الاصل الاّ بملاحظة حالها قبل رؤیة الدم، إذا ارید اجراء ذلک الاصل بالنسبة الی ما بعد الثلاثة الایام التی

ص:289

رأت فیها الدم الاسود. ولکنه استدلال مردود لانقطاعه قطعا بالحیضیة المقطوعة فی البین.

ولو سلّمنا ذلک، فانه معارض مع اصالة عدم الحیضیة أیضا لولا الاستصحاب الذی ذکرناه، لتساوی الاحتمالین بالنسبة الی الثلاثة المتوسطة، کما لا یخفی علی المتأمل .

و قد یقال أو یمکن أنْ یقال _ وإنْ لم نشاهد التصریح به من أحد _ بوجود احتمال ثالث، وهو: القول بلزوم الاحتیاط، بالجمع بین تروک الحائض و اعمال المستحاضة فی الأحمر، استدلالاً بأنّ الأحمر ضعیف بالنسبة الی الأسود، وقوی بالنسبة الی الأصفر بعده، فالاضافتان متعارضتان ومتساقطتان، فیبقی الدم الاحمر مجهول الصفة، فیشکل ترجیح احدی الاضافتین علی الاخری، فیلزم الاحتیاط فی الایام الثلاثة الأخیرة : و امّا الجواب عن جمیع ذلک من القولین الاخیرین: أولاً: قد عرفت أنّه إذا کانت الحمرة من صفات الحیض، وجری فیها قاعدة الامکان، وکانت واجدة للشرائط، فأی مستند ودلیل یُسوّغ لنا الحکم بکونه استحاضة؟!

وثانیا: یجاب عن الاستدلال الأخیر، بأن الاضافتان الاضافتین إذا تعارضتا وتساقطتا، فان المرجع بعد ذلک هو الدلیل الاجتهادی، ومع فقدانه نرجع الی الدلیل الفقاهتی، والمفروض هنا وجود الثانی، لو سلّم فقدان الاول، وهو استصحاب الحالة السابقة من الحیضیة، والرجوع الیه یکون بلا محذور، وهو حاکمٌ علی دعوانا، کما علیه صاحب «الجواهر» وصاحب «مصباح الهدی» والسیّد فی «العروة» وکثیرٌ من أصحاب التعلیق متابعین بذلک کلام صاحب «الریاض» الذی نسبه لصاحب «نهایة الأحکام» وموضع آخر من «التذکرة» .

ثم فی «الجواهر» بعد ذکر هذا الفرع، قال: «أمّا لو فرض المثال بتبدیل الأحمر

ص:290

فیه بالأصفر، والأصفر بالأکدر مستمرا، فانّ الظاهر خلافه، وإنْ کان قضیة کلامه التزامه، لکونهما قویین بالنسبة الی الأکدر بناء علی ما تقدم من قوة الأصفر علیه.

لکنه کماتری یکاد یکون مخالفا لصریح النص والفتوی»، انتهی محل الحاجة(1) .

و الظاهر عدم تمامیة هذا الاشکال، لأنّ المستدل قد ضمّ الی جانب دلیله دلیلاً آخر وهو امکان حیضیّتهما _ حیث یمکن أنْ یکون مراده من الامکان وجود جهة الاماریة والصفة، فاذا فرض کون الأصفر مثل الأکدر من صفات الاستحاضة، من جهة النصّ والفتوی، فلا یبقی حینئذ للتمسک بدلیل قوتهما علی الآخر محل ومقام، کما لا یخفی .

تتمیم: و فی «الجواهر»: «بقی هنا شی ء ینبغی التنبیه علیه، وهو هل یشترط فی الرجوع الی التمییز، کون کلّه أو بعضه فی ضمن العشرة، أو یکفی ولو کان فی خارجها، کما لو رأت مثلاً أحد عشر أصفر، ثم ثلاثه أسود، ثم انقلب أصفر، فهل تتحیّض بالثلاثة فحسب، أو تکون فاقدة التمییز؟ لم أر تنقیحا لذلک فی کلامهم، إلاّ أنه قد یظهر من تعلیقهم _ الرجوع للتمیّز أو عادة النساء أو الروایات بمجرد تجاوز العشرة _ الثانی _ وکذا مما یفهم من مطاوی کلماتهم، فی الاستظهار للمبتدأة وغیرها، أنّ الزائد علی العشرة استحاضة، وأنّه من أیّام الطهر التی یحکم بکون الدم فیها طهرا، وإنّ کان أسود، بل لعلّه المنساق من نحو عبارة المصنف: «قد امتزج حیضها بطهرها».

ثم نقل کلمات الأصحاب فی ذلک تأییدا لما ادّعاه، الی أنْ قال : «لکن قد یظهر من «الذکری» و«جامع المقاصد» خلاف ذلک، حیث قالا: إنّه قد تترک ذات التمییز العبادة عشرین یوما، کما لو رأت عشرة أحمر، ثم انقلب أسود تمام


1- الجواهر ج3/277 .

ص:291

العشرة الثانیة، إذ فرضها حینئذ الرجوع الی الأقوی، بل فی الاخیر امکان الزائد علی ذلک أیضا، فیما لو فرض مجی ء الأقوی من الثانی. وربما یؤیده اطلاق ما دل علی التمیّز المتحقق فی ضمن العشرة وغیرها، والمسألة لا تخلو عن اشکال» انتهی کلامه(1) .

و لا یخفی علیک أنّ المتامل فی کلماتهم، یفید عدم ورود الاعتراض علیهم، ولا تکون المسالة مورد اشکال، لوضوح أنّ الکلام تارة یلاحظ من جهة وروده فی حق المبتدأة، أی التی لم تستقر علیها العادة، بل قد تکون أول ما رأت الدم، فتارة تکون دمها حین الشروع واجدة لصفات الحیض واماراته، فیحکم به حینئذٍ إذا کان متوالیة فی ثلاثة أیّام، ولم تتجاوز العشرة.

فلا اشکال فی هذا الفرض، من عدم الحاجة الی التمیّز، لأنه یحکم بحیضیة جمیع أیّامها، بلا فرق بین کون الدم فی جمیع الأیام بصفة الحیض، أو فی بعضها، لأنّ انقطاع الدم قبل العشرة، یوجب الحکم بالحیضیّة فی الجمیع، ولا یرجع فی مثله الی التمییز، لعدم وجود اضطراب فی المرأة ولا اشتباه من جهة القواعد، حتّی یقال فی حقّها انها ذات تمییز أو فاقدة له .

و اُخری: یفرض مثله من جهة استمرار الدم وانقطاعه قبل العشرة، لکن مع اعتبار کون المرأة مبتدأة، وصفة الدم عندها فی جمیع الأیام بصفة الاستحاضة، أی کان ضعیفا فاترا.

ففی مثل ذلک إنْ حکمنا فی الدور الاوّل بأنّه حیض بمجرد الرؤیة، ولو کان بصفة الاستحاضة، فلا مورد حینئذ أیضا للتمییز، اذ لا یحکم فی مثله بالتمییز، لعدم وجود اشتباه بین الحیض والاستحاضة حتّی یحکم بالتمییز .


1- الجواهر: 3/278 .

ص:292

و امّا فی غیر هذین الفرضین فی المبتدأة، مثل ما لو رأت الدم بصفة الحیض فی والجمیع وقد تجاوز العشرة، أو رأت الدم بصفة الاستحاضة فی الجمیع وتجاوز عن العشرة، وقلنا بانّه لابد فی المبتدأة من الحکم بالحیضیة بمجرد الرؤیة وعلی أیّ تقدیر، فلابد فی مثله من اجراء التمییز فی العشرة إن کان ذلک، والاّ _ کما فی الفرضین _ فلابد من الحکم بالحیضیة فی الثلاثة من باب القدر المتیقن، لا التمییز، لانه حینئذ مفقودٌ علی الفرض، أو القول بالرجوع الی عادة النساء من أقاربها، أو الی الروایات.

وفی مثل هذا الفرض قد حکم الشیخ فی «المبسوط» _ فیما إذا رأت المبتدأة ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر یوما، ثم رأت ما بصفة الحیض بعد ذلک واستمر _ بان ثلاثة أیّام من اوّل الدم کان حیضا، والعشرة طهرا، وما رأته بعد ذلک من الحیضة الاتیة.

و یعدّ کلامه رحمه الله جیّدا إنْ کان یقصد الحکم بذلک من باب القدر المتیقن، لا التمییز، کما أشار الیه المصنف فی ذیل کلامه من قوله: أو یقال بالرجوع الی النساء أو الی الروایات، لکونها فاقدة التمییز فی العشرة، ولا أثر لوجود التمییز بعد العشرة، بعد فرض الحکم بالحیضیة فی الدور الأول، بمجرد الرؤیة، الاّ بعد مضی أقلّ الطهر من زمان ما حکم بحیضتها فیه، کما أشار الیه الشیخ فی آخر کلامه .

فالذی یجری فیه قاعدة التمییز، عبارة عن المبتدأة التی إذا رأت الدم المتفاوت فی العشرة وما زاد علیها، بان رأت فی أولها بصفة الحیض، ثم بصفة الاستحاضة، الی أن تجاوز العشرة، فحینئذٍ یصحّ أنْ یحکم بالرجوع الی التمییز والحکم بالحیضیّة فی ما بصفتها، إذا کانت فی ثلاثة متوالیة او أزید، والباقی استحاضة .

کما یصحّ سریان هذا الحکم بعد الحکم بحیضیّة ما رأت فی الاوّل، ثم بالضعیف فی عشرة أو ازید، أو بالنقاء فی هذه المدّة، ثم رأت الدم متفاوته، حیث

ص:293

یصحّ ایضا اجراء قاعدة التمییز فی هذا الفرض ایضا، لأنّه حیضة ثانیة بعد الحیض والطهر الاوّل، ففی ذلک یمکن أنْ یقال بأنّه لا فرق فی اجراء قاعدة التمییز، بین کونها فی العشرة أو فی خارجها، کما عرفت .

و ما توهم من مخالفة صاحب «جامع المقاصد» و«الذکری» مع ما ذکر، لیس بصحیح، لأنّهما یقصدان بکلامهما غیر المبتدأة إذا رأت الدم بصفة الحیض، بل حتّی فی العشرة، حیث أنّ علیها الحکم بحیضیّة ذلک وتترک العبادة.

غایة الأمر إذا استمر الدم حتّی تجاوز العشرة، وصار أقوی من السابق _ أی کان احمرا ثم صار أسود _ وقلنا بان الاعتبار فی الاماریة یکون للأقوی، فینکشف لها أنّ حیضها هو الثانی، فتترک العبادة فی العشر الثانی، بلحاظ کونه حیضا، فیکون السابق استحاضة، فتقضی الصلوات المتروکة التی ترکتها بزعم الحیض.

فالتمییز هنا حاصلٌ بین العشرة الاولی والثانیة، بان تجعل الضعیف المتقدم استحاضة، والقوی المتأخر حیضا.

وعلی هذا المنوال، ربما یصحّ الحکم المذکور بالنسبة الی أزید من العشرین أیضا، إذا فرض کون الدم استمر لما بعد العشر الثانی بأقوی من سابقه.

ولکن هذا التوجیه إنّما یصح إذا قلنا باعتبار الاقوی فی الحیضیة، بالنسبة الی القوی، والاّ فانّه یحکم بحیضیة ما فی العشرة الأولی مطلقا، وإنْ کان صفة الدم فیها اضعف بالنظر الی ما فی العشرة الثانیة .

اذا عرفت ما ذکرنا من مواضع لزوم الرجوع الی التمییز، أو امکان الرجوع الیه حتّی بعد العشرة، بعد مضی أقلّ الطهر، فربما یظهر من کلمات الأصحاب امکان تحقیق التمییز بمجرد مضی أقلّ الطهر، من دون حاجة الی مضی شهر أو اکثر، فعلیه حینئذ یمکن أنْ تتحیّض المرأة فی شهر واحد ثلاث مرّات، کما لو رأت أسود ثلاثة أیّام، ثم أصفر عشرة، ثم أسود ثلاثة، ثم عشرة أصفر، ثم رأت

ص:294

فان کان لونا واحدا ، ولم یحصل فیه شرطا التمییز ، رجعت الی عادة نسائها إنْ اتفقن (1).

الأسود، فیحمل ما ورد بأنّ الحیض فی الشهر مرّة _ کما یشعر به أیضا أخبار التحیّض بالروایات المتضمنة لأخذ مقدار مخصوص فی کل شهر _ علی مورد الغالب فی النساء، کما هو غیر بعید، ولعلّه لذلک قد فهم الأصحاب لزوم الرجوع الی التمییز فی ذلک، فیصیر هذا الفهم ترجیحا لعموم ادلة التمییز ولو کان فی بعض موارده أقلّ من شهر، کما قد یتفق ذلک لبعض النساء، خصوصا إذا کانت المرأة تعیش فی المناطق الحارّة، واللّه العالم .

فی الاستحاضة / فی حکم المبتدأة إذا فقدت التمییز

(1) و قد عرفت فی صدر البحث، بأنّ هذا الحکم خاصٌ للمرأة المبتدأة _ علی حسب ظاهر کلام المصنف _ وأنّ المراد من المبتدأة بمعناها الاخص، أی من لم تسبق بالحیض.

ولکن قد عرفت أنّ ظاهر کلمات الأصحاب وفهمهم، کون المراد من المبتدأة فی هذه الأحکام، هو الاعمّ، بحیث تشمل المرأة التی لم تستقر لها عادة، فی مقابل المضطربة التی کانت لها عادة، ولکن نسیت عادتها، والتی یطلق علیها المتحیرة أیضا، حیث أنها لا ترجع الی عادة نسائها، بل ترجع الی الروایات.

وهذا هو الأقوی عندنا، علی حسب ما هو المستفاد من مرسلة یونس وغیرهما من الاخبار.

فیکون الحکم المذکور _ الرجوع الی اقاربها من النساء _ حکم المبتدأة بالمعنی الاعمّ، إذا فقدت التمییز، وذلک من جهة فقدان علامة الحیض والاستحاضة کلتیهما، أو فی أحدهما، لوحدة لون الدم .

هذا کما فی «المبسوط» و«الخلاف» و«الجامع» و«السرائر» و«النافع»

ص:295

و«القواعد» و«الدروس» و«اللمعة» و«الروضة» و«التنقیح» و«شرح المفاتیح» بل الاخیر ادعی الاجماع علیه، وفی «التنقیح» نفی الخلاف فیه، کما یفهم ذلک من تعابیر بعض الفقهاء، کما فی «المعتبر» أنّ علیه اتفاق الاعیان من فضلائنا، وهذا هو الحجة.

مضافا الی أنّ الرجوع الی عادة النساء، یوجب حصول الظن به، وذلک من جهة تقارب الأمزجة المحتمل اعتباره شرعا فی خصوص المقام، وان لم یکن کذلک فی غیره. کما یدل علی هذا الحکم أخبار عدیدة، وهی:

منها: مضمرة سماعة، قال: «سألته عن جاریة حاضت أول حیضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، وهی لا تعرف أیّام أقرائها؟ فقال: اقرائها مثل اقراء نسائها، فانْ کانت نسائها مختلفات، فأکثر جلوسها عشرة أیّام، وأقلّه ثلاثة ایّام»(1) .

فان ظاهر هذه الروایة، کون المراد من (جاریة حاضت أول حیضها) هی المذکورة فی کلام المصنف، أی المبتدأة بالمعنی الأخص دون الاعمّ، الاّ أنْ تدخل فیها بواسطة الأخبار الآتیة _ دون مضمرة سماعة _ کما لا تشمل هذه المرأة المضطربة المتحیرة، کما هو واضح.

هذا فضلاً عن أن المضمرة تدل أن المرأة کانت فاقدة للتمییز، فضلاً عن عدم معرفتها لایام اقراءها لکونها مبتدأة، اذا لو کانت ذات صفات لتمکنت من التمییز ولما احتاجت الرجوع الی أقاربها وعادتهن .

منها: و روایة زرارة، ومحمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «یجب للمستحاضة أنْ تنظر بعض نسائها، فتقتدی باقرائها، ثم تستظهر علی ذلک بیوم»(2) .


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:296

و اطلاق هذه الروایة یشمل المضطربة المتحیرة، فضلاً عمّن لم تستقر لها عادة، بل لولا قوله علیه السلام «تنظر بعض نسائها» المشعر بمن لیس لها عادة، لکان مقتضی الاطلاق فیها شمولها حتّی للمعتادة فضلاً عن اختیها .

منها: روایة أبی بصیر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «النفساء إذا ابتلیت بأیام کثیرة... الی أنْ قال: وانْ کانت لا تعرف أیّام نفاسها فابتلیت، جلست بمثل أیام امّها أو اختها، أو خالتها، واستظهرت بثلثی ذلک، الحدیث»(1) .

فان قوله علیه السلام : «لا تعرف أیّام نفاسها» یشمل باطلاقه لمثل المضطربة التی نسیت أیّام عادتها، اذ یصدق علیها أنها لا تعرف عادتها، وأیّام نفاسها.

ولکن یقیید الاطلاق بواسطة الاجماع، وفهم الأصحاب، وقیام بعض الشواهد علی أنّ هذا الحکم هو لغیر المتحیرة، اذ هی ترجع الی الروایات، کما ستسمع إنْ شاء اللّه .

هذه جملة ما تمسکوا بها للدلالة علی حکم المسألة، والاغماض عن ضعف بعضها بالاضمار أو بغیره، یکون بواسطة الانجبار بعمل الاصحاب.

ودعوی الاجماع _ کالتقیید فی اطلاق بعضها الشامل للمضطربة المتحیرة _ بکونها للمبتدأة بالمعنی الاعمّ _ بواسطة فهم الاصحاب ودعوی الاتفاق فیها _ دون المضطربة، کالاکتفاء فی بعضها ببعض النسوة، أو کفایة واحدة من الامّ أو الاخت أو الخالة _ مع عدم وجود هذا القید فی فتوی الأصحاب، بل الموجود فی کلماتهم الی عادة نسائهن _ .

غیرُ ضائرً، لامکان أنْ یکون ذلک لبیان مصادیق الافراد من المعارف والاقرباء التی یمکن استکشاف العادة منهن لا للتعیین بالخصوص، وإنْ استبعد


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب النفاس، الحدیث 20 .

ص:297

ذلک الحمل _ کما اشار الیه المحقق الهمدانی فی «مصباح الفقیه» _ فلابد من تقییده بذلک، جمعا بینه وبین اطلاق سائر الاخبار، مع امکان کون النساء منحصرة بالبعض، أو لعدم التمکن من استعلام حال الباقیات لتفرقهنّ، کما اشار الیه فی «الریاض» .

و ما فی مرسلة یونس من رجوع المبتدأة _ بالمعنیین من المعنی الأخص _ الی التحیّض فی علم اللّه فی کلّ شهر بستة أو سبعة(1).

لا یمکن الاعتماد الیه، للاضطراب فی نفسه، وعدم المقاومة للتعارض، مع ما عرفت، خصوصا مع ضمیمة فهم الأصحاب وفتواهم.

فاذا عرفت دلالة الأخبار، بضمیمة فهم الاصحاب، کون المبتدأة هی المحکومة بذات التمییز فاذا فقدته فترجع الی عادة الاقارب من نسائها، فلا یبقی وجه للتردّد فی الحکم الظاهر من کلام المصنف فی «المعتبر»، حیث تبعه بعض متأخری المتأخرین، کما لا یخفی .

بقی هنا عدة فروع وهی:

الفرع الأول: الکلام فی أنّ المبتدأة إذا فقدت التمییز، لابد لها من الرجوع الی عادة اقاربها من النساء، وحینئذٍ قد یفرض: تارة: اتفاق نسائهن فی الوقت والعدد، فلا اشکال فی وجوب الرجوع الیهن قطعا، اذ هو القدر المتیقن.

لکنه بعید التحقیق، خصوصا إذا لوحظ انطباق عنوان الاهل علی جمیع المنسوبین من النساء أبا وأمّا أوهما معا، ففرض الاتفاق فی الجمیع فی الوقت والعدد، بعیدٌ غایته.

ولکن ظاهر اطلاق النص والفتوی _ کما فی «الجواهر» _ هو ذلک، من غیر


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:298

تقییدٍ بالوقت فقط أو العدد کذلک، سوی ما فی «المسالک» للشهید رحمه الله من التقیید فی الاتفاق والاختلاف بالعدد، ثم تنظّر علی کلامه بأنّه خلاف للاطلاق القاضی بالزامها بالرجوع الی عادة نسائها فیهما معا.

ثمّ وجهّه باحتمال أنّه قد اخذه من تبادر العدد فی خصوص المقام .

وفیه: فضلاً عن عدم ورود اعتراضه، فان اعترافه بالتبادر غیر بعید، ویمکن استظهاره من روایة سماعة، من لفظ (الایّام) الظاهرة فی العدد، خصوصا مع قرینة ذیلها بقوله: «فأکثر جلوسها عشرة أیّام وأقلّه ثلاثة ایّام»، حیثُ یفهم کون المقصود من المماثلة مع اقاربها من النساء المماثلة فی العدد لا الوقت.

فان استظهرنا ذلک تعلیقا فیصیر الملاک فی زوال الحکم بالاختلاف، وثبوته بالاتفاق هو العدد، والاّ فان احالة الحکم علی حصول الاتفاق التام بین الاقارب یعدّ تعلیقا للحکم علی الفرد النادر، والالتزام بذلک لا یخلو عن اشکال.

کما أنّ اثبات زوال الحکم بالرجوع الی الروایات والأصل _ بمجرد حصول الاختلاف فی العدد، مع حصول الاتفاق فی الوقت فی الجمیع _ لا یخلو عن تشویش.

والحاصل: أنّ مقتضی جعل العدد ملاکا لزوال الحکم، وان الرجوع الی الروایات یکون فیما اذا حصل اختلاف فی العدد، یوجب حصول فردین فی المقام وهما: الاختلاف فیهما، أو الاختلاف خصوص العدد دون الوقت.

کما أنّ للاتفاق أیضا فردان: تارة: بالاتفاق فیهما.

واُخری : بالاتفاق فی العدد خاصة .

أقول: أمّا احتمال کون المراد من قوله علیه السلام : «فان کنّ نسائها مختلفات»، أی کلّ من لم تتمکن من تحصیل استکشاف أیّامها، علیها الرجوع الیهن مطلقا، لوجود الاختلاف فی کلا الموردین، دون من تتمکن من الاستکشاف ولو فی الجملة، من حیث الوقت، حیث یمکن حینئذ أنْ یوجّه فی هذا الفرض بالاخذ

ص:299

بالعدد المشترک، الذی اتفق کلّ أقاربها علیه، وإنْ اختلفن فیما زاد علیه.

هذا کما عن «مصباح الفقیه» الاشارة الیه .

مما لا یمکن المساعدة علیه، لأنه إذا فرض الاختلاف فی العدد، فالاخذ بالقدر المشترک من العدد، یحتاج الی دلیل یجوّزه، وهو هنا مفقود، بل الدلیل علی خلافه موجود، لأنّ ظاهر الادلة الدالة علی أنّ مجرد وجود الاختلاف فی الجملة، یوجب الرجوع الی الروایات، یفیدنا خلاف ذلک، إذ لا یمکن تحصیل الوثوق علی اعتبار مثل هذا القدر المشترک فی طبیعة طائفة خاصّة.

ولکن الذی یُسهل الخطب، عدم اعتماد قائله بذلک، حیث قال فی آخر کلامه: ولکن کیف یحصل الوثوق بذلک(1) .

وکیف کان، فما ادّعاه الشهید رحمه الله فی «المسالک»، من کون ملاک الاختلاف فی خصوص العدد، لا یخلو عن وجاهة، واللّه العالم .

الفرع الثانی: هل المعتبر فی الرجوع الی عادة النساء الأقارب، اتفاق جمیعهن فی العادة، أم یکفی الرجوع الی بعض منهن، ولو کان البعض واحدا، حتّی مع وجود الاختلاف فی عادتها مع من عداها، واتفاق من عداها فی العادة، کما هو ظاهر خبری زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر، أو یعتبر الرجوع الی معظمهن، وإنْ اختلفن مع غیرهن؟

وجوهٌ، اذ مع ملاحظة روایة سماعة یستفاد الاوّل، حیث قد جعل فی مقابل الرجوع الی عادة نسائهن فرض آخر وهو (بأنْ کنّ مختلفات، فأکثر جلوسها عشرة وأقلّه ثلاثه)، حیث یفهم منه عرفا بقرینة التقابل، لزوم اتفاق الجمیع، فاحراز مثل ذلک _ خصوصا إذا کان المقصود من النساء هو الأهل مطلقا، أی من


1- مصباح الفقیه: 5/240 .

ص:300

ینتسب الیها عن طریق الأب أو الام مطلقا، أی من الأبوین أو من أحدهما _ یستلزم الحرج والعسر والمشقّة، بل قد یتعذر عرفا، إذا ارید من الأهل الاعمّ من الأحیاء والاموات، وإنْ کان ارادة هذا الوجه من الروایات یساعد مع اطلاق روایة یونس الطویلة بالرجوع فی المبتدأة الی الروایات من الستّ أو السبع، لامکان أنْ یقال فی وجه دفع الاطلاق من أن تعسّر الاطلاع الجامع لها، أو تعذّره فی بعض الموارد، أوجب أمرها بالرجوع الی الروایات علی النحو المطلق، کما اشار الیه المحقق الهمدانی قدس سره .

و لکن هذا الاحتمال لا یمکن المساعدة معه _ مضافا الی منافاته مع ما فی روایتی محمد بن مسلم وأبی بصیر، حیث قد ورد فیها التصریح بکفایة البعض، بل بواحدة (کما صرح فی الثانی منهما) _ من جهة أنّه یوجب رفع الید عن العمل بالرجوع الی عادة النساء، لأنه مع وجود العُسر أو التعذر، فلا وجه لارجاع المبتدأة الیهن، خصوصا مع ملاحظة عدم المناسبة بین کونها مبتداة التی تعرض علیها الحیاء فی ابتداء رؤیتها الحیض، وسؤالها عن عادة جمیع أقاربها، فلا یبعد أنْ یدّعی مع وجود هذه المستبعدات، عدم ارادة الاتفاق فی الجمیع بمعناه السعی الذی یشمل جمیع الاقارب، فلابد أنْ تکون الدائرة أضیق.

فحینئذ یأتی الکلام فی مقدار تضیّقه، فهل هو بمقدار بحیث تکفی الواحدة _ کما قد یستظهر ذلک من روایة أبی بصیر _ أم لابد من أْن یکون أکثر من ذلک؟

الظاهر هو الثانی، لأنّ الاوّل لا یناسب مع قوله: «مع وجود الاختلاف بینهن» المذکور فی خبر سماعة، حیث تدل هذه الجملة علی تعدّدهن .

فبناء علی التعدّد والتکثّر، لا یبعد أنْ نذهب الی لزوم اختیار عادة معظم أقاربها، المستلزم لتحقیق الظنّ النوعی بوجود الاتفاق بینهن، بأنّ عادتهن مثلاً کذا وکذا، وهذا أمرٌ مقبول عند العرف والعقلاء، خصوصا مع عدم العلم

ص:301

بالاختلاف، بل فی «الجواهر» من التسلیم بالبعض المعّتد به، سیّما إذا کنّ من طبقات متقاربة مع المبتدأة .

وبناءٌ علیه لا یبعد کفایة اتفاق المعظم مطلقا _ أی سواء علمت بوجود الاختلاف فی غیرهن أم لا _ لوضوح أنّ الاتفاق لیس بشرط، بل الاختلاف مانع، لکن لا علی النحو المطلق، بل إذا کان الاختلاف فی خصوص معظم أقاربها، فاذا ثبت الاتفاق فی منظمهنّ، کفی فی جواز رجوعها، وإنْ کان الاختلاف موجودا فی غیره، بل لا یبعد کفایة البعض دون معظمهنّ، إذا لم تتمکن من استعلام الباقی، لعدم حضورهن فی بلدها، أو عدم امکان الاطلاع عن احوالهنّ، لأنّ المفروض حینئذ هو عدم القدرة علی تحصیل ما هو المعتبر أوّلاً، فالمیسور لها لیس الاّ ذلک . اللّهم الاّ أنْ یقال: إنّه إذا لم تقدر علی ذلک، فحینئذ تدخل تحت عموم قاعدة لزوم الرجوع الی الروایات.

لکنه خلاف الاحتیاط، خصوصا مع ملاحظة روایة أبی بصیر، من کفایة الرجوع الی الامّ أو الاخت أو الخالة، حیث یحتمل کفایة ذلک عند عدم القدرة علی معرفة عادة المعظم، کما عرفت احتماله عن «الریاض»، إذا لم نقل بکفایته مع الاختیار.

مع امکان أنْ یقال: لعل الوجه فی ذکر الامّ والاخت والخالة بصورة التردید، کونهنّ یعدن طریقا لاستکشاف حال معظم الأقارب، خاصة اذا کانت اسنانهن متقاربة، فتجوز للبنت المبتدأة لرؤیة الدم، مع ملاحظة حیاءهن فی السؤال عن مثل هذه الامور عن جمیع الأقارب، أن ترجع الی واحدة منهن بالسؤال دون الحاجة الی الرجوع الی جمیعهنّ، فالسؤال عن واحدة منهنّ لا موضوعیة له _ کما احتمله بعض اصحابنا _ وانما یکون طریقا لمعرفة حال اغلب الاقارب لها.

فالأقوی عندنا _ کما علیه صاحب «الجواهر» والمحقق الهمدانی، والآملی،

ص:302

وقیل : أو عادة ذوات أسنانها من بلدها (1).

و بعض أصحاب التعلیق علی «العروة» _ هو کفایة اتفاق المعظم عند التمکن عن الاستعلام، فمع عدمه لا یبعد کفایة الأقل ولو احداهنّ، بمقتضی دلالة روایة أبی بصیر . کما أن الأقوی أیضا، عدم اعتبار اتحاد البلد فی ذلک، وإنْ یظهر من الشهید رحمه الله اختیاره ذلک، لأطلاق الاخبار فیه.

ودعوی امکان استظهاره من لفظ (نسائها) کدعوی ظهورها فی مدخلیته بالنسبة الی اختلاف احوالهنّ فی العادة خصوصا مع ملاحظة وجود الاختلاف القطعی بینهنَّ حرارةً وبرودةً، إذا لاحظا عنوان (النساء) بالمعنی الوسیع الشامل للابوینی والأبی والاُمّی، اذ قلّ ما یتفق اتحاد امزجتهنّ، کما هو واضح .

و لو انحصر الأقارب الاحیاء فی واحدة أو اثنتین أو ثلاث، ففی «مصباح الفقیه»: «لا یعتدّ بعادتها، ما لم تحرز موافقتها لأقاربها الأموات، لانصراف النص والفتاوی عن مثل الفرض. نعم لو کثرت الاحیاء، فالظاهر کفایة اتفاقهن فی العادة، ما لم یعلم بمخالفة الاموات لها، واللّه العالم»، انتهی کلامه(1) .

اقول: کان الأولی علیه رحمه الله أن یقول فی الأول أیضا بکفایة الأحیاء، ما لم یعلم بمخالفتهن للاموات، لما قد عرفت من روایة أبی بصیر من احتمال کفایة الاُم أو الاخت أو الخالة لمثل هذه الموارد، من عدم وجود الاحیاء لها الاّ بمثلهنّ، ولم نقل کونهنّ بأنهنّ طربقا لاستکشاف حال الاقارب الاموات، والاّ لحصل المطلوب، لم نحتج الی التوجیه المذکور، فلیتأمّل جیّدا .

(1) اعلم أنّ البحث یجری فیه من جهة أنّه لو فقدت المبتدأة التمییز _ ولو بالمعنی الاعمّ _ فهل ترجع الی الأقارب إنْ اتفقن، أو الی عادة ذوات أسنانها؟


1- مصباح الفقیه: 4/242 .

ص:303

فمع الاختلاف فی الأولی فقط ترجع الی الروایات _ بالاختلاف فیها _ ثم ترجع الی الأقران، فمع الاختلاف فیهن أیضا ترجع الی الروایات.

أو أنّها بالرجوع الی الأقارب أو الأقران، فمع الاختلاف فیهما ترجع الی الروایات ؟

فان ظاهر بعض العبارات _ کالمنقول عن «نهایة الأحکام» _ أنّه مع الاختلاف فی الأقارب _ ولو فی الجملة _ ترجع الی الأقران، حیث ورد التصریح _ علی المحکی فی «الجواهر» من أنّه لو کنّ نسائها عشرا فاتفقن تسع، رجعت الی الأقران(1) .

وبعضهم علّق الرجوع الی الاقران بعد فقد النساء، أو مع وجود الاختلاف فی الأقارب، علی نحو البدلیة، وهو کما فی «المبسوط» و«القواعد» و«الارشاد» و«الاصباح» و«نهایة الأحکام» أو علّق علی.

فقد النساء فقط، کما فی «الوسیلة» و«السرائر» و«التحریر» و«المختلف» و«جمل» الشیخ و«الاقتصاد» وغیرها.

وثالثٌ أو رابعٌ علی الاختلاف فی الاقارب، ولعلّه هو المذکور أوّلاً فی کلامنا، نقلاً عن «نهایة الأحکام» و«اللمعة»، بل هو مختار صاحب «الجواهر»، حیث قال بعد نقل هذه الاقوال والقول الأخیر: ولعلّه أجود من غیره، اللّهم الاّ أنْ یراد بفقد النساء، فقد العلم بعادتهنّ بموت أو نحوه.

وقد یحتمل التخییر، وهو علی مقتضی الدلیل علی احتمالٍ.

هذا تمام البحث فی مقام الثبوت .

و امّا فی مقام الاثبات، فقد استدل لذلک بأمور:

الأمر الاول: من حصول الظن بالمساوات مهنّ، من جهة التساوی فی المزاج


1- الجواهر: 3/282 .

ص:304

والطبع، خصوصا مع ضمیمة القطع بدعوی اعتبار مثل هذا الظن، کما تری نظیره اعتبار الشارع فی تشخیص الحیض بمثل هذا الظن، وفی غیره من الموارد.

وفیه: المنع عنه صغرویا وکبرویا .

فامّا عن الأوّل: لماتری من غلبة اختلاف المتقاربات فی السن فی الحیض وقتا وعددا، فحصول الظن بذلک ممنوع جدّا.

وامّا الثانی : فلو سلّمنا حصوله، فما الدلیل علی اعتباره، مع أنّ الاصل یقتضی عدم اعتباره، فما لم یقم علی اعتباره دلیل شرعی، لا یمکن الالتزام به.

وفی «الجواهر»: إنّ اعتباره وثبوته هنا، یقضی بسقوط الرجوع الی الروایات، لندرة اختلاف غالب أقرآنها خصوصا إنْ قلنا بالاکتفاء ولو بالبعض.

أقول: إنه یقصد أنه یلزم علی اعتباره لغویة الحکم بالرجوع الی الروایات، لعدم تحقق مورد تحتاج المبتدأة الیه، فیستفاد _ من جهة الفرار عن هذا المحذور _ نفی ذلک .

الأمر الثانی: احتمال استفادة شمول لفظ (نسائها) الوارد فی مضمرة سماعة لجمیع الاقارب، من لفظة (اقراءها) الواردة فی قوله علیه السلام : «مثل اقراء نسائها»(1) بدعوی صدق نسائها علی أقاربها وأقرآنها اذ یکفی فی صدق الاضافة وجود أدنی ملابسة .

وفیه أوّلاً: بأنّ صدق الاضافة بذلک لا یوجب ظهور اللفظ وتبادره فیها، أو فی الاعمّ منها، ومن الاقارب، اذ أن مجرد التساوی فی السن وصدق لفظ (النساء) علیهن جمیعا اشتراکهن فی الحکم لصدق هذه اللفظة علی الاجنبیات أیضا .

وثانیا: ولو سلّم ذلک فانه یستوجب الحکم بمثله فی اتحاد البلد أیضا، مع أنّ


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من ابواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:305

الخصم المستدل لم یلتزم بذلک .

وثالثا: وفی «الجواهر» أنّه یقتضی عدم الترتیب _ أی الحکم بالتخییر بین الرجوع الی الاقران أو الی الأقارب مع أنّه خلاف للمشهور.

فکأنّه رحمه الله أراد بیان أنّ ما فی مضمرة سماعة لو شمل الأقران کالاقارب، للزم صیرورة جمیعهن، مراجع کما أنّ الامر فی الاقارب بعد فقد التمییز کذلک، فیصیر الحکم تخییریا لا ترتیبیا.

فالامر کذلک، لولا دعوی کون مقتضی الجمع بین هذه الروایة، وبین موثقه محمد بن مسلم _ علی احتمال _ وأبی بصیر، هو الترتیب.

فالأولی فی الجواب ما ذکرناه سابقا واخترناه فی الجواب .

الأمر الثالث: الا ستدلال بمرسلة یونس الطویلة، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ: «ان المرأة أوّل ما تحیض، ربما کانت کثیرة الدم، فیکون حیضها عشرة أیّام، فلا تزال کلّما کبرت نقصت، حتّی ترجع الی ثلاثة، الحدیث»(1) .

فانّها تدل علی کون التوزیع فی الأیام علی الأعمار، أی اختلاف حالات المرأة فی الحیض، یکون بحسب أدوارها فی السن، وکذلک یکون فی المقام .

و فیه ما لا یخفی، فانّ ورود الدلیل علی نقصان ایام العادة عند ارتفاع السن لا یستلزم القول بلزوم تساویها مع من یشارکها فی السّن، مع أنا نجد کثیرا تفاوت المشارکات فی السّن فی المزاج، الموجب لتفاوتهن فی الحیض.

مضافا الی ظهور ما به التفاوت بین الموردین، اذ کون الأمزجة بحسب الاعمار من جهة نقصان الحیض من الکبر الی الصغر، أمر طبیعیٌ ذاتیٌ لکل امرأة، لا تلازم کون الأمر کذلک فی المشارکات فی السّن فی المقام، لعدم الارتباط


1- وسائل الشیعة: الباب 10 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:306

بینهما بحسب الطبیعة، حتّی یحکم بهذه الملازمة، کما لا یخفی .

الأمر الرابع: وهو العمدة، وهو الاستدلال بموثقة زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام : «یجب للمستحاضة أنْ تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرآنها.

بالنون بدل الهمزة، کما حُکی ذلک عن «شرح المفاتیح»، و «مجمع الفائدة والبرهان»: أنّها فی بعض النسخ کذلک .

وفیه أوّلاً: أنّه لا عبرة بمثل هذا النقل الذی یثبت فیه التردید، خاصة وأن الخبر قد ورد فی النسخ المصححة المضبوطة بالهمزة، بل وفی «مفتاح الکرامة»: أنّ عبارة «الاستبصار» مما یوجب القطع بانّ الشیخ الطوسی رواها بالهمزة دون النون .

وثانیا: أنّ المناسب مع النون، هو اتیان الواو فی جملة (فتقتدی)، حتّی یکون عطف بیان لقوله: «تنظر بعض نسائها» دون الفاء، حیث یفید کونه تفریعا علی الاقراء بالهمزة، حتّی یناسب مع النساء التی ظاهرة فی الأقارب، کما لا یخفی .

وثالثا: بأنّه علی فرض ثبوت التردید بین کونه بالنون أو الهمزة، فان ذلک یوجب الاجمال فی الروایة، فلا یصح حینئذ أنْ یستند الیها فی اثبات الرجوع الی الأقران، خصوصا مع معارضتها مع ما عرفت من الأخبار الدالة علی الاقارب .

ومن ذلک یظهر عدم وجود شی ء فی الأخبار، یقتضی اشتراط اتحاد البلد، سوی دعوی أنّ المتیقن تأثیر اختلاف البلدان فی اختلاف الامزجة، وهذا یعدّ من الاستحسانات التی لا یمکن اثبات شی ء بها مع فقد الدلیل .

فلعلّ مثل ما ذکرناه من الوجوه الضعیفة، حَمل صاحب «المعتبر» و«المنتهی» وجماعة ممّن تأخر عنهما، بل وکثیرٌ ممن قارب عصرنا، علی انکار ذلک، والذهاب الی عدم الاعتبار، وکون الملاک فی الرجوع هو حالة الأقرباء لا الأقران، لا تخییرا ولا ترتیبا، فالاولی بل اللازم اسقاط هذه المرتبة والاقتصار علی شرط التمییز وعادة النساء .

ص:307

فان کنّ مختلفات ، جعلت حیضها فی کلّ شهر سبعة أیّام ، أو عشرة من شهر، وثلاثه من آخر ، مخیّرة فیهما .

وقیل: عشرة ، وقیل: ثلاثة ، والأوّل أظهر (1).

(1) اعلم أنّ الرجوع الی الروایات، کان امّا لتعذّر العلم بعادة نسائها _ من جهة فقدهن أو تشتتهنّ، وکذا العلم بعادة ذوات أسنانها _ عند القائل به _ أو _ مع عدم فقدهن أو تشتتهنّ _ اختلافهنّ اختلافا یمتنع معه الرجوع الیهن، بأنْ لم یکن مما یتسامح به فی العرف، ففی ذلک یجوز الرجوع الی الروایات فی الجملة .

فی الاستحاضة / المبتدأة و المضطربة إذا تعذّر لهما الرجوع إلی عادة نسائهما

و أمّا فی کیفیّة الرجوع والأخذ بها، بجعل أیّامها أیام حیضها فی المبتدأة _ بالمعنی الاعمّ، بل فی المتحیرة أیضا، کما یأتی التنبیه فی الحاقها الیها فی هذا الحکم _ اختلاف شدیدٌ بین الفقهاء، وقد أنهاها کثیرٌ من الفقهاء الی عشرین قولاً، بل فی «الجواهر» الی ثمانیة وعشرین، بجعل أربعة عشر للمبتدأة ومثلها للمتحیرة .

و کیف کان، فالعمدة هو ملاحظة ما تقتضیه الأدلّة والأخبار، ولم یذکر المصنف هنا الاّ ثلاثة من الأقوال، قول: بالتخییر بین جعل الأیام فی کلّ شهر سبعة حیضا أو عشرة من شهر وثلاثة من شهر آخر.

وقول: بجعل العشرة فی کلّ شهر.

قال صاحب «الجواهر» عنه: إنّه لم یُعرف له قائل.

ولکن احتمل صاحبا «مصباح الفقیه» و«الجواهر» کون المراد منه هو السیّد ابن زهرة علی ما نسبه الیه العاملی فی «مفتاح الکرامة»(1) بانه ذهب الی أن تجعل حیضها عشرة وطهرها عشرة .


1- مفتاح الکرامة: 1/355 .

ص:308

و قول: بالثلاثه فی کلّ شهر، وهو کما عن أبی علیّ وبعض متأخری المتاخرین، والمصنف فی «المعتبر».

ولکن مختار المصنف فی «الشرائع» هو الاوّل من تلک الاقوال، أما صاحب «الجواهر» فقد ذهب الی مقابل التخیّیر بین الستتة والسبعة للمبتدأة بالمعنی الأخص، وتخییرها بینه وبین العشرة والثلاثة فی کلّ شهرٍ، فی مقابل من اقتصر علی التعیین فی السبعة فی ناحیة أو العشرة والثلاثة فی کلّ شهرٍ.

فلا بأس هنا بذکر الأخبار والأدلة التی أوردها الفقهاء واستدلوا بها، حتّی یلاحظ ما هو مقتضاها، فنقول وعلی اللّه التکلان : و ممّا استدل به من الأخبار مرسلة یونس الطویلة، وهی: «عن الصادق علیه السلام : تحیّضی فی کلّ شهرٍ فی علم اللّه ستة أو سبعة أیّام، ثم اغتسلی وصومی ثلاثة وعشرین، أو أربعة وعشرین یوما» وهذا هو حکم المبتدأة کما تدل علیها الشواهد الموجودة فیها، مثل قوله علیه السلام بعد ذلک: «وهذه سنته التی استمر بها الدم أوّل ما تراه، اقصی وقتها سبع، وأقصی طهرها ثلاث وعشرون».

وکذلک قوله علیه السلام : «وإنْ لم یکن لها أیامٌ قبل ذلک، واستحاضت اوّل ما رأت، فوقتها سبع وطهرها ثلاثة وعشرون»

وکذلک قوله علیه السلام : «فی التی اختلط علیها أیّامها، و زادت ونقصت، حتّی لم تقف منها علی حدّ، ولا من الدم علی لون واحد، وحالة واحدة، فنسبتها السبع والثلاث والعشرون، لأنّ قصتها کقصة حمنة حین قالت إنّی اشجّه شجا»(1)

حیث أن ذیل الخبر یشتمل علی حکم امرأة اختلط علیها أیامّها، فعدّها الخبر متحیرةً ثم شبهها بحمنة بنت حمش، التی کانت مبتدأة بالمعنی الأخص،


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:309

فاستدلوا بذلک علی وحدة الحکم فی مثل هذا التخییر بین المبتدأة بالمعنی الأعم والمتحیّرة. وبعضهم ذهب الی کون التحیر بین الستة والسبعة، خصوصا للمبتدأة بالمعنی الأخصّ، من جهة دلالة صدر هذه الروایة فی فقرتها الاولی.

وأمّا فی المبتدأة بالمعنی الثانی والمتحیّرة، فهی داخلة تحت الفقرات الأخیرة من تعیّن السبع والثلاث والعشرین فقط، حیث ورد التصریح فی ذیل الخبر بأنّ سنتها السبع والثلاث والعشرون، وهکذا یمکن التفریق بین المبتدأة _ بالمعنی الاخص _ وبین غیرها، بکون حکم المتحیرة هو السبع تعیّنیا، کما قد صرح به المحقق الآملی قدس سره فی «مصباح الهدی»، بل الناسیة أیضا داخلة تحت حکم المبتدأة، لانحصار الاقسام فی هذه الروایة بذات العادة والمتمیّزه والمبتدأة بالرجوع الی الروایات.

ولکن الذی أوجب التجائه الی هذا الافتراق، هو تردیده قدس سره فی أن التردد فی العدد بین الستة والسبعة، هل هو من الراوی أو من الامام علیه السلام ، وعلی کلّ تقدیر لا یمکن اثبات التخییر بینهما بهذه الروایة، لانّه إنّ کان التردد من الراوی، فیتعین للناسیة والمتحیرة الرجوع الی السبع _ کما وقع فی سائر الفقرات الآتیة _ وإنْ کان من الامام علیه السلام ، فانّ مقتضی دلالة الصدر هو التخییر، الاّ أنّه بتکافئه مع ما ورد فی ذیل الخبر الذی ذهب الی تعیین السبع یوجب الاجمال فی الروایة، لأجل دوران الأمر حینئذ بین التعیین والتخییر، فلابد من الاخذ بالتعیین وهو السبع ظاهرا، فینتج أنّ الأقوی عدم جواز رجوع الناسیة الی الثلاثة والعشرة، و أن الأحوط تعیّن السبع علیها _ کما قال بذلک فی المبتدأة بالاحتیاط بالرجوع الی السبع تعیینا لا تخییرا بین السبع والست(1) وقد سبقه بهذا الحکم الشیخ الانصاری فی کتاب «الطهارة» .


1- مصباح الهدی: 5/26 .

ص:310

و لکن التأمل فی الروایة یفید خلاف ما ذکراه، لوضوح أنّ التردید فی الصدر لیس من الراوی، لوضوح أنّ قوله: فی علم اللّه ستا أو سبعا) مما لا یمکن أن یصدر الاّ من الامام علیه السلام ، العالم بالاحکام الشرعیة دون الراوی، مضافا الی بُعد ذلک بملاحظة ورود ذکر السبع تعیّنا وجزما فی ذیله وفی سائر الفقرات، فلذلک تطمئن النفس بکون التردید من الامام علیه السلام ، فحینئذ یبقی احتمال التهافت بین الصدر والذیل، الموجب لدوران الأمر بین التعیّین والتخییر، کما قیل.

لکنه مندفعٌ أیضا، بأنّ الاقتصار بذکر أحد شقّی التردید فی سائر الفقرات یعدّ جریا علی قانون المحاورة العرفیّة، حیث یکتفی العرف فی محاوراته فی الموارد التی لا حاجة الی التکرار بذکر أحد فردی التخییر وذلک رعایة للاختصار والاکتفاء فی بیان حکم الشق الآخر .

کما قد یؤید ما ذکرنا _ من عدم دلالة الذیل علی التعیّن _ قوله علیه السلام «أقصی دمها سبع»، حیث یشعر بوجود فرد آخر، أقلّ من ذلک، وهو الست، فیکون السبع أقصها. بل وکذا قوله «أقصی طهرها ثلاث وعشرین»، حیث یفهم أنّه ذکره بملاحظة السبع وأنّه الأقصی، والاّ لکان له فرد آخر وهو اربع وعشرون بملاحظة الست، کما لا یخفی.

فالاقوی عندنا ما علیه المشهور، من وجود التخییر بین الست والسبع، بلا فرق بین المبتدأة بالمعنیین والمتحیرة، التی هی بمعنی الناسیة، مضافا الی دعوی الاجماع المرکب، وعدم القول بالفصل بین المبتدأة _ بالمعنی الأخص _ والمتحیرة وبین غیرهما، کما فی «مصباح الفقیه»، وإنْ کان دعواه لا یخلو عن تأملٍ، فی مثل هذه المسألة التی کثر فیها الاختلاف والاقوال، حتّی فی موارد الافتراق بین الموردین، کما لا یخفی .

وأیضا یمکن استفادة وحدة الحکم بین المبتدأة والمتحیرة، من نفس المرسلة

ص:311

_ بعد ضمّ الصدر بالذیل والحاقه الیه _ وذلک لدلالة قوله علیه السلام «وأمّا سنته التی قد کانت لها أیّام متقدمة، ثم اختلط علیها من طول الدم، و زادت ونقصت حتّی اغفلت (ای نسیت) عددها وموضعها من الشهر».

وکذلک یستفاد من قوله علیه السلام : «فاذا جهلت الأیام وعددها، احتاجت الی النظر الی اقبال الدم وادباره، وتغیّر لونه من السواد... فهذه سنة النبی صلی الله علیه و آله فی التی اختلط أیّامها، حتّی لا تعرف أیّامها، وإنّما تعرفها بالدم».

لوضوح أنّ هذه الفقرات ظاهرة فی الناسیة، وهی التی کانت ذات عادة ثم نسیت ومحت صورتها من ذهنها، بل فی «مصباح الهدی»: «ولو سُلّم ظهورها فیمن ذهبت عادتها بطول المدة، فلا شک فی اندراج الناسیة بالمعنی الاول تحت هذا الحکم، بتنقیح المناط».

فالقول باتحاد فی الحکم بین المبتدأة _ بکلا معنییه _ وبین المتحیرة فی التخییر بین الستة والسبعة قوّی جدّا.

هذا کلّه بالنسبة الی التخییر بین الستة والسبعة، وهو أحد فردی التخییر الذی قد وقع فی کلام المصنف .

فالآن نتعرّض لفرد آخر من شقی التردید، وهو التخییر بین ما سبق وبین عشرة أیّام من شهر وثلاثة من شهر آخر، فما هو الدلیل علی حکم التخییر فی هذا الفرد؟

قیل: إنّ ذلک بمقتضی الجمع بین ما عرفت من روایة یونس الطویل وبین موثقتی عبداللّه بن بکیر.

اما الاولی فلدلالة قوله علیه السلام «فی الجاریة أوّل ما تحیض، یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة، أنّها تنظر بالصلاة فلا تُصلّی حتّی تمضی أکثر ما یکون من الحیض، فاذا مضی ذلک وهو عشرة أیّام، فعلت ما تفعله المستحاضة، ثم صلّت،

ص:312

فمکثت تُصلّی بقیة شهرها، ثم تترک الصلاة المرّة الثانیة، أقلّ ما تترک امرأته الصلاة، وتجلس أقلّ ما یکون من الطمث وهو ثلاث (ثة) أیّام، فان دام علیها الحیض، صلّت فی وقت الصلاة التی صلّت، وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر، وترکها للصلاة أقلّ ما یکون من الحیض»(1) .

أمّا الثانیة فموثقة عبداللّه بن بکیر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «المرأة إذا رأت الدم فی اوّل حیضها، فاستمرّ بها الدم، ترکت الصلاة عشرة أیّام، ثم تصلّی عشرین یوما، فان استمرّ بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة ثلاثة ایّام، وصلّت سبعة وعشرین یوما»(2) .

ثم فی «الجواهر» نقلا عن «الخلاف» الاجماع علی روایته .

منها: مضمرة سماعة، قال: «سألته عن جاریة حاضت أوّل حیضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، وهی لا تعرف أیّام أقرائها؟ فقال: أقرائها مثل أقراء نسائها، فان کانت نسائها مختلفات، فأکثر جلوسها عشرة أیّام، وأقلّه ثلاثة أیام»(3) .

منها: خبر حسن بن علی بن زیاد الخزّاز، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال: «سألته عن المستحاضة، کیف تصنع إذا رأت الدم، وإذا رأت الصُّفرة، وکم تدع الصلاة؟ فقال: أقلّ الحیض ثلاثه، وأکثره عشرة، وتجمع بین الصلاتین»(4) .

وهذه هی الاخبار التی تمسکوا بها واستدلوا لها علی التخییر، وذلک بمقتضی الجمع بین المتضادتین فی الطائفتین من الأخبار، علی ما استشهد به صاحب «الجواهر» بناءً علی فتوی المشهور من التخییر بین الاخذ بالست أو السبع، أو


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 6 .
3- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
4- وسائل الشیعة: الباب 8 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:313

الاخذ بالعشرة فی شهر والثلاثة فی الآخر وهذا هو مقتضی الجمع بین هذه الاخبار فی المبتدأة والمتحیرة .

و قد ناقش المحقق فی «المعتبر» فی الحکم بالتخییر بین الست أو السبع، وبین عشرة فی شهر وثلاثة فی آخر بان مستند هذا الحکم مرسلة ضعیفة لا اعتبار بها الما ذکره ابن بابویه. عن ابن الولید من أنّه لا یُعمل بما تفرد به محمد بن عیسی بن جنید، عن یونس .

وردّ علیه صاحب «الجواهر» بان مرسلة کالصحیح، لکون الارسال فیه عن غیر واحد هذا اوّلاً.

وثانیا: کونه مرسلة تعدّ من المراسیل التی اجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح منه .

وثالثا: قد نقل الشیخ فی «الخلاف» الاجماع علی قبول روایته فی خصوص ما نحن فیه، مع ما یظهر من کثرة الشواهد الدالة علی صحته للمبتدأة .

ورابعا: أنّ ما نقله عن ابن الولید معارضٌ بما نقل عن النجاشی من قوله: «إنّه جلیلٌ فی اصحابنا، ثقة عین، کثیر الروایة، حسن التصانیف».

مع ما یظهر من الاصحاب قولاً وفعلاً من أنکار ما قاله ابن الولید، بل فی «حاشیة المدارک» للأستاد الاعظم من أنّه اتفق علماء الرجال والحدیث والفقهاء علی أن تضعیفات ابن الولید غیر قادحة .

قلنا: إنّه قدس سره قد أفتی بالتخییر المزبور فی کتابه «الشرائع» تمسکا بروایة یونس، لأن الاعتماد علی السبعة لم یأت فی حدیث آخر، فمن ذلک یظهر أنّه قد عمل بروایة یونس فی فتآویه.

اللّهم الا أنْ یقال: إنّه قد أعرض عنه لاحقا، وان کان قد اعتمد علیه اولاً، لأنّ کتابه «المعتبر» یعدّ تألیفا متاخرا عن «الشرائع» و«المختصر النافع»، حیث قد

ص:314

أشار الی کتابیه فی مقدمة کتاب «المعتبر».

وکیف کان، فلا اشکال فی جواز العمل بما ورد فی مرسلة یونس، إمّا لأجل ما عرفت من اشتماله علی حکم قد عمل به الأصحاب، فتکون الروایة _ علی فرض قبول ضعفها بالارسال _ منجبرة بعمل الأصحاب، وبالشهرة بینهم، لو لم نسلم دعوی الاجماع علی العمل بمضمونها، کما عن الشیخ.

فجواز العمل بها، بجعل أیّام حیضها خصوص السبعة فی کلّ شهر، حیث کانت هذه أشهر بالنسبة الی الاحتمال الآخر _ وهو التخییر بینها و بین الستة عملاً بصدر الحدیث کما عرفت _ قویٌّ جدّا، کما علیه فتوی کثیر من المتقدمین والمتأخرین، حتّی السید فی «العروة» وجُلّ أصحاب التعلیق علیها، فلا اشکال فیه . نعم، الذی یمکن أنْ یبحث فیه، هو بالنسبة الی الخبرین الذین رواهما ابن بکیر، حیث قد أورد علیه المحقق بأنّهما ممّا رواه ابن بکیر وهو فطحی المذهب لا یلتفت الیه.

فاجاب عنه صاحب «الجواهر» بأنّ کونه فطحی المذهب لا یمنع من العمل باخباره علی، بل عنده أیضا، کما لا یخفی علی من لاحظ کتابه.

هذا، و لکن الذی مسلک الاصحاب یقتضیه مفاد روایتی مضمرة سماعة والخزاز، هو التخیر بین الثلاثة والعشرة، کما هو الظاهر من التعبیر الوارد فیهما بقوله: «أکثرها عشرة وأقلّها ثلاثة».

وحمله علی التمییز بین السابق وبین جعل العشرة شهر وثلاثه فی آخر، مخالفة لظاهرهما، فیحتمل التخییر فی الاوّل، فلازمه جواز الاقتصار علی الثلاثة فی کلّ شهر، لان الثلاثة الاخری شق التخییر.

کما یصحّ الاقتصار علی العشرة فی کلّ شهر، لأنها أیضا تعدّ الشق الآخر، فلعلّ الجمع بینهما وبین موثقتی ابن بکیر، یکون بجعل العشرة شهر والثلاثة فی

ص:315

الآخر، کما افتی به المشهور والمحقق فی «الشرائع».

وهکذا یمکن تصحیح فتواه أیضا فی «المعتبر» من الاکتفاء بالثلاثه فی کلّ شهر، الذی هو علیه معنی التخییر بین الثلاثة والعشرة.

غایة الأمر، بناء علیه یصبح الاکتفاء بما فی الوسط مقتصرا بین الثلاثة والعشرة فی کلّ شهر، وهذا هو الذی لم یفت به أحدٌ فی غیر السبعة والستة.

فلاجل ذلک، یصح أن یقال بالاکتفاء بالثلاثة فی کلّ شهر، لولا الاعتماد علی السبعة أو الستة، عملاً بروایة المرسلة، فینتج حینئذ صحة ما جاء فی کلام السیّد من اختیار السبع أو الثلاثة فی کلّ شهر، مع أن العشرة کانت داخلة، لأجل دلالة روایتی مضمرة سماعة وخبر الخزاز.

ولعلّ وجه ترکها حیث _ أنّه یصحّ أنْ یطلق علیه أنّه قد عمل بهاتین الروایتین إذا عمل بالثلاثة فی کلّ شهر _ من جهة کونها أحد شقی التردید والتمییز فی الروایة . فما ذکرناه وإنْ یوجب رفع التضاد بین الأقوال، وفصل التنازع عنها، وصیرورة النزاع حینئذ لفظیا، الاّ أن ظاهر کلماتهم _ خصوصا ما ذکره صاحب «المعتبر» _ هو الحکم بالتعین بالثلاثة فی کلّ شهر، اذ ظاهر کلامه اطراح الروایتان من المرسلة وروایة ابن بکیر، والأخذ بالثلاثة، لحصول الیقین بالحیض، وأن تصلّی وتصوم بقیة الشهر، استظهارا وعملاً بالاصل، الدال علی لزوم العبادة، وهذا لا یناسب مع القول بالتخییر بین الثلاثة والعشرة، أو بینهما و بین السبعة والستة.

هذا، مع أنّ مقتضی التحیض بین الثلاثة والعشرة، هو جواز الاقتصار علی الاربعة والخمسة فی کلّ شهر، مع انهما بعیدان عن فتوی الاصحاب .

و حیث أنّ القدر المتیقن بین جمیع الأقوال، هو امکان الاقتصار علی الثلاثة، حیث یجمع مع کونهما طرفی التخییر، ومع کونها متعینا، فلا بأس بالافتاء بها، کما

ص:316

یصح الافتاء بخصوص السبعة، لأجل أنّها القدر المتیقن من دلالة المرسلة ایضا، لأنّها إمّا تکون أحد طرفی التخییر مع الستة، أو تکون متعیّنة.

ونتیجة ما اخترناه _ تبعا للسیّد فی «العروة»، وکثیر من أصحاب التعلیق _ هو التخییر بین الموردین، وإنْ کان مقتضی الاحتیاط هو السبعة، لأجل قوتها بالاجماع، وبالشهرة العظیمة، وجبران ارسالها بما قد عرفت من کلام صاحب «الجواهر» فی حق یونس، مضافا الی کونها معمولاً به عند الاصحاب فی کثیر من فقراتها، کما لا یخفی .

فبقی هنا ملاحظة ما أورده صاحب «الجواهر» علی کلام المحقق فی «المعتبر» بالمنع عن کونه مطابقا للقواعد، بعد طرح الروایتین، لعدم جریان اصالة لزوم العبادة، بل قد یکون الاصل الجاری فیه هو اصالة البرائة منها، سیّما بعد ملاحظة جریان استصحاب الحیض، وقاعدة الامکان ونحوهما، ومعارضة الاحتیاط بمثله.

الی أنْ قال: «بأنّه مشتملٌ للعسر والحرج فی بعض الأحوال، ومنافاته لسهولة الملّة وسماحتها، مع أنّ الباری عزّ وجلّ أجلّ من أنْ یجعل مثل هذا الحکم العام البلوی مخفیا، ولم ینبّه علی لسان صاحب الشریعه _ کضعف المنقول من تحیّض کلّ منهما لسبعة أو ثلاثة، عملاً بالروایة والیقین، فانه لا یکاد یفهم لهذا الجمع وجه یعتد به، مع استلزامه لطرح ما سمعته من خبری ابن بکیر وغیرهما».

انتهی محل الحاجة(1) .

أقول: إنّ ما ذکره من الاعتراضات انّما یتم، إذا فرضنا عدم تمامیة الأدلة والروایات فی اثبات مفادها، امّا للاشکال فی الإسناد أو الدلالة _ ولو لأجل


1- الجواهر: 3/288 _ 287 .

ص:317

المعارضة _ وعدم امکان الاعتماد بتقدیم أحداهما علی الاخری، والاّ لا تصل النوبة بالرجوع الی القواعد _ کما هو مختارنا بالنظر الی اختیار السبعة، الذی هو القدر المتیقن فی المرسل المنجبر بالاجماع المنقول والشهرة _ أو اختیار الثلاثة فی کلّ شهر، علی تقدیر قبول المعارضة والتساقط، والرجوع الی ما هو القدر المتیقن، وهو الثلاثة فی کلّ فترة تری فیها الدم إذا زید من ذلک، وإنْ أمکن الالتزام به لولا وجود المعارض فیه من الأخبار، فمثل الاستصحاب وقاعدة الامکان و معارضة الاحتیاط بمثله، أو توهم حصول العسر والحرج فی بعض الاحوال، و منافاته للسهولة وأجلّیة الباری عن إخفاء مثل ذلک الذی کان مورد ابتلاء عامة الناس، انّما یکون بعد تسلیم الأخبار الواردة، ورفع التکافؤ بینها، وحیث لم یتضح للمحقق قدس سره ، فلا یبقی له بدّ الا الأخذ بالقدر المتیقن فی کل الادوار وهو الثلاثة، حیث لا یزاحمه شی ء، بل یترتب علیه جواز ما یترتب علی المستحاضة، من دخول المساجد والمقاربة والجماع معها ونحوها، وإنْ کان مقتضی الاحتیاط بعد الثلاثة هو ترک مثل تلک الامور، لاحتمال کونها حائضا، وفی مثل الصلاة حیث تکون فیها المعارضة بین الوجوب والحرمة، ویحتمل تغلیب جانب الحرمة کما یحتمل عکسه، لأجل الاهتمام فیها بکونها عماد الدین، ولکن حیث قد حکم بتقدیم الثلاثه، فانه یوجب ترتیب آثار الطهارة، و الحکم بلزوم بالاتیان بها استظهارا، لعدم ثبوت حرمة ذلک .

کما یظهر لک بعد الاحاطة بما ذکرناه من الأخبار، وما استفید منها، وجه حکم کلّ من أفتی بغیر ما ذکرناه، من التخییر بین السبعة والستة، وبین الأخذ بالعشرة فی الشهر الاول والثلاثة فی الثانی، أو عکسه بلحاظ کون الأخذ بین العشرة وبین الثلاثة علی نحو التحییز، وبین التقدیم والتأخیر المستفاد من قوله: «أقلّه ثلاثة

ص:318

وأکثره عشرة»، من دون الاشارة الی التمییز بینهما بالعدد _ کما اختاره علم الهدی، بل هو ظاهر الصدوق _ .

أو القول باختصاص التخییر بین الثلاثة الی العشرة بالدور الأول، دون سائر الادوار، کما عن أبی علیّ من الفتوی بمضمون مقطوعة ابن بکیر، أو القول بأنْ تجعل حیضها عشرة، وطهرها عشرة کما هو المنقول عن ابن زهرة فی «الغنیة»، حیث ذهب الی ترک العمل بالاخبار، والأخذ بقاعدة الامکان الی العشرة، أو العمل بدلالة الروایات التی وردت فیها بأنّ أقلّ الحیض ثلاثة وأکثره عشرة، فاخذ بأکثره مستندا بقاعدة، فأورد علیه صاحب «الجواهر» وغیره، بمنافاته مع ما دلّ علی أنّ الحیض فی کلّ شهر مرّةً، اذ لازم هذا القول امکان حصوله فی کل شهر مرتین، کما لا یخفی.

أو القول بتعیّن السبعة فی کلّ شهر خاصة _ کما هو المنقول عن الأردبیلی فی «مجمع الفائدة والبرهان» عملاً بروایة المرسل _ والأخذ بخصوص السبعة لا من جهة التخییر بینها وبین الستة.

وأمثال ذلک من الأقوال الکثیرة فی هذا الباب .

بل یکثر الاختلاف ویشتد إذا لوحظ الأمر بالنسبة الی المبتدأة المضطربة، من الافتراق بینهما فی الحکم وعدمه، کما علیه الأکثر، تمسکا بالاجماع المرکب، وعدم القول بالفصل، واستدلالاً بروایة المرسل من الحصر بین ثلاث طوائف فی السنن، من ذات العادة، وذات التمییز، والفاقدة له وبالرجوع الی الروایات ولم تکن المضطربة من القسمین الأولین فتدخل فی الأخیرة، وهی التی کانت للمبتدأة، کما لا یخفی .

***

ص:319

فروع فقهیّة

هنا فروع لا بأس بالاشارة الیها وهی :

الفرع الاوّل : قد عرفت أنّ المنسوب الی المشهور _ کما اعترف به صاحب «الجواهر» _ هو التخییر بین السبعة والستة، کالتخییر بین احداهما و بین الثلاثة والعشرة، أو العشرة والثلاثة، علی ما فی المتن، فحینئذ قد اعترض علی مثل هذا التخییر أوّلاً: بأنه لیس له شاهد جمع، هذا کما عن «الریاض».

وثانیا: أنّه لا معنی للتخییر بین الأقل والأکثر، لأنه یستلزم التخییر بین فعل الواجب وترکه، فیرجع التخییر الی دوران الأمر بین الواجب والحرام، وهو غیر جائز، فلابد من تعیّن اختیار السبعة خاصة .

هذا، ولکن أجاب عن الاوّل صاحب «الجواهر» بقوله: «وامّا ما ذکره من أنّه لا شاهد لهذا الجمع المقتضی للتخییر، فهو مع ابتنائه علی أنّ المراد به التخییر الحکمی لا العملی، یمکن القول بعدم الاحتیاج الیه فی خصوص المقام، لانتقال الذهن الی التخییر عند الامر بشیئین متضادین فی وقت واحد، من آمر واحد، أو ما هو بمنزلته»، انتهی محل الحاجة(1) .

وأمّا عن الثانی: فقد أجاب عنه المحقق القمی صاحب «الغنائم»، بأنّ التخییر هنا یکون نظیر التخییر للمسافر بین الاقامة _ فیجب علیه الصوم _ وبین عدمها فیحرم علیه.

وبعضهم اضاف الیه صورة التخییر بین تحصیل الاستطاعة _ فیجب علیه الحج _ وبین عدمه فلا یجب علیه، ونظائرهما .


1- الجواهر: 3/290 .

ص:320

لکن قد اعترض المحقق الآملی فی «مصباح الهدی» بقوله: «فرقٌ بین المقام وبین ما ذُکر، لأنّ تحصیل الحیض أو الاستحاضة علی مستمرة الدم، شی ء لیس بید المکلف واختیاره، کالاقامة والاستطاعة، فلا معنی للتخییر بینهما.

اللّهم الاّ أنْ یجعل تخییرا ظاهریا عند الشک فی الحیض والطهر واقعیا، انتهی محل الحاجة(1).

ولا یخفی أنّ الاشکال فی التخییر بین الأقل والأکثر، لا یکون منحصرا فی الجمع بین الطائفتین من الاخبار، من أخذ السبعة أو الثلاثة فی شهر، والعشرة فی الآخر أو عکسه، کما فی المتن، المستلزم جمعهما الحکم بالتخییر، بل یجری هذا الاشکال حتی لو عملنا بالمرسلة، لما ورد فی صدرها من التخییر بین الست والسبعة، لأنه أیضا تخییر بین الأقل والأکثر، مع أنّه قد نُسب الی الاشهر التخییر بینهما، کالتخییر بین ما قبله کما فی «مصباح الهدی» .

فالتحقیق فی الجواب أنْ یقال: إنْ قبلنا دلالة الحدیث علی التخییر بین الست والسبعة، فلا نحتاج حینئذ الی شاهد جمع، حتّی یرد بهذا الاشکال، لأنّه ان ثبت ذلک، فانه یختص بالاشکال من جهة التخییر بین الطائفتین، والحال أن الاشکال بأنّ التخییر بین الأقل والاکثر تخییرٌ بین واجب وحرام، یکون باقیا علی حاله، فلابد من البحث عن جواب مقنعٍ بحیث یشمل فرض التخییر بالمعنی الاوّل المذکور هنا.

وحقیقة الجواب هو أنْ یقال: إذا فرضنا صحة دلالة الحدیث علی التخییر، فیصیر التخییر نظیر التخییر فی الخبرین المتعارضین إذا کان مفادهما من قبیل الأقلّ والأکثر، حیث أنّ الوجوب والحرمة یدور مدار الاخذ بالخبر، وترتیب


1- مصباح الهدی: 5/20.

ص:321

الأثر علیه، لأن الحکم یعدّ أمرا اعتباریا شرعیا، فالأثر المترتب علیه تابعٌ للحدّ الذی اعتبره الشارع، فان کان أخذ بالأقل فالوجوب والحرمة تلاحظان بمقداره، وإنْ کان قد أخذ بالأکثر فکذلک، بالنسبة الیه، واختیار الأخذ _ علی الفرض _ یکون بیده شرعا، نظیر قصد الاقامة وعدمه، فدعوی الفرق بین الموردین لیس علی ما ینبغی، کما لا یخفی.

والعمدة هو التحقیق فی أصل تمامیة الدلیل وعدمه، لا البحث عن تمامیة الاشکالات وعدمها بعد فرض دلالة الدلیل، کما صدر عن بعض الاعاظم، واللّه العالم.

فاذا عرفت امکان الأخذ بالتخییر فی کلا طرفی التخییر إنْ تمّ دلیلهما، ظهر لک عدم تمامیة ما وقع للعلامة فی «المنتهی» و«النهایة» من الاشکال فی ذلک، حتّی أنّه رحمه الله حمل لفظ اداة (أو) فی المرسلة دلیلاً علی التفصیل فی الردّ الی اجتهاد المرأة ورأیها، مما یغلب علی ظنها أنّه الأقرب الی الحیض، امّا من عادتها أو عادة نسائها، أو ما یکون أشبه بلونه.

وقد عرفت عدم الحاجة الی مثل هذه التکلّفات، بعد امکان الاخذ بالتخییر فی سبب الوجوب، وهی الحرمة من التحیّض وعدمه .

الفرع الثانی : فی أنّه هل یصیر واجبا بما اختارته، وإنْ لم تعمل علی حسب اختیارها، أو یصیر اللزوم والوجوب بعد الاختیار والعمل؟

فیه وجهان: اختار صاحب «الجواهر» الثانی، کما هو الاقوی، لأنه مقتضی دلیل الاطلاق فی تخییرها، بل الاستصحاب لو شک فیه بعد الأخذ قبل العمل، لأن الاکثر کان مترتبا علی العمل، بل لعل الأخذ والاختیار لا یتحقق الاّ به لا بصرف النیّة والقصد.

نعم اذ أخذ وعمل بمقتضی ما أخذ، تترتب علیها أثره ویجب علیها العمل بما هو المأخوذ بالنسبة الی الشهر الثانی من العمل بالسبعة أو العدل الآخر من الثلاثة

ص:322

والعشرة . نعم، قد یأتی البحث فی أنّه إذا عملت بالسبعة فی الدور الاوّل، فهل تجب علیها العمل بالسبعة مثلاً فی سائر الادوار، أم إنّها تکون مختارة بالاخذ بها وبالعدل الآخر.

وقد یظهر من بعضٍ _ کالمنقول عن أبی علی _ اختصاص التحیّض بالعشرة فی الدور الاول، دون سائر الادوار، وجعل فیها ثلاثة ثلاثة.

ولکن الظاهر من الأدلة هو الثانی، أی یکون التخییر استمراریا لا بدّویا.

نعم الظاهر قوة القول بالزامها بما قد أخذها فی الشهر الاول، أمّا فی الشهر الثانی فان کان اختیارها أیضا بالسبعة یکون الحکم کذلک فی الثانی، أو بالعشرة أو الثلاثة ایضا، لأن العمل بأحد عدلی التخییر فی کلّ دور لازم، یعنی الاخذ بالسبعة فی الشهرین مثلاً، أو العشرة والثلاثة فیهما، فاذا اختارت الثلاثة فی شهر یلزم علیها العشرة فی الثانی، فیکون تمام دورها الشهرین، وبعد تمامهما ترجع الی التخییر الثابت لها بین روایة السبع أو الثلاث والعشرة.

والدلیل علی بقاء التخییر، هو اطلاق الدلیل، ومع الشک فیه فانه یجری استصحاب بقاء الحقّ .

فاحتمال اختصاص التخییر فی الدور الاوّل دون غیره، لا یخلو عن وهن، فما اختاره صاحب «جامع المقاصد» مما عرفت مع دلیله، لا یخلو عن ضعف .

کما أنّ احتمال جواز التلفیق، من العمل بطائفتین فی کل دور، بأن تختار فی أحد الادوار فی کل شهر بالسبعة وفی الآخر بالثلاثة، أو بالعکس، مما لا یمکن المساعدة معه، لأن الدلیل غیر وافٍ بذلک، حیث یظهر من روایة الثلاثة مع العشرة أنّه یلزم فی الشهر الآخر أنْ تأخذ بما اختارتها مما هو عدله فی الشهر الاوّل، فالمخالفة فی الترتیب بحاجة الی دلیل یدل علیه .

ثم إنّ هذا التخییر بین الأخذ بأحداهما وعدمه، هل هو مختص بالمفتی والمجتهد حتی یفتی علی طبقة، بحیث لا یکون للمقلد بعده تخییر بالخصوص،

ص:323

أو علی المجتهد أن یُخیر المقلّد بالتخییر فی الأخذ بایّهما شاء؟

وجهان: الظاهر والأوجه هو الثانی، اذ هو الظاهر من لسان الادلة حیث انها جعلت المرأة موردا لهذا الحکم، کما لا یخفی .

الفرع الثالث : هل التخییر الثابت للمرأة، یختص لمن استمر الدم منها شهرا أو عدة أشهر، أم أنّه ثابت حتّی لو انقطع الدم عنها بعد العشرة، کما لو انقطع الدم فی الیوم الحادی عشر، فتحیض حینئذ بین السبع والثلاث والعشرة؟

قد اختار صاحب «الجواهر» الاول، لکنه قال بعد ذکر التخییر بین السبع والثلاث و العشر: علی اشکال فی الاخرین، فتأمّل(1) .

و لعلّ وجه التأمّل هو عدم وجود وجه وجیه للاشکال، لأنّ المفروض أنّ حالة استمرار الدم منها یعدّ موردا لا شرطا، فاذا کان حدوث التخییر للمرأة التی لیست لها عادة، أو لیست لها عادة تعرفها من عادة أقاربها، وکانت فاقدة للتمییز ولا تتمکن من الرجوع الی الروایات بالعدد المذکور، بعد تجاوز الدم عن العشرة، وهی غیر عالمة بحال نفسها ان الدم یستمر منها او لا یستمر، فاذا حکم الامام فی حقها بالتخییر، فلا وجه لسقوطه بعد انقطاع الدم.

نعم برغم أن مراعاتها للاحتیاط حین العمل من جهة مراعاة تروک الحائض، واتیان اعمال المستحاضة حسنٌ جدا، خصوصا فی المورد المذکور، وذلک بمقتضی احتمال شرطیّة الاستمرار فی بقاء التخییر، لکنه کان بعید جدّا، واللّه العالم .

الفرع الرابع : هل یتعین علی المرأة وضع ما تختاره من العدد فی أول الدم من الشهر، أم هی مختارة فی وضعها فی أیّ یوم شاءت من أیّام الشهر؟

والذی یظهر من جماعة _ بل فی «الحدائق» نسبته الی الأصحاب _ هو الثانی، ولکن فی «الجواهر» و«مصباح الفقیه» وکلمات جماعة اخری کالعلامة


1- الجواهر: 3/293 .

ص:324

وذات العادة، تجعل عادتها حیضا ، وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها من العادة تمییز، قیل: تعمل علی العادة ، وقیل : علی التمیز ، وقیل: بالتخییر ، والأوّل أظهر (1).

فی «التذکرة» والفاضل فی «کشف اللثام» هو الاوّل، کما هو الاقوی.

مضافا الی مساعدته مع الاعتبار، وموافقته لاقتضاء الطبیعة، فان الوارد علی لسان روایتی ابن بکیر و یونس، من التعبیر «مَنْ عَدت أوّل ما رأت الدم الاول والثانی عشرة ایّام، ثم هی مستحاضة»، مع أنّ الوظیفة قد شرعت لها من أوّل رؤیة الدم، فان رجوعها الی الدلیل حینئذ لیس الاّ ما عرفت من دلالة الأخبار بالرجوع الی العدد المزبور، فلا وجه لاحتمال کونها بلا تکلیف فی أوّل الرؤیة الی أنْ تشاء أنْ یختاره من أیّام الشهر خارج العشر، اذ لابد لها أن ترجع الی معرفة حالها بمجرد تجاوز الدم العشرة، من التمییز أو ملاحظ عادة النساء من أقاربها أو الی الروایات، وهذا المعنی لا یمکن تحققه الاّ بأن تلاحظ الدم من اوّل رؤیتها له والتجاوز عنها، فیترتب علیه الحکم، کما لا یخفی.

فبعد الاحاطة بما ذکرناه من الدلیل، تقدر علی الاجابة عمّا ذکره صاحب «الجواهر» من الفروع التی لم تکن منقحة فی کلمات الأصحاب، ولا ضرورة لایراد هذه الفروع هنا والبحث عنها، اذ لا یترتب علی ذلک أثر فقهی مهم.

هذا تمام الکلام فی المبتدأة والمضطربة، بقی الکلام عن ذات العادة إذا تجاوزت دمها عن العشرة، سواء کان استمراره الی شهر أو ازید أو اقلّ حیث أشار المصنف الی حکمها فی المسألة القادمة .

فی الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا تجاوز الدم عشرة أیّام

(1) أقول: إنّ ذات العادة علی اقسام:

تارة: تکون العادة وجودیة، أی تکون عادتها حاصلة بالأخذ والانقطاع.

ص:325

واخری: تکون وصفیة، أی تکون حاصلة بالتمییز.

والکلام فی الصورة الاولی منها، فهو أیضا:

تارة: لا یعارض عادتها تمییز، یعنی یمکن الجمع بین عادتها والتخییر فی العشرة، أو کان عدم افتراقهما لوجود الفصل بأقلّ الطهر بینهما.

واُخری: ما یعارضها، ولا یمکن الجمع بینهما، لأجل کون الفصل بین العادة والتمییز، أقل من الطهر اللازم بین الحیضتین فی حیضیّة مستقلة بالتمییز.

فیالبحث أوّلاً یتوجه الی العادة الوجودیة غیر المعارض مع التمیز، ففی مثله لا اشکال فی تقدیم العادة وجعلها حیضا حیث ادّعی فیه الاجماع محصّلاً _ کما فی «الجواهر»، ومنقولاً کما عن «المعتبر» و«المنتهی» وغیرهما _ ، هذا فضلاً عن دلالة النصوص الواردة علیه، ثم تجعل ما عداها استحاضة حتّی ولو کان ایام الاستظهار.

وهذا ایضا تارة: یفرض مع کون عادتها فی کل شهر مرّة، عملاً بما دلّ علی أنّها فی کل شهر مرّة، مثل روایة أدیم بن الحرّ، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه علیه السلام ، یقول: ان اللّه حدّ للنساء فی کل شهر مرّة»(1).

ومثلها روایة الصدوق(2).

فالحکم فیه واضح ولا کلام فیه.

وامّا إذا کان أکثر من مرّة، کما لو فرض مع تخلل أقلّ الطهر بین العادة والتمییز فهو مبنیٌ علی فرض امکان تحققه، فیلزم حینئذ لها فی ضمن کلّ شهرین حیضة، کما یمکن لها أن یتحقق فی کلّ شهر حیضتین، بتکرر خروج الدم فی الشهر


1- وسائل الشیعة: الباب 9 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .
2- وسائل الشیعة: الباب 9 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:326

الحیضی، أعنی خلال ثلاثة عشر یوما، وإنْ استبعده بعضٌ کالمحقق الآملی.

هذا کله فیما إذا کانت العادة وقتیه وعدّدیة .

ففی هذه الصورة _ أی صورة عدم وجود المعارض لها، إمّا للجمع بینهما فی العشرة، أو لوجود الفصل بأقلّ الطهر بینهما _ ففد صرّح جماعة بحیضیّتما معا، بل قد ادّعی فی «الریاض» الاجماع فی الاوّل منهما، کما فی ظاهر «التنقیح» نفی الخلاف فیه، وقد تشعر به عبارة «المنتهی» أیضا، کما أنه قد نقل عن ظاهره الاتفاق فی الصورة الثانیة، وهو وجودالفصل بأقلّ الطهر.

ولعلّ الدلیل علی الحکم بحیضیّتهما، هو جریان قاعدة الامکان فیه، وعدم وجود التنافی فی العمل بعموم العادة والتمییز، فیعمل بهما، وظهور أدلة لزوم الاقتصار علی العادة أو التمییز، علی غیر ذلک، اذ لا ینفی اثبات الحیضیّة للعادة، حیضیة التمییز مع وجود الشرط فیه و لانه یشابه فیما إذا لم یستمر الدم بمقدار یتجاوز العادة، ثم حصل الفصل بأقلّ الطهر، ثم رأت الدم مرة اُخری، فیحکم بحیضیّتهما وکذلک یکون الحکم فیما اذا تجاوز الدم ایضا؛ کما لا یخفی .

و احتمال الاشکال فیه من جهة عموم أدلة العادة، حیث یحکم بلزوم جعل العادة حیضا مطلقا، سواء کان فی مثل المورد المفروض أو غیره، وایضا من جهة المستفاد من المرسل من اشتراط الرجوع الی التمییز عند فقد العادة، فلا یشمل ما تکون لها عادة، ومن الشک فی شمول قاعدة الامکان لمثل ذلک، کما قد یؤیده اطلاق الأصحاب من لزوم الرجوع الی العادة، _ خاصة مع التجاوز _ استحاضة وعدّ ما عداها، الشامل باطلاقه لبعض صور المقام.

مما لا یمکن أن یُصغی الیه، اذ لیس فی شی مما ذکر مما یمکن أن یستدل به علی نفی الحکم بالحیضیة فی الثانی، غیر ما عرفت من عدم امکان فرض حدوث الحیض فی کلّ شهر الاّ مرّة واحدة، عملاً بما عرفت من دلالة الخبر، وفیه

ص:327

تأمّل کما لایخفی .

و امّا إذا فرضنا وجود المعارضة بین العادة والتمییز فی العادة الوجودیة، یعنی فیما إذا لم یمکن الحکم بحیضیة کلّ من العادة والتمییز، مثل ما إذا لم یفصل بینهما، أقل الطهر، ففی اختصاص الحیض بأیّام العادة _ کما فی صورة عدم المعارضة فی هذه الناحیة _ أو اختصاص الحیض بأیام التمییز أو التخییر بینهما، أقوالٌ: فالمشهور علی الاول، نقلاً وتحصیلاً کما هو مختار المصنف قدس سره ، وصاحب «الجواهر» وصاحب «مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی»، خلافا للشیخ فی «الخلاف» و«المبسوط» حیث قد ذهب الی الثانی، وقد نسب الیه فی «النهایة» ولکن النسبة غیر ثابتة کما صرح به فی «الجواهر».

کما قد ذهب الی التخییر صاحب «الوسیلة».

و لکن الاقوی هو الاوّل، وذلک لامکان الاستدلال بعموم ما دل علی الرجوع الی العادة، الشامل بعمومه حتّی حال المعارضة، بل وبما ورد من الدلیل علی أنّ الصفره والکدرة فی أیّام الحیض حیض .

وبموثق اسحاق بن جریر، حیث جعل شرط جواز الرجوع الی التمییز فقد العادة حیث قال علیه السلام : «تجلس أیّام حیضها، ثم تغتسل لکلّ صلاتین. قالت: إنّ أیّام حیضها تختلف علیها... الی أنْ قال علیه السلام : دم الحیض لیس به خفاء، وهو دم حارّ تجد له حرقة»(1) .

حیث أمرها علیه السلام بالجلوس فی أیّام العادة، ثم بعد الاشتباه لمکان الاختلاف، أرشدها الی التمییز بالصفات، حیث یظهر منه أنّ الرجوع الی الصفات لا یکون الاّ بعد الجهل بالعادة .


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:328

وأظهر منه _ بل هو الصریح _ مرسلة یونس، حیث قال: «ولو کانت تعرف أیّامها، ما احتاجت الی معرفة لون الدم، لأن السنة فی الحیض أنْ تکون الصفرة والکدرة فما فوقها فی أیّام الحیض _ إذا عرفت _ حیضا کله، إن کان الدم أسود، أو غیر ذلک، فهذا یبیّن لک أنّ قلیل الدم وکثیره أیّام الحیض حیضٌ کله، إذا کانت الأیام معلومة، فاذا جهلت الأیام وعددها، احتاجت الی النظر حینئذ الی اقبال الدم وادباره، وتغیّر لونه، ثم تدع الصلاة علی قدر ذلک».(1)

فبواسطة هذین الخبرین المعتضدین بالشهرة العظیمة، یجب تقیید اطلاق الأخبار الدالة بالاطلاق علی الرجوع الی الصفات، حتّی إذا کان معارضا مع العادة بما إذا لم یکن کذلک، وان کانت النسبة بین هذین الاطلاقین هو العموم من وجه، الا أنّه یقدم أخبار العادة علی أخبار التمییز بواسطة الشهرة، بل کادت أنْ تکون اجماعا، لعدم وجود المخالف فیه الاّ الشیخ فهو أیضا خالف فی سائر کتبه ما ذهب الیه فی «المبسوط» و«الخلاف»، بل قیل إنّه خالف حتّی فیهما أیضا، حیث قال بعده: «ولو قیل بتقدیم العادة مطلقا لکان قویّا»، فانه دلیلٌ علی رجوعه عما قاله قبله.

بذلک یظهر ضعف القول الثانی، وهو تقدیم التمییز علی العادة، کما یظهر ضعف القول بالتخییر، کما هو ظاهر «الوسیلة»، حیث قد جعل التخییر نتیجة العمل بالعمومین المتعارضین، مع أنّ مقتضی الجمع بینهما لیس التخییر العملی الفرعی، بل مقتضاه هو التخییر الاصولی بالنسبة الی وظیفة المجتهد، بخلاف التمییز الفرعی، حیث یکون بالنسبة الی عمل المقلد، أو ربما قیل فی التخییر الاصولی، بأنّه تخییر المجتهد بالأخذ بأحدهما، فاذا أخذه فعلی المقلد العمل بما أخذه دون


1- وسائل الشیعة: الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:329

أن یختار غیره.

بل ربما قیل: بأنّ التخییر هنا بدویٌ لا استمراری دون الثانی.

وفیه کلام نوکل تفصیله وتنقیحه الی محلّه فی الاصول.

هذا تمام الکلام فی تعارض العادة مع التمییز فی العادة الوجودیة، أی إذا کانت عادتها حاصلة بالأخذ والإنقطاع .

وامّا إذا کانت العادة وصفیّة، أی حاصلة بالتمییز.

ففی تقدیم العادة علی التمییز کما علیه الأکثر، مثل صاحب «الجواهر» و«مصباح الفقیه» و«مصباح الهدی» بمقتضی اطلاق الفتاوی، وصریح بعضها.

أو تقدیم التمییز علی العادة.

أو التوقف، کما هو المحکیّ عن شارح «الروض» و«کاشف اللّثام»، اقوالٌ: ذهب جماعة من الفقهاء الی تقدیم التمییز علی العادة، کالمحقق الثانی فی «جامع المقاصد»، حیث استدل لذلک بأمور ثلاثة: أوّلاً: بأنّه لو حُکم بتقدیم العادة العاریة عن الوصف علی له من الوصف، للزم زیادة حکم الفرع علی الأصل، لأنّ اصل اعتبارها إنّما جاء من الصفة، فلا تبلغ مرتبة تقدم علی الصفة حتّی بالنسبة الی ما هو خالٍ عن الوصف .

واُجیب عنه کما فی «مصباح الهدی»: بانه مجرّد اعتبار لا یعتمد علیه، بعد القول بثبوت العادة بالتمییز.

هذا ولکن الأولی فی الجواب أن یقال ، أولاً : بأنّه إذا ثبتت العادة _ ولو بالوصف والتمییز _ یوجب تحقق الموضوع، للدلیل الذی یدل باطلاقه، من تقدیم العادة علی التمییز، حیث یشمل باطلاقه حتّی ولو کانت حاصلة من التمییز، کما لا یخفی .

وثانیا: من الاشکال فی شمول ما دل علی تقدیم العادة علی التمییز للعادة

ص:330

الحاصلة من التمییز، بدعوی انصرافه عنه.

وفیه ما لا یخفی، حیث أنّه مجرد دعوی، والاّ کان الاطلاق مقتضیا لذلک، اذ لم یبیّن فی الدلیل بکون العادة حاصلة بالاخذ والانقطاع، ولا اشکال من وجود العادة الوصفیة فی النساء أیضا .

وثالثا: أنّ المسّلم من الدلیل علی تقدیم العادة علی التمییز، هو الاجماع، والمتیقن منه هو الاجماع علی لزوم الأخذ بها، ما لم یعلم منها التمییز، وأمّا مع التعارض فهو غیر ثابت.

ولأجل هذین الوجهین، تری الحکم بالتوقف من «شارح الروض» و«کاشف اللثام»، بل فی «مصباح الهدی» قال: وهذان الوجهان لا یخلوان عن قوة، وعلیهما فالأحوط الجمع بین تروک الحائض، وأعمال المستحاضة، انتهی(1) .

وفیه: إنّ الدلیل علی تقدیم العادة علی التمییز لیس خصوص الاجماع، حتّی یقال بتلک المقاله من الأخذ بالقدر المتعین، لکونه دلیلاً لبّیا، بل الاجماع مؤیدا بالنصوص فاطلاقها یشمل حتّی صورة المعارضة، ولو لم یکن هذا القسم معتضدا بالاجماع.

نعم، الذی ألجائه علی ذلک، هو قبوله الانصراف فی الاخبار عن هذه الصورة، فبعد عدم شموله للاجماع أیضا، یوجب ذلک، و لذلک قلنا فی حاشیة «العروة» بأنه لا یبعد ترجیح العادة علیها، ولکن برغم ذلک فانه لا یترک الاحتیاط فی الصفات أیضا، بما عرفت فی مقابل قول مثل السیّد فی «العروة» تبعا للمحقق من القول بترجیح الصفات علی العادة.

ثم إذا عرفت بأنّ الأخبار تدل علی تقدیم العادة مع التمییز والصفات، وکان


1- مصباح الهدی: 5/5 .

ص:331

وجه التقدیم کونها أقوی الامارات، فانّ الصفرة والکدرة فی أیّام الحیض حیض کلّها، فاذا عرِفَتْ أیامها جعلتها حیضا، و لا تعتنی باوصاف الدم، ولا فرق فی ذلک بین ما إذا عرفت أیّامها تفصیلاً وقتا وعددا _ بأن استقرت عادتها من حیث الوقت کأول الشهر _ ومن حیث العدد _ کالسبعة _ أو عرفت عادتها من حیث الوقت فقط من کونها فی أوّل کلّ شهر دون العدد، أی عرِفَتْ أنّ عادتها تکون بدایة کلّ شهر مثلاً، وأنّ الصفرة والکدرة فی تکونان فی أیّام معیّنة من أوّل الشهر، أمّا اقل الحیض أو القدر الجامع بین أقرائها فانّه حیض کلّها.

وامّا من حیث تعیین العدد، فهی بحاجة الی معرفة ألوان الدم، فحکمها من هذه الجهة یکون حکم ناسیة العدد، حیث ترجع الی التمییز فی تعینیه، لأنّ المفروض عدم وجود عادة فعلاً من حیث العدد .

أما اذا عرفت أیّام عادتها عددا دون الوقت، أی لو عرفت اجمالاً بأنّ عادتها فی کلّ شهر سبعة أیّام مثلاً، فعلیها أنْ تتحیضّ بذلک المقدارکل شهر، سواء ساعدت علیها الاوصاف أم لم تساعد.

وامّا من _ حیث الوقت حیث لا تکون لها عادة _ فتصیر کالمتحیرة، وعلیها الرجوع الی الاوصاف وغیرها .

فما یری من مناقشة بعض أصحابنا فی الفرض الاخیر، من لزوم رجوع ذات العادة الوقتیة الی وقتها، وعدم التفاتها الی التمییز والاوصاف، بدعوی ظهور الأخبار فی غیرها _ کما نقله صاحب «الجواهر» _ لیس بشی ء، لما قد عرفت من أنّ المتبادر من الأخبار، لیس الاّ لزوم ترک الصلاة فی الوقت المعهود، کما تری فی جواب سؤال أنّ المرأة فی صحیحة اسحاق بن جریربیان اوصاف الحیض حیث آمرها الامام علیه السلام بقوله: «تجلس أیّام حیضها»، ای علیها الجلوس فی أیّام عادتها حتّی من حیث الوقت، ولذلک قالت له: «إنّ حیضها تختلف علیها وربّما

ص:332

وها هنا مسائل :

الأولی : إذا کانت عادتها مستقرة عددا ووقتا ، فرأت ذلک العدد متقدما علی ذلک الوقت ، أو متاخرا عنه ، تحیّضت بالعدد ، وألغت الوقت ، لأنّ العادة تتقدّم وتتأخر ، سواء رأته بصفة دم الحیض أو لم تکن (1).

یتقدم الحیض الیوم والیومین والثلاثة ویتأخر مثل ذلک، فما علمها به؟ قال علیه السلام : دم الحیض لیس به خفاء) حیث أنّ الامام علیه السلام أرجعها عند اختلاف وقتها الی تشخیص حیضها بالاوصاف، فیفهم منه أنّ الرجوع الی الاوصاف فی تشخیص الحیض، یساعد مع کل عادّة من حیث الوقت والعدد، من دون فرق فی ذلک بین کون عادتها وقتیة وعددیة أو احداهما فقط. ولکن لیس الاعتماد علی الاوصاف علی حدّ یوجب رفع الید عن العادة من حیث العدد، لو کان لها عادة عددا، کما قد یترأی من هذه الصحیحة، لما ثبت نصا واجماعا من أنّ العادة تستقر بمجرد رؤیة الدم عدّة أیّام، سواء شهرین وما زاد، وأنّه إذا استمر بها الدم ترجع الی عادتها عند استقرارها، والمرجع الی الصفات والتمییز إنّما یکون من الحیثیّة التی لیس لها عادة، وعلیها یؤل اطلاق الصحیحة جمعا.

فی الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا تقدّمت العادة أو تأخّرت

فثبت من جمیع ما ذکرناه، لزوم تقدیم العادة علی التمییز مطلقا، ای فی الاقسام الثلاثة من العادة، واللّه العالم .

(1) اذا عرفت حکم المرأة ذات العادة، وأن العادة هی المرجع فی کلّ شهر لها، فان المصنف یرید فی هذه المسألة بیان حکم من تقدمت عنها العادة أو تأخرت عن الوقت الذی کانت مستقرة لها، کمن کانت ذات عادة عددیة وقتیه، بل وکذلک لو رأت غیر ذلک العدد قبل الوقت أو بعده، وأمکن أن تکون ما رأته حیضا، فان علیها حینئذٍ الغاء الوقت نصّا واجماعا، کما قد مضی بحثه عن المصنف وغیره،

ص:333

عند التکلم فی قاعدة الامکان، فالنص والاجماع ثابتان فی کل من الموردین، کما هو الظاهر نقله عن «کشف اللثام»، بل ویشهد علیه الوجوه و الاعتبار وقاعدة الامکان . بل ینطبق علیه النصوص، کما نشیر الیه، مثل مضمرة سماعة: «قال: سألته عن المرأة، تری الدم قبل وقت حیضها؟ قال: فلتدع الصلاة، فانه ربما تعجّل بها الوقت»(1).

فان الخبر باطلاقه یشمل ذات العادة العددیة والوقتیّة، کما یشمل خصوص الوقتیة، حیث قد لوحظ فیه التعجیل عن وقتها، فکأنّها کانت لها عادة عددیة، والخلل وقع فی وقتها بالتعجیل، وقد أمضاه الشارع بأنّه ربما یکون کذلک.

نعم، قد نقل عن الشیخ فی «المبسوط» أنّه قال: «متی استقر لها عادة، ثم تقدمها الحیض بیوم أو یومین، أو تأخر بیوم أو یومین، علمت بأنّه من الحیض، وإنْ تقدم بأکثر من ذلک أو تاخر بمثل ذلک الی تمام العشرة أیّام، حکم أیضا أنّه من الحیض. فان زاد علی العشرة لم یحکم بذلک».

ویرد الاعتراض علی قوله فی آخر کلامه من أنّه إنْ زاد علی العشرة لم یحکم به، أی فی الجمیع، لا أنْ لا یحکم بالحیض بالعادة، والاّ یرد علیه الاشکال بأنّه کیف لا یحکم به فی خصوص العادة، لما قد عرفت من دلالة قاعدة الامکان علی ذلک، بلا فرق فی ذلک بین ما الذی رأته کانت بصفة الحیض، أو لم یکن، فالحکم بالحیضیة علی ما تقدم أو تاخر مما لا اشکال فیه .

نعم، والذی ینبغی البحث فیه هو أنّه هل التی تتحیض برؤیة الدم قبل وقتها علیها التربّص الی ثلاثة أیّام، التی کانت أقل الحیض، حتّی تستقر حیضها، أو یفصل بین ما هو بصفة الحیض فتحکم بمجرد الرؤیة، وبین غیره بالتربص الی


1- وسائل الشیعة: الباب 15 من أبواب الحیض، الحدیث 2.

ص:334

ثلاثة، وجوه: ففی «الجواهر» وقد تقدم فی المبتدأة أنّ التحقیق یقتضی التفصیل بین الجامع وغیره، فینطبق علی الوجه الثالث.

وفی «مصباح الفقیه»: أوجهها الاوّل، کما سبق تحقیقه فی حکم المبتدأة، یعنی الحکم بالحیضیة بمجرد الرؤیة، وهذا هو الاوفق بالاحتیاط فیؤخذ به حتّی هنا، الاّ أن ینکشف الخلاف بالانقطاع قبل الثلاث.

کما لا فرق فی هذا الحکم بین التقدم والتأخر، أی حکم التأخر مثل حکم التقدم فی الالحاق بالحیض، فیما تجری فیه قاعدة الامکان.

فما یُنقل عن بعض من التفصیل بین التقدم _ حیث لم یحکم بالتحیّض _ وبین التأخر _ حیث یحکم به لکون التأخر أزید انبعاثا _ مما لا یمکن ان یُصغی الیه، کما أشرنا الیه سابقا .

أقول: ما ذکره صاحب «الجواهر» من اشتراط کون التقدم والتأخر مما یکون بمقدار یعتدّ به بحیث لا یتسامح بمثله بالنسبة للعادات، کالیوم والیومین ونحوهما، لصدق الرؤیة فی وقت الحیض علی مثله، وبما یشیر الیه خبر اسحاق بن عمار، عن أبی بصیر، عن الصادق علیه السلام : «فی المرأة تری الصفرة؟ فقال: إنْ کان قبل الحیض یومین، فهو من الحیض، وإنْ کان بعد الحیض بیومین فلیس من الحیض»(1) .

فی الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا رأت قبل العادة و بعدها

لیس علی ما ینبغی، لوضوح أنّه لا فرق فی التقدم والتأخر الذی قد یتفق ویحکم بالحیضیة، بمجرد الرؤیة فی التقدم، بین کونه بیوم أو بیومین أو ازید منهما، وإنْ کان الغالب هو هذا المقدار، لکنه لا یوجب هذا التفصیل الذی یظهر من کلامه. اما خبر اسحاق بن عمّار لا یمکن أن یصیر دلیلاً علی التقید، بل یمکن أنْ یکون ذکر هذا المقدار من باب المثال والغالب، کما لا یخفی علی المتأمل .


1- وسائل الشیعة: الباب 4 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:335

الثانیة: إذا رأت قبل العادة ، وفی العادة ، فإن لم یتجاوز العشرة ، فالکلّ حیض ، وإنْ تجاوز ، جعلت العادة حیضا ، وکان ما تقدمها استحاضة (1).

وکذا لو رأت فی وقت العادة وبعدها ، ولو رأت قبل العادة وفی العادة وبعدها ، فان لم یتجاوز العشر ، فالجمیع حیض ، وإنْ زاد علی العشرة ، فالحیض وقت العادة ، والطرفان استحاضة (2).

(1) ما ذکره من الفرعین، مما لا خلاف فیهما وفی حکمهما، لما قد عرفت أنّ المدار مع وجود العادة _ سواء کانت عددیة ووقتیة، أو مع احداهما _ هو حفظ أیّام العادة، ومع ملاحظة عدم التجاوز عن العشرة، فالکلّ حیض من العادة، مع ما تقدمها من الأیام بیوم أو یومین أو ثلاثه.

وما ذکره صاحب «الجواهر» فی ذیل کلام المصنف، من اشتراط الاتصال، وکون ما تقدم مما لم یکن فیه بیاضٌ قبل أقل أیّام الحیض حیضٌ، والا لا یکون حیضا.

مما لا حاجة الی ذکره، لأنّ ظاهر کلامه البحث عن صورة وجود الشرائط، غیر کونه متقدما، کما یومی الیه عنوان (رأت...) ولعله لأجله أمر بالتأملّ.

کما أنّه یجب أنْ نلاحظ بأنّ الحکم باعتبار الدم المتقدم استحاضة، لو تجاوز عن العشرة مع وجود العادة، بین کون الدم فیما تقدم واجدا لصفة الحیض أم لا، أی یعارض التمییز مع العادة أو لم یعارضه، کما عرفت سابقا بأنّ العادة هی المرجع مطلقا .

(2) ما ذکره فی القسمین الأخیرین، مما لا خلاف فیهما بین أصحابنا، خلافا لأبی حنیفة حیث ذهب فیما لم یتجاوز العشرة إذا رأت فی العادة وما بعدها، إلی الحکم بالحیضیة فی خصوص العادة، دون ما بعدها.

هذا، مع وجود المقتضی لجریان قاعدة الامکان فیه، وعدم وجود مانع

ص:336

الثالثة: لو کانت عادتها فی کلّ شهر مرّة واحدة، عددا معینا ، فرأت فی شهر مرتین بعدد أیّام العادة ، کان ذلک حیضا (1).

عن الحکم بالحیضیة فیه . وخلافا للشافعی فی القسم الأخیر، وهو ما رأت قبل العادة وفیها و ما بعدها فیما یتجاوز عن العشرة، حیث ذهب الی الحکم بحیضیة جمیعها، ما لم تتجاوز المجموع عن خمسة عشر یوما، لأنه قد جعل أکثر الحیض هذا المقدار، وخلافا لأبی حنیفة فیه أیضا، حیث حکم بحیضیة العادة وما بعدها، إذا لم تتجاوز العشرة، دون ما تقدم منها.

ولعلّ الوجه فی ذلک أنّه قد جعل استصحاب الحیضیة لما بعد العادة _ الفاقد لهذا الأصل _ لما قبلها، ولأجل ذلک فرّق بین المتقدم والمتأخر.

ولکنه ینافی مع ما اختاره سابقا من الحکم بالرجوع الی العادة، حتّی مع عدم التجاوز عنها، فی خصوص العادة وما بعدها، کما لا یخفی.

ولکن کلامهما ضعیف، لاطلاق الادلة الدالة بلزوم الرجوع الی العادة عند التجاوز عن العشرة، فی جمیع الاقسام الثلاثة.

(1) لا فرق فیمن کانت عادتها فی کلّ شهر مرّة واحدة عددا معینا، أن تتعیّن لها وقت معین، فلو رأت فی شهر مرّتین، یحکم بحیضیتهما، إذا فصل بینهما، بأقلّ الطهر، لأنه شرط فی الحکم بالحیضیة، وفی هنا فانه یحکم فی هذا المورد بالحیضیة، بلا اشکال، لقاعدة الامکان، بل ودلالة بعض النصوص، مثل صحیحة محمد بن مسلم: «رؤیة الدم إذا کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبله»(1).

فالمسأله واضحة ولا کلام فیها .


1- وسائل الشیعة: الباب 11 من أبواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:337

ولو جاء فی کلّ مرّةٍ أزید من العادة ، لکان حیضا إذا لم یتجاوز العشرة ، فإن تجاوز تحیّضت بقدر عادتها ، وکان الباقی استحاضة(1) .

والمضطربة العادة ترجع الی التمییز ، فتعمل علیه ولا تترک الصلاة ، الاّ بعد مضی ثلاثة أیّام علی الأظهر(2).

(1) و حکم هذا الفرع أیضا واضحٌ ومستفاد من الأدلة، وکلمات الاصحاب رحمهم الله .

(2) ظاهراطلاق کلام المصنف عن المضطربة العادة،هی التی تکون اضطرابها من جهة نسیان عادتها وقتا وعددا، بأن لم تحفظ شیئا منهما، ففی مثلها ترجع الی التمییز بلا خلاف أجده، لاطلاق الادلة ولروایة السنسن الصریحة فی ذلک، وإنْ استشکل فیه، ولکن لولا خطنا التقسیم الوارد فی خبر سنسن، حیث قسّم المرأة الی ثلاثة أقسام: من ذات العادة، وذات التمییز، والمبتدأة. والمضطربة لا تکون ذات العادة والمبتدأة قطعا، فلابد أنْ تکون مندرجة فی ذوات التمییز.

نعم، قد نقل عن أبی الصلاح من رجوع المضطربة الی النساء، ثم التمییز ثم سبعة سبعة، وعن ابن زهرة من عدم الالتفات الی شی ء من ذلک، بل تتحیض بعشرة بعد الفصل بأقل الطهر.

فی الاستحاضة / فی حکم المضطربة

ولا یخلو کلامهما عن ضعف، لما قد عرفت من مقتضی دلاله الأدلة .

ثم اُورد علی اطلاق کلام المصنف _ بأنّ المضطربة مطلقا، أی سواء کانت قد نسیت عادتها عددا أو وقتا أو کلیهما، علیها الرجوع الی التمییز _ بأنه لا یستقیم لمن کانت ذاکرة العدد الناسیة للوقت، لو عارض تمییزها عدد أیّام العادة، فانها لم ترجع الی التمییز قطعا.

وقد حاول البعض الدفاع عن المصنف بأنّ مراده هی التی طابقت تمییزها عادتها، بدلیل ما ذکره من ترجیح العادة.

ص:338

ثم اعترض صاحب «المدارک» علی المعتذر بعدم ظهور ذلک وانه لو ثبت ذلک لما ثبت لاعتبار التحیّض حینئذٍ فائدة تذکر. ثم قال: ویمکن أنْ یقال باعتبار التمییز فی طرف المنسی خاصة، أو تخصیص المضطربة بالناسیة للوقت والعدد، ولعل هذا اولی .

وفی «الجواهر» قال: «قلت لکن ینافیه تقسیم المصنف بعد ذلک المضطربة _ عند فقد التمییز _ الی الأقسام الثلاثة»، انتهی کلامه(1) .

وقال الهمدانی فی «مصباح الفقیه» بعد نقل کلام صاحب «الجواهر»: «اقول: فالاظهر ارادتها بمعناها الاعمّ، واعتبار التمییز فی طرف المنسیّ خاصة، ففائدته تعییّن وقت حیضها من ذلک الشهر، عند موافقته لعدد المعلوم، وتعیّن العدد المنسیّ فی الوقت المعین. فالمراد من اطلاق القول برجوع الناسیة الی التمییز، إنّما هو رجوعها الیه من حیث کونها ناسیة، فلو ذکرت عادتها من بعض الجهات والخصوصیات، لا تعتنی باوصاف الدم من تلک الجهة»، انتهی کلامه(2) .

ولکن الأولی عندنا، هو کون المراد الناسیة عددا ووقتا، کما اختاره صاحب «المدارک» فی آخر کلامه، لأن من کانت لها عادة بالعدد أو الوقت، لا یطلق علیها مضطربة العادة بصورة المطلق، فصحّة هذا الاطلاق من دون ذکر خصوصیة، لا تکون الاّ فیمن نسیت عادتها مطلقا، خصوصا أنّ کلام المصنف سابقا، بأن ذات العادة _ باطلاقها الشامل للثلاث _ ترجع الی عادتها، مبیّن لما ذکرناه، فالاشکال غیر وارد علیه، کما لایخفی .

و امّا حکم ترکها للعبادة، فهل هو ثابت بمجرد رؤیة الدم، أو أنّ علیها أن


1- جواهر الکلام: 3/299 .
2- مصباح الفقیه: 5/265 .

ص:339

تتربّص الی ثلاثة أیّام؟

وقد عرفت أنّ الحکم فی المبتدأة، هو ثبوت ذلک بمجرد رؤیة الدم الجامع للصفات، الاّ ما لا یکون کذلک فعلیها الاحتیاط، لأنّه المستظهر من الأخبار الواردة، ومنها قوله: «من أوّل ما رأت».

ولا یبعد أنْ یکون حکم المضطربة حکم المبتدأة اذا کان دمها واجدا لصفة الحیض، خصوصا إذا قلنا بحرمة العبادة ذاتا، فانه لا اشکال فی کون الأخبار دالة علی لزوم ترکها العبادة بمجرد الرؤیة، فاذا استقر لها الحیض فهو، والاّ فان علیها قضاء تلک الفرائض التی فاتتها فی فترة اظطرابها .

خلافا لصاحب «الجواهر» قدس سره ، حیث قال: «بل قد عرفت أنّ الأقوی مساواتها للمبتدأة، فی التفصیل بین الجامع للصفات وعدمه»، حیث لم یحکم بالاحتیاط فی غیر الجامع.

وقال بعده: کما أنّه قد فرق بعضهم بینهما، فاحتاط فی المبتدأة بالثلاثه، وجعل المدار هنا علی الظن، مسّتدلاً بروایة اسحاق بن عمّار، عن الصادق علیه السلام : «فی المرأة تری الصفرة، إنْ کان قبل الحیض بیومین فهو من الحیض»(1) .

بتقریر أنّ الحکم بذلک إنّما هو لمکان الظن، من جهة التقدم بالیومین.

وفیه أوّلاً: بما قد عرفت أنّ المبتدأة تتحیّض بمجرّد الرؤیة، بواسطة دلالة الروایة.

وثانیا: أنّ هذه الروایة واردة فی حق المعتادة، اذ هی التی تحصل علی الظن بذلک، لا مثل المضطربة التی تضطرب من جهة نسیان الوقت، حیث لا یمکن لها أنْ تحصل علی الظن بتقدیم یومین، حتّی تعمل بظنها، کما لا یتم التربص ثلاثه


1- وسائل الشیعة: الباب 4 من أبواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:340

فان فقدت التمییز ، فهنا مسائل ثلاث :

الأولی : لو ذکرت العدد ونسیت الوقت ، قیل: تعمل فی الزمان کلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کلّ وقت یحتمل انقطاع دم الحیض فیه ، وتقضی صوم عادتها (1).

ایام فی المضطربة التی تکون قد ضبطت الوقت، وانها نسیت العدد فقط، لوضوح أنّها تتحیض بمجرد الرؤیة، اذا کان دمها واجدة للصفة.

وکیف کان، فالأقوی عندنا کونها کالمبتدأة فی الحکم بالحیضیة مع رؤیتها اول الدم _ کما ورد فی النص _ إذا کان واجدا للصفات، والا فان علیها أن تحتاط بالجمع بین تروک الحائض واعمال المستحاضة الی ثلاثة .

(1) قلنا: فی المضطربة التی کانت ذاکرة العدد وناسیة الوقت، وکان العدد المذکور تارة مرددا فی جملة عدد لا یزید ذلک العدد المذکور علی نصف ما وقع فیه التردید، بل هو امّا یساویه أو یقلّ عنه، وهما کالخمسة بالنسبة الی العشرة فی الاولی، والأربعة بالنسبة الیها فی الثانیة.

فالاقوال فی المقام خمسة:

فی الاستحاضة / فی حکم المضطربة لو ذکرت العدد و نسیت الوقت

قول: فی «المبسوط» و«الارشاد» و«الحدائق»، بل والمصنف بعنوان مُشعرٍ بتمریضه، هو الاحتیاط فی جمیع تلک الایام، إنْ ترددت فی العدد، أی العشرة فی المثال المفروض، فتعمل فیها ما تعمله المستحاضة، وتغتسل للحیض فی کلّ وقت یحتمل انقطاع الدم، ثم تقضی صوم عادتها.

وجعلوا وجه ذلک، عدم تشخیصها للحیض فی وقت خاص مع وجود ادلة الاحتیاط.

و قول: وهو المنسوب الی المشهور _ کما فی «الحدائق» _ والی الأکثر _ کما

ص:341

فی «المدارک» _ واختاره العلامة فی «المختلف» و«القواعد» والشهید فی «المسالک» وغیر، وهوالتخییر فی وضع عددها فی أیّ وقت شائت من الشهر، والظاهر کونه مختار صاحب «الجواهر» أیضا، حیث قال: «لا ینبغی التوقف فی رجوعها الی عددها فی کل شهر» .

وقول: هو المذکور فی القول السابق، الا أنّه مشروط بعدم وجود الامارة المفیدة للظن بموضع خاص.

هذا، کما علیه «الذکری» و«البیان»، ولعلّه مقبول للآخرین من هذا الوجه، لأنّ کلامهم فیما لم یکن مثل هذا الظن موجودا، والاّ فانه مع وجوده یکون مرجّحا، فیخرج عن التخییر .

وقول: بأنه تجلس فی الشهر الأول من اول دم تراها مقدار حیضها، ثم انها تجری الأحکام فی باقی الشهور.

وهذا القول منقول عن «الذخیرة» حیث قال:

لو قیل بذلک، لم یکن بعیدا من الصواب .

وقول: للشیخ فی «الخلاف» وهو الذی استوجب استغراب صاحب «الجواهر» قدس سره ، من التفوه به وهو أنّ ناسیة الوقت أو العدد، تترک الصلاة والصوم فی کل شهر سبعة أیّام، وتغتسل وتُصلّی الباقی، وتصوم فیما بعد، ولا قضاء علیها.

ثم قال الشیخ: دلیلنا اجماع الفرقة .

ولعلّ الاقوی هو قول المشهور، من رجوعها الی العدد المذکور فی کل شهر، ووضع عددها فی أی موضع من الشهر، إذا لم یکن لها امارة مفیدة للظن بکون ذلک حیضا، والا تقدم ذلک، لأنه المستفاد من الروایات بأخذ العادة فی کلّ ما یکون لها العادة وقتا أو عددا.

کما أنّه مقتضی حال الناسیة للوقت والعدد، کون اذ لا یعقل المضطربة من

ص:342

حیث الوقت أسوء حالاً من الناسیة للوقت والعدد، بل لا یبعد استفادة خصوص ما ذهبنا الیه من قوله علیه السلام فی مرسلة یونس: «تجلس قدر أقرائها وأیّامها»، بل وغیر المرسلة من سائر الاخبار الآمرة بالجلوس أیّام حیضها وأقرائها.

ودعوی اختصاصها بمعلومة الوقت تکون بلا وجه ودلیل، لأنّ اطلاقها یشملّ کل من کانت لها هذه الایام، کما تری دعوی الاجماع فی «الریاض» علی من أستقر عادتها علی العدد فقط، بالرجوع الی عدد أیامها.

ودعوی الفرق بین ما نحن، وبین ذات العادة عددا بالنسیان، تکون بلا شاهد، لأنّ ذات العادة ترجع الی عادتها من حیث کونها ذات عادة، فلا فرق فی ذلک بین کون عادتها معلومة من حیث الوقت أو من حیث العدد، بینما لم تستقر لها عادة من سائر الجهات التی توجب عدم استقرار العادة لها، أو توجب تعذر الرجوع الیها لنسیانها، فتعمل علی التمییز.

وإنْ تعذر فی حقها ذلک أیضا، فلا محالة علیها أن تجعل الحیض فی مرحلة الظاهر فی کلّ شهر بعدد أیامها، کما أنّه لو لم یکن لها أیامٌ معلومة تتحیّض ستة أو سبعة، علی ما عرفت توضیحه فی الروایة .

فاذا عرفت وجوه مثل هذه الأدلة الدالة علی ما ذکرناه، لا یتعین وجهٌ للقول بوجوب الاحتیاط فی الأیام التی لا تتعین کونهاحیض، وان کان الاحتیاط بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة، حسنٌ علی کلّ حال، لکنه لا یوجب الحکم بوجوبه.

وامّا ما ذکره صاحب «الجواهر» من کون الاحتیاط مستلزما للعسر والحرج المنفیین فی الآیة والروایة .

فانّه لیس علی ما ینبغی، أوّلاً: لأنّ صدق الحرج والعسر والضرر هنا غیر معلوم، لو لم نقل بعدمه فی المدة المعلومة من عشرة أیّام، خصوصا بعد ملاحظة

ص:343

کون الحکم لغالب النساء فی الاستظهار فی تلک المدّة، لمن کانت ذات العادة، فضلاً عن غیرها .

وثانیا: من التشکیک فی لزومه العسر والحرج، بحسب الموارد، ولو سلّم وقلنا بذلک، کما لو لزم فی الغُسل للحیض، حیث أنّه یستلزم تکرّره فی العشرة، لانقطاع الدم فی کل یوم، وهذا ما یوجب العسر والحرج، فیکون منفیا، فترجع الی اتیان التیمم فی کل مورد استلزم ذلک، لا عدم وجوب الاحتیاط.

وهذا بخلاف مثل الترخیص فی قراءة العزایم، أو اللّبث فی المساجد ونحوهما، مما لا یستلزم الاحتیاط فیهما ضررا أو حرجا أصلاً.

ولکن هذا الجواب لا یخلو عن تأمل، إذ ربما یستلزم منع بعض النساء عن القراءة أو اللبث فی المساجد العُسر والحرج .

وثالثا: إنّ اقتضائه للعسر والحرج فی الموارد شخصی لا نوعی، فالرجوع الی نفیه یختص فی خصوص المورد، لا فی العکسّ وفی جمیع الموارد ولجمیع النسوة، کما هو المقصود فیما نحن بصدده، کما لا یخفی .

ودعوی أنّ ایجاب الاحتیاط علیها _ بالجمع بین الوظیفتین بعنوانها الاجمالی _ حکمٌ حرجی أو ضرری، منفیٌ عنه فی الشریعة.

مما لا ینبغی قبولها، اذ لیس لنا احکام عقلیة أو شرعیة متعلقة بالعناوین الاجمالیة حتی توجب اطاعتها حدوث العسر والحرج، بل غایة ما هناک ان العقل حاکم بانه یجب علی المکلف ان یخرج عن عهدة التکالیف الشرعیة المفروضة علیه علی نحو الاجمال، فلو نفی دلیل نفی الحرج والضرر وجوب الاحتیاط فی موضوع مجمل من المواضیع، فانه یبقی حکمه بالنسبة الی الباقی .

وقد اعترض مع وجوب الاحتیاط، بالمنع عن وجوبه عند اشتباه المکلف به فی الامور التدریجیة، نظرا الی عدم ابتلاء المکلف بجمیع الاطراف فعلاً دفعة

ص:344

واحدة، والحال أنّ من شروط تأثیر العلم الاجمالی فی تنجیز التکلیف بالواقع المردد، هو کون اطراف الشبهة موردا لابتلاء المکلف بالفعل، مع أنّ المقام لیس کذلک، لکونه من الامور التدریجیة، التی تحصل من خلال ایام عدیدة متدرجة فی الزمان فلا یجب فیه الاحتیاط .

وفیه: قد تقرّر فی محلّه بأنه لا فرق فی اطراف الشبهة فی العلم الاجمالی الموجب لتنجز العلم به، کون اطرافه موردا للابتلاء دفعةً أو تدریجا، لوضوح أنّ الملاک فی التنجز، هو کون العمل بالاطراف فی الحرام، أو ترکها فی الواجب، ینطبق علیه المخالفة القطعیة العلمیة، وهو صادقٌ فی الدفعیّات والتدریجیات معا عرفا، کما هو واضح لمن لاحظ فهم العرف والعقلاء.

بناءً علی ذلک الأولی فی الاشکال علی الحکم بالاحتیاط، هو ما عرفت منا، من عدم قیام الدلیل علیه، بل وجود الدلیل علی عدمه، خصوصا إذا قلنا بحرمة العبادة ذاتا للحائض، حیث یدور الأمر حینئذ فی تلک الایّام _ مع العلم بالتخییر _ بین المحذورین من حرمة ترک العبادة أو وجوبها فی الفرائض، فمقتضی الاصل والعقل هو التخییر، ما لم یکن لأحد الاحتمالین رجحان أو اهمیة، والاّ فیؤخذ به متعینا.

وامّا فی المستحبات من العبادات، فهی کسائر المحرمات التی یجب ترکها احتیاطا . ومن هنا ظهر ان الحکم بالتخییر، بالرجوع الی العدد فی تمام الشهر _ کما علیه المشهور _ یعدّ أقوی وأرجح من سائر الأقوال .

ثم یاتی الکلام فی أن هذا التخییر، بالأخذ بما یجب علیه، هل هو استمراری، بحیث لا یسقط بعد الاختیار، أم التخییر ثابت ومستمرٌ فهی مخیّرة فی کل یوم، لدوران أمره فی کلّ یوم بین المحذورین، کما هو معنی التخییر العقلی.

وبعبارة اخری: هل التخییر ابتدائی بحیث یکون بعد الاختیار والقیام بالعمل بالوظیفة یکون قد سقط تخییرها، بعد العلم بأنّه لا یجوز لها ترک العبادة فی جمیع

ص:345

الشهر، ولا فعلها فی الجمیع ولا الاتیان فی یوم وترکها بیوم الی آخر الشهر، للقطع بالمخالفة القطعیة فی تلک المدّة أم لا؟

و الاظهر أنْ یقال: إنّ التخییر لها یکون من ابتداء الشهر الی أنْ یبقی عددها من الایام التی فیها عادتها، مثلاً انْ کانت سبعة فهذا التخییر یکون الی أن یبقی ثلاث وعشرین یوما من الشهر، فیکون معنی تخییرها هو التخییر بالاخذ فی العدد، لا آنهاتکون مخیّرة فی کل یوم بان تعدّ یوما فی عادتها وآخر لا عادة لها فیه، نعم لها أن تجعل وتأخذ باول یوم، کما ان لها أن تأخذ بالیوم الثانی والثالث اختیارا، لکن لو اختارت الاول لیس لها بعد ذلک اختیار الثانی والثالث. نعم الأظهر والأولی هو الاخذ بالاوّل، کما قد یستفاد من ظاهر بعض الاخبار، لو لم تقوم لها امارة مفیدة للظن بشی ء غیر ما أخذها فی الاوّل، والاّ کان الاولی لها الاخذ بما دلت علیه الامارة الظنیة، کما اشار الیه الشهید فی «الذکری» و«البیان».

ومعلوم أنها ان أخذت فی الدور الاول عددا علیها ان تتبع ذلک فی سائر الادوار نظیر حکم المبتدأة الذی قد مضی بحثه تفصیلاً.

هذا تمام البحث فیما فرض کون العدد المعلوم المحفوظ ناقصا من نصف ما وقع فیه التردید کالاربعة فی العشرة، أو مساویا له کالخمسة فیها، حیث لا تعین لها فی تلک العشرة، فمن ذهب الی وجوب الاحتیاط فیها أو حسنه، یجعله موردا للاحتیاط فی تمام أیّام العشرة، لعدم وجود یوم معین تتیقن فیه بالخصوص وجود الحیض فیه، کما لا یخفی .

و امّا إذا کان العدد المعلوم والمحفوظ، زائدا عن نصف ما وقع فیه التردید، کالستة فی العشرة، فالمتیقن لها من الحیض یکون یوما فی العشرة، وهو یوم الخامس، حیث أنّه لا تردید فی کونه یعدّ یوم حیضها، بلا فرق فی ذلک بین مبدأ اختیارها، من الیوم الأول أو غیره، لأن یوم الخامس واقع فی الوسط، فترک

ص:346

الثانیة: لو ذکرت الوقت ونسیت العدد ، فالأولی إنْ ذکرت أوّل حیضها ، أکملته ثلاثة (1).

العبادة فیه حکمٌ ثابت قطعی، وفی الزائد عنه یعمل بالاحتیاط، أو غیره علی حسب ما اختیر فی البحث السابق. ولا فرق فی الحکم بقطیعة الحیض، بین کون المحکوم بالحیضیة عددا کاملاً أو کسرا منه.

وقد أتعب صاحب «الجواهر» نفسه فی ذکر الأمثلة فی مسئلة الامتزاج المسمّاة عند العامة بالاختلاط، فشکر اللّه مساعیه الجملیة، ومن أراد الاطلاع علیها والاحاطة بها تفصیلاً، فلیراجع الی «الجواهر» أو الی «المبسوط» للشیخ الطوسی رحمة اللّه علیهما، وجعل الجنة مثواهما .

(1) لا یخفی علیک أنّ حیضیّة الثلاثة من أول الوقت المعلوم _ کاوّل الشهر _ یعدّ من متیقّن الحیضیة، لوضوح أنّ أقل الحیض لیس الاّ الثلاثة، فالکلام حینئذ یکون بالنسبة الی الزائد عنها الی تمام العشرة، حیث یمکن تصویر عدة موارد من الشکوک التی قد تحصل لها، ما لم تعلم انتفاء بعضها، بقیام من بعض الامارات المفیدة للظن، أو العلم بعدم الحیض.

فی الاستحاضة / فی حکم المضطربة لو ذکرت الوقت و نسیت العدد

والبحث إنّما یکون فی الزائد، ففیه أقوال:

القول الأول: القول بلزوم الاقتصار علی الثلاثة فی الحکم بالحیضیة، وفیما عداها تعمل عمل المستحاضة، اقتصارا فی ترک العبادات الواجبة علی القدر المتیقن.

هذا هو الظاهر من «المعتبر» و«البیان»، واستحسنه فی «المدارک»، بل واحتمله الشهید رحمه الله فی «الذکری» بل لعلّه الظاهر من موضع من «المبسوط»، وابن حمزة فی «الوسیلة».

والظاهر أنّهم تمسکوا علی هذا الحکم باستحالة اشتغال ذمتها بالعبادة التی

ص:347

هی قاطعة بعدمها فی خصوص الثلاثة، والباقی یبقی بقوته .

و قد اعتُرِض علیه _ وهو المحقق الهمدانی رحمه الله فی «مصباح الفقیه» _ بقوله: «وفیه: أنّه استند فی ذلک الی اطلاق الأمر بالعبادات، المقتصرتخصیصها علی الأفراد المعلومة. ففیه: أنّ الخارج من العمومات إنّما هو الأفراد الواقعیة لا المعلومة، فیجب فی مثل المقام الرجوع الی سائر القواعد، مثل استصحاب الحیض ونحوه، لولا الدلیل الخاص».

و لکن یرد علیه: أنّ خروج الأفراد الواقعیة عن العمومات، مما لا یمکن توجیه التکلیف بها الاّ بواسطة الأدلة التی تکون کاشفة عنها، فاذا دلت الأدلة علیها یصیر ما هو الخارج عبارة عن الأفراد المعلومة، إمّا بالوجدان أو بواسطة الدلیل أو الاصل، فیرجع الکلام حینئذ الی ملاحظة ذلک، فأمّا الثلاثة فانّها خارجة قطعا، لتمامیة الدلیل فی دلالته، وأمّا فی غیره فلابد من الرجوع الی دلیل، و مع فقد الدلیل، فانه یجب الرجوع الی الأصل، ومن المعلوم أنّ الاصول المحرزة بقدمة علی غیر المحرزة، فمع امکان الرجوع الی الأصول المحرزة لم تصل النوبة للرجوع الی غیر المحرزة، والمقام کذلک، اذ مع امکان الرجوع الی الاستصحاب، لم تصل النوبة الی جریان قاعدة الاشتغال، ومقتضی الاستصحاب هو الحکم ببقاء الحیضیة، ولزوم ترک العبادات.

وهذا هو الاولی فی الجواب، دونماذکره الفقیه الهمدانی رحمه الله .

ثم قال رحمه الله بعد ذلک. وإنْ استند الی قاعدة الاشتغال، ففیه: أوّلاً: أنّ مقتضاها الاحتیاط، إنّ جوّزناه فی مثل المقام، بأن تجمع بین تروک الحائض، وأفعال المستحاضة _ کما هو ظاهر المتن وغیره _ لا البناء علی الطهارة مطلقا .

وفیه ما لا یخفی، لأنّه لا ظهور فی کلام المصنف علی ما ذکره، بل الظاهر خلافه، لأنّه قد حکم بالحیضیة فی خصوص الثلاثة، فیکون فی غیرها العمل

ص:348

باحکام المستحاضة بالنسبة الی ما رأته من الدم، والمقصود من الاشتغال هو الاشتغال بالعبادات لا غیرها من تروک الحائض، لأن ذمتها لم تکن مشغولة بها حتی یجب علیها ذلک.

فالحکم بالاحتیاط بالجمع بینهما بحاجة الی دلیل آخر مفقود فی المقام .

القول الثانی: القول بالرجوع الی الروایات، إمّا بأخذ السبعة تعیینا _ کما هو ظاهر الشیخ فی «الخلاف»، مدعیا علیه الاجماع _ أو التخییر بین السبعة والستة، أو ثلاثه من شهر وعشرة من آخر، وهو قول الشهید الثانی وغیره من بعض متأخری المتأخرین، بل هو مختار المحقق الهمدانی رحمه الله فی «مصباح الفقیه» .

القول الثالث: القول بالاحتیاط، بالجمع بین الوظیفتین.

وهو ظاهر ابن سعید فی «الجامع»، والعلامة فی «التذکرة»، بل نقل عنه فی جملة من کتبه، کما أنّه نقل عن الشیخ فی «المبسوط» وفی «الذکری» أنّ الاحتیاط فی هذه ونظائرها مشهور .

القول الرابع: القول بلزوم تحیضها بالعشرة فی کلّ شهر، ما لم تعلم انتفاء بعضها، والاّ فبالممکن منها، لاستصحاب الحیض وجریان قاعدة الامکان وغیرها، مع عدم اطراد العمل بالروایات لها فی کلّ وقت.

وهذا هو مختار صاحب «الجواهر» قدس سره .

ولا یبعد قوة الأخیر، مع اضافة قید الی قوله وهو: «مالم تعلم بانتفاء بعضها»، لوضوح أنّه مع الظن بالانتفاء _ إذا کان قابلاً للاعتماد علیه _ یؤخذ به، والاّ تعمل بالحیضیّة من باب استصحاب الحیض وجریان قاعدة الامکان، حیث لا مانع فیه من الحکم بذلک، وإنْ کان العمل بالاحتیاط بالجمع بین الوظیفتین حسن، لو لم نقل بحرمة العبادة ذاتا، والاّ یکون العمل بالاحتیاط باتیان الواجبات العبادیة _ مثل الصلاة _ خلافا للاحتیاط، کما لا یخفی علی المتأمّل .

ص:349

وانْ ذکرتْ آخره ، جعلته نهایة الثلاثة ، وعمِلَتْ فی بقیة الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کلّ زمان یفرض فیه الانقطاع ، وتقضی صوم عشرة أیّام احتیاطا ، ما لم یقصر الوقت الذی عرفته عن العشرة (1).

(1) الظاهر أنّ قوله: «وعملت فی بقیة الزمان... الی آخره» مرتبطة بکلتا المسألتین، لا خصوص الثانیة، فعلیه یلزم بناءً علی الفرض الاول کون اللاحق مشمولاً لهذا الحکم لا السابق، لأنّه طهر قطعا، لأنّ المفروض حفظ اوّل الیوم بالحیضیّة، کما أنّه علی الفرض الثانی یکون السابق علی الثلاثة مشمولاً للحکم، لأنّ اللاحق بعد الثلاثة طهر قطعا، لأنها تعلم آخر الحیض فی آخر الایّام من الثلاثة، وأمّا السابق فطهریته موقوف علی ملاحظة المکمل للعشرة منه.

وأمّا فی العشرة، فالحکم فیها هو الاحتیاط، أو الحکم بالاستحاضة فیما عدا الثلاثة، وحکم الغُسل للحیض بالنسبة الی ما قبل الیوم الآخر لا ثمرة فیه بین القولین من الاحتیاط أو الاستحاضة، لأنه حیض فی الثلاثة قطعا، فلا یحتمل انقطاعه، فلا اثر له.

نعم یصح قوله: «وتغتسل للحیض فی کل زمان یفرض فیه الانقطاع» بالنسبة الی الیوم الآخر، إنْ لم تعلم وقت الانقطاع فیه بخصوصه، وتظهر الثمرة بین القولین فی باقی الامور إنْ قلنا بدخولها، علی القول بالاحتیاط، کترک اللّبث فی المساجد ونحوها، وفی أنّها تقضی صوم عشرة أیّام احتیاطا ما لم یقصر الوقت الذی عرفته عن العشرة، علی القول بالاحتیاط، بخلاف القول الآخر من التحیّض بالثلاثة، فانه لا یجب علیها قضاء الصوم، ولا ترک اللّبث فی المساجد ونحوه، لأنها حینئذ محکومة بالاستحاضة، ولا یحرم علیها مثل تلک الامور .

و المسألة من حیث الأحکام فی الواجبات و المحرمات، تابعة لما یختاره

ص:350

الفقیه من العمل بالروایات تخییرا أو تعینا فی السبعة، أو بینها وبین الثلاث فی الشهر والعشر فی الآخر، فیترتب علی بناءً علی المختار آثار ذلک من لزوم الترک وعدمه، فلا نحتاج الی الاطالة بیانه.

وقد عرفت من خلال المسالة السابقة بأنّ العمل بالاحتیاط اولی، فیما لم تعلم أو لم تظن بعدم کونها حائض، لأجل جریان قاعدة الامکان، بل الاستصحاب إنْ اجریناه فی القهقری أیضا، کما کان فیما قبله جاریا علی النحو المتعارف.

هذا تمام البحث فیما اذا کانت المرأة بدایة الحیض أو آخره. .

اما الفرض الثالث فی هذه المسألة، هو: أنْ تعلم المرأة وسط الحیض بیوم أزید، ولو بکسره.

وهذا یمکن فرضه علی وجوه:

تارة: تعلم الوسط، بمعنی أنّه محفوف بمثلیه، فهی حینئذ معلومة الحیض، لما قد عرفت عدم امکان کون الحیض بأقل من الثلاث، فاذا عملت ذلک، تکون قد عرفت أنّ حیضها یکون أزید من الثلاث، لأنه إنْ کان المعلوم یوما واحدا فی الوسط، فیلزم کون المثلی فی السابق یومین، وفی اللاحق کذلک، فیصیر مجموعها خمسة ایام .

واُخری: یراد کون مجموع السابق واللاحق بیومین، فیصیر حیضها حینئذ ثلاثة أیّام، هذا إنْ فرضنا الوسط یوما واحدا .

وإنْ فرضناه یوم وأزید منه کسرا _ أی یوم ونصف _ فیکون مجموع مثلیه فی المحفوف أزید من الاربعة، أی مع اضافة نصف مع الأربع .

وثالثة: قد یفرض الوسط باعتبار کون الوسط محفوفا بالمتساویین، کما لو کان الوسط المعلوم یومین، فیصیر المجموع مع المتفاوتین فی طرفیه ستة أیّام، فتصیر المرأة حینئذ معلومة الحیض بالنسبة الی الوسط المعموله، وتعمل بالنسبة الی غیرها علی حسب القواعد المعموله، من الاحتیاط أو العمل بوظائف

ص:351

الاستحاضة أو الحیض إنْ امکن فیه اجراء قاعدة الامکان والاستصحاب، فیما إذا لم تعلم أو تظن بالخلاف، کما عرفت بحثه فیما سبق .

و امّا اختیارها من حیث العمل بالروایات تخیرا بین الستة والسبعة، أو تعینا فی السبعة، أو تخییرا بین السبعة فی شهرین، أو ثلاثة فی شهر والعشرة فی شهر آخر، فالکلام فیه کالکلام فی سابقیه فیما لم تعلم الخلاف، مع علمها بالوسیطة، لأجل أنّه قد یتفق أنّ عملها بالوسیطة لا یجامع مع اتخاذها السبعة مثلاً، کما لو علمت الوسط بین التسعة أو الثمانیة وأمثال ذلک، أو علمت أنّها لا تزید علی التسعة ولا تنقص عن الثمانیة، أو لا تزید عن الخمسة ولا تنقص عن الأربعة، ونظائر ذلک کثیرة، فیما إذا لم یلزم نقصانه من الثلاثة ولا زیادته عن العشرة، ولم تعلم خلاف ما علمت بحیضیته .

ورابعة: کما قد یراد من الوسط المعلوم، کونه فی الاثناء لا الوسط الحقیقی بالعدد، بل المراد من الوسط هو الذی یکون فی اثناء الایام، فلابد من أخذه، و ما علمته من سابقه ولاحقه حیضا بما لا یکون أقلّ من الثلاثه، وفی الزائد عن المعلوم من الأزمنه المشکوکة، تعمل بما قد عرفت من الوجوه والمحتملات، ما لم یقم العلم أو الظن العقلائی علی خلافه، وذلک شرط امکان جریان قاعدة الامکان واستصحاب الحیضیة، أو العمل بالاحتیاط، وبالجمع بین التروک والأعمال.

هذا فی الصور المتصورة فی الوسط المعلوم، فصار المجموع فی المعلوم ثلاث صور، وهی: معلوم الاوّل، ومعلوم الآخر، ومعلوم الوسط .

وامّا الصورة الرابعة: هی أنْ تعلم أنّه یوم حیض، ولکنها تجهل صفة ذلک من کونه اولاً أو آخرا أو وسطا، ففی هذه الصورة علیها ان تعدّ ذلک الیوم حیضا، فتجری فیه وفی سابقه ولاحقه بما لا یوجب العلم أو الظن بالخلاف من الوجوه السابقة، بالعمل بالروایات بأقسامها أو الاحتیاط بما قد عرفت، فلا تطیل بالاعادة والتکرار، واللّه العالم .

ص:352

الثالثة: لو نسیتهما جمیعا ، فهذه تتحیّض فی کلّ شهر بسبعة أیّام، أو ستة ، أو عشرة فی شهر وثلاثة من آخر، مادام الاشتباه باقیا (1).

وأما احکامها ، فنقول :

دم الاستحاضة إمّا أنْ لا یثقُبْ الکرسف ، أو یثقبه ولا یسیل ، أو یسیل (2).

(1) فی هذا النوع یتحدث رحمه الله عن المرأة المتحیرة، أی ناسیة الوقت والعدد، والتی لم تحفظ شیئا منهما، فتعمل _ علی حسب مختار المصنف _ عمل المرأة المبتدأة من الرجوع الی الروایات، وقد عرفت منا سابقا مساوة المرأة المضطربة المتحیرة مع المبتدأة، بحسب الأحکام المستفادة من مرسلة یونس، وانحصار الأقسام فیها علی الثلاث، الموجب لدخول المضطربة المتحیرة فی المبتدأة، بعد القطع بعدم دخولها فی القسمین الآخرین، من ذات العادة وذات التمییز، وقد عرفت الأقوال والوجوه المتصورة غیر هذا القول، وعرفت الاشکال فیها، کما عرفت حُسن الاحتیاط بالجمع بین تروک الحائض واعمال المستحاضة، فیما لم ذلک یلزم العسر والحرج، وهذا الحکم ثابتٌ فی کلّ حال وفی کل مورد لم تعلم خلافه .

فی الاستحاضة / فی حکم المضطربة ناسیة الوقت و العدد

(2) اعلم أنّ المشهور بین الأصحاب _ نقلاً وتحصلاً _ شهرةً کادت أنْ تکون اجماعا، کون المستحاضة علی ثلاثة اقسام، کما هو المستفاد من مجموع الأخبار، وهی: القلیلة، والمتوسطة، والکثیرة، وقدیعبّر عنها:بالصغری والوسطی والکبری.

واعتبار هذا التقسیم ناشٍ من اختلاف الاحکام المترتبة علی واحد منها. یُنقل خلافٌ فی هذا التقسیم، الاّ عن أبی عقیل من انکار القسم الاول، فلم یوجب لها وضوءا ولا غُسلاً، ولا اشکال فی ضعفه، لکونه مخالف لما هو المستفاد من الأخبار، بل فی «جامع المقاصد» أنّ اجماع الاصحاب بعده علی خلافه .

ومن الاقوال الضعیفة أیضا القول بدخول الثانیة فی الثالثة، من ایجاب تعدد

ص:353

الاغسال علیهما، کما نقل هذا عن ابن عقیل وابن الجنید، وعن العلامة فی «المنتهی» والمحقق فی «المعتبر».

اقول: برغم ان دلالة بعض الاخبار علی هذا التقسیم غیر ظاهرة، الاّ ان الخبر المنقول فی «الفقه الرضا» یتضمن تقسیم احکام المستحاضة الی هذه الاقسام الثلاثة: من عدم الثقب، أو الثقب دون أن تسیل، أو مع السیلان.(1) .

و لکن الأخبار إذا انضم بعضها مع بعض، یستفاد منها ذلک، مثل خبر معاویة بن عمار(2) المشتمل لحکم القلیلة والکثیرة، منضما مع خبر عبد الرحمن بن أبی عبداللّه(3) المشتمل لحکم المتوسطة والکثیرة.

بل الأخبار الدالة علی کل واحد من الأقسام تکون أکثر مما ذکرناه، فراجع هذا الباب من کتاب «وسائل الشیعة» .

والظاهر أنّ صدق الاستحاضة باقسامها، لا یکون مختصة بخصوص الدم، بل الصفرة أیضا لو کانت مشتملة علی تلک الحالات یکون حکمها حکم الدم من جهة ترتب الآثار، فما یشاهد فی جملة من الإخبار من أنّ الصفرة لیس لها الا الوضوء، لابد أنْ تحمل علی فرض قلة الدم والاّ یصیر مخالفا للاجماع، لأنه قائم بحسب الظاهر علی عدم الفرق بین الدم والصفرة.

نعم هو لا ینافی کون الغالب فی الصفرة انطباقها علی القلیلة، کما هو المناسب للاعتبار . والسؤال هو أنّه هل تجب علی المرأة الاختبار، و أنّ الاعتبار فی ذلک یکون بالدم معرفتها بنوعیّته أم لا؟

فقد صرح جماعة من الأصحاب بالوجوب، ولعلّه لمکان العلم بالحدث


1- المستدرک الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب المستحاضة، الحدیث 1 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب المستحاضة، الحدیث 8 .

ص:354

اجمالاً، ومعرفة أقسامها، کما یترتب علیها أحکامها، کما هو وارد فی بعض الأخبار بالأمر علی الاعتبار.

ولکن من المعلوم أن وجوب ذلک لم یکن الاّ طریقیا لا موضوعیا، بحیث لو لم تکن عارفة بذلک وصادف عملها الواقع، کانت صلاتها باطلة، لوضوح أنّه إذا عملت بالوظیفة، من ثمّ حصل لها قصد القربة کان عملها صحیحا.

بل وکذلک لو عملت بما هو المتیقن من تحصیل الفراغ، باتیان ما هو أسوء الاحتمالات، فان الحکم بالصحة ثابت.

کما یشکل القول بوجوب الاعتبار، إذا کان معها استصحاب یفیدها تعیین حالها ووظیفتها، کما لو اختبرت حالها قبل الوقت، ورأت أنّ الدم أصفر، ومن المعلوم أنّه لا موضوعیة للاختبار، بل غایته تحصیل ما هو الوظیفة علیها فی المورد، کما لا یخفی علی المتأمل .

کما أنّه لا اشکال فی أنّ وجوبه علیها، لیس الاّ مع امکان التعرّف والاعتبار، والاّ لا وجه لوجوبه، کما لو کانت عمیاء مع فقد المرشد _ ولو بالاستجاد ونحوه _ .

ولکن لا اشکال فی أنّ الصلاة لا تسقط عنها، لکن هل الواجب حینئذ علیها العمل بما هو المتیقن فی المقام، ونفی الزائد عنه باصالة البرائة، أو العمل بما هو مقتضی الاحتیاط فی المقام، بان تفرض لنفسها أسوء الحالات والاحتمالات تحقیقا للفراغ الیقینی؟

فیه وجهان: وفی «الجواهر» أقواهما الثانی.

قلنا: کون الثانی أقوی أمرٌ ثابت وواضح فی الواقع، من جهة أن الاحتیاط حسن علی کل حالٍ، ولکن الفتوی بذلک والحکم به وجوبا لا یخلو عن تأملٍ لأن مقتضی القواعد هو الاوّل، خصوصا اذا استلزم وأدّی الاحتیاط فی هذه الموارد العسر والحرج المنفیین شرعا اذا ذهبنا اعتبارهما بملاحظة حال الشخص، کما لا یخفی .

ص:355

ثم إذا عرفت المراتب الثلاثة فی المستحاضة، وما یطلق علیها، فنتعرض الآن لبیان العلامات الدّالة علی کلّ مرتبة: أمّا المصنف قدس سره فقد جعل علامة الصغری القلیلة أنْ لا یثقب الدم الکرسف، وللمتوسطة والوسطی أنْ یثقبه ولا یسیل، وللکثیرة والکبری أنْ یسیل، وهی مختار «الفقیه» و«الخلاف» و«السرائر» و«الدروس» وغیرها، وبعضهم عبّر بدل الثقب فی القلیلة، بتلّوث القطنة بالدم من غیر أن تنغمس فیها، کما صرح بذلک العلامة فی «القواعد» والشهید فی «اللمعة»، وعبر آخرون عنها بعدم الظهور، کما عن «المصباح» ومختصره، أو بعدم الترشح کما عن «المقعنة» و«النهایة».

ولعلّ المراد الجمیع واحدٌ، وإنْ کان الثقب أعمّ من الانغماس، فیکون عدمه أخص من عدمه،لوضوح أنّ انتفاءالثقب مستلزم لانتفاءالانغماس،بخلاف العکس حیث لایستلزم انتفاءالانغماس انتفاءالثقب، اذیمکن تحقق الثقب دون الانغماس.

ثم المراد من الکرسف هو القطن، کما نص علیه فی «القاموس» وغیره من کتب الاصحاب، فیوافق حینئذ مع ما کلام أبی الحسن علیه السلام (1) وابی عبداللّه علیه السلام (2) من قولهما: «تستدخل القطنة»، ومعلومٌ أنه لا خصوصیة فیها، بل المقصود ما یکون مثلها بما لا یمنع صلابته نفوذ الدم فیها، وبناءً علی ذلک فانّ وضع المندوفة مکان القطنة _ إذا کانت مثلها _ جائزٌ، وإنْ ذهب صاحب الجواهر قدس سره الی أنّ استفادة مثل هذا القید من النصوص تأمل، ولکن الظاهر عدم التأمل فیه إنْ روعی المماثلة فی المندوفة، بل لعلّ الکرسف المذکور فی کلمات الاصحاب والأخبار هو القماش المنسوج من القطن فینطبق علی المندوبة، واللّه العالم .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من أبواب المستحاضة، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الحیض، الحدیث 2 .

ص:356

وفی الأوّل: یلزمها تغییر القطنة، وتجدید الوضوء عند کلّ صلاة (1).

بل من المعلوم أنّ المقصود من ذلک، لیس الا انکشاف الحال، فلا فرق فی الوسیلة التی یمکن بها تعیین الحال، وبناءً علیه فلا مانع من وضع غیر القطنة أو جنسها، بل لا اشکال فی الاجتزاء بالتقدیر مع عدم القطنة ونحوها، بأن تفرض وتقدر الحالة لو کانت محتشیة بالقطن لثقبها الدم قطعا، فلا خصوصیة لها.

ثم أنّه قال فی «الجواهر»: «ولم نقف فی شی ء من الفتاوی علی تقدیر زمان ابقاء القطنة أو مقدارها، ولعلّ الثانی مستغن عنه، لاحالته علی المتعارف.

وأمّا الاوّل، فالذی یظهر من ملاحظة أخبار الباب، أنّها لا تقدیر له، بل تبقی محتشیة به حتّی تنتقل من حالة الی اخری إنْ کانت، أو تغیّرها عند کلّ صلاة»، انتهی کلامه(1) .

فی أحکام الاستحاضة / الاستحاضة الصغری

و لکن الأولی أن یقال: لعل وجه عدم الاشارة الی هذه الخصوصیات فی کلمات الاصحاب هو الاحالة فی مثل ذلک علی المتعارف فی کلیهما، أی فی الزمان والمقدار، أی تحیل تحیّضها بما یوجب الاطلاع علی نفوذ الدم فیها، بما یوجب تعیین کل فرد من الاقسام، بما یحتاج الیه من حیث الزمان والمقدار الی العرف، وهو واضح .

(1) اعلم أنّ کلامه مشتمل علی حکمین:

أحدهما: وجوب تغییر القطنة.

والثانی: وجوب تجدید الوضوء لکلّ صلاة.

فامّا الأوّل: فقد صرح بالوجوب فی «الناصریات» و«الغنیة» و«المنتهی»


1- الجواهر: 3/312 .

ص:357

و«التذکرة» و«الارشاد» و«المعتبر» و«النافع» و«الجامع» و«السرائر» و«التحریر» و«الذکری» و«اللمعة» و«الدروس» و«جامع المقاصد» و«الروض»، وبذلک صرح ایضا المتأخرین والمعاصرین کالسیّد فی «العروة» وکثیر من أصحاب التعلیق علی «العروة» لولا جلّهم، فیصحّ أن یقال إنّه المشهور نقلاً وتحصیلاً، بل قد ادعی علیه الاجماع فی «الغنیة» و «الناصریات»، ونفی الخلاف عنه فی «المنتهی»، بل وفی «التذکرة»: «یجب تغییر القطنة والوضوء لکلّ صلاة، ذهب الیه علمائنا». وفی «مجمع الفائدة والبرهان»: کأنّه اجماعی.

خلافا لبعض متأخری المتاخرین، بل یمکن عدّ الصدوقان والقاضی من المخالفین، حیث لم یذکروا وجوبه علی ما قیل.

بل عن صاحب «الجواهر»: کان القول بعدم الوجوب لا یخلو عن قوة.

بل قال المحقق الهمدانی فی «مصباح الفقیه»: «ولذا یشاع القول بعدم الوجوب بین المتأخرین، فانْ تحقق الاجماع الکاشف عن قول المعصوم، الموجب للتصرف فی ظهور الأخبار الکثیرة فهو، والاّ فالأظهر ما هو الشائع بین المتأخرین من عدم الوجوب.

ولکن الاحتیاط مما لا ینبغی ترکه، بعد مخالفة الاعلام، وعدم اعتنائهم بهذه الظواهر، مع کونها بمرأی منهم و مسمع، واللّه العالم»، انتهی کلامه(1) .

و قد استدل القائلون بالوجوب _ بعد التمسک الشهرة والاجماع _ بامورٍ.

منها: ادلة وجوب ازالة النجاسة فی الصلاة، الاّ ما عفی عنه، ولم یثبت العفو عن هذا الدم، ولو فیما دون الدرهم، أو فیما لا یتم فیه الصلاة، بل عن «الغنیة» دعوی الاجماع، علی الحاق دم الاستحاضة والنفاس بالحیض فی عدم العفو.


1- مصباح الفقیه: 4/287 .

ص:358

هذا، و لکن یمکن أن یورد علیه: بأنّ اثبات عدم العفو عنه، موقوف علی ملاحظة الأخبار الواردة فی الباب، وأنّها هل تدل علی لزوم الازالة فیؤخذ به، والاّ یمکن أنْ لا تدل الاّ علی العفو، من جهة فقدان الدلیل، وحینئذٍ یلزم الرجوع الی الاصل الدال علی البرائة عن المانّعیة، لو لم یثبت دلیل اجتهادی علیه، لامکان دعوی کونه من البواطن فی خصوص القلیلة، لأنّه ما دام لم یخرج الی الظاهر لا نعرف تلوث الباطن به، فلا یصدق النجاسة علیه، نظیر ما لو أدخل الرجل شیئا فأصاب العذرة، فانه ما لم یخرجه لایمکن أن نحکم علیه بالنجاسة، ولا تکون مانعة عن الصلاة، نظیر ادخال الابرة فی الورید و تلطّخه بالدم، حیث لا یحکم علیها بالنجاسة، الاّ بعد اخراجه الی الظاهر، ففی مثل لذلک لا نحتاج الی ادلة ازالة النجاسة ودلیل العفو، أو کونه مما لا تتم فیه الصلاة، أو کونه من قبیل محمول النجاسة، لوضوح أنّ کل هذه الأمور فرع صدق موضوع الدلیل علیه، والمفروض فی المقام عدمه ما لم یخرج یتدفق ویخرج الدم عن الفرج، کما لا یخفی .

مضافا الی عدم امکان تحصیل خلوّ القطنة عن الدم النجس، لأنه مهما بدّلت وغیرت القطنة أو الخرقة ثم ادخلتها فی فرجها، فانها تتلوث بالدم الموجود علی جدار الفرج وأطرافه، _ لو سلمنا نجاسته فی داخل الفرج ما لم یخرج _ ولهذا ربما یوجب الحکم بوجوب تبدیل الخرقة تلافیا عن حدوث العسر والخرج والمشقة، کما لا یخفی .

و منها: الأخبار العدیدة الدالة علی ذلک، والیک بعضها:

الحدیث الاول: عن أبی جعفر علیه السلام ، فی حدیثٍ، قال: «وإنْ لم تر طُهرا، اغتسلت واحتشت، ولا تزال تصلّی بذلک الغُسل، حتّی یظهر الدم علی الکرسف، فاذا طهر (ظهر) أعادت الغُسل، وأعادت الکرسف»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .

ص:359

فانه یدل علی لزوم اعادة الکرسف وتبدیله، الاّ أنّ الخبر خاص بالوسطی الشامل للکثیرة بطریق أولی، دون القلیلة التی نبحث عن حکمها .

الحدیث الثانی: روایة الحلبی، عن الصادق علیه السلام ، قال: «سألته عن المرأة تستحاض؟ فقال أبو جعفر علیه السلام : سُئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن المرأة تستحاض، فأمرها أن تمکث أیّام حیضها، لا تُصلّی فیها، ثم تغتسل وتستدخل قطنة، وتستشفر (تستذفر) بثوبٍ ثم تُصلّی، حتّی یخرج الدم من وراء الثوب»(1) .

بان تکون دلالته بالمفهوم، بان یکون قوله: «حتّی یخرج الدم» قیدا للصلاة والقطنة التی کانت موجودة فی فرجها.

هذا مع أنّه یرد علیه أوّلاً: امکان کون القید للصلاة فقط، فتکون کنایة عن لزوم اعادة الغُسل للصلاة، لا تعویض القطنه.

وثانیا: لو سلّمنا کونه قیدا لهما، ولو بمعونة ما عرفت فی روایة الجعفی، فان الخبر خاص للمتوسطة والکثیرة دون القلیلة .

الحدیث الثالث: صحیحة الصَحّاف، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ، قال: «فلتغتسل ثم تحتشی وتستذفر، وتصلّی الظهر والعصر، ثم لتنظر، فإنْ کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف، فلتتوضأ ولتصلّ عند وقت کلّ صلاة، ما لم تطرح الکرسف عنها، فانْ طرحت الکُرسف عنها فسال الدم، وجب علیها الغُسل، وإنْ طرحت الکرسف عنها و لم یسل، فلتتوضا ولتصلّ، ولا غُسل علیها.

قال: وان کان الدم إذا امسکت الکُرسف، یسیل من خلف الکرسف صبیبا، ولا یرقی، فانّ علیها أن تغتسل فی کلّ یوم ولیلة ثلاث مرّات، وتحتشی وتُصلّی،


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .

ص:360

وتغتسل للفجر، وتغتسل للظهر والعصر، وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة، الحدیث»(1) .

و هذه الروایة أیضا بحسب ما فی ذیلها، تدل علی لزوم تبدیل الکرسف و التحشی لکن فی الکثیرة، من دون اشارة فیها للمتوسطة والقلیلة، بل الظاهر منها عدم الوجوب فیهما .

الحدیث الرابع: روایة ابن أبی یعفور، عن الصادق علیه السلام ، قال: «المستحاضة إذا مضت أیّام اقرائها اغتسلت واحتشت کرسفها وتنظر، فانْ ظهر علی الکُرسف زادت کُرسفها وتوضأت وصلّت»(2) .

فان زیادة الکرسف کان لأجل ایجاد المانع لظهور الدم، حیث یدل بالملازمة علی عدم لزوم التبدیل فی المتوسطة، بل الکثیرة، لأنه قد یکون الظهور لکثرته بحیث یؤدی الی سیلان الدم، وبرغم ذلک قال علیه السلام : «زادت الکرسف» أی لا حاجة أن تغیّر الکرسف بل تزید علیه.

وهکذا ظهر أن هذه الأخبار تدل علی خلاف مطلوبهم .

الحدیث الخامس: و مثله فی الدلالة علی خلاف مقصودهم ومرادهم، روایة عبد الرحمن بن أبی عبداللّه، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ، قال: «ولتغتسل ولتُدخّل کرسفا، فان ظهر عن (علی) الکُرسف، فلتغتسل ثم تصنع کُرسفا آخر، الحدیث»(3).

حیث یدل بالمفهوم علی أنّه لو لم یظهر الدم علیها، لا تحتاج الی وضع کرسفا جدیدا آخر، فضلاً عن تبدیله.

وغیر ذلک من الأخبار الدالة علی عدم الوجوب مطلقا، حتّی فی الکثیرة،


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .

ص:361

لظهور الوضع فیه، وکذلک الزیادة والازدیاد، الاّ روایة الجُعفی، حیث وردت کان فیها لفظ (الاعادة) الظاهرة والدالة علی التعویض فی القسمین دون القلیلة، لکنهم استدلوا بهذه الأخبار علی وجوب تبدیل الکرسف فی الوسطی والکبری، مع الحاق الصغری بهما، لعدم تعقل الفرق بینهما، بل قال بعضهم إنّه لا قائل بالفرق، وفی «الریاض» إنّه یتم بالاجماع المرکب.

بل قد استدل بلزوم التبدیل فی الصغری بما ورد فی خبر صفوان بن یحیی، عن أبی الحسن علیه السلام ، بقوله: «هذه مستحاضة، تغتسل وتستدخل قطنة، بعد قطنة ویجمع بین صلاتین بُغسل ویأتیها زوجها»(1).

وبما ورد فی حدیث البصری، وهو عبد الرحمن بن عبداللّه، وقد مرّ علیک نصّه(2): و لعلّ وجه الاستدلال بهما، هو کون المراد من قوله: «القطنة بعد القطنة»، أو «وضع کُرسفا آخر»، هو تبدیلهما من جهة کون القطنة الاولی للصغری، و الثانیة التی استبدلتها للوسطی والکبری، أو کون المراد هو وضع قطنة اُخری علی القطنة الاولی فی الوسطی والکبری، فیضم ویلحق الصغری بهما بالاجماع المرکب، وعدم القول بالفصل.

ولکن وفی کلا الاستدلالین اشکال، أمّا فی الاوّل بأنّ ظاهر الحدیثین من لزوم ادخال قطنة علی قطنة، هو اضافة احداهما علی الاخری، لا التبدیل کما توهم. ویؤیده حدیث ابن أبی یعفور المتقدم، حیث ورد فیه قوله: «زادت کرسفا» وهو صریح فی الاضافة.

کما أنه علی المعنی الثانی أیضا لا یصحّ دعوی عدم تعقّل الفرق بین الصغری


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .

ص:362

واخواتها، لامکان کون وجه الفرق هو لأجل المنع عن سرایة النجاسة الی البدن والثوب أو الی الخرقة، أو ان یکون الوجه فیه، کون ظهور الدم بنفسه یعدّ حدثا موجبا للغسل، فیجب التحفظ عنه مهما أمکن عند الصلاة.

وهذا المقدار یکفی فی بیان جهة الفرق بین الصغری واخواتها.

هذا فضلاً عن أن الاجماع علی عدم الفصل غیر ثابت، حیث لم یتعرّضوا لذلک بالخصوص، مضافا الی وجود مخالف فیه مثل الصدوقین والقاضی، من عدم تعرضهم له، ولذلک قد شاع بین المتأخرین _ کصاحب «الجواهر» وصاحب «مصباح الفقیه» _.

ولکن حیث ذهب کثیرٌ من أصحابنا ومن المتقدمین الی الوجوب مطلقا _ کما تری ذلک فی کلام السیّد فی «العروة» من الحکم بوجوب تبدیل الکرسف أو التطهیر مطلقا _ ذهبنا فی تعلیقتنا الی الاحتیاط الوجوبی بذلک، واللّه العالم .

و من هنا ظهر، أنّه ینبغی القطع بعدم وجوب تبدیل الخرقة المشدودة علی القطنة فی القلیلة، کما هو ظاهر المصنف وغیره، حیث ظهر أنّ وجوب التبدیل خاص بالقطنة دون الخرقة التی التفت بها، کما هو صریح جماعة، خلافا لما ورد فی «المقنعة» و«المبسوط» و«السرائر» و«الجامع» وغیرها، بل نسبه فی «کشف اللثام» الی الأکثر .

ووجه عدم الوجوب واضح، وذلک من جهة أنّه فی القلیلة لم تصلّ الدم الی الخرقة، لأنّ مقتضی طبعها عدم النفوذ من القطن الی الخرقة؛ بل لو شک فیه کان الاصل فیه البرائة، مع خلوّ الأخبار.

کما أننا نقطع أیضا بعدم ارادة الوجوب التعبّدی فی تبدیل القطنة، فضلاً عن الخرقة، حتّی ولو لم یتنجس، فینزل حکم وجوب التبدیل حینئذ علی احتمال وصول النجاسة الیها، ولو علی بعض ما تقدم من لزوم تبدیل الخرقة للقلیلة بمّا لا

ص:363

ینافی مع وصول الدم الی الخرقة، فحینئذ یتجه القول بوجوب التبدیل أو الغسل، إنْ لم نقل بالعفو عن مثل ذلک .

کما أنّه یتجّه القول بوجوب غَسل ما یتنجّس من ظاهر الفرج، حیث تعرف ذلک اذا جلست علی قدمیها، کما فی «المسالک» و«شرح المفاتیح»، وهذا الوجوب ثابتٌ وان کان آثار الدم قلیلاً، بناء علی عدم العفو عنه.

ولعلّ وجه عدم الاشارة الی ذلک فی کلام المصنف وغیره، هو اعتمادهم علی ان لزوم غَسل النجاسة الظاهرة علی البدن یعدّ من الامور الثابتة ولا حاجة للاشارة الیه. الاّ أن بعض فقهائنا رحمهم اللّه قد نصوا علی ذلک مثل المفید فی «المقنعة»، والشهید فی «البیان» و«المسالک» و«الروضة»، والمحقق الثانی فی «جامع المقاصد»، والأردبیلی فی «مجمع الفائدة والبرهان».

بل فی الأخیر أنّ الحکم بذلک اجماعی.

هذا تمام الکلام بالنسبة الی وجوب تبدیل القطنة والخرقة .

وأمّا الثانی: وهو وجوب تجدید الوضوء عند کلّ صلاة أو فریضة، فلم ینقل فیه الخلاف فی الفرائض _ الاّ من ابن أبی عقیل وابن الجنید _ بل هو المشهور بین الأصحاب نقلاً وتحصیلاً، بل فی «الناصریات» و«الخلاف» و«الغنیة» الاجماع علیه، وفی «جامع المقاصد» أنّ الاجماع علی خلاف العلمین.

وفی «التذکرة» نسبة الوجوب الی علمائنا، وفی «الجواهر» قال بعد نقل ذلک: «قلت: ولعلّه کذلک إذ لم أجد فیه خلافا، سوی ما ینقل عن العُمّانی من عدم ایجابه وضوءا ولا غُسلاً، مع أنّ المنقول من عبارته محتملٌ لارادة عدم الایجاب عند عدم رؤیة شی ء. و ما عن ابن الجنید من ایجابه الغُسل فی کلّ یوم بلیلة»، انتهی محل الحاجة(1) .


1- الجواهر: 3/315 .

ص:364

و لا باس بنقل کلام العُمّانی _ علی ما نقله العلامة فی «المختلف» _ حیث نُسب الیه قوله: «یجب علیها الغُسل عند ظهور دمها علی الکُرسف، لکّل صلاتین غُسلٌ، تجمع بین الظهر والعصر بغُسل، وبین المغرب والعشاء بغسل، (و تفرد الفجر بغُسل)، فاذا لم یظهر علی الکُرسف، فلا غسل علیها ولا وضوء»(1) .

فیحتمل کون المراد من عدم الظهور علی الکُرسف، هو عدم رؤیة شی ء من الدم علیه، فلا یجب علیها حینئذ شی ء من الغُسل والوضوء.

لکنه خلاف للظاهر، الا أنّه یُحمل علیه حتّی یخرج کلامه عن مخالفة الاجماع والشهرة .

و قد استدل لقوله أوّلاً: بالاصل، من أنّه لو شککنا فی وجوب شی ء علیها من الغُسل أو الوضوء _ لولا قیام الدلیل _ فالبرائة تقتضی عدمه .

و ثانیا: یانحصار موجبات الوضوء ونواقضه فی بعض الأخبار فی غیرها .

و ثالثا: استدل علی ذلک بمفهوم قوله علیه السلام فی روایة ابن أبی یعفور، حیث قال: «المستحاضة مضت أیّام، اقرائها اغتسلت واحتشت کُرسفا وتنظر، فان ظهر علی الکُرسف زادت کرسفا وتوضأت وصلّت»(2).

حیث أنّه أوجب وضوءا واحدا للمتوسطة والکثیرة، ولم یتعرّض لصورة القلیلة أصلاً، فیدل بالمفهوم علی عدم وجوب شی ء لغیر القسمین المذکورین، کما لا یخفی .

و رابعا: استدل بروایة زرارة حیث قال فی حدیثٍ: «وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، صلّت بغسل واحد، الحدیث»(3).


1- مختلف الشیعة: 1/209 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 5 .

ص:365

حیث لم یرد فیه اشارة الی لزوم الوضوء فی القلیلة .

و خامسا: الاستدلال بصحیة: ابن سنان، عن الصادق علیه السلام : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتُصلّی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب، فتصلّی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح، الحدیث»(1) .

فان الخبر واردٌ فی مقام البیان، ولم یتعرض لحکم القلیلة من لزوم اتیان الوضوء لکلّ صلاة، فیفهم من ترک التعرض عدم الوجوب.

وأیضا یدلّ علی المطلوب الخبر الذی رواه الجُعفی بقوله: «وإنْ هی لم تر طهرا، اغتسلت واحتشت، فلا تزال تصلّی بذلک الغُسل حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا ظهر أعادت الغُسل، وأعادت الکُرسف»(2).

ولکن شی ء من الامور المذکورة لا یثبت ما ذهب الیه فأمّا الاصل فمدقوعٌ بوجود الدلیل الاجتهادی علی وجوب الوضوء، کما سنشیر الیه .

وامّا الحصر، فصحیحٌ لو لم یقم دلیلٌ یفید الوجوب فی المقام، والاّ فانه مع قیامه لا یبقی لهذا الحصر وجه، والمفروض وجود بعض الاخبار الدالة علی الوجوب، کما سنشیر الیها انْ شاء اللّه تعالی .

و امّا الجواب عن الأخبار، فان عدم تعرض بعضها غیر ضائر، مع فرض وجود بعض آخر دالٍ علی الحکم فی القلیلة، لأنّ الملاک هو ملاحظة جمیع الأخبار الواردة فی ذلک، لا خصوص بعض دون بعض، و سنشیر الی الأخبار التی استدل بها المشهور، مع أنّ احتمال دلالة بعضها علی المقصود، مثل خبر ابن أبی یعفور، حیث قال: «فان ظهر علی الکُرسف، زادت کرسفها وتوضأت وصلت».


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .

ص:366

بأنْ یراد من قوله: «ظهر» الظهور علی باطن القطنة، لا ظاهرها، فیکون نصا فیما نحن فیه، هذا کما أشار الیه فی «الجواهر».

لکنه خلاف للظاهر، لوضوح أنّ الظهور فی الباطن لا یوجب زیادة الکرسف، بخلاف الظهور بالمعنی المتعارف، حیث یستقیم مع ما ورد فی الخبر، وإنْ کان الحدیث لا یوافق مع ما اختاره ابن أبی عقیل، من ایجابه الأغسال الثلاثة عند ظهور الدم علی الکرسف.

والحاصل: أنّ الأخبار إذا انضم بعضها مع بعض، یستفاد منها احکام الاقسام الثلاثة من المستحاضة، ویستفاد منها أن الواجب علی المرأة المستحاضة من القسم القلیل، هو الوضوء لکل صلاة، کما علیه المشهور .

وهذا ما اختاره ابن الجنید، من ایجاب الغسل فی کلّ یوم بلیلته _ علی ما نسبه الیه العلاّمة فی «المختلف» _ بقوله: «المستحاضة التی یثقب دمها الکرسف، تغتسل لکلّ صلاتین آخر وقت الاولی، وأوّل وقت الثانیة، وتصلّیهما، وتفعل للفجر مفردا کذلک، والتی لا یثقب دمها الکُرسف تغتسل فی الیوم واللیلة مرّة واحدة، ما لم یثقب»، انتهی(1) .

و فی «الجواهر»: أنّه یمکن الاستشهاد له ایضا بمضمرة سماعة، بقوله: «المستحاضة إذا ثقب الدم الکرسف، اغتسلت لکلّ صلاتین، وللفجر غُسلاً، وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، فعلیها الغسل کلّ یوم مرة، والوضوء لکلّ صلاة»(2) .

لکن یرد علیه : أنّه قد أضاف الوضوء لکلّ صلاة بعد الغُسل، مع أنّه لیس فی کلام ابن الجنید ذلک، فیحتمل أنْ یکون المراد من عدم تحاوز الدم من الکرسف،


1- مختلف الشیعة: 1/210 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 6 .

ص:367

هو المتوسطة من الاقسام لا القلیلة التی نبحث عن حکمها فی المقام، خصوصا اذ لاحظنا ذیل الخبر من الحکم بالوضوء إذا کان الدم صفرة، المنطبق علی القلیلة.

بقی هنا بیان دلیل قول المشهور، حیث ذهبوا الی وجوب اتیان الوضوء لکلّ صلاة أو فریضة: فقد استدلوا علی مختارهم بطائفة من الروایات _ بعد ما عرفت من نقل الاجماع مستفیضا علیه _ .

منها: صحیحة معاویة بن عمّار، عن الصادق علیه السلام : «وإنْ کان الدم لا یثقب الکُرسف، توضأت ودخلت المسجد، وصلّت کل صلاة بوضوء»(1).

فان مفادها لا تنطبق الاّ علی القلیلة .

منها: روایة زرارة، عن الباقر علیه السلام ، فی حدیثٍ، قال: «ثم هی مستحاضة، فلتغتسل وتستوثق من نفسها، وتُصلّی کلّ صلاة بوضوء، ما لم ینفد (یثقب) الدم، فاذا نفد اغتسلت وصلّت»(2) .

هذ، فضلاً عمّا مرّ علیک من دلالة ذیل مضمرة سماعة الدالة علی ان الواجب علی المرأة حین رؤیتها للدم الاصفر الوضوء فقط، فلابد أنْ یفرض فیما یمکن أنْ یکون استحاضة، لما قد عرفت من امکان صدق الحیض فی بعض الموارد، إذا کان الدم صفرة، ومن المعلوم أنّ هذا الغرض خارج عن حکم المقام، لأنّه مع ثبوت الحیض یسقط عنها حکم الوضوء، فالحکم بثبوت الوضوء عند رؤیة الصفرة مختصٌ بحالة الاستحاضة لا غیر، کما لا یخفی .

منها: صحیحة الصحّاف، فی حدیثٍ عن الصادق علیه السلام : فانْ کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکُرسف، فلتتوضأ ولتصلّ عند وقت کلّ صلاة،


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 9 .

ص:368

ما لم تطرح الکُرسف عنها، فانْ طرحت الکُرسف عنها فسال الدم، وجب علیها الغُسل، الحدیث)(1).

فالوضوء لکلّ صلاة قبل اطراحها للکرسف یکون فی القلیلة ثم بعدها المتوسطة .

منها: مرسلة محمّد بن مسلم، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال: «سألته عن الحُبلی... الی أن قال: وانْ کان قلیلاً أصفر، فلیس علیها الاّ الوضوء»(2).

حیث قد عرفت عدم انطباقه الاّ علی المستحاضة القلیلة .

منها: الخبر المروی فی «فقه الرضا»: «فان لم یثقب الدم الکُرسف، صلّت صلاتها، کلّ صلاة بوضوء»(3).

بل یمکن الاستدلال بالأخبار المستفیضة الدالة علی وجوب الوضوء مع صفرة الدم، الملازمة غالبا مع الاستحاضة القلیلة، خاصة وأنّ بعض هذه الاخبار صریحة فی القلیلة، وهی المشتملة علی نفی الغُسل عنها.

فما علیه المشهور هو الأقوی عندنا، کما علیه اجماع المتأخرین بل المتقدمین، الاّ ما عرفت.

وماتری فی کلمات المحقق الهمدانی فی «مصباح الفقیه» من المناقشة فی هذه الأخبار بقوله: «لولا اعتضاد هذه الاخبار بالشهرة والاجماعات المحکیة، لأمکن النقاش فیها، بکونها مسوقة لبیان عدم وجوب الغُسل عند صفرة الدم وقلته، وکون الوضوء المأمور به، هو الوضوء المعهود لأجل الصلاة، لا أنه یجب الوضوء تعبدا عند کلّ صلاة، بحیث یفهم منه کون الاستحاضة من حیث هی من


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من ابواب الحیض، الحدیث 16 .
3- المستدرک الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحدیث 1 .

ص:369

ولا تجمع بین صلاتین بوضوء واحد (1).

موجبات الوضوء»، انتهی کلامه(1) .

مدفوعة، لما لا یخفی ما فی کلامه من الاشکال، لأنه إذا لاحظنا أخبار الصفرة نجد أنّها دالة علی أنّ مقتضی الصفرة هو تجدید الوضوء، لا الوضوء المعهود للصلاة، والشاهد علی ذلک صحیحة علیّ بن جعفر، فی حدیثٍ، عن أخیه، قال: «ما دامت تری الصفرة، فلتتوضأ من الصفرة، وتصلّی ولا غُسل علیها من صفرة تراها، الاّ فی أیّام طمثها، الحدیث»(2) .

فان اطلاقها تشمل حتّی التی کانت متوضأة ثم رأت الصفرة، فانه یجب علیها الوضوء، وإنْ کان لا غُسل علیها أیضا، فانّه لو کان المراد من الوضوء، الوضوء الصلاتی المتعارف، لما أوجب علیها الوضوء ثانیةً حینئذ بعدما هی طاهرة بالوضوء.

هذا مضافا الی ما فی بعض الأخبار من الحکم بوجوب اتیان الوضوء عند حدوث الدم الاصفر لکلّ صلاةٍ، حیث لا یجامع مع کون المراد هو الوضوء المعهود، کالخبر الوارد فی «فقه الرضا» وغیره. وکیف کان، فالمناقشة غیر واردة، کما أنّ المسألة من حیث الأخبار والفتاوی واضحة.

(1) ظاهر کلام المصنف _ إن لم نقل صریحه _ عدم کفایة وضوء واحد للصلاتین، سواء کانتا فرضین أو نفلین أو المرکب منهما، بل هو ظاهر معقد الاجماعات والشهرة المتقدمة، بل قد صرح بذلک المحقق فی «المعتبر» والعلامة فی «المنتهی» و«التذکرة»، والمحقق الثانی فی «جامع المقاصد»، بل قد اضاف


1- مصباح الفقیه: 4/290 .
2- وسائل الشیعة: الباب 30 من ابواب الحیض، الحدیث 5.

ص:370

فی «التذکرة» بعد ذلک بقوله: بأنّه عند علمائنا، المشعر بکونه مجمعٌ علیه عندنا، خلافا للشیخ فی «الخلاف» حیث قید عدم الجواز بالوضوء الواجد للفرضین، بل فی «المبسوط» وتبعه علی ذلک صاحب «المهذّب» من التصریح بأنّه إذا توضأت المستحاضة للفرض، جاز أنْ تُصلّی معه ما شاءت من النوافل.

بل فی «الجواهر»: ربما کان هذا قضیّة من لم یوجب معاقبة الصلاة للوضوء، کالعلامة فی «المختلف»، وتبعه العلامة الطباطبائی فی «مصابیحه».

و لکن الدعوی الأخیرة غیر مقبولة، لامکان التفکیک بین القول المذکور مع وجوب الوضوء لکلّ صلاة حتّی فی النفل، اذ لا ملازمة بین القول بعدم وجوب المعاقبة، وبین عدم الوجوب لکل صلاة .

و الدلیل الدال علی وجوب التجدید لکلّ صلاة _ مضافا الی الاجماع والشهرة _ دلالة عموم الأخبار التی ذکرناها سابقا وهی صحیحة معاویة بن عمار، وموثقة زرارة، وموثقة و سماعة، والخبر المنقول فی «فقه الرضا»، حیث کان فیها: (تُصلّی فی کلّ صلاة بوضوء) الشامل باطلاقها الفرض والنفل مطلقا وبأیّ وجه کان .

و لیس لنا فی مقابل اطلاق هذه الأخبار، الاّ بعض الاطلاقات الآمرة بالوضوء، المقتضی لجواز الاکتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة، لکن جمیعها قابلة للتقیید بما عرفت من الصحیحة والموثقة، بأنْ تکون تلک الاطلاقات لغیر المقام الذی کان صاحبه مستمر الحدث، فیقتصر علی مقدار الضرورة المتیقن استباحتها له، وهو الصلاة الواجدة من الفرض والنفل لا خصوص الفرض، کما هو مورد اتفاق الکلّ.

نعم قد یقال بالفرق بین الفرض والنفل، بأن یُدّعی دخول کلّ نافلة، فی عنوان فرضها، فنافلة الظهر فی الظهر، والعصر فی العصر وهکذا، فحینئذ لا ینافیه قوله: «کلّ صلاة بوضوء»، لانه حینئذٍ یدلّ علی وجوب الوضوء فی کلّ صلاة مع ما

ص:371

یتعلق بها من النوافل، خصوصا مع ملاحظة بعض الأخبار الدالة علی ایجاب الوضوء عند وقت کلّ صلاة، مثل صحیحة الصحاف، حیث قد ورد فیها قوله علیه السلام : «فلیتوضأ ولتُصلّ عند وقت کل صلاة»(1).

بل قد یؤیّده أیضا سهولة الشریعة وسماحتها، اذ من المستبعد جدّا وجوب الوضوء لکلّ صلاة من النوافل، خصوصا المرتبة منها، مع ما فیه من العُسر والحرج .

و احتمال عدم مشروعیة النوافل فی حقّها، لعدم الضرورة علیها، مع أن طهارتها اضطراریة ولا ضرورة بالنسبة الیها.

ضعیفٌ، بل مقطوع بعدمه، لوضوح أنّ من المستبعد أنْ یکون أداء النوافل مانعا من الدخول فی الفریضة التی توضأت لها، ولا تکون سائر الاشغال مانعة عنه، خصوصا مع ملاحظة وجود بعض الأخبار الدالة علی تجویز الاتیان بالنافلة مع الفریضة بطهارة واحدة، مثل روایة اسماعیل بن عبد الخالق فی حدیثٍ، قال: «سألتُ أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة، کیف تصنع؟ الی أنْ قال: فاذا کان صلاة الفجر، فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تُصلّی رکعتین قبل الغداة، ثم تُصلّی الغداة، الحدیث»(2) .

هذا فصلاً عمّا یلاحظ فی بعض الاخبار من أن المستحاضة متی فعلت ما هو واجب علیها، کانت بحکم الطاهرة، کما فی ذیل روایة الصحاف، حیث قال علیه السلام فی حقّ المستحاضة: «فاذا فعلت ذلک أذهب اللّه بالدم عنها»(3) .

هذا، ولکن شی ء من الامور المذکورة لا یفی للاستدلال بها فی المقام، لوضوح أنّ فرض ادخال کلّ نافلة فی فریضتها _ علی فرض القبول _ لا یکفی فی


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .

ص:372

حقّ بقیة النوافل غیر المرتبة، فالدلیل أخصّ من المدعی.

کما أنّ ایجاب الوضوء لم یتعلّق بوقت کلّ صلاة، فلا ینافی أنْ یکون حکم الوضوء مستقلاً، بحسب ما یدل علیه دلیله من لزوم تجدیده فی کلّ صلاة، فان کلمة (وقت) فی قوله : «وقت کلّ صلاة» متعلقة بالصلاة لا الوضوء.

کما أنّ التمسک بسهولة الشریعة وسماحتها، لا یوجب رفع الید عمّا یدل علیه الدلیل، اما إذا کان أصل العمل مندوبا فانه یجوز ترکه، ویتناسب ذلک مع سهولة الشریعة، کما أنّ غالب المندوبات مشتمل علی اعمال قد یوجب العسر والمشقة للمکلف، ولذلک قیل إنّ أفضل الأعمال أحمرها .

وأیضا فانّ ما ورد من تجویز الاتیان بالنافلة مع الفریضة بطهارة واحدة مختصٌ بالغُسل لا الوضوء، ولا ملازمة بینهما، لامکان القول بالتفکیک بینهما فی هذا الحکم.

ومما ذکرنا یظهر لک جواب ما قاله فی آخر کلامه، من أنّها اذا قامت باتیان ما هو الواجب علیها صارت کالطاهرة، فان هذا علی خلاف المدعی أدّل، لأنّ التی وظیفتها _ المستفادة من الأخبار _ الوضوء لکلّ صلاة حتّی النوافل، فانه یجب علیها رعایة شرط تجدیده لکلّ صلاة.

وبما ذکرنا لا یبقی هنا شی ء یمکن التمسک به لأجل تقیید الاطلاقات الواردة فی لزوم الوضوء لکلّ صلاة، الاّ دعوی الانصراف فی الاخبار عن مثل النوافل، بان یقال إنّ ما من شأنه بیان حکمه فی الأخبار فی حقّ المستحاضة، هی الفرائض لا النوافل، فیمکن أن یکون المقصود من قوله علیه السلام : «کلّ صلاة» هو الفریضة لا النافلة.

لکنه لا یمکن أن یعتمد علیه، بعد ما عرفت من قیام الاجماع والشهرة وفهم الأصحاب التعمیم لکل صلاة، فریضةً کانت أو نافلة، یومیة کانت أو غیرها، أو غیرها.

ص:373

مع أنّه لو سُلّم هذا الانصراف، للزم القول به حتّی فی فریضة صلاة الآیات، لأنّها أیضا خارجة عن مورد الانصراف، مع أنّه غیر صحیح، کما لا یخفی.

فالاقوی عندنا ما علیه الأصحاب من أنّ وجوب التجدید یعدّ شرطا لکلّ صلاة حتّی النوافل، واللّه العالم .

هذ، والظاهر عدم الفرق فی وجوب الوضوء لکلّ صلاة فی الفرائض، بین ما اذا فرق بینهما فی الخارج من جهة الزمان، أو جمع، أو کان بیان الحکم قد صدر فی زمان لم یکن الجمع بین الفریضتین متعارفا، کما لا فرق فیه بین کون الفریضتین ادائیا أو قضاءا أو مرکبا منهما.

نعم وجوب التجدید فی الصلوات الاحتیاطیة غیر مقبول، و یعدّ خلاف الاحتیاط، لاحتمال کونها من الصلوات السابقة، وعلی فرض کونها نافلة مستقلة لم یتحقق، إنْ قلنا بوجوبه لکلّ نافله، لکنه لا یؤدی الی الحکم بلزوم الاتیان لأنّه هو فعل کثیر، ویحتمل کونه واقعا فی اثناء الفریضة.

ومن هنا ظهر عدم وجوب التجدید فی الأجزاء المنسیة، وفی سجدتی السهو إذاأتی بها، لعدم وجوبها الاّ لاجل ذات الصلاة التی کان قد توضأ حین اداءها.

نعم، لا یبعد عدم کفایة هذا الوضوء لاتیان باقی ما اشترط فیه اتیانه مع الوضوء، کمسّ کتابة القرآن، بخلاف الغایات المستحبة کقرائة القران وغیرها من کفایة الوضوء الاول، بل ومقدار ما یستباح به، بحیث یمکن أنْ یقال إنّه لا ینتقض بعد تحققه وحصوله بمجرّد استمرار حدث الاستحاضة لها، کما یقال بذلک فی المسلوس والمبطون، الاّ أن تأتی بما ینقضه من سائر افراد النواقض .

و ربما یؤمی الیه _ من جواز الفصل بین الوضوء والصلاة، بغیر ما یتعلق بالصلاّة _ کلام العلامة فی «المختلف»، ولا ینافی ذلک وجوب التجدید للفریضة الثانیة بدون فصل بینهما، وذلک من جهة وجود الدلیل علیه، لأنّا نتبع الدلیل فی

ص:374

کلّ موردٍ، کما لا یخفی علی المتأمل العارف بادلة الفقه ودلالتها.

ومن هنا ظهر وجوب تجدید الوضوء للطواف الواجب، ومسّ کتابة القرآن _ ان وجب _ و أنّه لیس لها الاکتفاء بوضوء واحد للجمیع علی الأحوط، ووجه الاحتیاط هو احتمال عدم ثبوت وجوب الوضوء لغیر الصلاة المفروضة حیث لم نزد علی لسان الأدلة وجوب الوضوء الاّ للصلاة، وحیث لا یکون هذا الوضوء رافعا للحدث _ لأنّ المفروض استمراره فی حقّها _ فلابد فی الحکم بالاستحاضة الاقتصاد علی موضع ورود الدلیل، وهو لیس الاّ فی الصلاة دون غیرها.

فیقال: أمّا بأنّه حدث للصلاة فقط دون غیرها، فاثبات حدثیة الاستحاضة مطلقا یحتاج الی الدلیل، ولو شک فیه _ لولا قیام الدلیل _ لکان مقتضی الأصل عدمه.

أو یقال: بأنّ ظاهر الأدلة کون دم الاستحاضة یعدّ حدثا کسائر الاحداث، فکلّ ما یشترط فیه الطهارة عن الحدث _ کمس کتابة القرآن _ لابد فی رفعه من تحصیل الطهارة، وهی لا تحصل الاّ بالوضوء عند التمکن منه، ومع الفجر عنه یجب احضار ما هو بدله، فلازم هذا القول هو تحصیل الوضوء، وحیث لا دلیل لمثل هذا الاطلاق، فالأحوط هو ترک المسّ إنْ لم یکن علیها واجبة، والاّ فانّ الاحتیاط یقتضی تحصیل الوضوء بقصد القربة المطلقة، وتفریغ ما هو فی الذمة تحصیلاً للاحتیاط فی جمیع المحتملات، واللّه العالم .

وأمّا وجوب تبدیل القطنة أو تنظیفها، بل وکذا الخرقة وظاهر الفرج إنْ تنجسّت _ فیما یشترط فیه الطهارة، حتّی من الخبث _ مثل الطواف _ فلابد فی جمیعها من الالتزام بذلک لأجل قیام الدلیل علی تنزیل الطواف بالبیت مکان الصلاة، والتزامهم فیه بما التزموا به فی الصلاة من الشروط، ومنها الطهارة عن الحدث والخبث، فلابد من رعایة ذلک.

فی أحکام الاستحاضة / الاستحاضة الوسطی

وامّا الالتزام بذلک حتّی فی مثل مسّ کتابة القرآن ونظائره _ ولو صار واجبا _

ص:375

وفی الثانی : یلزمها مع ذلک تغییر الخرقة ، والغُسل لصلاة الغداة (1).

فلا نقول به، لعدم وجوب التبدیل فی حال الاختیار فی غیر المقام، اذ لا دلیل علی وجوبه هنا، لفقدان أصل الشرطیة، کما هو واضح لا خفاء فیه.

نعم، یجب تبدیلها وتجدیدها _ کالوضوء _ لکلّ صلاة، ولو کانت نافلة، مرتبة کانت أو غیر مرتّبة، لقیام الدلیل علی أصل الشرطیة فیها کالفریضة، أو فرض تنجس القطنة أو الخرقة أو کلتیهما فی القلیلة، إذا فرضنا عدم العفو عن مثل هذا الدم فی الصلاة، ولو کان أقلّ من الدرهم.

هذا تمام الکلام فی القلیلة .

(1) اعلم أنّ البحث فی هذه الجملة عن القسم الثانی من أقسام المستحاضة، وهو القسم الثانی المسمّی بالوسطی أو المتوسطة، وقد عرفت أنّها عبارة عن زیادة الدم وخروجه بحیث یؤدی الی تجاوزه عن الکرسف أو انغماس الکرسف به، أو ظهور الدم علیه، علی حسب الاختلاف فی التعبیر، وان کان المقصود فی الجمیع هو شی ء واحد.

فیجب علیها عند حدوث مثل هذه الحالة _ مضافا الی ما عرفت من وجوب تبدیل القطنة أو تطهیرها _ تبدیل الخرقة وتطهیرها، وهذا الحکم مما لا خلاف فیه، بل عن فخر المحققین فی «الارشاد» من اجماع المسلمین علیه، بل فی «الجواهر» مضافا الی ذلک، تمسکه بالأولویة، لما تقدم من نفی الخلاف فی القلیلة وغیره، فدلالته علیه هنا تکون بالأولویة.

أقول: لو ارید من الاولویة، اولویة ذلک فی القطنة فَحَسنٌ، والاّ لا یثبت وجوب تبدیل الخرقة هنا بالأولویة، الاّ عند من أوجب الخرقة فی القلیلة، وقد عرفت الاشکال فیه، فاثبات وجوبه لابد وأن یکون من أجل ما هو مخصوص

ص:376

للوسطی والکثیرة، حیث یستلزم انغماس القطنة فی الدم، وظهوره علی الکرسف مما یوجب تلوث الخرقة أیضا، ولا یستبعد وجوبه تعبّدا حتی وان لم تتلطخ الخرقة بالدم، خصوصا إذا فرضنا قبول صدق المتوسطة فیما لو غمس الدم بعض اطراف القطنة، إذا کان فی ناحیة باطن الفرج، ففیه یشکل القول بوجوب تبدیلها، مع فرض عدم تلوثها، ولعلّه حیث یکون نادر التحقق، فیلحق بالعدم، اذ یلحق الظنّ عادة بالأعمّ والأغلب .

وکیف کان، فقد استدل علی الوجوب هنا، بظهور بعض الأخبار، بل صراحتها علی الحکم مثل خبر عبد الرحمن بن أبی عبداللّه، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ: «فلتحتط بیوم أو یومین، وتغتسل، ولتدخل کُرسفا، فان ظهر عن الکُرسف، فلتغتسل ثم تضع کرسفا آخر، ثم تصلّی الحدیث»(1) .

منها: خبر الجعفی، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «فانْ هی رأت طهرا اغتسلت، وإنْ هی لم تر طُهرا اغتسلت واحتشت، فلا تزال تصلّی بذلک الغُسل، حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا ظهر أعادت الغُسل، وأعادت الکرسف»(2) .

منها: روایة ابن أبی یعفور، عن الصادق علیه السلام ، قال: «المستحاضة مضت أیّام اقرائها، اغتسلت واحتشت کُرسفا، وتنظر فانْ ظهر علی الکُرسف، زادت کرسفا وتوضأت وصلّت»(3).

فان مورد هذه الروایة، إمّا خصوص الکثیرة، ففی الوسطی ایضا یکون کذلک، لعدم القائل بالفرق بینهما فی هذا الحکم، أو یکون مورده الوسطی، فالحکم فیه یکون مثل ما فی الروایتین السابقتین.


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:377

هذا هو مجموع ما استدل به صاحب «الجواهر»، وتبعه علی ذلک آخرون .

ولکن قد عرفت الاشکال فی القطنة بالنسبة الی القلیلة، فضلاً عن الخرقة، فوجوب تبدیلهما هناک، کان لأجل الوفاق مع القوم .

ولکن ذهب صاحب «مصباح الفقیه» الی سریان هذا الاشکال هنا، حیث یقول: «إنّ دلالة الخبرین من عبد الرحمن والجعفی الآمرة باعادة الغُسل و اعادة الکرسف عند ظهور الدم، الشاملة للمقام، إنّما یدل علی وجوب التبدیل عند الاغتسال، وستعرف أن هذا مما لابد منه، لا وجوبه عند کلّ صلاة، بل یفهم من جملة من الأخبار خلافه. ودعوی اتمام المدّعی بالنسبة الی سائر الصلّوات التی لم تغتسل عندها، بعدم القول بالفصل. مدفوعة، _ بعد الغضّ عما ستعرف من أنّ الوجه فیه، کون ظهور الدم بنفسه موجبا للغسل فی احتمال قوی _ بامکان أنْ یکون الأمر باعادة الکرسف بعد الاغتسال، امّا للجری علی العادة، أو للحفظ عن تسریة النجاسة ونحوهما، لا لکونه شرطا فی الصلاة، حتّی تثبت شرطیتها بالنسبة الی کلّ صلاة بعدم القول بالفصل، علی تقدیر الثبوت. فالقول بالوجوب مطلقا _ کما عن المشهور _ لا یخلو عن اشکال، وکذا الکلام فی لزوم تغییر الخرقة إنْ قلنا بالعفو عنه . اللّهم الاّ أنْ تکون المسألة اجماعیة، کما عن جملة دعواه بالنسبة الیهما، فالاحتیاط بما لا ینبغی ترکه، واللّه العالم» انتهی کلامه(1) .

قلنا: لا یخفی وجود الفرق بین المقام وبین القلیله فی وجوب تبدیل القطنة بالنسبة الی أصل النجاسة، حیث قد عرفت الاشکال فیه فی القلیلة من جهة أن نجاستها فی الباطن، ولا تعلم المرأة بحدوثها الاّ بعد وضع القطنة واختبارها، حیث لا تبرز النجاسة فی الخارج، وهذا ما استوجب الاشکال فی لزوم تبدیل


1- مصباح الفقیه: 4/297 .

ص:378

القطنة، هذا بخلاف المتوسطة والکثیرة، حیث لا اشکال فیهما من جهة ظهور الدم علی الکُرسف، غایة ذلک أنّه فی الکثیرة تکون سیلان الدم اکثر منه من المتوسطة، والأصل الاولی هو لزوم تبدیل القطنة، الاّ اذا قام الدلیل علی العفو، هذا فضلاً امکان استفادة لزوم التبدیل فی الانتقال من مرتبةٍ الی اُخری، کما اُشیر الی ذلک فی خبر الجعفی حیث، قال علیه السلام : «وإنْ لم تر طُهرا اغتسلت واحتشت، ولا تزال تُصلّی بذاک الغسل، حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، (ای الی مرتبة اخری من الاقسام) فاذا ظهر أعادت الغُسل واعادت الکُرسف ».

والمراد فی قوله: «حتی یظهر الدم علی الکُرسف» أی زاد سیلان الدم مما استوجب انتقالها الی مرتبة اخری من الاقسام الثلاثة.

بل لا یبعد أن نستنتج وجوب تبدیل القطنة عند کل صلاة، من روایة أبی بصیر، فی حدیثٍ قال: «فاذا تمت ثلاثون یوما، فرأت دما صبیبا اغتسلت و استشفرت، واحتشت بالکُرسف، فی وقت کلّ صلاةٍ، الحدیث»(1).

فالخبر وان کان واردا فی مورد الکثیرة، لکن یلحق بها المتوسة، لعدم القول بالفصل. مضافا الی امکان استفادة ذلک من الروایة التی رواها الحلبی عن الصادق علیه السلام فی حدیث: «قال: ثم تغتسل، وتستدخل قطنة، وتستشفر (تستذفر) بثوب، ثم تُصلّی حتّی یخرج الدم من وراء الثوب، الحدیث»(2).

حیث أفادت أن الغایة هی خروج الدم من وراء الثوب، وحینذاک لیس علیها أن تصلّی الاّ أن تقوم بتبدیل ثیابها، غایة الأمر أنه قد ینطبق هذا الحکم، علی وجوب التبدیل عند تغییر المرتبة وذلک عند انتقالها من کونها استحاضة صغری


1- وسائل الشیعة: الباب 6 من ابواب الحیض، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2.

ص:379

الی المتوسطة، ومنها الی الکثیرة، لا لکلّ صلاةٍ یؤدیها وهی باقیة علی حالتها من رؤیة الدم، دون أن تکون قد انتقلت قبل هذه الصلاة الی مرتبة اخری.

نعم، قد یستفاد من بعض الاخبار لزوم التبدیل للصبح مرّة وللظهرین مرّة اُخری، وللعشائین کذلک، بأن یکون حکم التبدیل حکم الغُسل فی الکثیرة، والخبر الذی یشیر الیه هو روایة زرارة فی حدیثٍ: «وتستظهر بیومین، فان انقطع الدم والا اغتسلت واحتشت، واستشفرت (و استذفرت) وصلّت، فان جاز الدم الکُرسف، تعصَّبت واغتسلت، ثم صلّت الغداة بغُسلٍ، والظهر والعصر بغُسل، والمغرب والعشاء بغُسل وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، صلّت بغُسل واحد، الحدیث» . حیث یدل علی أنّه برغم کونها قد احتشت وصلّت، فقد ورد فی الخبر الأمر بلزوم التعصّب والغُسل أیضا لصلاة الغداة إنْ جاوز الدم الکُرسف، فلا یبعد تکرار ذلک مع تکرار الغُسل، ولعل هذا الخبر ورد لأجل افهام ما نحن بصدده من لزوم التبدیل لکلّ عمل یجب فیه الغُسل، فلازمه تکراره عند الغداة وفی الظهرین العشائین.

ولکن الذی ذهب الیه أصحابنا هو وجوبه لکلّ صلاة، کما ادّعی علیه الاجماع، فیستفاد فی ذلک حملهم الأخبار والروایات علی هذا المعنی، کما أن علیه الفتوی.

ومن ذلک یظهر وجوب تبدیل الخرقة لکلّ صلاة، لأنها تتلوث فی المتوسطة والکبیرة، فوجوب تبدیلها لیس لأجل التعبد بذلک، بل لکون الغالب فی هذین القسمین کذلک، حیث تنغمس القطنة فی الدم، وهذا یستلزم کثرة وجود الدم علی الخرقة، وحینئذٍ لو فرضنا عدم العفو عن دم المستحاضة کالحیض، فلابد من التبدیل، کما لا یخفی.

فاذا ظهر الحکم بالنسبة الی الصلوات الیومیّة فانه من جهة عدم القول بالفعل یمکن الحاق بقیة الصلوات بهذا الحکم والقول بلزومه فیها .

ص:380

بل یمکن أنْ یقال بأنّ الحکم بوجوب تبدیل الخرقة فی الفرائض یعدّ أشدّ وأقوی من وجوب التبدیل فی القطنة، لأنها سالمة عن ورود بعض الاشکالات الواردة فی القطنة، من کون القطنة مما لا تتم فیها الصلاة لصغرها بخلاف الخرقة، لامکان کونها مما تتم فیها الصلاة، ومن کون القطنة تستقر فی داخل الفرج، المحتمل کونها ملحقه بالبواطن، بخلاف الخرقة، و کون العفو فی القطنة أولی من الخرقة، لما قد عرفت من أن الحکم بوجوب التبدیل فیها، مستلزمٌ للعسر والحرج، حیث لا یصعب تجنبها وحفظها عن التلوث، بخلاف الخرقة، لامکان ذلک فیها فی المتوسطة والکثیرة، وان کان بعیدا جدّا .

و عدم اشارة السیّدین والقاضی لموضوع تبدیل الخرقة _ نظیر خلوّ الأخبار عن ذکر _ لا یزاحم الفتوی بوجوب التبدیل، لامکان أن یکون ترکوا الاشارة الی ذلک اعتمادا علی وضوحه وظهوره، بعد اتفاقهم علی لزوم الاجتناب عن دم الاستحاضة، وعدم العفو فیه، وأنّه لیس کسائر الدماء التی حکم الشارع فیها أو فی مقدار معین منها بالعفو فی الصلاة وغیرها.

هذا تمام الکلام فی حکم وجوب تبدیل القطنة والخرقة .

ومن الاحکام الواجبة والمرتبة علی الاستحاضة المتوسطة، هو وجوب الوضوء لکلّ صلاة، کما فی «المقنعة» و«السرائر» و«الجامع» و«الوسیلة» و«القواعد» و«التحریر» و«الارشاد» و«اللمعة» و«الروضة» وغیرها، وهو المشهور، بل لعله لا خلاف فیه فی غیر الغداة، کما یرشد الیه دعوی الاجماع المنقول فی «الناصریات» و«الخلاف» و«الغنیة» علی ما یتناولها .

بل یمکن دعوی وجوب ذلک حتّی فی الغداة أیضا، وإنْ اوهمت الکتب الثلاثة الأخیرة، و«المبسوط» والمنقول عن الصدوقین والقاضی وأبی الصلاح وغیرها عدم الوجوب فیها، لمکان اقتصارهم فی الامر بالوضوء لغیر الغداة، مع

ص:381

احتمال أن اقتصارهم علی وجوب الغُسل للغداة والوضوء لغیرها، لم یکن من جهة نفی الوضوء عن صلاة الغداة، وانّما من جهة ان المرأة مأمورة بالغُسل لصلاة الغداة دون غیرها من الصلوات، ومع اقدامها علی الغُسل للغداة تکون قد استغنت عن الوضوء لها، دون غیرها من الصلوات التی یجب علیها الوضوء لها، کما صرّح بذلک المحقق فی «نکت النهایة» علی ما نُقل عنه فی تفسیر کلامه رحمه الله .

وکیف کان فلو، سلّمنا ظهور کلامهم فی عدم الوجوب فی الغداة فانه مردودٌ ومنقوصٌ . ورد من النصوص الدالة علی الوجوب فی کلّ صلاة، مثل ما فی موثقة سماعة، فی حدیثٍ عن الصادق علیه السلام ، قال: «وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، فعلیها الغُسل کلّ یومٍ مرّة، والوضوء لکلّ صلاة»(1) .

نحوها مضمرة سماعة، حیث یتطابق عبارتها مع الموثقة(2) وکذلک ما ورد فی «فقه الرضا» المشعر بذلک.

بل قد یمکن استفادة ذلک مما قد مضی فی بحث غُسل الجنابة، من الأخبار الکثیرة الدالة علی وجوب الوضوء لکلّ غُسلٍ غیر غُسل الجنابة . منها حدیث حماد أو غیره عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «فی کلّ غُسل وضوء الاّ الجنابة»(3).

حیث یدل عمومه علی لزوم الوضوء مع الغُسل فی صلاة الغداة أیضا .

مضافا الی امکان الاستدلال بالأخبار الدالة علی وجوب الوضوء فی القلیلة، مثل ما ورد فی الخبر الذی رواه زرارة بسنده، حیث قال: «وتصلّی کلّ صلاةٍ بوضوء، ما لم ینفد (یثقب) الدم، الحدیث»(4) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الجنابة، الحدیث 3 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 6 .
3- وسائل الشیعة: الباب 35 من ابواب الجنابة، الحدیث 2 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 9 .

ص:382

و روایة صحیحة ابن عمّار، فی حدیثٍ، قال: «وإنْ کان الدم لا یثقب الکُرسف، توضأت ودخلت المسجد، وصلّت کلّ صلاةٍ بوضوء، الحدیث»(1).

بتقریر أنْ یقال: إنّ زیادته بحدث وتبدیله بالأکبر، لا یوجب زوال الأصغر وحکمه، بل الاولی حفظ هذا الحکم، مع اضافة حکم آخر الیه وهو غسل واحد للغداة، والوضوء لها ولغیرها من الصلوات الآتیة، بغیر غُسل فی المتوسطة، وکذلک فی الکثیرة، مع زیادة حکم آخر وهو لزوم الغسل عند کلّ صلاة لو لم یجمع بین فریضتین، ولو جمع بینهما یکفیه غُسل واحد للصلاتین مع الوضوء لکلّ صلاة، بحسب حکمه السابق، ویمکن تأیید ذلک بما قد عرفت من عدم کفایة الغُسل عن الوضوء الاّ فی الجنابة، فلا یرفع الحدث بالأصغر المتحقق بحدوث الأکبر الاّ بالوضوء لکلّ صلاة، ومع وجود دلیل اجتهادی دالّ علیه کما قلنا، لا یبقی هنا مجالٌ للرجوع الی الأصل وهو البرائة، مع معارضته مع اصالة الاشتغال للقطع بالشغل، فلابد من حصول القطع بالفراغ، وهو لا یحصل الاّ بتجدید الوضوء لکلّ صلاة، وحصر النواقض الواردة فی الأخبار فی غیرها، لأنّ الحصر فیها اضافی، سیّما بالنسبة الی موجبات الکبیر مع الصغیر.

ولعلّ السیّد المرتضی رحمه الله ، الذی اکتفی بذکر الغُسل فقط فی الغداة قد اعتمد فی ذلک علی مذهبه باغناء الغُسل الواجب عن الوضوء، مع أنّه رحمه الله قد صرّح بلزوم الوضوء مع الغُسل فی الغداة ایضا فی کتابه «الجمل»، کما حکاه عنه فی «کشف اللثام».

ولعلّ وجه ترک بعض الفقهاء ذکر الوضوء لکلّ صلاة فی المتوسطة وغیرها، کان لأجل اعتمادهم واتکالهم علی مذهبهم من وجوب الوضوء لکلّ غُسل، ومنه


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .

ص:383

المقام وفی الکثیرة واللّه العالم.

وهکذا ثبت أن الحقّ مع المشهور، من وجوب الوضوء لکلّ صلاة حتّی الغداة، مضافا الی الغُسل فیها، کما عرفت فی صدر البحث .

اما حکم وجوب الغُسل لصلاة الغداة فی المستحاضة المتوسطة ووجوب تبدیل القطنة والخرقة، واتیان الوضوء لکلّ صلاة، فقد صرّح «الفقیه» و«الهدایة» _ مع اضافة صلاة اللیل الیها و«المقنعة» و«الناصریات» و«الغیبة» و«الخلاف» و«المبسوط» و«الوسیلة» و«السرائر» و«الجامع» و«النافع» و«القواعد» و«التحریر» و«المختلف» و«الارشاد» و«الدروس» و«البیان» و«الذکری» و«اللمعة» و«الروضة» و«جامع المقاصد»، وکثیر من المتأخرین مثل صاحب «الجواهر»، والمعاصرین علی عدم وجوب غُسلٍ علیه غیر الغُسل للغداة من الأغسال، بل قد ادّعی «الناصریات» و«الخلاف» و«الغنیة» الاجماع علی ذلک، وهو حجة علی ابن عقیل وابن الجنید من قولهم بوجوب الاغسال الثلاثة.

وهو مختار المحقق فی «المعتبر»، والعلامة فی «المنتهی»، وتبعهما فی ذلک صاحب «المعالم» و«المدارک» تبعا لشیخه المعاصر المحقق الاردبیلی، وشیخنا البهائی وصاحب «الذخیرة».

وهکذا ظهر ذهاب کثیر من الاعلام الی اختیار هذین القولین، فیصح دعوی الشهرة والاشتهار فیه، کما لا یمنع وجود الکثرة فی القول الاوّل .

و کیف کان، فقد استدل للقول الأول _ مضافا الی الأصل، لو لم یتم الدلیل الاجتهادی علی اثباته، حیث أنّ مقتضاه هو البراءة عن الوجوب فی أزید من الغسل الواحد للغداة _ الأخبار المعتبرة القابلة للاستدلال.

منها: مضمرة زرارة فی الصحیح، قال فی حدیثٍ: «فان جاز الدم الکُرسف، تعصّبت واغتسلت، ثم صلّت الغداة بغُسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب

ص:384

والعشاء بغسل، وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، صلّت بغُسلٍ واحد، الحدیث»(1) .

بأن یکون المراد من عدم التجاوز عن الکُرسف، عدم سرایة الدم الی الظاهر، المستلزم لتلوّث الخرقة. والسیلان المشار الیه فی بعض النصوص ینطبق علی الکثیرة، ما نحن فیه وهو المتوسطة .

منها: مضمرة سماعة، قال: «قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الکُرسف، اغتسلت لکلّ صلاتین وللفجر غسلاً، وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، فعلیها الغسل لکلّ یوم مرّة، والوضوء لکلّ صلاة، الحدیث»(2) .

منها: موثقة سماعة، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، فی حدیثٍ، قال: «وغُسل المستحاضة (الاستحاضة) واجبٌ إذا احتشت بالکُرسف، وجاز الدم الکُرسف، فعلیها الغُسل لکلّ صلاتین، وللفجر غُسل، وإنْ لم یجز الدم الکُرسف، فعلیها الغُسل لکلّ یوم مرّة، والوضوء لکلّ صلاة، الحدیث»(3) .

و الاشکال فی الاضمار فی الروایتین الاولتیین مندفع، أوّلاً: بانه من مثل زرارة غیر قادح، لجلالة مقامه ووثاقته، هذا فی الاولی، واما اضمار الثانیة فانه ایضا لا یضرّ لانها مؤیّدة بموثقته الاخری مسندا کما عرفت، ویصیر هذا دلیلاً علی کون المراد من الثقب فی مضمرة سماعة هو التجاوز عن الحدّ المتعارف کما کان کذلک فی موثقته، فینطبق علی المتوسطة، فصدر المضمرة مشتمل للقسمین من اقسام المستحاضة، وهما الکثیرة والمتوسطة، وذیلها الوارد فیه قوله: «وان کان صفرة فعلیها الوضوء»، مشتمل علی حکم القلیلة، لأنها غالبا، یکون دمها اصفرا فالمضمرة مشتملة علی حکم الاقسام الثلاثة من المستحاضة .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 6 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الجنابة، الحدیث 3 .

ص:385

کما یندفع الاشکال بعدم صراحة الروایات الثلاث، فی کون الغُسل لصلاة الغداة، والقول بانها لا صراحة فیها فی کونه للاستحاضة بل لعله للنفاس.

عن الاوّل: بأنّه إذا ثبت الوحدة فی الغُسل فی کلّ یوم، فانه لا ینطبق الاّ علی الغداة، اذ یکفی فی ثبوت ذلک لها الاجماعات السابقة والشهرة العظیمة القائمة علیه .

و عن الثانی: بظهورها فی الاستحاضة ظهورا کاد أنْ یکون صریحا فی غُسل الاستحاضة، خصوصا مع ملاحظة فاء التفریع، بضمیمة سائر الاغسال الثلاثة، حیث لا تکون الاّ فی المستحاضة الکثیرة، فالوحدة تصیر للمتوسطة .

کما یندفع الاشکال فی مضمرة سماعة وموثقته، _ حیث جعل شریطة عدم التجاوز دلیلاً علی المتوسطة، مع أنّه اعم منها، لشموله للقلیلة فیمکن أن یکون المقصود هو القلیلة لا المتوسطة _ أوّلاً: بأنّ أعمیّته لهما لا یقدح فی المطلوب، لأنه لابد أنْ یحمل علی المتوسطة، لعدم قائل بوجوب الغُسل فی الصغری، سوی ما سمعته فی ابنی أبی عقیل والجنید، وقد عرفت ضعفهما، فیثبت المطلوب.

هذا کما فی «الجواهر» .

و ثانیا: لو سلّمنا أعمّیته لکلا القسمین، فهو لا یضر بمطلوبنا، فی لزوم الغُسل الواحد فی المتوسطة، وغایته ایجاب الغُسل ایضا للقلیلة، فیخصص عمومه بالنسبة الی القلیلة، بالأخبار السابقة الواردة فی القلیلة، بکفایة الوضوء فیها لکلّ صلاة بلا غُسل، فیتم المطلوب .

و مما یدلّ علی المطلوب، ومشتملٌ لحکم الأقسام الثلاثة _ مع توضیح منا ومن غیرنا _ صحیح الصحَّاف المرویّة بسنده عن الصادق علیه السلام ، حق الحامل والمستحاضة، حیث قال فی حدیثٍ الاغتسال للحیض، والاحتشاء لصلاة الظهر والعصر، قال: «ثم تنظر فان کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکُرسف، فلتتوضأ ولتصلّ عند وقت کلّ صلاة، ما لم تطرح الکُرسف عنها»

ص:386

فان قوله علیه السلام : «ما لم تطرح الکُرسف» یکون مبیّنا لقوله علیه السلام : «لا یسیل من خلف الکُرسف»، لأنّ عدم السیلان ینطبق علی کلّ من القلیلة والمتوسطة، فبضمیمة الذیل یصیرُ شاهدا علی أنّ المراد منه هو القلیلة لا المتوسطة، کما أشار الی هذا القسم أیضا فیما بین المتوسطة والکثیرة حینما قال: «وإنْ طرحت الکُرسف عنها، ولم یسیل الدم، فلتتوضأ ولتصلّ، ولا غُسل علیها».

فیکون بیان حکم المتوسطة هو النص السابق علی ما عرفت آنفا، من کونها للقلیلة، وهی قوله: «فان طرحت الکُرسف عنها فسال الدم وجب علیها الغسل».

بان یقصد من السیلان، هو تجاوز الدم وعبوره من القطنة لا السیلان منها الی الخارج، حتّی ینطبق علی الکثیرة، لأنّه إنْ حمل علی ذلک، فانّه أوّلاً لا یناسب مع ما ورد فی ذیله من بیان الأغسال الثلاثة فی الکثیرة، وهو قوله فی ذیل الخبر: «وإنْ کان الدم إذا أمسکت الکُرسف یسیل من خلف الکُرسف صبیبا لا یرقی، فانّ علیها أنّ تغتسل فی کل یوم ولیلة ثلاث مرات».

وثانیا: إنّ وجوب الغُسل بصورة الابهام لا یفید هنا شیئا من الأحکام، فذکره کذلک یکون خالیا عن الفائدة، لأنّه إنْ حملناه علی وحدة الغسل فی السیلان، فهو مخالفٌ للاجماع، وإنْ حملناه علی الفرد المبهم والجنس الشامل للوحدة والکثرة فی الغسل، فتبقی المتوسطة هنا خالیة عن الحکم من دون أن ترد فی الروایة اشاره الی حکمها.

فالأولی حمله علی صرف الوجود فی وجوب الغُسل، وهو لا یکون الاّ فی المتوسطة، غایة الأمر أنّه اذا فرغنا من أصل وجوبه مرّةً فی کلّ یوم، فانه یمکن تحدید الوجوب وجعله فی وقت اداء صلاة الغداة وذلک بواسطة قیام الاجماع علی عدم وجوب الغُسل فی غیر الغداة.

فتکون الروایة مع هذا التفسیر والبیان مشتملة علی بیان الأقسام الثلاثة، وهو

ص:387

المطلوب. فما ذهب الیه صاحب «المدارک» من حمله علی الجنس، وکون الذیل مبیّنا له، مما لا یساعده الدلیل، فیکون ما استفاده صاحب «الجواهر» وجعله من الأخبار الدالة علی حکم الغُسل الواحد للمتوسطة جیّدا ومتینا.

و مما یستدل علی لزوم غُسلٍ واحد للمتوسطة، خبر عبد الرحمن بن أبی عبداللّه _ الذی هو کالصحیح _ عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ قال: «فإنْ ظهر عن (علی) الکُرسف، فلتغسل، ثم تضع کُرسفا آخر، ثُمّ تصلّی، فاذا کان دما سائلاً، فلیؤخر الصَّلاة الی الصلاة، ثم تُصلّی صلاتین بغُسل واحدٍ، الحدیث»(1).

فان التقابل بین الظهور علی الکرسف ووجوب الغُسل، مع کون الدم سائلاً، لا ینطبق الاّ علی المتوسطة، اذ لیس لنا غُسل واجبٌ الاّ فی المتوسطة و الکبری، والمفروض کون الثانیة داخلة تحت قوله: «إذا کان دما سائلاً»، فالوسطی تکون للاولی، وهو غُسل واحد، وهو لا یکون الاّ مرة واحدة فی کل یوم، لما قد بیّنا من الادلة الاخری وجهه.

کما أنّه نمتلک قرینة اُخری لکون الجملة الثانیة واردة فی مقام بیان حکم الکبری، هو اشتراط الجمع بین الصلاتین بغُسل واحدٍ، حیث لا یکون ذلک الاّ فی الکبری لشهادة ساءر الأخبار.

و مما استدل علی لزوم غُسل واحد للوسطی، موثقة زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام ، فی حدیثٍ: «ثم هی مستحاضة، وتستوثق من نفسها، وتصلّی کلّ صلاة بوضوء، ما لم ینفد (یثقب) الدم، فاذا نفد اغتسلت وصلت»(2) .

فانها مشتملة علی حکم القلیلة، من جهة دلالة قوله: «تصلی کلّ صلاة


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 9 .

ص:388

بوضوء»، ومشتملة لحکم المتوسطة لدلالة قوله: «فاذا نفذ...» الذی هو اوّل مصداق لوجوب الغُسل، أمّا الکبری فلم ترد لها ذکر فی الروایة.

لا یقال: قد ورد ذکر الغُسل فی أوّله بعد ما قال علیه السلام : «ثم هی مستحاضة».

لأنا نقول: بان الظاهر کون المراد منه، هو غُسل الحیض، لأنّ ما قبله کان لبیان حکم الحیض من الطامث، (تقعد بعدد ایّامها)، ومن المعلوم لزوم الغُسل لها، ثم یحکم بالاستحاضة لما بعده .

ومن الاخبار التی یمکن الاستدلال بها فی المقام حدیث الجعفی، عن أبی جعفر علیه السلام ، حیث قال بعد ذکره أیّام الحیض والقعود فیها، قال: «فاذا هی رأت طهرا (الطهر) اغتسلت(1)، وإنْ هی لم تر طُهرا اغتسلت(2) واحتشت، ولا تزال تُصلّی بذلک الغُسل، حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا طهر (ظهر) اعادت الغُسل، وأعادت الکرسف»(3) .

فان ما یترتب علیه من الغُسل، بعد ظهور الدم علی الکرسف، هو الوسطی، ولم یتعرض الحدیث للکبری، فتصیر الروایة من ادلة الباب .

و فی «الجواهر» قال بعد نقله تلک الأخبار: ومفهوم قول الصادق علیه السلام فی خبر یونس بن یعقوب «فان رأت الدم دما صبیبا، فلتغتسل وقت کل صلاة»(4) فکأنّه أراد أنّه لم یجب عند کلّ وقت الصلاة غُسلاً، فیجب واحدا فی کلّ یوم، مع أنّه غیر لازم، بل اللازم هو الاعمّ، لولا وجود قرینة معلومة خارجیة، اذ یصدق عدم وجوب الغُسل عند وقت کلّ صلاة، بعدم وجوب أصل الغُسل، کما یصدق علی


1- أی اغتسلت غُسل الحیض.
2- أی غُسل الحیض ایضا.
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 11 .

ص:389

وجوبه فی کلّ یوم بمرّة أو مرتین، فاثبات المرّة فقط محتاج الی دلیل خارجی، بأنّه اذا ثبت الغُسل فی المستحاضة فانّه لا یکون الاّ بأحد الوجهین: إمّا فی کلّ یوم مرّة، أو وجوبه لوقت کلّ صلاة.

فاذا فقد الثانی، تعیّن الاوّل، فیتم المطلوب.

ولکن مع ذلک کله فان ثبوت ذلک متوقف علی کون المفهوم وجوب الغسل أیضا، واما إذا لم یثبت ذلک فی المفهوم، بل کان أحد مفهومه عدم وجوب الغسل، فاثباته مع الدلیل الخارجی أیضا مشکل، کما لا یخفی .

و مثله فی الاستدلال والاشکال، خبر محمد بن مسلم، المروی فی «المعتبر» عن کتاب المشیخة للحسن بن محبوب، عن الباقر علیه السلام فی حدیثٍ قال: «ثم تَمسک قطنة، فان صبغ القطنة دم لا ینقطع، فلتجمع بین کلّ صلاتین بغُسل، الحدیث»(1).

حیث یکون مفهومه أنّه إذا لم یکن کذلک، فلا یجب الغسل بالجمع بین کلّ صلاتین، حیث کانت للکبری، فینطبق علی الوسطی.

وقد عرفت اشکاله، فلا نعید حذرا من الاطالة، واللّه العالم .

نعم قد یؤید جمیع ما استدل للمطلوب، بما ورد فی «فقه الرضا» حیث قال: «فان لم یثقب الدم القطن، صلّت صلاتها، کلّ صلاة بوضوء (هذا للصغری)، وإنْ ثقب الدم الکُرسف، ولم یسیل، صلّت اللیل والغداة بغُسل واحد، وسائر الصلوات بوضوء (هذا للوسطی)، وإنْ ثقب وسال، صلّت اللیل والغداة بغُسل، والظهر والعصر بغُسل، وتصلّی المغرب والعشاء الآخرة بغسل (هذا للکبری)»(2).

فتتم المسئلة بها وبالاجماعات السابقة والاجماع المرکب، علی أنّ الغسل


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 14 .
2- المستدرک الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحدیث 1.

ص:390

الواجب فی الوسطی لم یکن الاّ غُسلاً واحدا، وهو حین ادائها لصلاة الغداة، دون سائر الصلوات، کما لا یخفی .

اذا عرفت لسان الأخبار ودلالتها علی لزوم غُسل واحد للمتوسطة، فلا نتردد فی لزوم تقیید المطلقات الواردة الدالة علی لزوم أغسال ثلاثة للمستحاضة، مثل روایة زرارة فان الوارد فیها بعد بیان حکم الحیض لزوم والاحتیاط بیوم أو یومین، قال: «ثم تغتسل کلّ یوم ولیلة ثلاث مرات، وتحتشی لصلاة الغداة، وتغتسل، وتجمع بین الظهر والعصر بغُسل، و تجمع بین المغرب والعشاء بغُسل، الحدیث»(1).

ومثلها روایة الحمیری، عن اسماعیل بن عبد الخالق(2) .

کما تتقید هذه المطلقات بالنسبة الی القلیلة، من عدم وجوب الغُسل فیها، کما ظهر فی بعض الأخبار السابقة من ایجاب الأغسال الثلاثة عند ثقب الدم الکُرسف، مثل صحیحة معاویة بن عمّار، وصدر مضمرة سماعة.

ویجب معرفة أنّ المراد من الثقب هو التجاوز والتعدی، الموجب لتحقق السیلان المنطبق علی الکبری، وإنْ کان التقابل بینه وبین عدم الثقب من الوضوء فی کلّ صلاة، المنطبق علی القلیلة، یقتضی کون المراد منه هو المتوسطة، الاّ أنّه بقرینة _ الاحتشاء _ المفسّر بوضع قطنة محشوّة للتحفظ من تعدّی الدم _ والاستشفار، والنهی عن الانحناء والاحباء، وضمّ الفخذین فی حال السجود _ سائر جسدها _ نشعر بکون المراد منها هو الکبری لا الوسطی، لأنّ مثل هذه الامور علامة لکثرة الدم، وعدم الأمن من التلوث والتلویث.

هذا، مضافا الی دعوی أنّ المتوسطة تعدّ من الافراد النادرة التی لا ینصرف


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 12 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .

ص:391

الیها الاطلاق، إذ قلّ ما یتفق کون الدم ثاقبا للکُرسف دون أن یتعداه، کما أشار الیه صاحب «شرح المفاتیح»، وتبعه صاحب «الریاض»، مع ما عرفت من کفایة الاجتهادات السابقة، من دون حاجة الی مثل هذه التکلّفات، واللّه العالم .

ها هنا فرعان ینبغی التنبیه علیهما:

الفرع الاوّل: بعد ما عرفت من لسان الأخبار، وجوب غُسل واحد للمتوسطة، وکون هذا الغسل یجب احداثها تارة فی الصباح _ لأجل کون حدوث الحدث تارةً یکون قبله، سواء کان قبل وقت صلاة اللیل أو بعدها وقبل وقت صلاة الفجر _ فلا اشکال فی ثبوت غُسل آخر علیها وهو الغُسل واجبا لصلاة الغداة، ویوافق علی ما علیه المشهور من لزوم الغُسل لصلاة الغداة، وهو المنطبق علیه ما ورد فی النصوص من قوله: «یجب علیه غسل واحد فی کلّ یوم ولیلة».

ولکن المشکلة تحصل فیما لو حصل الحدث قبل صلاة الغداة، أو حدثت بالمتوسطة بعدها قبل صلاة الظهرین، أو قبل العشائین، فهل یجب علیها الغُسل لصلاة غداة نفس الیوم أم لا؟

فاذا لم یجب علیها للغداة، فهل یجب علیها للظهرین، إنْ کان الحدث قبلهما، أو للعشائین إنْ کان قبلهما، أو لا یجب الاّ لصلاة الغداة من الیوم اللاحق؟

فیه وجهان: من جهة أنّ الواجب علیه هو الغُسل الواحد، وکان واجبا علیها أن تقوم بها عند الفجر، فاذا لم یحدث قبل صلاة الغداة، فلا وجوب له فی هذا الیوم، وما یتجدد لها الحدث بعد صلاة الغداة، یعدّ من الیوم اللاحق، فیجب فیه الغسل لصلاة الغداة.

أو یحتمل أنْ لا یجب علیها شیئا لا فی هذا الیوم لان حدوث الحدث کان بعد الغداة، ولا فی الیوم الغد لعدم حدوث حدث بخصوصه، فلا غسل علیها.

ومن ملاحظة اطلاقات الأخبار حیث أوجب الغُسل للمتوسطة فی کلّ یوم و

ص:392

لیلة مرّة _ من دون تعیین کون حدوث الحدث فی خصوص الغداة أم لا _ فلازم الاطلاق هو وجوب الغُسل فی کلّ وقت ظهر فیه، الحدث، فاذا کان قبل الظهرین فیجب لهما، وإنْ کان قبل العشائین فیجب لهما ایضا، فاذا اغتسلت لصلاة من الصلوات، فلا یجب علیها غیره، کما یدلّ علیه قوله علیه السلام فی روایة الجعفی: «فاذا ظهر الدم علی الکُرسف، أعادت الغُسل، وأعادت الکُرسف».

وهکذا یکون الحکم فی سائر الاخبار.

هذا هو مختار الشیخ الاعظم قدس سره ، والمحقق الهمدانی قدس سره ، بل وهو الاقوی وإنْ کان ما فی «فقه الرضا» من قوله: «وإنْ ثقب الدم الکُرسف، ولم یسیل، صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل واحد» هو لزوم الغُسل فی الغداة، کما ذهب الیه صاحب «مصباح الفقیه» حیث قال: «نعم لو صحّحنا العمل بالرضوی، ولو بملاحظة انجباره، فظاهر الفتاوی ومقصد اجماع الناصریات، لکان الأوجه عدم وجوب الغُسل بها الاّ لصلاة الغداة، وارتکاب التأویل فیه بما ذکره قدس سره (أی الشیخ الانصاری المذکور قبله) فی توجیه کلمات الأصحاب، وإنْ مکن، لکنه خلاف ظاهر اللفظ)، انتهی کلامه(1) .

ومراده من ارتکاب التأویل فی کلماتهم، هو ما ذکره قبل ذلک، وهو الذی ذکرناه فی المقام.

وأمّا ظهور فتاوی الاصحاب فیما ینافیه، فقد وجهها بما لا ینافیه، بتنزیل کلماتهم علی ارادة ما لو استمر بها الدم المتوسط من اول الیوم، بقرینة حکمهم بوجوب أغسال ثلاثة علی ذات الدم الکثیر، مع أنّ من الواضح أنّها لو رأت قبل الظهر، واستمر بها الی اللیل، لا یجب علیها الاّ غسلان، ولو رأت قبل العشائین لا


1- مصباح الفقیه: 4/311 .

ص:393

یجب علیها الاّ غسل واحد، فکلماتهم المطلقة منزلة علی ارادة بیان حکم من استمر الدم(1) .

وحیث کان العمل بالاطلاقات أقوی، لکثرتها وضعف ما فی «فقه الرضا» من التقید، وامکان حمله علی ما لو کان وقوع الحدث قبل صلاة الغداة _ وان کان خلاف ظاهر اطلاقه، لکنه لابد منه لأجل الجمع مع تلک الاخبار _ ولذلک أفتینا فی حاشیتنا علی «العروة» بوجوب الغُسل فی کلّ وقت حدثت، کما علیه فتاوی أکثر اصحاب التعلیق، لولا کلّهم، کما هو قضیة الاحتیاط أیضا، کما لا یخفی .

الفرع الثانی: بعد ثبوت وجوب الوضوء مع الغُسل، فهل یجب تقدیم الغُسل علی الوضوء _ کما عن «المقنعة» _ أو الواجب عکسه، حذرا عن الفصل بینه وبین الصلاة بالوضوء؟

وفی «الجواهر» إنّه لم یجب شیئا منهما، للاطلاق وعدم الدلیل علی قدح ذلک الفصل. والأقوی عندنا _ کما فی «العروة» فی مسئلة الخامسة والعشرون من أحکام الحائض _ بأنّ الأفضل فی جمیع الأغسال جعل الوضوء قبلها، الشامل للمقام أیضا، وذلک لدلالة بعض الاطلاقات المشعرة علی المنع عن جعله بعد الغسل، مثل ما ورد فی صحیح سلیمان بن خالد، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «الوضوء بعد الغُسل بدعة»(2).

ومثله روایة عبداللّه بن سلیمان(3).

وهو مختار الشیخ فی «المبسوط» و«النهایة».

بل قد عرفت فی بحث غُسل، الجنابة، وجود بعض الأخبار الدالة علی لزوم


1- نفس المصدر .
2- وسائل الشیعة: الباب 33 من ابواب الجنابة، الحدیث 9 .
3- وسائل الشیعة: الباب 33 من ابواب الجنابة، الحدیث 6 .

ص:394

وفی الثالث یلزمها مع ذلک غُسلان ، غُسلٌ للظهر والعصر تجمع بینهما ، وغُسلٌ للمغرب والعشاء تجمع بینهما (1).

تقدیم الوضوء علی الغُسل، مثل مرسلة ابن أبی عُمیر حیث قال علیه السلام : «کلّ غُسل قبله وضوء، الاّ غُسل الجنابة»(1) .

وصحیحة علی بن یقطین حیث قال علیه السلام : «فاذا أردت أنْ تغسل للجمعة، فتوضأ ثم اغتسل»(2).

وإنْ اُورد علیهما مما قد ذکرناه فی باب غُسل الجنابة، الاّ أنّهما تکفیان لمجرد الدلالة علی أثبات أفضلیة تقدیمه علی الغُسل، کما لا یخفی .

(1) البحث فی القسم الثالث من أقسام المستحاضة، المسمی بالکثیرة تارةً وبالکبری اُخری، وهی التی یخرج منها الدم بعد نفوذه فی القطنة من طرفها الداخل الی طرفها الخارج، ویصل الی الخرقة المشدودة علی القطنة.

والحکم فیها علی الاجمال _ مضافا الی ما وجبت علیها فی القسم الأول والثانی، من وجوب تبدیل القطنة أو تطهیرها، وکذلک الخرقة المشدودة، عند کلّ صلاة، والوضوء لکلّ صلاة، والغُسل لصلاة الغداة _ لزوم الاتیان بغُسلٍ عند صلاة الظهرین، وغُسل للعشائین وأمّا تفصیل الحکم فیها : فانّ الکلام فی وجوب تبدیل القطنة، هو الکلام الذی ذکرناه والحکم الذی قررناه فی القلیلة والمتوسطة، بل فی «الجواهر»: من غیر خلاف أجده فیها هنا، لما تقدم من الدلیل، مع امکان دعوی الأولویة هنا.


1- وسائل الشیعة: الباب 35 من ابواب الجنابة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 35 من ابواب الجنابة، الحدیث 3.

ص:395

مضافا الی ما تدل علیه بعض الأخبار، مثل ما ورد فی ذیل خبر الجُعفی، عن الباقر علیه السلام فی حدیثٍ: «ولا تزال تصلی بذلک الغُسل، حتّی یظهر الدم علی الکُرسف فاذا ظهر اعادت الغسل واعادت الکرسف».

فی أحکام الاستحاضة / الاستحاضة الکبری

فان الذیل دالٌ علی حکم الکثیرة، من ظهور الدم فیها، والحکم بوجوب اعادة الکرسف، وهو المطلوب.

ومنه یظهر حکم وجوب تبدیل الخرقة وتطهیرها فیها، لأنها اذا تلوثت بالدم، وقلنا بعدم العفو فیه _ حتّی إذا کان أقلّ من الدرهم، لأجل الحاق دم الاستحاضة بالحیض والنفاس _ فانّه یوجب الحکم بوجوب التبدیل أو التطهیر للصلاة، کما کان کذلک فی المتوسطة، بل هنا یکون أولی لکثرة تلوثها .

وامّا وجوب الوضوء لکلّ صلاة، فانّ فیه قولان:

القول الاول: الوجوب مطلقا، وعلیه دعوی الاتفاق من جماعة کثیرة من أصحابنا، کما فی «السرائر» و«الجامع» و«النافع» و«القواعد» و«الارشاد» و«الذکری» و«الروضة» و«جامع المقاصد» و«صاحب الجواهر» والمحقق الأردبیلی، وصاحب «العروة»، وأکثر أصحاب التعلیق، لولا کلّهم، بل فی «المدارک»: أنّ علیه عامة المتأخرین، بل عن الروض أنّ به أخبارا صحیحة سوف نشیر الیها إنْ شاء اللّه.

القول الثانی: عدم الوجوب مطلقا، هذا هو المنسوب الی الصدوقین و الشیخ فی بعض کتبه، المستفاد ذلک من ترک التعرّض لذکره والاقتصار فی حکمه علی الأغسال، حیث فهم اختیارهم الی عدم وجوبه لشی ء من الصلوات.

کما قد نسب ذلک الی السیّد فی «الناصریات» و الحلبی وابن حمزة وابن البراج وابن زهرة، والقاضی، بل لعلّه یکون حینئذ داخلاً تحت دعوی الاجماع من بعضهم «کالناصریات» و«الخلاف» و«الغُنیة»، بل ومال الیه بعض متأخری المتأخرین .

ص:396

والقول الثالث: هو التفصیل بین کلّ صلاة یجب فیها الغُسل، فیجب فیها الوضوء أیضا کالصبح والظهر والمغرب، وبین مالا یجب فیها الغُسل مثل العصر والعشاء إذا اجتمعتا مع الظهر والمغرب، فلا یجب فیهما الوضوء.

نعم إذا تعدد لهما الغُسل بالفصل، فیتعدد الوضوء أیضا.

هذا هو المنسوب الی المفید والمصنف فی «المعتبر»، والی السیّد فی «الجمل»، واحمد بن طاووس، بل واختاره فی «شرح المفاتیح» و«الریاض».

ولاباس هنا بذکر الادلة التی اقیمت علی القول الاوّل، فنقول : «قد استدلوا لقولهم _ الذی کان هو المشهور من وجوب الوضوء لکلّ صلاةٍ _ بأمورٍ وهی:

الامر الأول: بآیة الوضوء، وهو قوله تعالی:

«اذا قُمتُم الی الصَّلاة فاغسلوا وجوهکم وأیدیکم الی المرافق...»(1).

ببیان أنْ یقال: لا اشکال فی کون دم الاستحاضة حَدَثا موجبا للغُسل، فبضمیمة أنّ کلّ موجب للأکبر موجبٌ للاصغر، فانه یحکم بوجوب الوضوء علیها فضلاً عن الغُسل.

بل فی «المختلف» دعوی الاجماع علی حدثیة دم الاستحاضة، فکما یجب علیها الغُسل، یجب علیها الوضوء أیضا .

ولکن قد اُورد علی هذا الاستدلال أوّلاً:

بأنّ الآیة مختصة بالحَدَث الاصغر، ولا عموم لها تشمل کلّ حدث، حتّی تشمل المستحاضة، إذ لو خلیّت الآیة وظاهرها، للزم الحکم بوجوب الوضوء لمن أراد الاتیان بالصلاة مطلقا، حتّی من کان علی طهر من وضوء سابق، وهذا مالم یتفوه به فقیه، لان القرینة المقامیة الموجودة فی الآیة الشریفة تفید أنّ


1- سورة المائدة: آیة 8 .

ص:397

المقصود هو الذی کان محدّثا بحدث جدید لا مطلقا، وأن یکون حدثه من النوع الصغیر لانه الذی یرفعه الوضوء لا مطلقا، ولأجل ذلک تری أنّه قد ورد التعبیر فی المعتبرة الواردة فی تفسیر الآیة، بالقیام من النوم، بل نُقل ذلک عن المفسرین أیضا، لأنه الحدث الأصغر.

مضافا الی أن الحکم الوارد فی الآیة مقابل لحکم الجُنب الواقع فی صدر الایة، من قوله تعالی: «وإنْ کنتم جُنُبا... حیث» یؤید کونه للحدث الاصغر.

وثانیا: فی «الجواهر»: ولو سُلّم، فلا عموم فیهما بالنظر الی الأشخاص، لکون المستفاد منها الحکم بالنسبة الی الرجال، فالحاق النسوة بهم إنّما هو بالاجماع، وهو مفقود فی المقام .

لکن مندفع بامکان أن یکون المراد من الخطاب، هو جنس المکلف، بلا فرق بین الرجال والنساء، ولأجل ذلک یمکن بأنفسهن موردا للخطاب، من دون حاجة للتمسک بالاجماع لأجل الالحاق والاشتراک، وإنْ کان هو حَسَنٌ أیضا.

کما أنّ الوجه فی الاتیان بالجمع الخطابی للمذکر، من باب التغلیب تغلیب جانب التذکیر علی التانیث، کما هو شائعٌ فی القران، کما فی قوله تعالی: «توبوا الی اللّه تُوبةً نَصوُحا»، حیث لم یکن المخاطب لهذا الخطاب الاّ عموم المکلفین، لا خصوص الرجال، کما لا یخفی .

وثالثا: بأنّ الآیة لا عموم فیها، لامکان أنْ یکون هذا للتی لم ترفع حدثها بالغُسل، مثل اقدام المرأة علی تحصیل الوضوء لصلاة العصر والعشاء، حیث عرفت کونها محدثة بحدث الاستحاضة لاستمرار الدم، فلابدّ لها من الوضوء، وهذا بخلاف صلاة الصبح والظهر والمغرب، حیث أن علیها الغُسل ویکون رفع حدثها به، فلا وجه لتحصیل الوضوء.

فالدلیل حینئذ یکون أخصّ من المدعی، لأن المدعّی هو وجوب الوضوء

ص:398

لکلّ صلاة، والدلیل یحکم بوجوب تحصیل الوضوء لخصوص ما لا غسل لها.

ولکن یرد علیه أوّلاً: انّ ذلک یصحّ علی القول بالاجتزاء، وکفایة الغُسل عن الوضوء، مع أنّه فی غیر غسل الجنابة مردود.

وثانیا: إنّه حتی لو سلّمنا کفایة الغُسل عن الوضوء فانه یرد علیه بانّ الدم هنا مستمرٌ حتّی بعد الغُسل، فتصیر محدثة بعده، فیصح الحکم بالوضوء لأجل ذلک الحدث، مع أنّ الغُسل والوضوء فی حقّها مبیحان للصلاة لا رافعان للحدث، کما لا یخفی .

الأمر الثانی: بما تقدم سابقا من ایجاب الوضوء مع سائر الاغسال غیر غُسل الجنابة، مثل قوله علیه السلام «فی کلّ غُسل وضوء».

وفیه: إنّ الدلیل أخصّ من المدعی لأنّ الثابت بهذا هو وجوب الوضوء لکلّ صلاة فیه غُسلٌ، مثل صلاة الصبح والظهر والمغرب، لا کلّ صلاة حتّی ما لا غُسل لها لو جمعت تالیها مثل العصر والعشاء .

الأمر الثالث: بأولویة هذا القسم من الاستحاضة، بالنسبة الی غیره من الاقسام فی ایجاب الوضوء، وذلک لکثرة سیلان الدم فیها، دون القسمین الآخرین.

وقد اُجیب عنه: فبالمنع عنها بعد ایجاب الأغسال الثلاثة فی الکثیرة دونهما.

ولعلّ المقصود من هذا الجواب، هو أنّ الاولویة تفید وجوب الأغسال الثلاثة لا الوضوء فی کلّ صلاة، مع أنّه یمکن أنْ یقال بعدم تمامیة هذا الجواب، لأنّه إذا فرضنا ثبوت وجوب الوضوء لکلّ صلاة فیهما _ حتّی فی مثل المتوسطة فی صلاة الغداة التی کانت مع الغُسل، وأوجبنا معه الوضوء _ ففی مثل الکبیرة المشتملة للحدثین السابقین مع زیادة _ وهو سیلان الدم _ یکون ثبوت وجوب الوضوء أولی.

الاّ أن یقوم دلیلٌ علی کفایة الغُسل عنه، مع أنّ الاصل هو عدم الاعتناء لو شککنا فیه عند فقد الدلیل.

ص:399

وقد جعل صاحب «الجواهر» هذا الاصل دلیلاً رابعا فی المسألة واعترض علیه بقوله: «بانّه إنّما یتجّه بعد ثبوت الدلیل علی الالزام بالوضوء، أمّا مع عدمه فلا أصل». ولکنه رحمه الله أجاب عن هذا بنفسه بقوله: «إنّ اسقاطه الوضوء إمّا لاغناء الغُسل عنه، أو لاغناء الوضوء الاول عنه، لأنه لم یثبت حدثیة هذا الدم فی الحال، والکلّ کماتری» .

الأمر الخامس: هو دعوی الشهید الثانی فی «الروض» دلالة الأخبار الکثیرة علی وجوبه، وظهور مرسلة یونس الطویلة فیها وفیمن تعرف أیّامها، حیث قال علیه السلام : «فلتدع الصَّلاة أیّام اقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ لکلّ صلاة. قیل: وإنْ سال الدم؟ قال علیه السلام : وإنْ سال مثل المثعب»

وفی «الوافی»: المثعب: بالثاء المثلثة، والعین المهملة، ثم الباء الموحدة، المسیل، ومثاعب المدنیة مسایل مائها.

وقد أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره فی کتاب «الطهارة» بقوله: «إنّا لم نعثر علی واحد منها، کما اعترف به المحقق الاردبیلی، ولمح الیه جمال الملّة فی حاشیته علی «الروضة».

ولکن بعد التأمّل فی الأخبار، یمکن أنّ یقال بأنّ مراده قدس سره من دلالة أخبار کثیرة علی وجوبه، هو الأخبار الواردة فی القلیلة، الدالة علی لزوم الوضوء فیها، بل وهکذاالمتوسطة، فکأنّ الکثیرة واجدة لأحداثهما مع اضافة، فمشتملةٌ علی حکمیهما مع زیادة، وهو الغُسل فی وقت کلّ صلاة.

مضافا الی ذلک یمکن استفادة ذلک من روایة ابن أبی یعفور، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال: «المستحاضة أمضت أیّام أقرائها، اغتسلت واحتشت کُرسفها، وتنظر فانْ ظَهَر علی الکُرسف زادت کُرسفها، وتوضأت وصلت»(1).


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:400

فان ظهور الدم علی الکُرسف، المستلزم للوضوء وزیادة الکرسف، له فردان: أحدهما: لو ظهر ولم یسل، فهو المتوسطة.

والآخر: مع السیلان المنطبق للکثیرة.

نعم والذی یرد علیه هو عدم ذکر الغُسل فیه، فلابد من تقیید هذا الاطلاق فی الموردین بواسطة سائر الأخبار الدالة علی لزوم غُسل واحد للمتوسطة، أو الثلاثة فی الکثیرة، فیتم المطلوب.

أو یراد من: (اغتسلت) هو غُسل الحیض والاستحاضة بالتداخل، لا خصوص الاستحاضة أو الحیض).

بل قد یمکن أنْ یستانس لذلک من روایة اسماعیل بن عبد الخالق المنقول فی «قرب الاسناد»، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ _ مشتمل لحکم المستحاضة الکثیرة _ قال: «إذا مضی وقت طُهرها الذی کانت تطهر فیه، فلتؤخّر الظهر الی آخر وقتها، ثم تغتسل، ثم تُصلّی الظهر والعصر، فانْ کان المغرب فلتؤخّرها الی آخر وقتها، ثم تغتسل، ثم تصلّی المغرب والعشاء، فاذا کان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تصلّی رکعتین قبل الغداة، ثم تُصلّی الغداة. قلت: یواقعها زوجها؟ قال: إذا طال بها ذلک، فلتغتسل ولتتوضأ، ثم یواقعها إنْ اراد»(1).

فان ذکر الوضوء هنا مع الغُسل للمواقعة، کان لأجل رفع توهم کفایة الغُسل من دون وضوء هنا، لأنه کان للصلاة فقط لا لغیرها، فاراد علیه السلام التنبیه بانّ علیها هنا الوضوء مع الغسل، کما کان أمرها کذلک مع الصلاة فی الکثیرة.

وکیف کان، فلا یبعد دعوی دلالة الأخبار علیه فی الجملة، وانْ لم تکن بالصراحة، کما عرفت .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .

ص:401

و امّا المرسلة التی قد استدل بها لوجوب الوضوء فی کلّ صلاة حتّی مع سیلان الدم، فقد اُجیب عنها بوجود الاجمال فیها، اذ فی قوله «ثم تغتسل وتتوضأ لکلّ صلاة» عدة احتمالات، وهی: احتمال أنْ یکون المراد من الغُسل هو غسل الحیض بعد أیّام الاقراء، فحینئذ لا تعرّض فیه لغُسل الاستحاضة.

واحتمال کون المراد هو غُسل الاستحاضة.

واحتمال کون المراد منه کلا الغسلین، علی سبیل التداخل، بمعنی ورود الأمر باتیان ما یجب علیها من الغُسل عند اتیان ما یشترط به أعنی الصلاة .

کما أنّ الظرف فی قوله علیه السلام : «لکلّ صلاة» یحتمل أنْ یکون متعلقا بالفعلین السابقین علیه، أعنی تغتسل وتتوضأ.

ویحتمل أنْ یکون متعلقا بالأخیر منهما.

والاستدلال بالروایة علی وجوب الوضوء لکلّ صلاة فی المستحاضة الکثیرة، مبنیٌ علی ظهورها فی ارادة غُسل الحیض من قوله علیه السلام «تغتسل»، وتعلّق الظرف فی قوله: «لکلّ صلاة» بالفعل الأخیر، أعنی تتوضأ.

وهو ممنوعٌ کما قاله الآملی فی «مصباح الهدی».

ثم قال بعده: «وادّعی الشیخ الأکبر قدس سره ظهور الروایة فی ارادة غسل الاستحاضة، وأنّ الظرف متعلقٌ بکلا الفعلین.

واستظهر الأول من أنّه لولاه لزم السکوت عن غُسل الاستحاضة مع أنّ بیانه اهمّ من الوضوء.

وقال فی الثانی: بأنّ احتمال اختصاص الظرف بخصوص الترضی فقط، خلاف الظاهر، کما لا یخفی .

ثم استظهر من الظهورین _ أعنی ظهور الأمر بالاغتسال فی ارادة غُسل الاستحاضة، وظهور تعلق الظرف بمجموع الفعلین _ ظهور الروایة فی الوضوء،

ص:402

الذی لابد فی الغُسل، وقال بأنّه یجب حینئذ حمله علی الاستحباب، لعدم وجوب الاغسال لکلّ صلاة اجماعا.

اللّهم إلاّ أنْ یراد من قوله: «لکلّ صلاة» وقت کلّ صلاة، فیتعین ابقاء الامر علی ظاهره من الوجوب، لکنه یثبت القول بالتفصیل، فانّ مدلول الروایة حینئذ هو وجوب الغُسل والوضوء الواحد عند وقت الظهرین والعشائین، فیکفی وضوء واحد للصلاتین المشترکتین فی الوقت. وبالجملة تسقط الروایة عن الدلالة علی القول المشهور» .

ثم اورد علیه المحقق الآملی بما لا یخلو عن جودة حتّی ینطبق المرسل علی القول المشهور فقال: «واُورد علیه، بأنّ اهمیة بیان غُسل الاستحاضة، لا یعتبر سببا لظهور الروایة فی غُسل الاستحاضة، بعد تسلیم ظهورها فی غُسل الحیض، مع أنّه علی تقدیر تسلیم الظهور، فانّما یقال بظهورها فی ارادة ما یجبُ علیها من الغُسل علی سبیل التداخل، لا خصوص غسل الاستحاضة . ثم إنّ المتیقن هو تعلیق الظرف بالأخیر، وأنّه قدس سره لم یبیّن وجها لتعلقه بالمجموع، الاّ دعوی کون تعلقه بالأخیر خلاف الظاهر. مضافا الی أنّه مع تسلیم تعلقه بالمجموع، فالجهة الأولی _ أعنی قوله: «تغتسل» _ لا تکون محمولة علی الاستحباب، بل الواجب حمله علی القدر المشترک بین الوجوب والاستحباب، وذلک للاجماع علی وجوب الغُسل فی صلاة الصبح والظهرین والعشائین، وعلیه فلا یوجب صرف ظهور الجملة الثانیة، أعنی (تتوضأ) عن الوجوب الی الاستحباب. هذا ما یمکن أنْ یقال فی الاستدلال لمذهب المشهور، وما یمکن أنْ یورد علیه»، انتهی کلامه(1) .

قلنا: ولقد أجاد فیما افاد، بل نحن نضیف علیه بامکان الاستدلال بمرسلة


1- مصباح الهدی: 5/162 _ 161 .

ص:403

یونس للمطلوب، علی فرض تسلیم کون الظاهر منه هو غُسل الحیض لا الاستحاضة، وبرغم ذلک نحکم بوجوب الوضوء لکلّ صلاة، فیمافرض کونه قلیلة، لانّه القدر المتیقن من الاستحاضة، حیث اضاف السائل بعد ذلک صورة الکثیرة، بقوله: «وإنْ سأل؟»، فأجاب علیه السلام : «وإنْ سال مثل المثعب» أی کان وجوب الوضوء لکلّ صلاة أمرا ثابتا فیه، غایة الأمر قد سکت عن حکم الاغتسال للصلاة هنا، فهو یکون ثابتا من جهة الأدلة الکثیرة الدالة علیه، فبضمیمة ذلک مع هذا المرسل یتم المطلوب.

فالاستدلال به لاثبات وجوب الوضوء غیر مخدوش فیه بالنسبة الی الکثیرة.

هذا مع أنّه لا نحتاج لاثبات وجوب الغُسل الی دلیل آخر، لأنّ هذا الحدیث _ کما عرفت فی اوّل البحث _ مشتملٌ علی أحکام الأقسام الثلاثة، وبیّن فیه حکم الغُسل لوقت کلّ صلاة فی الکثیرة، فاهمال ذکر الغُسل فی هذه الفقرة المقصود فیها ذکر حکم الوضوء لکلّ صلاة، غیر ضائرٍ، کما لا یخفی.

فجعل ذلک من أدلة المشهور لا یخلو عن قوة، کما أشار الی ذلک الشهید الثانی قدس سره فی «الروض»، فلیتأمّل .

وامّا أدلة القول الثانی: وهو عدم وجوب الوضوء مطلقا، أی سواء کان للصلاة مع الغُسل أو بدونه.

فقد تمسکوا بالأصل، أی اصالة البراءة عن وجوب الوضوء، فیما یشک فیه.

وبالبناء علی الاجتزاء بالغُسل، فیما یجب فیه الغُسل.

وبخلوّ النصوص عن التعرض له، والاقتصار علی ذکر الاغسال الثلاثة فی مقام البیان .

هذا، ولکن جمیع هذه الادلة یمکن ردّها: فامّا عن الاصل، أوّلاً: مع وجود دلیل اجتهادی دالّ علیه، لا یبقی مجالٌ للرجوع الی الأصل، وسنشیر عمّا قریب

ص:404

الی هذه الأدلة الاجتهادیة .

وثانیا: بأنّ الاصل الجاری هنا هو اصالة الاشتغال لا أصل البراءة، لأن اصالة حدثیة دم الاستحاضة مما لا اشکال فیه _ کما ادّعی علیه الاجماع فی «المختلف» _ فبعد الغُسل یشک فی أنّه هل اُبیح لها الصلاة بدون الوضوء أم لا، فانّ الشغل الیقینی بالصلاة یحتاج الی الفراغ الیقینی، وهو لا یحصل الاّ بتحصیل الوضوء قبله أو بعده .

بل قد یمکن أنْ یقال: إنّ مقتضی استصحاب بقاء الحدث أیضا، یستوجب ایجاب الوضوء علیها.

نعم قد یمکن الاشکال فیه، بأنّ الوضوء هنا لا یوجب رفع الحدث، حتّی یقال بأنّه باتیان الوضوء یرتفع الحدث.

فالأولی أنْ یقال : بانّه مع عدم الوضوء، یشک فی أنّه هل حصل لها المبیح للصلاة بالغُسل أم لا؟ فالأصل عدمه، فمع الوضوء تقطع بحصول المبیح.

وکیف کان، فمقتضی الأصل هنا لیس هو عدم الوجوب، لما قد عرفت خلافه.

وامّا البناء علی الاجتزاء، فقد عرفت عدم صحته مرارا فی هذا الباب وفی باب الجنابة، هذا اوّلاً.

ثم علی فرض التسلیم یورد علیه ثانیا: بأنّه یصحّ فی مثل الصبح والظهر والمغرب، حیث کان لها غسل، دون العصر والعشاء إذا جمعهنّ مع الظهر والمغرب، مع تحقق الحدث باستمرار الدم .

اللّهم الاّ أنْ یقال بکفایة ذلک الغُسل لهما إذا اجتمعا، بأن لا یضر الحدث المتخلّل فی ذلک، کالمسلوس والمبطون إذا استمرّ حدثهماخلال الصلاة .

و امّا عن خلوّ النصوص عن ذکره، فقد عرفت خلال الادلة التی اقیمت علی القول المشهور، بوجود اخبارٍ یمکن استفادته منها، فعدم التعرض فی بعضها، مع

ص:405

التعرض الیه فی البعض الآخر یرفع الاشکال، کما لا یخفی .

مضافا الی امکان أنْ یکون الوجه فی ترک التعرّض هنا من بعض قدماء الاصحاب، إنّما هو للایکال علی ما ذکروه من ایجاب الوضوء مع کلّ غُسل عدا الجنابة .

و من ذلک ظهر وجه قول الثالث، من التفصیل بین ما یجب فیه الغُسل، مثل الصبح والظهر والمغرب فیجب فیه الوضوء، لما قد عرفت من قیام الدلیل علی أنّ کل غسل وضوءٌ الاّ الجنابة، ومنها غسل الاستحاضة، بخلاف ما لا غُسل فیه کالعصر والعشاء .

بل قد یؤید ذلک بما ورد فی صحیحة معاویة بن عمّار، حیث قد علّق فیها الأمر بالوضوء لکلّ صلاة، علی عدم ثقب الدم الکُرسف(1)، حیث فان مفهومها تفید أنّه إذا ثقب الدم فلا وضوء لکلّ صلاة.

وهذا هو مختار المفید _ علی ما حُکی عنه ونُسب الیه _ والمحقق فی «المعتبر» والسید فی «الجمل» واحمد بن طاووس، واختاره الوحید فی «شرح المفاتیح» والسید فی «الریاض»، والشیخ الاعظم فی کتاب «الطهارة» .

بل قیل إنّه یؤیده صحیح صحّاف(2)، والمروی عن «فقه الرضا»(3)، لأنهما أیضا قد علّقا الوضوء علی عدم طرح الدم علی الکُرسف .

و لکن الأقوی خلاف ذلک، لأنّ عدم وجوب الوضوء للصلاة الثانیة من العصر أو العشاء، لا یکون الاّ باعتبار أحد امور ثلاثه: إمّا من جهة المنع عن حدثیة دم الاستحاضة، وقد عرفت دعوی الاجماع عن العلامة فی «المختلف» حدثیته.

أو من جهة اغناء الغُسل عنه، وهذا ما قد عرفت أیضا عدم الاجتزاء به الاّ فی


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
3- المستدرک الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحدیث 1 .

ص:406

غسل الجنابة، مع ثبوت عدم کفایة الغُسل فی الصلاة السابقة علیها فی اثبات عدم الاجتزاء، لأنّ القول بالکفایة هنا دونها یوجب مزیة الفرع علی الأصل، لأنّ الغُسل إنْ عُدّ مجزیا، کانت الصلاة السابقة أولی به .

أو یقال بکفایة الغُسل والوضوء السابقة المتعلقتان بالصلاة السابقة لهذه الصلاة، مضافا الی أنّ ذلک بحاجة الی دلیل یدل علیه، مع أن ذلک منقوضٌ علیه بما لو اغتسل وتوضأ للظهر ولم تبطلهما حتّی المغرب، فلابد من الالتزام بالکفایة، لأنّه لو کان تخلّل الاحداث مضرا فکذلک یکون للعصر والعشاء، وإنْ لم یکن مضرّا فلا فرق بین صلاتی العصر أو المغرب.

ولکن هذا النقض مدفوعٌ وغیر وارد علی القول المشهور، لأنهم قائلون بأنّ الحدث المتخلّل ناقض للوضوء، بل وللغسل، لولا الدلیل علی النفی فی الثانی، وهو الأخبار الکثیرة الدالة علی عدم احتیاج العصر والعشاء للغُسل إذا اجتمعا مع ما تلیهما.

والقول بالفرق بین حدثیة الدم فی الابتداء، دون الاستدامة، حتّی یکون الغُسل والوضوء للصلاة السابقة کافیة للتالیة ، مردودٌ :

أوّلاً: بأنه لو کان الأمر کذلک، فلِمَ لا یقال به للمغرب.

وثانیا: إنّه ممّا لا یکن الالتزام به الاّ بدلیل، وهو هنا مفقود، الاّ ما ادعی من دلالة الأخبار علیه، من تعلیق الأمر بالوضوء علی عدم ثقب الدم الکُرسف.

مع أنّه مندفع أوّلاً: بما قد ورد خلاف ذلک فی روایة آخری، مثل ما ورد فی روایة ابن أبی یعفور، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قال فی حدیثٍ: «اغتسلتْ واحتشتْ کُرسفها، وتنظر فانْ ظَهَر علی الکُرسف، زادت کرسفها وتوضأت وصلت»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:407

حیث أنّ وجوب التوضی قد علّق علی ظهور الدم علی الکُرسف، حیث یجمع مع المتوسطة والکثیرة، اذ کلاهما مصداق لظهور الدم علی الکُرسف.

وثانیا: إنّ تعلیق الأمر بالوضوء فی تلک الأخبار، کان لبیان حکم القلیلة فی مقابل المورد الذی لا یجب فیها علیها الغُسل، لا لبیان انحصار وجوب الوضوء للقلیلة، أو هی مع المتوسطة کما توهم .

و کیف کان، فالأقوی عندنا هو القول المشهور، من وجوب الوضوء لکلّ صلاة فی الکثیرة، واللّه العالم .

أما قول المصنف رحمه الله فی هذا الفرع: «یلزمها مع ذلک غُسلان... الی آخره» فانه یفید ، وجوب غُسلین علیها _ غیر غُسل الصبح _ غُسل للظهر والعصر، تجمع بینهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بینهما، وهذا الحکم منه حکمٌ ثابت بین الأصحاب، حتّی قال صاحب «الجواهر» عنه: بلا خلافٍ أجده، کما نفاه عنه غیر واحد، بل حُکی علیه الاجماع مستفیضا کالسنة.

فلا باس هنا بذکر بعض الأخبار _ التی فیها الصحیح وغیره _ الدالة علی هذا الحکم :

منها: صحیحة معاویة بن عمّار المرویة عن الصادق علیه السلام ، فی حدیث: «وإنْ رأت الدم یثقب الکُرسف، اغتسلت للظهر والعصر، تؤخّر هذه وتعجّل هذه، الحدیث»(1) .

منها: روایة عبداللّه بن سنان، فی الصحیح عن الصادق علیه السلام ، قال: «المرأة المستحاضة تغتسل التی لا تطهر عند صلاة الظهر، وتصلّی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب، فتصلّی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .

ص:408

الفجر، الحدیث»(1) .

منها: صحیحة زرارة المرویة مضمرةً، وهی: «... ثم صلت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، الحدیث»(2) .

منها: مضمرة سماعة، قال: «المستحاضة إذا ثقب الدم الکُرسف، اغتسلت لکلّ صلاتین وللفجر غُسلاً، الحدیث»(3) .

منها: صحیحة الصحّاف المرویة عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ: «وتغتسل للفجر، وتغتسل للظهر والعصر، وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة، الحدیث»(4) .

منها: روایة عبد الرحمن بن أبی عبداللّه(5)، وروایة یونس بن یعقوب(6)، وروایة زرارة عن أحدهما(7) وروایة اسماعیل بن عبد الخالق(8)، وغیر ذلک من الأخبار. فوجوب ثلاثة أغسال لکلّ وقت من الاوقات الثلاثة فی المستحاضة الکبیرة مما لا اشکال فیه .

هاهنا عدة فروع ینبغی التنبیه علیها، وهی :

الفرع الاوّل : إذا ثبت کون الاستحاضة الکبری موجبة للاغسال الثلاث، فهل


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 6 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
5- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
6- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 11.
7- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 12 .
8- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .

ص:409

یشترط فی وجوبها استمرار الدم الموجب لذلک الی العشائین، بحیث لو استمر الی الظهرین، فلا یجب علیها الاّ غسلان، وان لم یستمر الیهما، فلا یجب علیها الاّ غسلاً واحدا، وهذا هو القول الاول فی هذا الفرع، وهو المستفاد من کلام العلامة فی «القواعد» علی المحکی فی «الجواهر»، بل قال: وأصرح فیها عبارة «جامع المقاصد» کالمنقول عن «الروض»، وفی «الحدائق» أنّه الظاهر من الأخبار.

ولعلّ هذا القول هو المشهور فی المسألة .

والقول الآخر: کفایة ایجاب الثلاثة فی الاستمرار، أو الحدوث قبل فعل الصلاة، ولو بلحظة کما فی «الریاض»، حیث قال: «وتجب الثلاثة مع استمرار الکثیرة من الفجر الی اللیل، أو حدوثها قبل فعل الصلاة، ولو بلحظة، ومع عدم استمرارها أو حدوثها کذلک، فاثنان ان استمرار أو حدث الی الظهر، أو واحدٌ إنْ لم یستمر ولم یحدث کذلک».

انتهی کلامه علی ما فی «الجواهر» وهذا هو القول الثانی .

والقول الثالث: أنّه یکفی فی ایجاب الثلاثة، استمرار الدم ولو لحظة، بعد کلّ من غُسلی الصبح والظهرین مثلاً، ما لم یکن الانقطاع للبرء، کما أنّه یکفی فی ایجاب الغُسلین، استمرار الدم ولو لحظة بعد غُسل الصبح، ومع عدمها فغسلٌ واحد. وهذا هو قول صاحب «کشف اللثام» ناسبا له لصاحب «التذکرة»، بل هو مختار صاحب «الجواهر»، حیث قال بعد نقل هذا القول: قلت الاخیر لا یخلو عن قوة. وهذا هو القول الثالث فیها، بل أضاف الیه صاحب «الجواهر» وجها رابعا بقوله: «لولا خوف الاجماع علی خلافه، واشعار بعض الأخبار، وهو امکان القول بایجابه الاغسال الثلاثة، وإنْ لم یستمرّ لحظة بعد الغُسل، فیکون هذا الدم حدثا بمجرد حدوثه للأغسال الثلاثة وان لم یستمرّ أصلاً».

فیصیر هذا قولاً رابعا فی هذا الفرع.

ص:410

اقول: ان القول الاوّل بلزوم الاستمرار والدوام، لایجاب کلّ غُسل، بأن یکون له السیلان الی أن یبلغ الفجر، ثم تغتسل وتصلّی الغداة، وهکذا لو استمر السیلان الی وقت الظهر، فیجب علیها الغُسل للظهرین، وهکذا لو استمر السیلان الی وقت المغرب والعشائین، بحیث یکون الاستمرار فی جمیع الاوقات شرطا لایجاب الثلاثة. فانّ هذا مما لا یمکن المساعدة علیه، لأنّ الأخبار لا یفهم منها ذلک، خصوصا علی الشرطیة.

نعم، لا یبعد شمولها لمثلها بطریق الأولویة، ولکن اثبات انحصار ایجاب الثلاثة علیه غیر مقبول، بل دعوی ظهور الاحتشاء والاستذفار والاستشفار علیه ممنوعة، لانّه لا یمکن اثبات الشرطیة بمثل هذه التعابیر، لامکان دعوی مثل ذلک فیما إذا کان الدم کثیرا علی هذه الکیفیة، لکن کان دفقه وخروجه لفترة قصیرة مثل الساعة الواحدة او دقائق معدودة، بل یمکن أن ندعی ذلک حتّی من قوله علیه السلام فی خبر الصحاف: «یسیل الدم من خلف الکُرسف صبیبا لا یوقأ، فانّ علیها أنْ تغتسل فی کلّ یوم ولیلة ثلاث مرات»

حیث أنّ المراد من (الصبیب) و إنْ کان هو الدم الکثیر خاصة اذا لاحظنا مدلول کلمة (یرقأ) بالهمزة التی هی بمعنی یسکن، فیکون المعنی المستفاد من الخبر کون الدم کثیرا لا یسکن؛ الاّ أنّه لا یفهم منه کونه کذلک دائما فی جمیع ساعات النهار، بل ینطبق هذا العنوان فیما إذا کان کذلک فی الجملة فیما بین کلّ غسل الی غسل آخر، فتصلی بینهما.

فدعوی الانحصار فی خصوص الدوام مما لا یقبله الذوق الدقیق العرفی، المناسب مع لسان الاخبار.

فان کان المقصود من الاستمرار فی کلام المشهور هذا المعنی، فباطلٌ قطعا، لعدم مساعدة الاخبار علیه، بل لا یظهر من کلامهم ذلک ولا صراحة فیه .

ص:411

و مثله فی الضعف ما ادّعاه صاحب «الجواهر» فی آخر کلامه، من کون صرف الوجود من الاستمرار کافیا فی ایجاب الثلاثة، حیث أنّ فهم ذلک من الأخبار ممنوعٌ، خصوصا مع ملاحظة بعض التعابیر الواردة فی الخبر مثل الاحتشاء والاستثغار والاستذفار، التی قد فسرّ بأنّ الاحتشاء هو ادخال شی ء من الکُرسف فی مخرج الدم لمنع الدم عن الخروج، والاستثغار استفعال من الثغر _ بالثاء المثلثة _ مصدر قولک: استثغر الرجل بثوبه، إذا أدخل طرفیه بین رجلیه الی حُجزته _ بضم الحاء وسکون الجیم والزاء المعجمة _ وهی معقد الإزار، بمعنی أنّها تأخذ خرقه طویلة عریضة تشدّ أحد طرفیها من قدام، وتخرجها من بین فخذیها، وتشد طرفها الآخر من ورائها، بعد أنْ تحتشی بشی ء من القطن، لتمتنع به من سیلان الدم، اذ من المعلوم أنّ فعل هذه الامور، لا یکون الاّ عند استمرار الدم وسیلانه لفترات طویلة لا لفترة قصیرة کالساعة، بل قد یستانس للذهن استمراره فی مدة طویلة، ولو بالدفعات المتکررة فی الیوم .

کما أنّ ما استظهره صاحب «الریاض» علی ما استفاده المحقق الهمدانی من کلامه، من کون الملاک المستفاد من الأخبار، هو أنّ الواجب ملاحظة وظیفة کلّ حالة عند وجود تلک الحالة فی وقت الصلاة _ الذی هو وقت الخطاب بتلک الوظیفة _ لا مطلقا، فلو رأت دما کثیرا بعد الفجر، فانّه یجب علیها اتیان الغُسل لفریضة الصبح، ولو رأت بعد الظهر یجب الغسل للظهرین، وبعد المغرب غُسلٌ للعشائین، أما اذا رأت الدم الکثیر فی غیر هذه الاوقات، فلا شی ء علیها.

و لذلک أورد علیه الهمدانی قدس سره بقوله: إنّ هذا أوهن من سابقه، اذ لیس فی شی ء من الأخبار ما یُشعر باختصاص سببّیة الاستحاضة للغسل بما إذا حدثت فی اوقات الصلاة.

ولکن العبارة المحکیّة فی «الجواهر» نقلاً عن «الریاض» یمکن توجیهها بما

ص:412

لا یرد علیه؛ مثل ذلک، والیک نصّ عبارته حیث قال : «وتجب الثلاثة مع استمرار الکثیرة من الفجر الی اللیل، أو حدوثها قبل فعل الصلاة ولو لحظة، ومع عدم استمرارها أو حدوثها کذلک، فاثنان إنْ استمر، أو حدث الی الظهر، أو واحد إنْ لم یستمر ولم یحدث کذلک» انتهی.

بأن یقال: انّ المراد من القبلّیة بالنسبة الی الصلاة، هی القبلیة بعد دخول الوقت أو الاعمّ، فان اُرید الاوّل فیرد علیه ما ذکروه، و لا یخلو ظهوره فیه.

واما إنْ ارید منه الثانی، فیصدق علیه القبلیة اذا رأت دما کثیرا بعد صلاة الصبح، وقبل وقت الظهر، فیجب علیها الغُسل للظهر، لأن الدم قد ظهر قبل الصلاة، لکنه خلاف لظاهر کلامه.

فالاشکال وارد علیه، لأنّ دخول الوقت لا مدخلیة فیه لسببیة دم الاستحاضة للغُسل، کما لا یخفی .

فظهر أنّ الاقوی عندنا هو لزوم الاستمرار _ ولو بلحظة _ بعد کلّ غُسل وقع لذلک الحدث، بخلاف ما لو لم تر شیئا من الدم بعد الغسل الی اللیل، وبعد ما غسلت للصبح، فانّه لا یجب حینئذٍ علیها الغُسل للظهرین والعشائین.

وهذا هو المستفاد من الأخبار، وهذا لا ینافی صدق الاستحاضة الکثیرة للمستمرة الدم من الصبح الی اللیل، بل هو القدر المتیقن من الأقوال، کما هو واضح. بل قد استدل لکون الغُسل واجبا لأجل حدوث الدم بعد الغُسل، بروایة الجعفی حیث قال فی حدیثٍ: «فاذا هی رأت طهرا (الطهر) اغتسلت، وإنْ هی لم تر طهرا اغتسلت واحتشت، ولا تزال تُصلّی بذلک الغُسل حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا طهر (ظهر) أعادت الغُسل، وأعادت الکرسف»(1) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .

ص:413

بأن یقال: بأنّ المراد من قوله علیه السلام : «لا تزال تُصلّی بذلک الغُسل حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا ظهر أعادت الغُسل» هو جواز الاقتصار علی الغُسل السابق، ما لم یظهر الدم علیه، فمتی ظهر _ سواء کان الظهور قبل وقت الصلاة أو بعده _ یجب علیها اعادة غسلها .

هذا، ولکن هذا إنّما یصح إذا حملنا الخبر علی هذا التفسیر، ولکن یحتمل أنْ یکون المراد فی تبدیل حالتها من رؤیة الدم من المتوسطة الی الکثیرة، یعنی إذا ظهر الدم علی الکُرسف، وعلمت أنّها صارت مستحاضة کثیرة، تجب علیها ما هو وظیفتها فی الکثیرة _ من ایجاب الثلاثة بها، أو وجوبها بعد ما رأت الدم فی وقت کلّ واحدة من الصلوات، أو إذا استمر الدم علیها _ کلٌّ علی حسب مذهبه، فلا تکون الروایة حینئذ مرتبطة ببحثنا.

نعم لو اُرید منها الاعمّ، بأن یراد أنّ ظهور الدم علیه موجبٌ لوجوب الغُسل حدوثا _ وذلک من جهة تغییر حالتها من المتوسطة الی الکثیرة _ وبقاءً _ لانها تعدّ مستحاضة کثیرة _ فله وجه.

ولکنه لا یعدّو کونه مجرد احتمال، ومعلومٌ أنه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. وکیف کان فانّ دلالة ظهور بعض الأخبار بکون الدم وظهوره یعدّ حدثا موجبا للغُسل، مما لا یخفی علی المتأمل فی الأخبار.

بل لا یبعد أنْ یکون الأمر کذلک فی القلیلة أیضا، یعنی إذا رأت المستحاضة الدم بالکیفیّة المتعلقة بها أوّل الصبح، فعملت بوظیفتها، ثم لم تر الدم حتی صباح الیوم الثانی، وکانت منذ البدایة تعلم أنّها سوف تری الدم غدا، فهل یجب علیها حینئذٍ اعادة الوضوء لکلّ صلاة، حتّی فی الغرض المذکور، أم لا یجب الاّ مع فرض الرؤیة لا مطلقا؟

الظاهر هو الثانی، وإنْ کان الأوفق بالاحتیاط فی کلا الموردین هو الاول، أی

ص:414

الاتیان بالغُسل والوضوء لکلّ صلاة ولو لم تر الدم واللّه هو العالم بالحقائق.

ثم إنّه قد استدل صاحب «الجواهر» بقوله: «نعم، قد یتجّه _ بناء علی المختار _ عدم الفرق بین کون الانقطاع للبرء وعدمه، إذا لم یتبعه غُسلٌ بعد انقطاعه، کما إذا انقطع للبرء بعد فعل الصلاة مثلاً، ولم نقل بوجوب اعادة الطهارة والصلاة، أو کان فی خارج الوقت بالنسبة للصبح مثلاً، سیّما بعد ثبوت کون هذا الاستمرار من دم الاستحاضة حدثا، وعدم ثبوت إجزاء الغسل المتقدم علیه عنه . اللّهم الاّ أن یثبت اجماعٌ علی عدمه، والظاهر عدمه. الی أنْ قال: علی أنّه لم یعقل الفرق بین الانقطاع للبرء وعدمه، لأنه إنْ کان الموجب للغُسل انّما هو ما وقع من الحدث قبل انقطاعه، فهو موجود فی الحالتین، والاّ فلا تفیده ما تجوز مجیئه من الحدث. اللّهم الاّ أنْ یقال ببقاء وصف المستحاضة کبری مثلاً فی الثانی، دون الاول، وللنظر فیه مجالٌ، سیّما مع عدم اطمئنانها بالعود، فتأمّل جیّدا»، انتهی(1) .

أقول أولاً: إنّ ما ذکره من عدم الفرق، إنّما یصحُّ علی فرض التسلیم علی ما ذکره فی آخر کلامه، بأن یکون صرف وجود حدث الأکبر بالاستمرار، موجبا لایجاب الثلاثة دون ما ذکره قبله، بأن یکون المسبّب هو وجود الدم بعد کلّ غسل من الصبح والظهر، حیث أنّه لا یکون وجوب الغُسل الاّ للدم الحادث بعد الغُسل، فلا فرق فی ایجابه حینئذ الغسل بین کون الانقطاع للبُرء أو غیره، لأنّه إذا تحقق السبّب فلابدّ من تحقق المسبّب، ولا یرتفع الاّ بالغسل بعده، کما لا یخفی .

وثانیا: بما قد تفطّن الیه صاحب «الجواهر» نفسه من امکان الفرق، من حیث کون صرف وجوده موجبا لایجاب الثلاث، مشروطا بعدم کون الانقطاع للبرء، والاّ یجب علیها غسل واحد بعد رؤیتها للدم، ولکنه یحتاج الی دلیل یدل علیه


1- جواهر الکلام ج3/331 _ 330 .

ص:415

ویستظهر منه .

فی أحکام الاستحاضة / الاعتبار بوقت کمّیّة الدم

الفرع الثانی : اختلف فی أنّ الاعتبار فی کمیّة الدم من قلّته وکثرته، هل هو بوقت الصلاة أو أنه کغیره من الأحداث بأن یکون إذا حصل ولو للحظةٍ یکفی فی وجوب موجبه، سواءً حصل فی وقت الصلاة أو فی غیرها، إذا لم یتعقبه الغُسل بعده؟

علی قولین: أحدهما: للشهید الاوّل رحمه الله فی «الدروس» و«الذکری»، ونسبه الیه فی «جامع المقاصد» خلافا لما فی کتابه المسمی ب_«البیان».

وثانیهما: للشهید الثانی رحمه الله للشهید الاول فی کتابه المسمی ب_«البیان»، وصاحب «الجواهر»، والشیخ الاکبر والمحقق الآملی، وهو الاقوی، لما قد عرفت من کون دم الاستحاضة حَدَثٌ موجب للغسل _ إذا کان من القسم الثانی أو الثالث _ فی أیّ وقت حَصَل، سواء کان فی وقت الصلاة أو غیرها، غایة الأمر لزوم حدوثه قبل فعل الصلاة، حیث یجب الغُسل للصلاة، فتجب علیها الغُسل للظهرین بمجرد حصول الکثرة قبل الوقت، وإنْ طرأت القلة فیه، اذ من الواضح أنّ دخول الوقت لا دخل له فی تأثیر الاحداث ولا یکون شرطا لتاثیرها، بل هو الظاهر من خبر الصَّحاف المتقدم، من قوله علیه السلام : «ولتغتسل ثم تحتشی وتستذفر، وتُصلّی الظهرین، ثم لتنظر، فان کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکُرسف، فلتتوضأ وتُصلّی عند وقت کلّ صلاةٍ.... ولا غُسل علیها. وإنْ کان الدم إذا أمسکت یسیل من خلف الکُرسف صبیبا لا یرقی، فانّ علیها أنْ تغتسل، الحدیث»(1) .

اذ من الواضح أنّ قوله علیه السلام : «فیما بینها وبین المغرب لا یسیل» یفید کون ظهور الدم فی ما بین الحدین یعدّ حدثا یوجب الغُسل، غایة الأمر أنّه إذا تحقق


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة ،الحدیث 7 .

ص:416

الحدث، کان منشاء أثره وظهوره، هو حصوله فی الوقت حیث یجب علیها الاتیان بالغُسل، لأجل الدم الحادث قبل الوقت.

فدلالة حدیث الصحاف علی ما ذکرناه أوضح من دلالته علی کون الدم الحادث فی وقت الصلاة حکمه کذا، حتی یقال إنّ قوله: «صبیبا لا یرقی» یدلّ علی لزوم بقاء الکثرة الی حین دخول وقت الصلاة، مع أنّ استفادة الشرطیة من هذه الجملة مشکل جدّا .

و یؤید ما ذکرناه ما ورد فی روایة عبد الرحمن من قوله علیه السلام : «فان ظهر علی الکُرسف، فلتغتسل»(1).

وما ورد فی روایة الجُعفی من قوله علیه السلام : «ولا تزال تُصلّی بذلک الغُسل، حتّی یظهر الدم علی الکُرسف، فاذا ظهر أعادت الغُسل»(2).

خصوصا إذا اراد من الظهور هو الأعم من تبدیل وضعها من المتوسطة الی الکثیرة أو للمتعدد فی الیوم، سواءً کان الظهور الموجب لاعادة الغُسل حادثا فی وقت الصلاة أم لا، ولأجل ذلک قال صاحب «الجواهر»: للاطلاق المتقدم من النصوص والفتاوی .

کما لا فرق فی کون السببیة للحدث الاکبر _ إذا تحقق قبل الوقت، من لزوم الغُسل لو تبدل الی القلة فی الوقت _ بین ما إذا انقطع للبرء، أم لغیر ذلک من العلل، لأنّه لا أثر فی وجود الحدث وتحققه الموجب للغُسل.

فالقید بالبرء الواقع فی کلام الشهید الاول فی «البیان» من قوله کما حکاه عنه صاحب «الجواهر»: «لو اختلفت دفعات الدم عمل علی أکثرها، ما لم یکن لبرءٍ»،


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .

ص:417

لا یخلو عن نقاش، کما عرفت تفصیله .

و من هنا یظهر لک الحکم بأنّه لو کانت المستحاضة کثیرة، ثم عادت الی القلیلة، یجب علیها الغُسل، وإنْ کان العود الیها قبل وقت الصلاة، أو فی حینها قبل الاتیان بالصلاة، حتّی لو لم تغتسل للظهر عصیانا أو نسیانا، فانّه یجب علیها الغُسل، للعصر إذا لم یبق من الوقت الا للعصر، والاّ فیجب علیها اعادة الظهر بعد الغُسل، بل لا یبعد القول بوجوب الغُسل لقضاء الظهر، لو لم نقل بکفایة غُسل العصر للظهر القضائی، إذا جمعت بینهما.

ومثل ذلک یجری فی العشائین أیضا .

الفرع الثالث : فی بیان حکم انقطاع دم الاستحاضة، فی أقسامها المتصورة فیها، والتی لعلها تزید عن العشرة، فلا بأس بذکرها تفصیلاً، وبیان اقسامها، والأحکام المترتبة علیها ، فنقول ومن اللّه الاستعانة: الانقطاع یتصور علی عدة انحاء:

تارة: یکون للبرء، وتعلم به، أو یشک فیه.

واُخری: للفترة، مع العلم بها، أو مع الشک.

فنوجّه البحث أوّلاً الی صورة البرء، فهی أیضا علی أقسام:

القسم الاول: أنْ یکون الانقطاع للبرء، ولکنها علمت بذلک، لکن کان الانقطاع قبل الشروع باتیانها لواجبات الطهارة من الوضوء فی القلیلة، أو الوضوء مع الغسل فی المتوسطة والکثیرة.

فی أحکام الاستحاضة / أقسام انقطاع دم الاستحاضة

فلا اشکال حینئذ فی ترتب الأحکام علیه، من وجوب الوضوء فی القلیلة، والوضوء مع الغسل فی الکثیرة، بلا فرق فیه بین کون الانقطاع حدث فی وقت الصلاة أو قبلها، بناء علی ما عرفت فی التحقیق من عدم اعتبار تحققه فی الوقت، فی ترتیب أحکام الاستحاضة علیه.

نعم من شرط ذلک، فانّه یذهب الی ترتیب أحکام فی خصوص ما وجد منه

ص:418

فی وقت الصلاة .

وکیف کان، فالدلیل علی وجوب ترتیب الأحکام علیها هو أن الدم إذا وجد یقتضی ترتیب ما یترتب علیه، ولو بعد انقطاعه، کسائر الأحداث من الاصغر والاکبر، وهذا مما لا خلاف فیه ولا اشکال، بل ولم یوجد قول بنفی وجوب شی ء علیها فی هذه الصورة من الغسل والوضوء.

نعم، قد عرفت وجود الخلاف فی کون المدار فیه وجود الدم مطلقا _ کما هو المختار _ أو فی خصوص ما وجد فی الوقت، وکذلک وجود الخلاف فی أنّ الواجب علیها بعد الانقطاع فی غیر القلیلة، هو الوضوء فقط، أو هو مع الغُسل، کما قد قرر فی محلّه، اذ من الواضح أنّ الانقطاع بنفسه لا یزید فی حکم غیر ما یجب ترتبه علیها، لأجل الحدث، کما لا یخفی .

القسم الثانی: ما إذا حصل الانقطاع بالبرء، مع علمها به حال اتیانها لواجبات الطهارة من الوضوء أو الغسل وفی اثنائهما، فالواجب حینئذ استئناف تلک الطهارة من الوضوء أو الغسل.

وهذا هو المعروف بین الاصحاب، ولم یروی الخلاف فیه عن أحد.

والدلیل علیه: أنّ وجود الدم فی حال الطهارة الی زمان الانقطاع، یعدّ حدثا قطعا، لما قد عرفت من دعوی الاجماع علی حدثیته من العلاّمة فی «المختلف».

نعم لو کان الدم مستمرا الی آخر فترة الطهارة، وورد الدلیل علی کونه مفعوا، فانه یختلف الأمر، وأمّا المنقطع منه فی الاثناء، الذی قد ارتفعت به الضرورة بانقطاعه، لم یرد دلیلٌ علی کونه معفوّا، فیجب حینئذٍ ملاحظة مقتضی الأصل والقاعدة، فیصیر حکم الدم فی اثناء الطهارة، حکم البول إذا وجد فی اثنائها، حیث لا اشکال فی انه مزیلا للطهارة إذا لم تکن الضرورة مقتضیة لاعتبار عدم حدثیته البول الخارج کما فی المسلوس أو المبطون .

ص:419

فاذا ثبت حدثیته، فانّه فتجب ازالته للاقدام علی اتیان الاعمال المشروطة بالطهارة، وهی لا تحصل الاّ باستئناف الطهارة .

القسم الثالث: ما إذا حصل الانقطاع بعد الطهارة، وقبل الشروع فی الصلاة، فهل یجب علیها الاستئناف ام لا؟

فالمشهور _ کما فی «الطهارة» _ عدم کفایة هذه الطهارة، ووجوب استئنافها، بل فی «الجواهر» استظهار الاتفاق علی لزوم الاعادة.

بل فی «الذکری»: لا أظنّ أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة مع تعقب الانقطاع، إنّما العفو عنه کان مع قید الاستمرار .

خلافا للمحکیّ عن «المعتبر» و«الجامع»، حیث قال فی الاوّل: یمکن أنْ یقال ان خروج دمها بعد الطهارة معفوٌ عنه، فلم یکن مؤثرا فی نقض الطهارة، والانقطاع لیس بحدثٍ.

مضافا الی امکان الاستدلال باطلاق ما دلّ علی أنّ المستحاضة، بعد الاتیان بما علیها من الوظیفة، تکون بحکم الطاهر، حیث أنّه یشمل ما إذا استمر الدم عنها الی آخر الصلاة، أو انقطع ولو قبل الصلاة .

مضافا الی استصحاب الطهارة، لو شک فی بقائها عند انقطاع الدم بعدها، وباستصحاب العفو، وقاعدة الإجزاء، مع امکان المنع عن حدثیة دم الاستحاضة علی وجه العموم، وعدم الفرق بین انقطاع الدم بعد الصلاة وبین انقطاعه قبلها.

وفی «الجواهر» بعد نقل ما ذکرناه عن المحققین، قال: «لکن الانصاف أنّه لایخلو من قوة، لولا ظهور اتفاق الأصحاب علی عدمه، کما سمعته من الشهید فی «الذکری»، إذ یمکن تأییده مع عدم اشارة فی شی ء من النصوص الیه، بما سیاتی من قولهم: «اذا فعلت المستحاضة ما یجب علیها، کانت بحکم الطاهر» الی آخر ما ذکرناه من الاستصحابین المتقدمین، وقاعدة الإجزاء، مع عدم تصور الفرق

ص:420

بین الانقطاع بعد الصلاة وبین الطهارة وبینهما» .

هذا، ولکن الحقّ هو ما علیه المشهور من اتفاقهم، کما عن الشهید قدس سره ، لما قد عرفت من اتفاق الأصحاب علی حدثیة دم الاستحاضة، کسائر الأحداث، فالقاعدة تقتضی المشی علی حدثیته الی أن تقوم لها الدلیل علی خلافه، فترفع الید عن مقتضاها قدر دلالة الدلیل، والدلیل الوارد هنا لیس الاّ النصوص السابقة، من الأمر بالوضوء فی القلیلة، أو الوضوء مع الغُسل صباحا فی المتوسطة، أو مع الثلاثة فی الکثیرة.

ولکن هذا الحکم ثابت فیما اذا کانت المرأة المتلبسة بالاستحاضة وعند استمرار سیلان دمها بعنوان الاستحاضة، لا ما إذا انقطعت عنها الاستحاضة، أو ظهر انقطاعها بالبرء، ففی هذین الموردین لاتشملها الدلیل، وعلیها الرجوع الی القاعدة، وهی تفید انها محدثة، فیجب علیها مراعاة واجبات المحدثة.

ومع وجود مثل هذه القاعدة، لا یبقی مورد للقول بأنّ المستحاضة إذا عملت بوظیفتها تکون کالطاهرة، لأن المفروض کون الوظیفة هنا هی حدثیتها بحدث الاستحاضة، غیر ما عملت به سابقا، ولذلک یجب علیها حینئذ الاتیان بالوضوء مجددا إنْ کانت من النوع المستحاضة القلیلة، أو هو مع الغسل لو کانت متوسطة، أو کثیرة، لا الوضوء خاصة.

کما أنه یوافقنا فیه صاحب «الجواهر» علی فرض قبول أصل لزوم الاعادة، بل هو مختار الشهید فی «الذکری» و«البیان»، والمحقق الثانی و غیرهم.

وکیف کان، فانّ الوظیفة بعد الانقطاع للبرء، _ لا قبل الانقطاع کما حاولوا اثباته فی المقام _ هی اعادة الطهارة، فاذا قامت باحضار ما هو واجب علیها من الواجبات، صارت بحکم الطاهرة .

و مما ذکرنا ظهر عدم تمامیة الاستصحابین، لأنک قد عرفت شمول دلالة

ص:421

عموم حدثیة دم الاستحاضة فی الدم المنقطع، لما ذکرنا من أنّ الطهارة والعفو الثابتین بالنصوص، کان للدم المستمر، لا للمنقطع.

کما ظهر هنا أیضا عدم تمامیة جریان قاعدة الأجزاء، لأنّ المفروض أنّه ما لم تعد الطهارة لم تکن ممتثلة للمأمور به، اذ الاتیان بالمأمور به علی وجهه منوط باعادة طهارتها، ومثل ذلک الدلیل الاجتهادی حاکم علی الاستصحابین.

فثبت بما ذکرنا، فساد القول بحصول الطهارة قبل الانقطاع، فیجب علیها اعادتها قبل فعل الصلاة، نظیر ما لو انقطع الدم اثناء الطهارة .

القسم الرابع: ما لو حصل الانقطاع بسبب البرء فی أثناء الصلاة، مع فرض علمها بذلک، فهل یوجب ذلک فساد الصلاة أم لا تبطل، ویحکم بصحتها وتحقق الامتثال. أو عدم البطلان، ولکن لابد من تجدید الطهارة أثناء الصلاة، والبناء علی ما سبق؟

وجوهٌ وأقوال: وقد ذهب الی القول الاوّل ابن ادریس فی «السرائر» والشهید فی «الدروس»، والمحقق فی «جامع المقاصد» وصاحب «الجواهر»، حیث قال بعد ذلک: وهو فی محلّه.

وذهب الی الثانی الشیخ فی «المبسوط»، والشهید الاول فی «البیان».

وذهب الی الثالث _ علی احتمالٍ _ الاستاذ الأکبر فی «شرح المفاتیح»، وان قال صاحب «الجواهر» بانه لم یفتر علی قائل به، ولعلّه لعدم امکان هذا البناء فی بعض الصور، مثل ما لو کانت متوسطة أو کثیرة، ولابد علیها أن تغتسل ثم تصلّی، فانه لا یجتمع الغُسل معها، کما هو واضح.

ولو سلّمنا امکان تجدید الوضوء فیها، أو الاتیان بالتیمم فیما وظیفتهما ذلک فانّ ذکر ذلک، کان من باب الاحتمال، نظیر المبطون والمسلوس.

فالعمدة فی المقام هما القولان، فقد استدلوا للصحة علیها بأمور وهی:

ص:422

أوّلاً: بدلیل عموم العفو.

وثانیا: باستصحاب الصحة، لأنه قد شرع الصلاة مع العمل بالوظیفة، وکان مشروعا له ذلک، فیستصحب ذلک بعد الانقطاع.

وثالثا: إنّ الانقطاع فی الاثناء کان مثل وجدان الماء للمتیمم فی أثناء الصلاة، حیث لا یوجب بطلانها، بل یتمها کذلک، فهکذا یکون فی المقام.

هذا، فضلاً عن الدلیل الوارد بالنهی عن الابطال، فی قوله تعالی:«ولا تُبْطِلُوا أعمالَکُم»(1) .

هذا، ولکن فی الجمیع نظر:

فأما عن دلیل عمومیة الحدث، فقد عرفت أنّه کان للمستمرة الدم لا للمنقطع دمها، فاذا لم تشملها عمومه، فیدخل المقام تحت القاعدة المقتضیة کونها محدثة بحدث جدید، فلابد لها من تحصیل الطهارة له، فان کان المورد مما قد ورد دلیلٌ علی جواز البناء علیه، وتجدید الطهارة مما قد أمکن تحصیلها فیها _ مثل الوضوء أو التیمم _ فتعمل به، والاّ لابدّ من القول بفساد الصلاة، لأنّ جواز البناء ولزوم التجدید فی الاثناء، یعدّ أمرا خلاف الاصل والقاعدة، فلابد فیه من الدلیل المجوزّ، وهو مفقودٌ فی المقام، فلا سبیل لنا الاّ الحکم بفساد الصلاة .

فاذا ثبت کون الانقطاع للبرء موجبا لحدثیة الدم، وکونها محتاجة لتحصیل الطهارة مجدّدا، فلا یبقی مورد حینئذ لاجراء استصحاب الصحة، لأن الدلیل الدال علی الحدثیة، حاکمٌ علی استصحاب الصحة، کما عرفت.

کما أنّ قیاس المقام بوجودان الماء للمتیمم فی اثناء الصلاة، قیاسٌ مع الفرق، لوضوح أنّ وجدان الماء لا یکون حدثا، غایته افادة رفع الإجزاء عن الأمر


1- سورة محمد: آیة 35 .

ص:423

الاضطراری، ولکن اذا کان البدء وادمة العمل بدلیل مجوّز، فیجوز اتمامه کذلک، ولا یبطل، خصوصا إذا قلنا بجواز البدار بدایة وحین الشروع فی العمل، فی أول الوقت. هذا، بخلاف المقام، حیث أنّ الدلیل بنفسه یدلّ علی أن الانقطاع یوجب کون دم الاستحاضة حدثا، ولا یشمله دلیل العفو، لکونه مخصوصا للمستمر دمها، فلا محالة تعدّ طهارتها منقوضة وفاسدة، فلابد من تجدیدها، فتصیر الصلاة فاسدة لفقد طهارتها، کما لا یخفی .

وامّا دلیل الابطال، فاوّلاً: هنا بطلان قهریٌ _ لأجل فقد الطهارة _ لا ابطال، حتّی یشمله دلیل الابطال.

وثانیا: إنّ الآیة یحتمل أنّ تکون نازلة فی حقّ المرتد الذی یوجب ارتداده بطلان اعماله وعباداته السابقة، فیکون المراد هو النهی عن الارتداد الموجب لابطال الاعمال، وحبطها، فلا تکون متعلقة وواردة لما نحن نبحث عنه.

وثالثا: إنّه مربوط بما إذا لم یرد دلیلٌ علی الابطال، إنْ سلّمنا کونه ابطالاً لا بطلانا. فالآیة غیر مربوطة بما نحن فیه.

نعم، الاجماع قائم علی حرمة ابطال العمل وقطعه، وهو أیضا إنْ سلمنا کونه إبطالاً، فانها تتعلق بغیر ما نحن فیه، لانّه دلیلٌ لبّی یجب الاقتصار فیه علی القدر المتیقن، وهوغیر مورد ا لانقطاع .

فاذا لم تتم الأدلة علی اثبات الصحة، فلا سبیل لنا الا القول بفساد الصلاة، کما علیه المشهور.

الاّ أنّ الاحوط هو الاتمام رجاءا، ثم الاستئناف بعد الطهارة، وذلک اقتضاءً لاثر الشیخ رحمه الله وغیره من الاعلام، حیث یعدّ الاحتیاط طریق النجاة.

القسم الخامس: ما إذا کان الانقطاع بعد الصلاة، ففی وجوب اعادة الصلاة بعد تحصیل الطهارة وعدمه، وجهان بل قولان: والأکثر قد ذهب الی الاوّل، کما هو

ص:424

الظاهر من کلام السیّد فی «العروة»، وکثیر من أصحاب التعلیق علیها.

وذهب آخرون الی عدم الوجوب، مثل صاحب «الجواهر» والشیخ الاعظم، وکاشف الغطاء، والعلامة البروجردی.

وقد تمسک واستدل القائلون بعدم وجوب اعادة الصلاة بدلیل اصالة الصحة، وانّها قد عملت بما هو وظیفتها، فالامتثال قد حصل وهو یقتضی الإجزاء عند اطلاق الادلة، لأنّ الواجب المطالب به فی حال العُذر والاضطرار، هو العمل الذی قامت باتیانها، به فالأمر إذا امتثل فی محلّه یوجب سقوط الأمر المتوجه الیه، یسقط فلا وجه للحکم بوجوب الاعادة .

و لکن الدقة والتأمّل یفید الحکم بوجوب الاعادة، خصوصا اذا کان الوقت باقیا، مع أنه لا فرق فی وجوب الاعادة، بین الاداء والقضاء، لأنّ المفروض کشف الخلاف، وظهور فساد الطهارة الاولی، أی کانت طهارة متخیّلة لا واقعیته، والصلاة المأتی بها کانت صلاة من دون وجود شرط الطهارة فیها، مع تخیّل وزعم وجود الطهارة، فلا وجه للحکم لصحتها، الاّ من جهة کونها مضطرة بمثل تلک الطهارة فی أوّل الوقت، ثم بأنّ لها ان المامور بها لم تکن الفعل المأتی به، بل بالاتیان بالطهارة الواقعیة، مع کون الوقت باقیا، فمع امکان احضار الفرد الاختیاری، لا وجه للقول بکفایة الفرد الاضطراری، حتّی علی القول بجواز البدار، لامکان کون جوازه فیما إذا لم ینکشف الخلاف فی الوقت لا مطلقا.

فالقول بوجوب الاعادة _ کما علیه الأکثر _ لا یخلو عن قوة.

فقد ظهر مما ذکرنا عدم تمامیة قول من ابتنی الصحّة والبطلان، علی القول بجواز البدار وعدمه، کما نقل ذلک عن صاحب «رسالة الدماء الثلاث»، لما قد عرفت من عدم وجود التفاوت فیما هو المقصود بین القولین .

فمن جمیع ما ذکرنا _ وجوب الاعادة للطهارة والصلاة _ ظهر حکم من

ص:425

انکشفت لها أنّه قد انقطع الدم قبل ذلک للبرء، وهی غیر عالمة به، وقامت باحضار فعل الطهارة بزعم کونه مستمرا، فحینئذٍ لافائدة فی تلک الطهارة، بل لابد لها من تحصیل الطهارة للمنقطع.

اللّهم الاّ أن یقال: إنّه زعمت وکانت قاصدة لتلک الطهارة، ولکن فی الحقیقة حیث کان علیها احضار طهارة من نوع خاص، وهی طهارة المنقطعة لکنها أخطأت فی التطبیق وظنت نفسها غیر منقطعة وأنّ دمها مستمرة، ولکنّها کانت فی کل الاحوال تقصد احضار الفعل المأمور به والأمر المتوجه الیها.

نعم إذا اتی بوظیفة دم المستمر، ثم رأت الدم بعده لمرة واحدة وانقطع للبرء، ولم تأت بوظیفته الثانیة، لعدم علمها بذلک، فللحکم بالاعادة من الطهارة والصلاة _ بعد کشف الخلاف _ وجه وجیه، وهذا هو مراد من یقول بوجوب الاعادة فی صورة کشف الخلاف، فلیتأمّل .

ثم إنّه بعد أن ذکرنا حکم الفروع السابقة، نعود الی البحث عن أصل الحکم فی المقام، فنقول:

بعد أن قلنا بوجوب اعادة الطهارة والصلاة، فانّه لا اشکال فی حکمها بالنسبة الی الصوم، لانّها إذا اعادت الطهارة، وصارت متطهرة للصلاة والصوم معا، فلا اشکال فیه. والذی ینبغی أنْ یبحث فیه هو ما لو قلنا بمقولة صاحب «الجواهر» ومن تبعه، من عدم وجوب اعادة الصلاة والطهارة، فحینئذٍ هل یجب علیها تحصیلها للصوم أم لا؟ فیه وجهان، بل قولان: قول بالوجوب، وهو مختار الشهید الاول فی «الذکری».

وقول بالعدم، وهو المستفاد من کلام صاحب «الجواهر»، حیث قد تنظّر فی کلام الشهید رحمه الله من جهة تبعیّة الصوم للصلاة، فلا یجب تحصیل الطهارة له مستقلاً، ثم قال: فتأمّل .

فی أحکام الاستحاضة / انقطاع الدم الناشئ من الفترة

ص:426

ولعلّ وجه التأمّل، کان لأجل أنّ وجه عدم وجوب اعادة الصلاة مسببٌ عن تحقق الطهارة التی تعدّ رافعا للحدث _ ولو لأجل الاضطرار المتخیّل لها _ ومع وجودها فانه تجری قاعدة الإجزاء بالنسبة الی الصلاة المؤداة، ولازمهما حصول الطهارة المشروطة فی الصوم أیضا، وبناءً علی هذا لا تحتاج المستحاضة الی اعادة الطهارة مرة اُخری لأصل الصوم ، لانها تعدّ تحصیلاً للحاصل.

وامّا إنْ قلنا بکفایتها هناک، لأجل تلک الصلاة التی کانت فی تلک الحالة داخلة تحت قاعدة الأجزاء لا مطلقا، فشمول تلک الطهارة للصوم، لا یخلو عن تأمل، بل یجب علیها اعادتها، لا لخصوص الصوم، بل حتّی بالنسبة الی سائر الصلوات، فلذلک نقول بأنّ الأحوط علیها هو اعادتها للصوم تحصیلاً لما هو الواجب تحصیله، وقضیة للقطع بفراغ الذمة، واللّه العالم.

هذا تمام الکلام فی الانقطاع الحاصل من البُرء والشفاء، وبیان أحکام أقسامه الخمسة وما الحق بها من الفروع.

حکم انقطاع الدم عن المستحاضة الناشی ء من الفترة:

وهو أیضا یکون علی أقسام، وهی:

تارة: تکون الفترة بحیث لم تکن تسع للطهارة والصلاة ففیها.

فلا اشکال فی کفایة الطهارة السابقة للصلاة، لأنّها لا تقدر _ علی الفرض _ باتیانها فارغة عن الحدث، فتکون مضطرة للاکتفاء بتلک الطهارة مع استمرار الدم.

وما ورد فی کلام الشیخ فی «المبسوطه» و«الخلاف» _ کما عن «الاصباح» و«المهذّب» _ من الاطلاق ایجاب الوضوء للانقطاع، سواء کان للبرء والشفاء أم لا، إذا کان الانقطاع قبل الشروع فی الصلاة .

یُحمل علی غیر هذا المورد، اذ لا وجه لایجاب الوضوء، أو الوضوء مع الغسل بغیر ما عملته اوّلاً، بعد فرض کونها مضطّرة فی ذلک، حیث لم تکن الفترة

ص:427

موسعة حتی تتمکن من اتیان الطهارة والصلاة ثانیة .

نعم، والذی ینبغی البحث عنه، هو فیما إذا کان الانقطاع حاصلاً فی فترة تسع لاتیانهما دون استمرار الدم، وهو القسم الثانی، ففی ذلک یأتی البحث عن کفایة ما أتت بها من الطهارة قبل الانقطاع بالنسبة الی حال الانقطاع والفترة، فیه وجهان بل قولان: قول: بوجوب الاعادة، کما هو الأقوی عند صاحب «الجواهر»، وفاقا للشهید الثانی والمحقق الثانی، والعلامة فی «نهایة الأحکام».

وقول: بالعدم کما نسب ذلک صاحب «الجواهر» الی بعضهم، وقال: وهو ضعیفٌ، لأنّهم استدلوا علی عدم الوجوب، بأنّ المستحاضة عند انقطاع دمها فی هذه الفترة تعدّ محدثة لادامة حدثها السابق، فحکمها فی هذه الفترة حکم النقاء المتخلل فی أیّام الحیض، حیث أنّه حیضٌ، لکونها فی الواقع حائضا. فالحدث فی المقام غیر مرتفع عن هذه المستحاضة، فلا اثر للفترة فی الانقطاع، فلا تجب علیها الاعادة .

وفیه: و لکن هذا الاستدلال ممنوعٌ، مخدوش لوضوح أنّ المرأة حینئذ لا تکون مضطّرة لاحضار الطهارة والصلاة، مع استمرار الدم المستوجب کونها محدثا، حتّی تشملها دلیل العفو، فاذا لم تشملها دلیل العفو، فلابد لها من العمل علی طبق مقتضی القاعدة، وهو الاتیان بالطهارة حال انقطاع الدم وفی الفترة، فلو طهرت حال الاستمرار، لابد من الاعادة.

وقیاس المقام بالنقاء المتخلّل فی أیّام الحیض غیر صحیح، ویکون مع الفارق، _ فضلاً عن بطلان القیاس فی مذهبنا _ لوجود الدلیل علی الالحاق فی الحیض دون المقام، ولولا الدلیل لما قلنا به فی الحیض أیضا، فضلاً عن المقام.

فالأقوی عندنا عدم الفرق فی الانقطاع، فی وجوب الاعادة، بین کونه للبرء والشفاء أو للفترة، فیترتب علی الفترة کلّ ما یترتب علی البُرء، فی جمیع تلک الصور .

ص:428

فعلی المختار من عدم الفرق بین الصورتین فی الانقطاع، فلا أثر حینئذ فی الشک بین کون الانقطاع للبرء أو للفترة، من حیث وجوب الاعادة.

نعم، یترتب فی الشک بین الموردین أثرٌ، وذلک لو قلنا بوجوب الاعادة فی أحدهما دون الآخر، فحینئذ یکون الشک فی ذلک راجعا الی الشک بین وجوب الاعادة والاستیناف وعدمه، حیث أنّ مقتضی اصل البراءة هو عدم وجوب الاعادة.

ولکن بعد التأمل والدقة، یظهر أنّه یصعب الحکم به، لأنّ الشغل الیقینی بالصلوات أمرٌ ثابتٌ، والفراغ منها بمثل هذه الطهارة التی تعدّ مشکوکة التحقیق، بالانقطاع المذکور غیر حاصل، مع کون مقتضی استصحاب بقاء الحدث _ الذی تکون رتبته مقدمة علی الشک فی الفراغ _ هو وجوب الاعادة. فاجراء أصل البراءة فی المقام، کما یظهر من کلمات البعض لا یخلو عن تأمّل .

نعم، لابد أن یکون حکم الشک المذکور _ الذی حکمنا فیه بوجوب الاعادة علی مختارنا _ حاصلاً فیما لو کان الشک بین کون الانقطاع للبرء أو للفترة، وأن تعلم _ علی تقدیر کونه للفترة _ أنّها تسع للطهارة والصلاة علی تقدیر ثبوتها، والاّ فلو جهلت بذلک، أو لم تعلم عدم سعتها لهما، أو کانت مشکوکة فی ذلک أیضا، فان شکها حینئذ یعود الی الشک وجوب الاعادة وعدمه، لأنّه إنْ کان الانقطاع للبرء أو للفترة الواسعة، فعلیها الاعادة، وانْ کان للفترة غیر الواسعة، فلیس علیها، وجوب الاعادة، فقد یقال بان الشک فی وجوب الاعادة هو عدمه، کما هو ظاهر من کلام صاحب «الجواهر»(1) والشیخ الاکبر، من أنّه لو شکت فی السعة وعدمها، مع العلم بکون الانقطاع للفترة، اذ هو مثل ما نحن فیه، فی کونه شکا فی وجوب الاعادة والاستئناف، واستدلا فیه بالاطلاق، ولزوم الحرج، قال فی


1- الجواهر: 3/335 .

ص:429

«الجواهر» فی هذه المسألة: «فانّه یحتمل القول بوجوب الطهارة، کما عساه یظهر من المنقول عن «نهایة الأحکام»، تمسکا باصالة عدم عوده، والاحتیاط لعدم العلم بصحة ما وقع من الطهارة الاولی .

ویحتمل العدم، تمسکا باستصحاب صحة ما وقع، واصالة عدم الشفاء، واستصحاب العفو عمّا وقع من الدم، ولعلّه الاقوی.

ومثل هذا الحکم، ما لو علمت أنّه لفترة، لکن لم تعلم أنّها تسع الطهارة والصلاة أو لا، بل لعلّ عدم وجوب الاعادة هنا أولی، لما فی التکلیف بمجرد هذا الاحتمال من المشقه والحرج، الذی لا یتحمل عادةً، مع أنّ الاصل مشروعیة هذا الحکم للتخفیف.

بل لعلّ الأخبار المکتفیة بافعال المستحاضة، ظاهرةٌ فیما قلنا، لتحقق الفترات غالبا، مع أنّها لم تعتبر فیما وصل الینا من الأخبار» انتهی(1).

وهذا هو مختار السیّد فی العروة فی المسألة الرابعة عشر .

و لا یخفی ما فی کلامهم من الاشکال، وذلک من جهة دعواهم الاطلاق _ أی أنّ الاطلاق یقتضی الحکم بصحة الطهارة الاولی، المشکوکة التحقق، بواسطة الشک فی کونها غیر واسعة _ مع أنّه لابدّ أن یحرز ذلک القید اولاً، حتّی نطمئن بتحقق الطهارة، ولکن الاطمئنان مفقود فی المقام، ووجود الفترات هنا حتی لو سلّمناها، لکن لا نسلّم کونها قلیلة غیر واسعة غایته، لامکان تحقّقها غالبا مع السعة، حیث لا تفید طهارتها حینئذ .

وأمّا التمسک بقاعدة الحرج، فممنوعٌ لما ذکرنا من عدم ثبوت الحرج النوعی فیه، أمّا الحرج الشخصی فان رفعه یدور مدار مقدار وجوده، وهو غیر مرتبط


1- الجواهر: 3/335 .

ص:430

بعموم الحکم، حیث یختلف باختلاف الاستحاضة واختلاف الحالات والازمنة .

مضافا الی ما عرفت من أنّه لا اشکال فی حدثیة دم الاستحاضة، فارتفاعها أو تحصیل ما یستباح بها الصلاة، لابد من احرازها، فانه بمجرد الشک فیه، یوجب الشک فی الفراغ عمّا قد تعلق بالذمه، فالقاعدة حینئذٍ تقتضی الحکم بالاشتغال لا البراءة.

هذا، فضلاً عن جریان اصالة تاخّر العود، وعدم ثبوت العفو عن مثل ذاک الدم.

ولأجل ذلک ذکرنا فی حاشیتنا علی «العروة» فی هذه المسألة، بأنّ الأحوط هو وجوب الاستئناف والاعادة، بلا فرق بین کون الشک فی الانقطاع بین کونه للبرء أو للفترة المرددة بین الواسعة وغیرها، وبلا فرق بین کون الانقطاع بالفترة معلوما، مع الشک فی کونها واسعة أو غیرها، وذلک لاشتراک الملاک بینهما.

و منه یظهر الحکم لو انکشف بعد الصلاة أو بعد الطهارة، کون الانقطاع کان علی نحو أحد تلک الوجوه، حیث أنّ حکم کلّ منها یظهر من حکم فعلیتها، من وجوب الاعادة وعدمه.

ولکن قد عرفت أنّ مختارنا فی أکثر تلک الموارد، هو الاعادة، فیکون الحکم فی حال الانکشاف أیضا کذلک.

واقتضاء الأمر الظاهری الاجزاء ونظائره، إنّما یصحّ فیمالم ینکشف، الخلاف وامّا إذا انکشف الخلاف، فالاکتفاء بتلک الطهارة و الصلاة مشکلٌ جدّا، واللّه العالم .

فی أحکام الاستحاضة / لو حدثت الاستحاضة الوسطی بعد صلاة الصبح

الفرع الرابع: فی أنّه لا اشکال فی أنّ الواجبات الثلاث من اعمال المستحاضة، أی الوضوء والغُسل وغیرهما، تعدّ شرطا للصلوات المتعقبة اللاحقة، دون الصلوات المتقدمة، مثلاً لو رأت المرأة الاستحاضة الکبری بعد صلاة الصبح، لا یجب علیها الغُسل شرطا لصحة الصلاة السابقة علیها، نعم یجب علیها احضار تلک الواجبات بالنسبة الی الظهرین، سواءً استمر الدم الی وقتهما أو لم یستمر، بناء علی عدم شرطیة حدوث الحدثیة لما بعد الوقت، کما هو المختار،

ص:431

و الاّ لا یجب علیها الغسل بالنسبة الی الظهرین اذا لم تکن تری الدم بعد حلول وقت الظهرین.

وکذلک یکون الحکم فی طرفیه من الاثبات والنفی بالنسبة الی العشائین، لو حدث الدم بعد الظهرین، حیث لا یکون الغُسل شرطا لصحة الظهرین، بل شرط لصحة صلاة للعشائین، سواءً استمر أم لم یستمر.

هذا اذا لم نقل بشرطیة حدوث الحدث فی الوقت شرطا فی حدثیة، والاّ لا یجب علیها الغسل للعشائین أیضا، الا إذا رأت الدم بعد دخول وقت العشائین .

و کذلک یکون الحکم فی المتوسطة، فی أنّ الغُسل الواحد لصلاة الفجر شرطٌ لصلاة الغداة، بخلاف ما لو حدث بعد صلاة الصبح، حیث لا یکون الغُسل شرطا وواجبا للصلاة السابقة علی الصبح بلا اشکال.

والسؤال هو إنّه هل یجب هذا الغُسل، إذا حدث الدم بعد صلاة الصبح، وقبل وقت الظهرین، أو حدث بعد حلول وقت الظهرین لمن یذهب الی اشتراط ذلک لاتیان الظهرین أم لا یجب؟

بل وهکذا لو حدث بعد الظهرین وبعد قیامها بالصلاة، فهل یجب هذا الغسل للعشائین أم لا یجب ذلک الغُسل الاّ مرة واحدة، وهو للصبح فقط، إذا کان حدوث الحدث قبل صلاة الصبح أو قبل دخول وقتها من الفجر؟

فیه وجهان، بل قولان: والذی قد یذهب الیه المشهور _ کما صرح به فی «جامع المقاصد»، فی مبحث الغایات، والشهید فی «الروضة» فی بحث الاستحاضة، والعلاّمة الطباطبائی فی «المصابیح»، وصاحب «الجواهر» _ الی عدم الوجوب، بل قد نسب ذلک الی اجماع الأصحاب الوجوب بل ان جماعة من الاصحاب قد نقلوا الاجماع علی عدم الوجوب، ومنهم الاستاذ الاکبر فی «شرح المفاتیح»، حیث قال: «وأمّا کون الغُسل لصلاة الصبح، فلعدم قائل

ص:432

بالفصل، اذ لم یقل أحد بأن المتوسطة علیها غُسل واحد، ولیس لخصوص صلاة الصبح، فکلّ من قال بالمتوسطة _ وهم المعظم _ قال کذلک، والشاذ الذی جعلها من الکثیرة، أوجب الأغسال الثلاثة، بل ربما کان بدیهی المذهب أنّه لو کان غُسلٌ واحد، فموضعه صلاة الصبح».

انتهی علی المحکی فی «الجواهر»(1) .

ولکن صاحب «الریاض» قد حکم بوجوب الغُسل للظهرین والعشائین، اذا ظهر الدم بعد صلاة الصبح، سواء استمر الدم أو لم یستمر، وسواء کان حین حدوث الدم فی وقت الظهرین أو قبله، ووافقه الشیخ الأکبر فی «طهارته»، بل هو المشهور بین المتأخرین، بل ولم نجد خلافا فی ذلک عند فقهاء عصرنا، أو من قارب، من القول بوجوب الغُسل لصلاة الظهرین والعشائین.

فلا بأس هنا بذکر أدلّة الوجوب، فان ثبت منها ذلک فهو، والاّ یجب الحکم بعدمه، فنقول: قد استدل الشیخ علی الوجوب، باطلاقات الأدلة حیث قال: «بأنّه لیس فی شی ء منها ما یقتضی قصر حدثیتها بما إذا حدثت فی الصبح، أو قبل صلاته بالخصوص، ففی روایتی سماعة: «فان لم یجز الدم الکُرسف فعلیها الغسل کلّ یوم مرّة، والوضوء لکل صلاة»(2) .

و فی روایة زرارة: «وإنْ یجز الدم الکُرسف صلّت بغسل واحد»(3) حیث أنّ الظاهر منها أنّها تصلّی الصلاة الواجبة علیها فی ذلک الیوم، بغُسل واحد، فی مقابل الکثیرة التی تُصلّی الخمس بثلاثة أغسال.

ووجه تقدیم الغُسل علی صلاة الصبح _ لو حدثت الاستحاضة قبلها _ کونها


1- الجواهر: 3/338 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 6 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 5 .

ص:433

أول الصلوات، مع استفادة شرطیة الغُسل لها علی نحو الشرط المتقدم .

وفی موثقة زرارة: «إذا نفذ الدم اغتسلت وصلّت»(1). وفی روایة الجُعفی «فاذا ظهر الدم علی الکُرسف، أعادت الغُسل، وأعادت الکُرسف»(2).

وفی روایة البصری: «فان ظهر الدم علی الکُرسف، فلتغتسل ثم تصنع کُرسفا آخر، ثم تصلّی»(3). هذا علی المحکی فی کتاب «مصباح الهدی»(4) .

اقول: و لقد أجاد فیما أفاد، لأنه حینما نلاحظ الأدلة والروایات فانّه لم نشاهد فی واحد منها أمرا بلزوم احضار غُسلٍ مستقل لصلاة الغداة، بل غایته هو الاتیان بغُسل واحد فی کلّ یوم، المنطبق أوّلاً علی أوّل الیوم المنطبق علی صلاة الصبح، إنْ کان الحدث وقع فیه لا مطلقا، والاّ یجب الغُسل فی کلّ وقت حدث فیه الدم من الیوم للصلاة المتعقبة بعدها، فقد ینطبق علی الظهرین أو علی العشائین.

فما علیه المشهور من المتأخرین، بل أتفاقهم، لا یخلو عن قوة .

مع أنّه لیس للقول الآخر دلیلٌ قوی یقاوم ما ذکرناه من الاطلاقات، اذ إنّهم تمسکوا لمختارهم باصالة البراءة عن وجود الغُسل غیر ما وقع ووجب للصبح، لو لم تکن قد اغتسلت لها، أو حدثت الاستحاضة بعدها.

ولکن هذا الاصل مندفع بوجود دلیل اجتهادی علی الحکم _ لا یرجع الی الاصل الذی هو دلیل فقاهتی _ وبالاجماع المستظهر من کلماتهم، من تخصیص الغُسل بالغداة، وعدم تعرضهم له فیما عداها من صوره.

وقد ینسب ذلک الی ان هذا الحکم یعدّ من البدیهیات عند الاصحاب.


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 9 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
4- مصباح الهدی: 5/168 .

ص:434

ولکنه مندفع أیضا، من جهة أنّهم لم یتعرّضوا الاّ للصبح، لکونه غالبا کذلک، علی حسب کونه اوّل الیوم لمستمرة الدم، حیث ینطبق ذلک للصبح، ولکن مجرد انصراف الاطلاق الی هذا الفرد لا یوجب رفع الید عن الاطلاق.

مضافا الی أنّه لو لم یکن لنا دلیلٌ علی ذلک، فمقتضی قاعدة الاشتغال هو الفراغ الیقینی، وهو لا یحصل الاّ بتحصیل الغُسل للظهرین أو العشائین إنْ کان وقوع الحدث بعد الصبح وقبل الظهرین، أو بعد الظهرین وقبل العشائین.

هذا، بعد تسلیمنا علی دلالة الدلیل علی لزوم غُسل واحد، مع الشک فی أنّه هل هو لخصوص الصبح، أو أنّه واجب ولکنه غیر موقت بوقت معین ، فعند الشک فیه، یکون المرجع هو الاشتغال لا البراءة، کما لا یخفی .

و کذلک تمسکوا بالخبر المروی فی کتاب «فقه الرضا»، اذ فیه: «وإنْ ثقب الدم الکُرسف ولم یسل، صلّت اللیل والغداة بغُسل واحد وسائر الصلّوات بوضوء، وإنْ ثقب وسال، صلت اللیل والغداة بغُسل...» .

مع أنْ ورود ذکر الغداة فی الخبر المذکور، لا یوجب نفی الغُسل عن غیرها لو وقع الحدث بعد الغداة، مع امکان کون فرضه الاستمرار فی الدم، کما یؤید ذلک جعله هنا ذلک مقابلاً للکثیرة الّتی تجب فیها ثلاثة أغسال، وغالبا تکون فی مستمرة الدم.

مضافا الی عدم مقاومة الخبر المروی فی «فقه الرضا» مع تلک الأدلة، لو تمت دلالتها، لما قد عرفت منّا کرارا، أنّه لا یمکن جعله دلیلاً، فضلاً عن قدرتها علی المقاومة مع الادلة، بل غایته امکان جعله مؤیدا للادلة.

فالاقوی عندنا هو وجوب الغُسل لکلّ من الظهرین، انْ حدثت بعد الصبح، وللعشائین إنْ حدثت بعد الظهرین، أو حدثت قبل صلاة الغداة ولم تغتسل لها عصیانا أو نسیانا، لوحدة الملاک فی الجمیع .

ص:435

فاذا عرفت وجوب الغُسل لکلّ من الفرائض، إذا وقع الحدث قبل ذلک الفرض، یظهر حکم ما لو حدثت بعد الظهر، ولم تغتسل للظهرین والعشائین، حتّی بلغ بالغداة للغد، فانّه لابد لها من الغُسل بلا اشکال.

وامّا إذا اغتسلت للصبح فی الیوم، ولم یستمر الدم الی الغداة أو حدثت قبلهما بلا تخلّل فرض رؤیتها للدم بین الحدث وبین الغداة، فهل یجب علیها الغُسل أم لا؟

الظاهر وجوبه، لاطلاق ما دل علی ایجاب الغُسل، المنزّل علی ارادة الغداة، سواءً تخلّل بصلاة غیرها بینه وبینها أو لم یتخلّل، خصوصا علی مختارنا من وجوب الغسل حتّی لو حدثت بعد الصبح.

نعم علی مختار صاحب «الجواهر» ومن تبعه، فانه یحتمل أنْ لا تجب علیها الغسل إذا حدثت بعد الصبح، حتّی لغداة الغد، بدعوی انسباق غداة ذلک الیوم، والفرض حصول الحدث بعدها، فلا غُسل علیها حینئذ.

ولکنه قد تأمّل فیه أخیرا، لامکان کون الوجوب لجنس کلّ غدٍ متوسطٍ، لا خصوص غداة الیوم. وکیف کان، فان حکم والمسالة علی مختارنا واضحة لا غبار علیها، کما لا یخفی .

فی أحکام الاستحاضة / فی الجمع بین الصلاتین فی الاستحاضة الکبری

الفرع الخامس: الکثیرة التی یجب علیها الغُسل ثلاثة مرّات، فهل یجب علیها الجمع بین الصلاتین، فیما إذا أرادت اتیان غُسل واحد للظهرین أو العشائین، أو یجوز التفریق بین الصلاتین والاتیان بخمسة اغسال، حتّی تکون قد اغتسلت لکلّ صلاة من فرائضها الخمس أم لا؟

فیه وجهان، بل قولان: ففی «الجواهر»: إنّه قد یستظهر من عبارة المصنف وما ماثلها، کظاهر الأخبار، ایجاب الجمع للکثیرة بین الصلاتین، فلیس لها حینئذ فعل کلّ من الصلاتین بغُسل مستقل. وربما کان صریح المفید فی «المقنعة»، ومال الیه فی «الریاض» لظاهر الاخبار.

ص:436

بل وهو الظاهر من کلمات جماعة من الأصحاب، حیث عبروا بالجمع بین الصلاتین بغُسل واحد، المستفاد منه العزیمة .

و لکن المحکیّ عن صریح العلاّمة فی «المنتهی» والمحقق فی «جامع المقاصد»، و«المدارک» و«الذخیرة» هو الرخصة، بل قد صرّح بذلک صاحب «شرح المفاتیح» صرّح بل فی «جامع المقاصد» و«المدارک» أنّه جائز قطعا.

وفی «العروة» و أکثر اصحاب التعلیق، لولا کلهم، علی جواز التفریق، وکون الحکم بالجمع رخصة لا عزیمة .

بل فی «المنتهی»: قد جزم باستحباب الغُسل لکلّ صلاة، حتّی تصیر الأغسال خمسة کالصلوات، وقد استدلوا علی الاوّل بظاهر جملة من الأخبار الدالة علی وجوب الجمع بین الصلوتین بغُسل واحد، وهو مثل خبر ابن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام : «فلتجمع بین کل صلاتین بغسل»(1) .

و روایة صفوان بن یحیی، عن أبی الحسن علیه السلام ، فی حدیثٍ: «وتجمع بین صلاتین»(2) .

و روایة زرارة، عن أحدهما علیهماالسلام ، فی حدیثٍ: «وتجمع بین الظهر والعصر بغُسل، وتجمع بین المغرب والعشاء بغُسل»(3) .

و روایة ابن عمار، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ من الأمر بتأخیر صلاةٍ وتعجیل اُخری، لحصول الجمیع، حیث قال: «اغتسلت للظهر والعصر، تؤخّر هذه وتعجّل هذه»(4) .


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 14 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 12 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .

ص:437

و روایة ابن عبد الخالق، فی حدیثٍ عن الصادق علیه السلام : «فلتؤخّر الظهر الی آخر وقتها، ثم تغتسل، ثم تصلّی الظهر والعصر، فانْ کان المغرب فلتؤخّرها الی آخر وقتها، ثم تغتسل ثُمّ تصلّی المغرب والعشاء، الحدیث»(1) .

اذا من الواضح أنّه لو کان الجمع مرخصا فیه، فلا یناسب مع الأمر بالتأخیر و التعجیل، لتحصیل الجمع بین الصلوتین، خصوصا مع ملاحظة الأمر بالجمع، الظاهر فی الوجوب فی حدیث ابن مسلم .

هذا، و لکن یردّ هذا الاستدلال بامکان أنّ یکون الجمع بغُسل واحد مرخصا فیه ومن جهة ملاحظة التسهیل لحال المستحاضة، خاصة اذا لاحظنا ضعف المرأة فی تلک الایام وصعوبة اقدامها علی الاغتسال خمس مرات فی الیوم الواحد، فانّ التقلیل مطلوب بذاته، فیما لم یثبت الدلیل علی لزوم اتیانه.

ولعلّ الأمر بالجمع، الظاهر فی الوجوب فی غیر المقام، لإمکان أنْ یکون لأجل دفع توهم الخطر عن الجمع، فلا یدل حینئذ الاّ علی الرخصة والاباحة، خصوصا مع ملاحظة بعض الأخبار الدالة علی جواز التفریق، لو لم نقل دلالتها علی الاستحباب، کما أشار الیه العلامة فی «المنتهی»، وهو مثل ما فی موثقة یونس بن یعقوب، عن الصادق علیه السلام ، فی حدیثٍ. «فلتغتسل فی وقت کلّ صلاة، الحدیث»(2). وروایة یونس الطویلة: «قال: تغتسل فی وقت کلّ صلاة»(3). وروایة الحلبی، عنه علیه السلام فی حدیثٍ: «تغتسل المرأة الدمیة بین کلّ صلاتین»(4).

بل دلالة الثانیة علیه أولی، لامکان القول فی الاولی بکون المراد من (وقت


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 11 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .
4- وسائل الشیعة: الباب 3 من ابواب الحیض، الحدیث 4 .

ص:438

کلّ صلاة) اشارة الی المعهود فی الکثیرة من الغُسل للظهرین، والآخر للعشائین، فی مقابل الغُسل لصلاة الصبح ومثل هذا الاحتمال فی الثانیة، لأنّ (بین الصلاتین) لا ینطبق الاّ علی بین الظهرین والعشائین.

واحتمال کون المراد من قوله: «بین الصلاتین» هو بین الصبح والظهرین، أو بین الظهرین والعشائین.

بعیدٌ غایته، اذ لا یناسب ذلک مع قوله: «بین کل صلاتین» الظاهر فی البینونیة بین کلّ صلاة منفردة مع اُخری، لا مجتمعه مع اخری، أو منفردة مع مجتمعة، فلیتأمّل جیّدا .

نعم، الاستدلال لذلک بأبلغیّة التعدد، وکذلک للاستحباب، لما قد ورد فی بعض الأحادیث _ فی باب الوضوء_ : «بأنّ الطُهر علی الطُهر عشر حسنات»(1) .

لیس علی ما ینبغی، من جهة أنّ الغُسل فی الاستحاضة، لا یکون رافعا ومطهرا، حتّی یقال بذلک، بل هو مبیح إذا کان الدم مستمرا، والاستباحة حاصلة بالاوّل، فلا یبقی مورد للثانی، الاّ مع دلالة دلیل.

اللّهم إلاّ أنْ یقال ان الامور تعدّ نسبیّة، فالطهارة الحاصلة هنا مع استمرار الدم بالغُسل الثانی، أزید من الطهارة الحاصلة من الاوّل، ولکن اثبات ذلک بحاجة الی شاهد من الدلیل.

فی أحکام الاستحاضة / المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء أو الغسل

ومن هنا یظهر أنّ اثبات الاستحباب فی التفریق _ مع کثرة الأخبار الدالة علی الجمع، ووجود الشهرة علی وجوب الجمع، أو علی مطلوبیّته _ لا یخلو عن اشکال .

وبناءً علی ما ذکرنا، سواء قلنا بوجوب الجمع، أو بجوازه، أو باستحباب التفریق _ لو فرّق بین الصلاتین علی خلاف ما هو المتعارف فی الجمع _ فانّه


1- وسائل الشیعة: الباب 8 من ابواب الوضوء، الحدیث 3 .

ص:439

یجب علیها تعدد الاغسال، لأنّ الاکتفاء بغُسل واحد مشروطٌ بالجمع بین الصلاتین، ونشک فی کفایته عند التفریق بل کونه مقتضی وجوب الجمع بین الصلاتین، إذا ارادت الاتیان بغُسل واحد، لو قلنا بوجوب تعقب الصلاة للغُسل، وعدم جواز التخلّل بالفصل بینهما، حیث أنّ الدم الخارج بعد الغُسل حدث قطعا، والقدر المتیقن مما ثبت العفو عنه، هو ما یخرج بلا فصل بین الغسل والصلاة، زائدا علی الفصل المتعارف.

بل وهکذا فی الدم المتخلّل بین الصلاتین، الذی قام الدلیل علی العفو عنه، لا یکون الاّ اذا کان الاتصال بین الصلاة حاصلاً، والاّ یشکل الاکتفاء بالغُسل الواحد.

کما لا اشکال فی وجوب الغُسل لو حدثت الکبری بعد صلاة الظهر وقبل العصر، أو بعد المغرب وقبل العشاء، حتی لو جمعت بینهما .

و امّا إذا لم نقل بوجوب الاتیان بالصلاة متعاقبا علی الغُسل، وقلنا بجواز الفصل بینهما، فالقول بوجوب الجمع بین الصلاتین، یکون تعبدیا، وهو لا یخلو عن اشکال.

ولعلّ وجه الاشکال، هو صعوبة قبول القول بالجواز التعبدی فی التفکیک فی الفصل بین الغُسل والصلاة، بالجواز وعدمه بین الصلاتین.

ولکنه غیر وارد، لامکان القول بوجود الفارق بین الموردین، وذلک بوجود النص الدال علی وجوب الجمع بینهما، بخلاف الغُسل والصلاة، وإنْ کان الاصحاب استظهروا لزوم التعقب فی الغسل أیضا، کما سیاتی، واللّه العالم .

و قد ظهر من هذه الأخبار _ الدالة علی لزوم الجمع بین الصلاتین بغُسل واحد _ أنّه لا یجوز الجمع بغسل واحد فی أکثر من صلاتین فی یوم واحد قطعا، وامّا فی غیرها فانه سوف یأتی البحث عنه فی محلّه إنْ شاء اللّه تعالی .

الفرع السادس: وهو بیان وجوب تعقّب الصلاة للغسل، فقد صرّح بعض

ص:440

الاصحاب بوجوبه، بل فی «الجواهر»: ولم اعرف فیه مخالفا. کما عساه یشعر بنفیه ما فی «المدارک»، من نقل الاجماع فی القلیلة بالنسبة الی الوضوء دون الغُسل، کالمحکی عن «الحدائق» وغیره.

بل قد استدلوا لذلک، بأنّه یشعر بالحکم ما فی النص والفتوی، بالجمع بین الصلاتین بتأخیر الظهر وتعجیل العصر، إذ لو کان جائزا لم یکن فی تأخیر العصر عن الظهر بأس.

وقد عرفت عدم المنافاة _ مع ما قلناه سابقا من وجوب التعقیب _ من ظهور أخبار الجمع فی الرخصة لا العزیمة، لأنّه کان بملاحظة اتحاد الغُسل وتعدده، والاّ فلا ریب فی ظهورها فی الوجوب الشرطی، بمعنی أنّه لو أرادت فعل الصلاتین بغُسل واحد، کان هذا الجمع واجبا علیها، فلیتأمّل.

هذا کما فی «الجواهر» .

و لکن قد عرفت منا _ فی البحث السابق _ بأنّه علی القول بوجوب التعقیب، یکون وجوب الجمع أشدّ وأوّلی مما إذا لم نقل بوجوب التعقیب، حیث یکون وجوب الجمع حینئذ وجوبا تعبّدیا.

ولکن مع ذلک قد عرفت الجواب عنه، من جهة وجود الفارق بین الموردین، وهو کافٍ فی تجویز الافتراق والقول بوجوب التعقیب دون الجمع، کما لا یخفی .

و کیف کان، فقد حاولوا تأیید وجوب التعقیب بالاستعانة بما فی بعض أخبار الجمع من ورود (الباء) فیها، مثل قوله علیه السلام فی روایة صفوان: «تجمع بین صلاتین بغُسلٍ»(1)، حیث یشعر الباء بالمقارنة.


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 3 .

ص:441

بل وهکذا کلمة (عند)، الموجود فی خبری أبی المعزا(1) أو خبر اسحاق بن عمار(2) من قوله: «انها تغتسل عند کلّ صلاتین»، وکذا مثله فی خبر عبداللّه بن سنان، عن الصادق علیه السلام ، قال: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، وتصلّی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب، فتصلّی المغرب والعشاء، ثم تصلّی عند الفجر»(3) .

هذا، مضافا الی ما قد عرفت منا سابقا، من قیام الاجماع علی حدثیة دم الاستحاضة، المانع عن الصلاة، الاّ ما خرج بالدلیل الدال علی العفو عنه، والقدر المتیقن منه هو ما إذا لم یتخلّل بین الغُسل وبین الصلاة أزید عما یفصل بینهما بحسب المتعارف، فما زاد منه یدخل تحت المانعیة الثابتة للدم، فلازمه وجوب التعقیب فورا بفوریة عرفیّة.

هذا جمیع ما استدل به علی وجوب التعقیب بین الغُسل أو الوضوء مع الصلاة .

ولکن أورد علیه صاحب «کشف اللثام»، وتبعه علی ذلک العلامة الطباطبائی، من جواز الفصل بینه وبین الصلاة حیث استدلوا علی بالأصل، أی الاصل هو البراءة عن هذا الوجوب، لکونه شکا فی التکلیف الزائد، فیرفع به.

وفیه أوّلاً: یندفع بما إذا لم یستظهر من الأدلة لزوم تعاقبها، والاّ لا یرجع الیه مع وجود دلیل اجتهادی.

ثانیا: من امکان کون الأصل هنا الاشتغال، لما قد عرفت من أنّ المرأة کانت مستمرة الدم، وهو حدثٌ قطعا، فاذا حدث انقطاع تشک فی دخولها تحت الاخبار الدالة علی العفو وعدمه، فانّ اصالة الاشتغال بالحکم السابق تکون جاریة، وعلیها الغُسل، لأنّ الشغل الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.


1- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الحیض، الحدیث 5 .
2- وسائل الشیعة: الباب 3 من ابواب الحیض، الحدیث 4 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 4 .

ص:442

ثم استدلوا علی قولهم باطلاق بعض الأخبار، مثل خبر اسماعیل بن عبد الخالق، قال: «فاذا کان صلاة الفجر، فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تصلّی رکعتین قبل الغداة، ثم تصلّی الغداة»(1).

من تجویز الفصل بالنافلة وبعده بأداة (ثمّ) التی تدل علی الترافی، حیث قد ورد مثله فی خبر ابن بکیر من قوله: «فاذا مضی عشرة أیّام، فعلت ما تفعله المستحاضة، ثم صلّت»(2) .

و لکن یمکن أنْ یجاب عنه:

أمّا عن الاطلاق، بأنّه یصح لولا استظهار الفوّریة، بما ذکرنا من الأخبار، والاّ یکون مقیدا له.

وأمّا عن خبر اسماعیل، فانّه خارجٌ عما ذکرنا، بقیام الدلیل علی جواز الفصل بالنافلة _ أی مطلقا _ لأجل کونها من مقدمات الصلاة کالاذان والاقامة والادعیة الواردة قبل الصلاة، حیث لا تندرج فی اخبار العفو.

أو یقال بالاستثناء فی خصوص المورد، لو لم نقل بذلک العموم، وهذا لا یوجب الجواز حتّی بالنسبة الی ما لا دلیل علیه بجواز الفصل، کما هو المقصود هنا، مع أنّک ستعرف قریبا من تجویز الغُسل عن الفجر لصلاة اللیل، فضلاً عن اتیانه بعده، کما لا یخفی.

وأما الجواب عن الاستدلال بأداة (ثمّ)، فهو أن الأداة واردة للدلالة علی الترتیب تارة بروایة التراخی أیضا، واُخری بیان أصل التعاقب مرتبا من دون لزوم رعایة الفصل، والاّ للزم الجمود علیه وجوب التراخی، مع أنّه لم یلتزم به


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من ابواب الحیض، الحدیث 5 .

ص:443

أحد، ولیس ذلک الاّ لما قد ذکرناه .

ثم استدلوا علی جواز التراخی والفصل، بجواز الدخول فی المسجد والطواف قبل الصلاة، بل ولأن سائر الغایات کالطواف وقراءة العزائم والجماع _ علی القول بتوقفه علی الغُسل _ یجوز فیها الفصل، ولأنّ أکثر الغایات ممّا لا یمکن فی وقت واحد، فاذا اغتسلت لها وللصلاة، فلابد من تحقق الفصل فی البعض. والقول بتعدد الغُسل، وإفراد کلّ عبادة بغُسل مستقل خلاف الاجماع، کما قیل.

فیظهر من جمیع ما ذکر، جواز الفصل مطلقا، وهو المطلوب.

أقول: ان جمیع ما اقیم من الادلة لا تفید الجواز، لکن لا من جهة أنّ المستحاضة إذا فعلت ما أوجب علیها من الغُسل والوضوء للصلاة، کانت بحکم الطاهرة، فتستبیح لها غیرها من الغایات، من غیر لزوم تجدید غسل أو وضوء، من دون أن یکون الفصل حینئذ مضرا لمثل تلک الغایات، بل الواجب فی المقام علیها هو مراعاتها للحکم المترتب علیها فی المورد.

فالأقوی عندنا هو وجوب المبادرة وواتیان الصلاة عقیب الغُسل والوضوء فورا بالفوریة العرفیة لا العقلیّة، کما هو واضح .

الفرع السابع: فی أنّه هل یجوز تقدیم الغُسل علی الوقت فی المستحاضة المتوسطة والکثیرة، مع استمرار الدم أم لا.

فی «الجواهر»: أنّه لا یجوز، الاّ أنْ یدخل عند الفراغ، فان الظاهر حینئذ ما عن «نهایة الأحکام» من الإجزاء.

فی أحکام الاستحاضة / تقدیم الغسل علی الوقت للوسطی و الکبری

اقول: لعل وجه استثناء ذلک، شمول الأدلة لمثله، لأنّه یصدق علیها، أنّها اغتسلت عند الفجر أو الظهر، الظاهر کون وقوع الغُسل عند الفجر ولو بشروعه قبله، وبذلک یحمل ما فی بعض النصوص من ذکر کون الغُسل لصلاة الغداة أو لصلاة الظهر.

ص:444

فاذا سلّمنا ذلک، فیظهر أنّه لا یجوز التقدیم لغیر هذه الصورة، فما فی «الروض» من احتمال جوازه لأزید من ذلک، تمسکا بالاطلاق، لیس علی ما ینبغی، وجود اطلاق فی المقام، یشمل التقدیم مطلقا، الاّ «فقه الرضا» المشتمل علی تجویز تقدیم الغُسل علی الفجر لصلاة اللیل والغداة، حیث جاء فیه قوله : «قال: وانْ ثقب الدم الکُرسف، ولم یسل، صلّت اللیل والغداة بغُسلٍ واحد، وسائر الصلوات بوضوء، وإنْ ثقب وسال، صلت اللیل والغداة بغُسل»(1).

وعلیه فتوی جماعة من الأصحاب، ونسب «کشف اللثام» ذلک الی الصدوقین والشهیدین و«الذکری»، بل فی «الذخیرة»: إنّی لا اعلم فیه خلافا.

ونسبه غیره الی الأصحاب، مشعرا بدعوی الاجماع علیه. بل فی «الجواهر»: إنّه قد عرفت، کون الحکم مسلما عند الأصحاب، بل لعلّه یدخل تحت معقد اجماع «الخلاف»، فانه لما ذکر أحکام المستحاضة، التی من اقسامها الکبری، قال: «إنّها تجمع بین صلاة الظهر والعصر بغُسلٍ، والمغرب والعشاء بغُسل، والفجر وصلاة اللیل بغُسل قال: وتؤخر صلاة اللّیل الی قرب الفجر، وتصلّی الفجر بها. ثم قال: دلیلنا اجماع الفرقة، واخبارهم»، انتهی کلام الشیخ.

انتهی محل الحاجة من کلام صاحب «الجواهر»(2).

وامّا جواز تقدیمه لا زید من ذلک، فانّه لا یشمله دلیله.

وأمّا الاشکال فی «فقه الرضا» بأنّ التجویز فیه کان لخصوص المتوسطة _ کما فی «الجواهر» _ حیث قال: نعم، قد یستند له بما فی «فقه الرضا»، لکنه مع اختصاصه بالمتوسطة یشکل الاعتماد علیه، لعدم ثبوت حجیته... الی آخره.


1- المستدرک الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحدیث 1.
2- جواهر الکلام: 3/345 .

ص:445

لا یخلو عن نقاش، لوضوح أنّه مشتملٌ للتجویز بذلک فی المتوسطة والکثیرة کلتیهما، کما هی صریحة .

و امّا الاشکال فی حجیته، فلا بأس بها، إذا انجبر بالمشهورة، خصوصا عند المتقدمین. بل قد عرفت کون الشهرة علی حدّ قد ادّعی فیه الاجماع ونفی الخلاف، کما فی «الذخیرة».

فالحکم بالتجویز فیه لا یخلو عن وجهٍ، وإنْ کان الاحتیاط الندبی یکون فی اتیان الغُسل بعد الفجر لخصوص صلاة الغداة، غیر الغسل الذی قد أتی به لصلاة اللیل. نعم إنْ أرادت الغُسل الواحد لهما، فلابد أنْ تأتیه قریب طلوع الفجر، حتّی لا تفصل بینه وبین صلاة اللیل وصلاة الغداة، بل ومع نافلتها التی قد وردت تجویز ذلک فی روایة اسماعیل بن عبد الخالق(1) .

فاذا عرفت الحکم فی مستمرة الدم فی المتوسطة والکثیرة، من اقتضاء القاعدة صدق الحدثیة علی ذلک الدم، فلابد من الاقتصار فی الاتیان بذلک علی القدر المتیقن، الوارد فی النص، فلازمه قصر جواز التقدیم المذکور علی الغایة المتقدمة، أعنی صلاة اللیل الّتی قد وردت النص وکلمات الأصحاب بجوازه فیها دون غیرها.

نعم، والذی یجب أنْ یبحث عنه أنّه لو اغتسلت لصلاة اللیل، فعرض لها عارضٌ منعها عن اتیانها وفعلها، فهل یجوز الاکتفاء به لصلاة الغداة أم لا؟

فانّه لا یبعد القول بکفایة ذلک، إنْ لم یفصل بین الغُسل وصلاة الغداة فصلاً یضرّ به، إذ قد ورد فی النص تجویز التقدیم بذلک الزمان، فعدم الاتیان بصلاة اللیل، لا یوجب کونها محدثا، بخلاف ما لو أتی بها.


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 15 .

ص:446

ولکن المسألة لا تخلو عن اشکال، اذ لیس الکلام فی کون الصلاة رافعا للحدث، بحیث یعدّ ترکها سببا لوجود الحدث حتّی یقال بذلک، بل الوجه ما عرفت من أنّ عدم الاعتناء بمثل هذا الحدث، ثبت بمثل ذلک الشرط، فمع فقدان الشرط ینتفی المشروط، ای کون الدم معفوّا.

وکیف کان، فالاحوط هو اعادة الغسل، خصوصا مع قد عرفت فی صدر البحث من أن الأصل هنا مع الشک هو الاشتغال دون البراءة، کما لا یخفی .

هذا تمام الکلام فی الغُسل

و امّا حکم الوضوء فی المستحاضة القلیلة :

أمّا حکم الوضوء لکلّ صلاة، وفی المتوسطة والکثیرة لکلّ صلاة عند من اوجبهُ فیهما، أو فی سائر الصلوات فی المتوسطة _ غیر صلاة الغداة _ عند من لا یوجبه فیما فیه الغسل، یکون حکمه من حیث وجوب المبادرة وجواز التعقیب للصلاة وعدمه، حکم الغُسل من حیث وقوع الاختلاف فیه.

فقد ذهب کثیرٌ من الفقهاء الی وجوبه، کالشیخ فی «المبسوط» و«الخلاف» و«السرائر» و«الجامع» و«البیان» و«الوسیلة» و«الاصباح»، بل فی «الجواهر»: لا أجد فیه خلافا صریحا، الاّ من العلامة فی «المختلف» وتبعه العلامة فی «مصابیحه» مدّعیا فیها أنّه ظاهر الأکثر، حیث لم ینصّوا علی وجوب المعاقبة بین الطهارة وغایاتها المتعددة، مع اکتفائهم بالطهارة الواحدة فی الجمیع.

ولکن المختار عند المتأخرین کصاحب «العروة»، وأصحاب التعلیق علیها، هو وجوب المبادرة .

فی أحکام الاستحاضة / الحدّ المجاز من الفصل لتحصیل مقدّمات الصلاة

و حیث أنّ الادلّة المستدل بها للوجوب أو العدم مشترکة مع الغُسل فی کثیر منها لولا کلّها، فقد ترکنا التعرّض لها هنا، خصوصا بعد ما عرفت مقتضی القاعدة، من اعتبار کون الدم المستمر حدثا لم یعفو عنه الشارع _ الاّ ما اخرجه الدلیل عن

ص:447

الحدثیّة، وهو فیما اذا لم _ یفصل، لاسیما مع ملاحظة کون الأصل هنا مع الشک، هو الاشتغال لا البراءة، کما لا یخفی علی المتأمل، فان جمیع ذلک یوجب حصول الاطمئنان للفقیه علی أن یحکم بالوجوب .

الفرع الثامن: بعد أن ثبت وجوب المبادرة الی الصلاة بعد الغسل والوضوء مباشرةً، هل اللازم _ بناء علیه _ الاقتصار علی الفصل بالقدر الضرورة الذی لا محیص عنه، بحیث لا یجوز الفصل حتّی لتحصیل مقدمات الصلاة، مع تعارف تحصیلها بعد الغُسل والوضوء.

أم أنّه یجوز ذلک حتّی ولو لم یتعارف الفصل بذلک.

أو القول بالتفصیل من الجواز علی حدّ المتعارف ولو لم یکن للمقدمات، وعدم الجواز فی غیر المتعارف.

أو القول بهذا التفصیل فی تحصیل المقدمات فقط لا مطلقا.

وجوه واحتمالات، ناشئة من الاختلافات فی الأدلة التی تستدل بها لوجوب المبادرة: لأنّه إنْ کان المرجع فی الحکم هو مقتضی القاعدة الاوّلیة فی مستمرة الحدث، فمقتضاه الاقتصار علی الفرض الأوّل، لأنّه المتیقن فی العفو عن الحدثیة. ولکن لو کان المرجع الی الاخبار وکلمات الأصحاب، بل مقتضی الفهم العرفی، یکون الحکم هو الفرض الاخیر، أو غایته الفرض الثالث، اذ الاشتغال بالمقدمات مثل الاذان والاقامة، وتحصیل السیر والاجتهاد فی تحصیل القبلة وامثال ذلک، اشتغالٌ بنفس الصلاة فی الجملة، بل وقد یظهر من بعض الأخبار جواز الفصل بأزید من ذلک، مثل تحصیل الوضوء، والدخول الی المسجد للصلاة وغیرهما، کما قد ورد التصریح بذلک فی روایة ابن عمار حیث قال علیه السلام : «توضأتْ ودخلتِ المسجد، وصلّت کلّ صلاة بوضوء»(1).


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .

ص:448

بناء علی ارادة الوضوء لأجل الصلاة _ کما هو المتعارف _ لا لمجرد دخول المسجد من حیث هو، فیفهم من ذلک أنّ الرواح الی المسجد ونحوه من المقدمات القریبة للفعل، ممّا لا بأس به.

ومن هنا قد استظهر بعض أنْ یکون الانتظار لاقامة الجماعة غیر ضائر، خصوصا إذا کان فترة الانتظار قصیرا.

ولکن الاحتیاط فی مثل هذه الامور مما لا ینبغی ترکه، بل لا یخلو عن قوّة .

ثم لیعلم أنّ ما ذکرناه من عدم جواز الفصل زائدا عن الحدّ المتعارف، لتحصیل المقدمات، بحیث لو زاد لابد من تجدید الغُسل والوضوء، إنّما هو مع استمرار الدم، لا مع انقطاعه قبل الوضوء ولو لغیر بُرء، إذ لو توضأت ولم تصلّ، ومع ذلک لم یخرج شی ء من الدم، فلا اشکال فی صحة صلاتها بذلک الغُسل والوضوء، لأنّ ما یوجب خروجه عن الطهارة النسبیة أو عن الاباحة، هو الدم الخارج بعد الغُسل والوضوء، وإنْ ورد فی اطلاق بعض کلمات الأصحاب خلاف ذلک، ولکن لابد من حمله علی خروج الدم لا مطلقا.

ولا فرق فی ما ذکرنا کون الانقطاع لبُرء أو لفترة، حتّی ولو علمت بخروج الدم بعد مضیّ وقت، خلافا لما یظهر من الشهید فی «الذکری»، حیث جعل الانقطاع للفترة کالنقاء المتخلّل فی بعض أیّام العادة، أو العشرة المتخلل برؤیة الدم فی طرفیها، مع انقطاعه عند العشرة، حیث یکون ذلک بحکم الحیض، وهنا بحکم الاستحاضة. لکنه خلاف لظاهر الأدلة الواردة، کما لا یخفی .

الفرع التاسع: فی وجوب الاستظهار لمنع خروج الدم بحسب الامکان.

وقد أشار فی «الجواهر» الی ذلک بقوله: کما إذا لم یتضرّر بحبسه، بحشو الفرج بقطن أو غیره بعد غُسله، فانّ انحبس والاّ فبالتلجم والاستشفار، بأن تشدّ وسطها بتکة مثلاً، وتأخذ خرقة اخری مشقوقة الرأسین، تجعل أحدهما قدامها

ص:449

والآخر خلفها، وتشدّهما بالتکة، کما هو صریح جماعة وظاهر آخرین، بل لم أجد فیه خلافا.

أقول: علة وجوب الاستظهار، هو ما عرفت منّا کرارا من حدثیّة هذا الدم بالاجماع، فیکون مانعا لها عن اتیان ما یشترط فیه الطهارة، ولو بالنسبة _ أی حکما _ إنْ لم یمکن الخروج عنه حقیقة، فمعنی الخروج بالنسبیة هو ورود دلیل یدل علی لزوم حبسه بقدر الامکان، بواسطة الاحتشاء والاستشفار کما سیجی ء تفسیرهما لاحقا، وما لا یمکن حبسه لأجل شدة سیلانه وغلبته علی کلّ ما جعل لمانعیته، فیکون معفوا، لکونها مضطرة بالنسبة الی ذلک.

و امّا لو قصّرت فی ذلک، ولم تنتظر، ولم تمنع الدم عن الخروج تقصیرا، فلازمه بطلان الطهارة اللازمة، کما قد صرّح بذلک الشهید فی «الذکری» بقوله علی المحکیّ فی الجواهر: «ولو خرج دم الاستحاضة بعد الطهارة، اعتدت بعد الغُسل والاستظهار، إنْ کان التقصیر فیه، وان کان لغلبة الدم فلا للحرج» انتهی(1).

وانْ استشکل علیه صاحب «الجواهر» بقوله: «وفی استفادة ذلک من الادلة نظر، بل مقتضاها العفو عن حدثیته بعد الطهارة، نعم یستفاد منها شرطیته بالنسبة للصلاة خاصة، فلعلّ الأقوی حینئذ عدمه» .

فی أحکام الاستحاضة / الاستظهار لمنع خروج الدم

أقول : و لا یخفی ما فی کلامه، لأن القول بوجوب الاستظهار تکلیفا تعبدیا، بحیث لو تخلفت أتمت، ولا یترتب علیه أثر من جهة نفس الشرطیة، مما لا یقبله الذوق السلیم، کما کان الأمر کذلک فی کلّ ما یکون الشی ء الخارج حدثا، مثل البول والغائط فی المسلوس والمبطون .

و کیف کان، فانّه یجب علیها الاستظهار بما قد عرفت، لدلالة الأخبار علیه،


1- جواهر الکلام: 3/349 .

ص:450

کماتری فی حدیث ابن عمار ، من الأمر بالتحشیّ والاستشفار(1).

و هکذا فی حدیث زرارة، بقوله: واحتشت واستشفرت (واستذفرت)(2).

و روایة الحلبی: «وتستدخل قطنة وتستشفر (تستذفر) بثوبٍ(3)».

وروایة الصحاف: «ثم تحتشی وتستذفر(4)».

وروایة ابن أبی یعفور، بقوله: «واحتشت کُرسفها(5)».

وغیر ذلک من الاخبار الواردة فیها ذکر الاحتشاء بالخصوص، أو بتعبیر آخر مثل الامساک بالقطن أو ادخال القطنة ونظائره .

و الذی یظهر من جمیع هذه الاخبار، کون الغرض من الجمیع هو حفظ البدن عن التلوث بالدم، والمنع عن خروجه، وأمّا وجوب کون التحفظ بخصوص التحشی والاستشفار دون غیره لو امکن، فغیر معلوم اللزوم، بل المظنون هو العدم، لوضوح أنّ الوجوب فی مثل هذه الامور لیس الاّ طریقیا لا موضوعیا، کما قد یؤید ذلک ما ورد فی بعض الأخبار من التعبیر فیها بالاستیشاق لحصول التوقی، مثل خبر زرارة حیث قال: «فلتغتسل وتستوثق من نفسها» أیّ من أیّ طریق حصل.

ولعلّه الی ذلک یشیر ما ورد فی حدیث ابن عمار بقوله: «وتضم فخذها فی المسجد وسائر جسدها خارج) حیث یکون معناه _ کما فسّره فی «الوافی» بقوله: والواو فی قوله علیه السلام : «وسائر جسدها خارج» واو الحال، یعنی أنها لا تدخل


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 5 .
3- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .
4- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
5- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .

ص:451

المسجد، ولکنها تجلس قریبا من المسجد، فتذکر اللّه عز وجل، بحیث یکون سجودها فیه، ضامّة فخذیها حین تدخل رأسها للسجود... الی آخره .

فوجوب التحشی والاستشفار، لیس الاّ لتوقی الدم عن الخروج، ویعدّ ذلک واجبا، وامّا غیر ذلک من بعض الامور المذکورة فی حدیث الحلبی، من تفسیر الاستذفار بأنّ تتطیب وتستجمر بالدخنة، وغیر ذلک، والاستشفار أنْ تجعل مثل ثغر الدابة، لابد أنْ یحمل علی الاستحباب، أو یقال بکون المراد من الاستذفار هنا، هو الاستثفار.

ولعلّه لذلک ورد فی روایة الحلبی: «أنّها تستذفر بثوب» کما احتمل «الوافی» اتحادهما معنیً من جهة قلب الثاء ذالاً، فیکون الاستذفار حینئذ واجبا کالاستثفار .

و هکذا یقال بعدم الوجوب، ما ورد فی روایة ابن عمّار _ برغم وجود الاضطراب فی متنه _ بقوله: «وتستثفر ولا تنخی» أو بالنون مع الخاء (و لا تحییی) بالبائین التحتانیتین، أوّلهما مشددة، أی لا تصلی تحیّة المسجد.

هذا، کما أرسل العلامة من أنّ المراد من لا تحنّی (بالنون وحذف حرف المضارعة) أی لا تختضب بالحناء، حیث لا یمکن القول بوجوب مثل هذه الامور، خصوصا مع وجود الاضطراب فی متنه.

وکیف کان، لیس الواجب الاّ أصل التوقّی عن خروج الدم، وما هو المذکور فی الروایات تعدّ من أسهل الطرق للوصول الی ذلک .

وقد ورد فی «الوافی»: أنّ فی بعض النسخ مکان (تحتشی أو تخبی) تحتبی (بالتاء المثناة من فوق، والباء الموّحدة) من الاحتباء، وهو جمع الساقین والفخذین الی الظهر بعمامةٍ ونحوها، لیکون ذلک موجبا لزیادة تحفظها من تعدّی الدم... الی آخر کلامه(1).


1- الوافی ج1 باب الاستحاضة /72 الطبقة القدیمة .

ص:452

فانه علی هذا التقدیر، یؤید کون المقصود هو التحفظ من التعدی، _ کما لا یخفی علی المتأمل فی الروایة _ لا ایجاب خصوص بعض الخصوصیات والکیّفیات .

ثم إنّ الاستظهار الواجب علیه،ا هل یجب کونه قبل الوضوء فی القلیلة والمتوسطة بالنسبة الی غیر صلاة الغداة، أو مطلق الصلوات عند من یذهب الی وجوب الوضوء لجمیع الصلوات فیها، بحیث أنّه لو حاولت الاستظهار فی اثناء الوضوء بما إذا لم یستلزم فوت الموالات، لم یجز، أو ذکرت ذلک قبل الوضوء لأجل أنّه المتعارف أسهل من غیره؟

قال فی «الجواهر»: إنّ الاقوی أیضا عدم الایجاب.

الی أن قال: وإنْ ذکره بعضهم قائلاً إنّه قضیة الأخبار، ولا یبعد کون المستفاد من حدیث ابن عمّار وسماعة والصحاف، من ترتب حکم الوضوء علی الاستظهار، استفادة وجوبه، إذ هو الأحسن، فیما یعتبر فی الوضوء من نیّتها بکونه وضوءا واجبا للقلیلة أو المتوسطة، مضافا الی أنّه مطابق للاحتیاط، وموافقٌ لاصالة الاشتغال المقتضی للفراغ الیقینی الحاصل بذلک .

نعم قد یستفاد من بعض الأخبار _ کصحیح الصحاف، وخبر عبد الرحمن _ کون الاستظهار بعد الغُسل لعطفه علیه (بثمّ).

ولکن صاحب «الجواهر» قال:«ومع ذلک فایجابه فیه أیضا محل نظر، لأولویة فعله فی اثناء الغُسل علیه بعده، ولانصراف الذهن الی عدم ارادة الایجاب من ذلک، بل هو فعلیة حصول مشقة الفعل فی الاثناء، وللعطف فی کثیر من الاخبار بالواو، وإنْ قدم فیها ذکر الغُسل علیه مرتبا بثم علی غیره، و لعله وقع الوهم من بعض، حتّی قال إنّ قضیة الاخبار وکلام الأخیار کون الاستظهار بعد الغُسل، وعلّله مع ذلک بعدم امکان الغُسل مسبوقا بالاستظهار، وفیه منعٌ واضح»،

ص:453

انتهی محلّ کلامه(1) .

و لکن التحقیق یقتضی أنْ یقال لا اشکال فی وجوب الاستظهار، وهو بمعنی أن تشدّ المراة علی وسطها خرقة کالتکة، وتأخذ خرقة اخری وتقعد أحد طرفیها من قدام بالخرقة الاولی، ثم تُدخل الخرقة الثانیة بین فخذیها، وتخرجها من خلفها، وتعقد طرفها الآخر بالخرقة الاولی، کل ذلک بعد غَسل الفرج وحشوه بالقطن _ هذا کما فی «الروض» _ وأمّا جعل الخرقة الاخری مشقوقة الرأسین، فهو أیضا ممکن، لکنه لعله لأجل سهولة عقدها بالتکة المشدودة بالوسط، لا لأجل مدخلیته للاستظهار.

والدلیل علی وجوب الاستظهار مضافا الی الاجماع، ونفی الخلاف فی لسان الاعلام، ما ورد فی جملة من الأخبار المتقدمة، مثل روایة ابن عمار، والحلبی وزرارة، وفی موضع من مرسلة یونس، مثل قوله: «وأمرها ان تغتسل وتستثفر بثوب».

وفی موضعٍ آخر منها، عند حکایة حَمنة بنت جحش، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، حیث قال له صلی الله علیه و آله : «انی استحضت حیضة شدیدة. فقال: احتشی کُرسفا. فقالت: إنّه أشد من ذلک، إنّی اثجّه ثجا. فقال صلی الله علیه و آله : تلجمی وتحیضی(2)».

وتسمی خرقة الاستشفار للمرأة ب_ (حیضته) بکسر الحاء، هذا کما فی کتاب «الطهارة» للشیخ الاعظم قدس سره ، ولکنه هنا بمعنی جعل الأیام حیضا، بقرینة قوله فی ذیلها: «تحیض فی کلّ شهر فی علم اللّه ستة أیّام»، الحدیث .

و روایة موثقة فضل وزرارة، بقوله: «وتحشی لصلاة الغداة» الحدیث. و صحیحة صفوان من قوله: «وتستدخل قطنة بعد قطنة».


1- الجواهر: 3/349 .
2- وسائل الشیعة: الباب 8 من ابواب الحیض، الحدیث 3 .

ص:454

مضافا الی الاستدلال لوجوب منع وصول النجاسة الی البدن فی حال الصلاة، بما دل علی اشتراط طهارة ظاهر البدن فی الصلاة، ووجوب تقلیل النجاسة مهما أمکن، وأنّ هذا الدم حدث فیجب منعه بقدر الامکان.

هذا، ولکن اثبات بعض ما ذکر فی الاخیر، لا یخلو عن اشکال، ولکن العمدة: وجوب اصل الاستظهار .

و امّا کون محل الاستظهار بعد الوضوء والغسل أو قبلهما؟

وحیث کان الغرض من الاستظهار، هو التحفظ عن خروج الدم مهما أمکن، والاقتصار فی العفو عن حدثیته علی ما لا یمکن التحرز، فلابد من فعله _ أی الاستظهار _ من ابتداء الشروع فی الغُسل والوضوء، للتحفظ عن خروج الدم حالهما بقدر الامکان، کما یجب تحفظه عنه بعدهما الی الفراغ من الصلاة .

ولکن استفادة ذلک من الاخبار لا یخلو عن غموض و اشکال، وإنْ اعترف بدلالة الاخبار وکلمات الأخیار الشیخ کاشف الغطاء فی محکیّ شرحه علی «المفاتیح»، بالنسبة الی الوضوء، ووافقه فی ذلک صاحب «الجواهر» فی خصوص صلاة الغداة.

ولکن الانصاف هو عدم الفرق فی لزوم تقدیم الاستظهار علی الوضوء، بین صلاة الغداة وغیرها، خصوصا إذا قلنا بوجوب المبادرة فی المعاقبة، ولیس لتوهم لزوم تأخره عنه منشأٌ أصلاً.

کما أنّ دعوی دلالة الاخبار علی التقدیم للاستظهار فی الوضوء، أمرٌ غیر بعید، لأن لسان الاخبار _ خصوصا مثل روایة ابن عمار، وعبد الرحمن، وزرارة، وسماعة، وابن أبی یعفور _ هو تقدیم الاستظهار علی الوضوء، من جهة ترتیب الکلام.

الاّ أنّ کلام بعض الفقهاء _ مثل السیّد فی «العروة» فی المسألة التاسعة _ هو التصریح بوجوب کون التحفظ بعد الوضوء والغُسل.

ص:455

ولعلّ وجهه، هو لزوم رعایة ذلک لأجل الصلاة، من جهة عدم الفصل بین الوضوء والصلاة، خصوصا عند من یوجب المبادرة الی المعاقبة، لأن الایقان بالاستظهار بعد الوضوء، کان أتقن فی عدم التعدی والتحفظ بما أمکن.

والحاصل، أن الحکم بوجوب التقدیم علی الوضوء جزما، لا یخلو عن تأمل، وإنْ لم نعلق فی هذه المسالة علی «العروة» ما یدلّ علی قبول ذلک فی رأینا هذاالوضوء .

وامّا الغسل: فهل یجب أن یکون الاستظهار من حین الشروع فی الغسل أو بعده؟

قولان: المنسوب الی المشهور هو الأخیر، بل وفی «شرح المفاتیح» أنّ الظاهر من تضاعیف الأخبار، کون الاستظهار بعد الغُسل.

ولعلّ وجهه أنّ الغُسل مع الشد والاستیثاق غیر میسور، ولعلّ الامر هو کذلک لما ورد فی حدیث الصحاف کمن قوله علیه السلام : «... فلتغتسل ثم تحتشی وتستذفر وتصلّی الظهر والعصر، فانّ علیها أنْ تغتسل فی کلّ یوم ولیلة ثلاث، مرّات وتحتشی... الی آخره»(1) .

و روایة عبد الرحمن، فی حدیثٍ: «فان ظهر عن (علی) الکُرسف، فلتغتسل، ثم تضع کرسفا آخر ثم تصلی»(2) .

و روایة زرارة، فی حدیثٍ: «ثم هی مستحاضة، فلتغتسل وتستوثق من نفسها، وتصلّی کلّ صلاة بوضوء، ما لم ینفد (یثقب) الدم، الحدیث»(3).

حیث أنّه مشتمل للترتیب المفید لتعاقب الاستظهار علی الغسل، وتقدیمه علیه بخلاف الوضوء، حیث کان موضعه بحسب ظاهره بعد الاشتیاق، مضافا الی


1- وسائل الشیعة: الباب 1 من ابواب الاستحاضة، الحدیث 7 .
2- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 8 .
3- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة: الحدیث 9 .

ص:456

وجود أداة (ثم) الدال علی التراخی والتأخیر، فی حدیث عبد الرحمن .

و روایة الجعفی، فی حدیثٍ: «وان هی لم تر طهرا، اغتسلت واحتشت، و لا تزال تصلّی بذلک الغسل»(1) .

و روایة فضیل وزرارة، فی حدیثٍ: «ثم تغتسل کل یوم ولیلة ثلاث مرات، وتحتشی لصلاة الغداة، الحدیث»(2) .

و روایة ابن أبی یعفور، فی حدیثٍ: «اغتسلت واحتشت کُرسفها، وتنظر فان ظهر علی الکُرسف، زادت کرسفها وتوضأت وصلّت»(3).

هذا، بناء علی کون المراد من الغُسل هنا التداخل مع غُسل الحیض، فهو مشتملٌ للحکمین: من الغسل قبل الاحتشاء، والوضوء بعده بحسب ترتیب الکلام.

وکذلک یکون الأمر فی روایة ابن عمار(4) والحلبی(5) وصفوان بن یحیی(6) .

نعم فی روایة اُخری لزرارة، فی حدیثٍ: «فان انقطع الدم، والاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت (و استذفرت) وصلّت، فان جاز الدم الکُرسف تعصبت واغتسلت، ثم صلّت الغداة، الحدیث».

بأن یکون المراد من الغُسل فی الاول، هو غسل النفاس، والثانی هو الاستحاضة، فانّه یوجب کون التعصّب قبل الغُسل إنْ ارید من التعصّب الاحتشاء، فیکون خلاف ما تقدم من دلالة الاخبار.


1- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 10 .
2- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 12 .
3- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 13 .
4- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 1 .
5- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 2 .
6- وسائل الشیعة: الباب من ابواب الاستحاضة، الحدیث 3 .

ص:457

لکن الخبر واردٌ فی خصوص النفاس، لان مورده کان کذلک .

و کیف کان، فمع وجود أخبار کثیرة دالة علی وجوب الاستظهار بعد الغسل فی الاستحاضة، فلا یبقی مورد للتنظر المستفاد من کلام صاحب «الجواهر» حیث قال: «فایجابه فیه محل نظر، لأولویة فعله اثناء الغُسل علیه بعده، ولانصراف الذهن الی عدم ارادة الایجاب من ذلک، بل هو لغلبة حصول مشقة الفعل فی الاثناء، وللعطف فی کثیر من الأخبار بالواو، وإنْ قدم فیها ذکر الغسل علیه مرتبّا بثم علی غیره».

لأنّه اجتهاد فی مقابل النصوص، ولا داعی لمثل ذلک مع عدم وجود خلاف فیه، الاّ فی حدیث وارد فی خصوص النفاس، مع عدم نصّه فیه، لامکان توجیهه بما یوجب الجمع مع غیره.

فالأقوی عندنا ما علیه المشهور، واللّه العالم .

ثم لا یخفی علیک أنّ وجوب الاستظهار کان الی حین تمام الصلاة والفراغ منها، فمتی ظهر الدم فی الاثناء نتیجة لتقصیرها فی الشدّ اتجه البطلان، وامّا إذا لم یکن للتقصیر، بل کان لغلبة الدم، فهو إنْ لم یکن للانتقال من مرتبة الأدنی الی الاعلی، فلا باس به علی الأظهر .

و امّا إذا کان للانتقال من الوسطی الی الکبری، أو من الصغری الی الوسطی، اتجّه حینئذ اعادة الطهارة والصلاة إنْ صلّت مع ذلک، فوجوب اعادة الطهارة ثابت، حتّی مع اتفاق الأثر، لأنّ ذلک حدث آخر لا یجزی عن الحدث الاول، فیجب الغُسل له بمجرد حدوث الکثیرة، سواء کان قبل الصلاة أو فی اثنائها، وإنْ کان قد اغتسلت للوسطی سابقا .

و کذا الحکم فی الوضوء بالنسبة الی عروض الوسطی علی القلیلة بالنسبة الی صلاة الظهر.

ص:458

نعم، ربما احتمل الإجزاء مع اتفاق الأثر غُسلاً ووضوءا، لعدم وجوب نیة کون الغُسل منه.

ولکنه ضعیف، لأنّ ما یدل علی العفو فی دم الحدث، کان للمرتبة السابقة، ولا یشمل المرتبة اللحقة، کما لا یخفی.

هذا کله للطهارة والاستظهار للصلاة .

و امّا وجوب الاستظهار فی تمام النهار علی الصائمة، ففیه خلافٌ: ففی «الذکری» قد نسب الی العلامة وجوبه علیها تمام النهار، نظرا الی اشعار توقف صحة صومها علی الغُسل، فظهور الدم یوجب التأثیر الغسل.

خلافا لصاحب «الجواهر»، حیث قال بعد نقل ذلک والمنع عنه، اذ لا دلیل علیه، بل قد تشعر الادلة بخلافه.

ولعلّه قد استفاد ذلک من کلام الامام علیه السلام من حکمه من ایجاب غسل واحد للوسطی، من دون ذکر تفصیل لذلک فی الصوم، مع امکان عروض ذلک کثیرا فی النساء، وکذلک وجوب ثلاثة أغسال للکثیرة دون أزید، مع أنّه یمکن حدوث ما هو أزید من ذلک لو أوجب الاستظهار للصوم فی تمام النهار.

وتحقیق الکلام فیه موکول الی محلّه فی باب الصوم .

ثم لا یخفی علیک وجوب الاستظهار فی المسلوس والمبطون، کما نص علیه جماعة، منهم الشیخ والعلامة والشهید، لورود النص علی ذلک فی المسلوس، وهو روایة حریز بن عبداللّه، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، أنّه قال: «إذا کان الرجل یقطر منه البول والدم، إذا کان حین الصلاة، أخذ کیسا وجَعَل فیه قطنا، ثم علّقه علیه، وأدخل ذکره فیه، ثم صلّی، یجمع بین صلاتین الظهر و العصر، یؤخر الظهر ویعجل العصر باذان واقامتین، ویؤخر المغرب ویعجّل العشاء باذان واقامتین، ویفعل ذلک فی الصبح» .

ص:459

فانه یدلّ علی لزوم الاستظهار _ کما فی المستحاضة _ فی المسلوس، فیلحق به المبطون بالفحوی، إنْ صدق علیه الأولویة.

ولکنه لا یخلو عن اشکال، لأنّ نجاسة البول شرعا أقوی، لاحتیاج تطهیره بغسلتین، بخلاف الغائط.

ولکن لعلّ وجه الحاقه به، هو صدق الحدثیة علی الغائط مثل البول، لو لم یکن أشدّ من حیث تنفر الطبع عنه عرفا أزید بما یتنفر عن البول.

وکون البطن مثل البول فی الحدثیة، فیترتب علیه ما یترتب علی البول والاستحاضة، وإنْ منعه بعضٌ معلّلین بأنّ النص وارد فی الاستحاضة دونهما، والتعدی قیاسٌ.

ولکن الدقة والتأمل فی روایة حریز، حیث حکم فی حق المسلوس بالبول _ أو بالدم بما حکم فی المستحاضة _ من الجمع بین الصلاتین، وتأخیر صلاةٍ وتعجیل اُخری، یفید کون ذلک لأجل الحدثیة فی البول والدم، فلابد من ملاحظة الاستظهار فیهما، کما یلاحظ فی دم الاستحاضة، فیکون حکم التبدیل هنا کحکم التبدیل فی الاستحاضة.

فما نص علیه جماعة لا یخلو عن قوة.

لکن قد عرفت أنّ الواجب هو نفس التوقی عن خروج الدم أو البول، لا خصوص عمل خاص، الاّ لأجل کونه أسهل للوصول الی المقصود، کما لا یخفی.

فالواجب هنا هو حشو الإحلیل بقطن، وجعله فی خریطة، حتّی یحفظ البول عن التعدی الی سائر البدن، فما یخرج منه بغیر اختیار کان معفوا، لأجل تعذره أو تعسّره عن تحفظه، فیعفی عنه فی الصلاة، مع مراعاة ما یلزم رعایته فی حدث الاستحاضة الجاری فی المسلوس والمبطون، لإشتراک أکثر احکامهما مع أحکام المستحاضة، ولوحدة الملاک فی الموردین .

ص:460

أحکام استحاضة

قال المحقّق قدس سره : وإذا فعلت ذلک کانت بحکم الطاهرة (1).

(1) أی إذا قامت بوظیفتها فی الاستحاضة من القلیلة أو المتوسّطة أو الکثیرة، تصیر کالمرأة الطاهرة فی جمیع الأحکام، فلها ما لها وعلیها ما علیها، بلا خلاف فیه بین الفقهاء، سوی ما ستسمعه من ابن حمزة وعن الشیخ خاصّة بالنسبة إلی دخول الکعبة، حیث قالا بعدم جوازه لها کما سیأتی ذکره ، والإجماع قائم علی منطوق هذه القضیّة الشرطیّة وهی إذا فعلت...، والسؤال المطروح حینئذٍ عن إلخ .

مفهوم هذه الشرطیّة ففیها ثلاث احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أنّ المستحاضة _ بأی قسم منها _ لو أخلّت بوظیفتها _ من تغییر الخرقة أو القطنة، أو من الوضوء فی القلیلة أو المتوسّطة _ لو أوجبناه فی غیر الغداة من الصلوات، أو حتّی فی الغداة، أو من الغُسل فی المتوسّطة للغداة فقط، أو فی الکثیرة فی ثلاث مرّات للصلوات _ هل تکون بحکم الحایض، ویترتّب علیها أحکامها، من حرمة الوطی، والدخول فی المساجد، والجواز عن المسجدین، وحرمة قراءة سور العزائم، وحرمة مسّ المصحف، وبطلان الصلاة والطواف باعتبار منطوق هذا الإجماع القائم؛ بحیث یکون الحکم فی طرفی القضیة منطوقاً ومفهوماً ثابت بالإجماع، کما یظهر ذلک من کلمات بعض الأصحاب ومنهم صاحب الجواهر وغیره من دفع هذا التوهّم من مثل عبارة المصنّف وغیره ممّا یماثلها .

فی أحکام الاستحاضة / المستحاضة بحکم الطاهر لو أتی بما علیها

الاحتمال الثانی: أن یکون المراد من القضیّة الشرطیّة بحسب الظاهر، أنّها مع

ص:461

ما تجب علیها من الأفعال حتّی مثل تغییر الخرقة والقطنة، تکون بحکم الطاهر من کلّ وجه، وحکمها حکم الطاهرة التی لم تتلبّس بشیء من هذا الدم . فمع الإخلال بشیء من ذلک، فلا تکون بحکم الطاهرة من کلّ وجه ؛ وإن جاز لها مسّ کتابة القرآن وقراءة العزائم مثلاً بدون تغییر الخرقة والقطنة، بأن یقال إنّه لیس لنا دلیلٌ علی شرطیّة غیر الصلاة بذلک ، فمع عدم التغییر المذکور لا یجوز لها الصلاة فقط دون غیرها من سائر الغایات إذا أتت بالوضوء والغسل غیر تغییر الخرقة والقطنة .

الاحتمال الثالث: أن یکون المراد من الشرطیّة منطوقاً ومفهوماً أمراً محدوداً، بأن تکون المستحاضة الفاعلة بالوظیفة بحکم الطاهرة فی خصوص الصلاة التی وجبت هذه الأفعال لها، أنّه لا یکون لها استمرار الدم فیها قادحاً بصحّة صلاتها، من دون تعرّض لحال سایر الغایات الخمسة المذکورة، بمعنی کما کان الأمر فی المفهوم أیضاً کذلک ؛ وبالتالی لو أخلّت بالوظیفة ولو بشیء من تلک الاُمور تکون صلاتها باطلة من دون تعرّض لحال غیرها من الغایات ، وأمّا سایر الغایات من جهة المنطوق والمفهوم فهی تابعة إلی دلالة غیر ما ورد فی حقّها بالنسبة إلی الصلاة .

أقول: والذی یظهر من کلام صاحب الجواهر اختیاره للأخیر، حیث قال بعد ذکره للاحتمال الأخیر.

وهذا هو المناسب، کما حُکی من الإجماع ونفی الخلاف، ضرورة کونه بهذا المعنی مفروغاً منه منطوقاً ومفهوماً ، بل لعلّه متیقّن فی عبارة المصنّف والقواعد وما شابهها، للنصّ فیه علی الصلاة الدالّ علی إرادته فی المنطوق .

ثمّ قال فی ذیل کلامه: هذا کلّه إن لم نقل إنّ المراد بالشرطیّة فی عبارات الأصحاب إنّما هو منطوقها خاصّة، لکونه معقد إجماع وأمر متیقّن بالنسبة إلی صیرورتها کالطاهر من غیر نظر إلی المفهوم، وهو کثیراً ما یستعمل فی عبارات الفقهاء ، إلاّ أنّ عبارات الأصحاب فی المقام لا تخلو عن إجمال، لکنّها لا تأبی

ص:462

الانطباق علی بعض ما ذکرنا )(1) .

وقال صاحب «المدارک» : والمراد من کونها بحکم الطاهر، أنّ جمیع ما یصحّ من الطاهر من الاُمور المشروطة بالطهارة، یصحّ منها، فتصحّ صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقاً ویأتیها زوجها إن شاء ، هذا ممّا لا خلاف فیه بین العلماء .

وقال فی «المعتبر» : إذا فعلت ذلک صارت طاهراً ، مذهب علمائنا أجمع أنّ الاستحاضة حدثٌ تَبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتیان بما ذکره من الوضوء إن کان قلیلاً والأغسال إن کان کثیراً، یخرج عن حکم الحدث لا محالة، ویجوز لها استباحة کلّ ما تستبیحه الطاهر من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحلَّ وطیها، وإن لم تفعل ذلک کان حدثها باقیاً، ولم یجز أن تستبیح شیئاً ممّا یشترط فیه الطهارة. ونحوه عبارة «المنتهی» و«التذکرة» .

والتحقیق أن یُقال : إنّه لا إشکال فی وقیام الإجماع علی أنّها إذا عملت بما علیها _ من الوضوء والغُسل وتغییر الخرقة والقطنة وتطهیر ظاهر البدن فی کلّ مورد بحسب مقتضاه _ أصبحت کالطاهرة فی جواز الغایات الخمسة من الاجتیاز من المسجدین والمکث فیهما وفی غیرهما من المساجد وقراءة العزائم ومسّ کتابة القرآن والوطی ، کما أنّها تکون حینئذٍ مکلّفة بالصلاة والصوم والطواف ،حیث یمکن استظهاره من بعض النصوص الواردة فی جواز وطیها بعد ما استحلّت لها الصلاة، وجواز طوافها الملازم مع جواز دخولها فی المسجد الحرام ومکثها فیه ، بل ولا حاجة للاستعانة بتلک النصوص بعد قیام الإجماع علی جواز ترتّب تلک الغایات علیها من التمسّک بإطلاق أدلّة تلک الغایات فی إثبات مشروعیّتها، حتّی یرد علیه بأنّ اشتراطها بالطهارة مانعٌ عن التمسّک


1- الجواهر : ج3 / 352 .

ص:463

بالإطلاق، لاحتیاجه إلی إحراز التمکّن من تحصیل الطهارة ، مع أنّها غیر محرزة .

مع أنّه أیضاً غیر صحیح فی حدّ نفسه ؛ لأنّ المانع هو إحراز عدم التمکّن، ومع عدمه یصحّ الحکم بالبطلان من دون الحاجة إلی إحراز التمکّن منه، وذلک لأنّ تقیید الإطلاق بالتمکّن من الطهارة المستفاد من أدلّة اشتراط تلک الغایات بها یتمّ من خلال دلیل عقلی ولا یخفی أنّه فی تقیید الدلیل العقلی وتخصیصه لابدّ من الاقتصار علی ما أحرز عدم التمکّن، ومع عدم الاحراز یکون المرجع عموم الأدلّة واطلاقها.

بل یمکن أن یُقال بامکان إحراز الشرط من خلال الرجوع إلی العام أو الإطلاق، فیما شکّ فی وجوده، لجواز الرجوع إلیهما فی الشبهة المصداقیّة إذا کان التخصیص أو التقیید لبّیاً .

هذا ، مضافاً إلی أنّه إذا رأینا تنصیص الإمام علیه السلام بجواز الإتیان بما یشترط فیه إحراز التمکّن من الطهارة، مثل الطواف الملازم للدخول فی المسجد الحرام، أوجب ذلک الاطمئنان للفقیه، بارتفاع المانع الذی یمنع عن ترتیب مثل تلک الغایات، لوحدة الملاک بین ما هو مورد النصّ وبین غیره ، فالتمسّک بالإطلاق لعلّه کان لأجل أنّهم فهموا من ذلک بأنّ الملاک فی جواز الرجوع إلی العام أو الإطلاق لیس هو إحراز التمکّن من تحصیل الطهارة، بل یکفی عدم إحراز عدم التمکّن منه فی الأخذ بالإطلاق .

وکیف کان، فالمسألة فی ناحیة المنطوق واضحة لا غبار علیها .

کما لا نقاش فی بطلان الصلاة فیما لو أخلّت بشیء من الأعمال، حتّی فی تغییر الخرقة والقطنة، قضاءً لحکم الشرط من الانتفاء، الانتفاء بلا فرق فیه بین العمد وغیره، إذا لم یقم دلیل علی الصحّة فی الثانی علی خلاف مقتضی الشرط .

هذا کلّه بالنسبة إلی الصلاة فی صورة الإخلال .

ص:464

وأمّا الکلام فی الإخلال بالنسبة إلی سائر الغایات: فقد یُقال بأنّ المعروف _ فیما سوی مسّ المصحف _ هو توقّف جوازها علی الغُسل فقط، ومع الإخلال به لا یجوز ترتّب الغایات الأربعة علی حسب مانسب إلی المشهور . وقد استدلّوا علیه بالإجماع والاستصحاب .

أمّا الإجماع: فقد عرفت تقریبه فی صدر البحث، من قیام الإجماع فی القضیّة الشرطیّة فی کلا طرفیها من المنطوق والمفهوم .

مع أنّه لو کان هذا الإجماع صحیحاً للزم القول بعدم جواز ترتّب الغایات الأربعة حتّی بالإخلال بواحدٍ من الأعمال الواجبة علیها من الغسل والوضوء وتبدیل الخرقة أو القطنة، إن اُرید من الانتفاء عند الانتفاء، انتفاء کلّ ما هو شرط المستلزم لانتفاء المشروط علی نحو نفی الإیجاب الجزئی ؛ لأنّ بانتفاء أحد الشروط ینتفی المشروط ، وهو لا یتناسب مع ما ادّعوه واستدلّوا علیه من عدم ترتیب الغایات الأربع بالإخلال فی خصوص الغسل ، کما أنّ المسّ یتوقّف علی الوضوء والغُسل معاً، لاشتراط جوازه بالخلو عن الحدثین ، فمع الإخلال بأحدهما لا یجوز المسّ.

بل قد یرد فیه أیضاً إنّه یصحّ المسّ إذا أخلّت بخصوص تغییر الخرقة والقطنة.

ودعوی دخالة مثلها فی جوازه یحتاج إلی دلالة دلیل .

فإثبات کلّ هذه الاُمور فی ناحیة المفهوم، المستلزم للاخلال بالإجماع، لا یخلو عن إشکال، خصوصاً بعد ملاحظة الاضطراب والإجمال فی معاقد جماعاتهم ، وغایة ما یستفاد منها الإیجاب الجزئی، وحرمة بعض ما یحرم علی الحائض علی المستحاضة لا کلّها، کما یشهد له کلام المحقّق فی «المعتبر» فی ناحیة الإخلال حیث یقوله : «ولو لم تفعل ذلک کان حدثها باقیاً ولم یجز أن تبیح شیئاً ممّا یشترط فیه الطهارة» .

ص:465

مع أنّه قدس سره قائل بجواز وطیها، ولو لم تفعل بما علیها من الأغسال الصلاتیّة، فیستکشف منه أنّه رحمه اللّه لا یقصد دعوی قیام الإجماع علی مفهوم القضیّة مطلقاً، وإلاّ کیف یخالف نفسه فی حکمه بجواز الوطی مع الإخلال بالأغسال ؟!

مضافاً إلی أنّ المستفاد من ذیل کلامه حیث یقوله : «ممّا یشترط فیه الطهارة لا یجوز» ، إخراج مثل الوطی حیث لا یکون ممّا یشترط فیه الطهارة .

اللّهمَّ إلاّ أن یستفاد شرطیّة الطهارة فیه بمعنی الإباحة ممّا ورد فی النص علی جواز وطیها، بعدما استحلّت لها الصلاة، حیث لو لم تکن الطهارة من هذا الدم شرطاً لما کان لقوله بالاستحلال لها إذا استحلّت لها الصلاة وجهاً وجیهاً کما لا یخفی . وبالجملة: فثبت عدم وجود إجماع فی طرف النفی والإخلال .

وأمّا تقریب الاستصحاب: بأن یقال إنّ الاستحاضة حیث کانت مسبوقة بالحیض، وکانت تلک الاُمور محرّمة علیها فی حال حیضها، وبعد انتقال حالها إلی الاستحاضة، یشکّ فی بقاء تلک الحالة السابقة، فیستصحب فیها.

هذا، فیما إذا کانت مسبوقة بالحیض .

وأمّا فی غیر المسبوقة، فتلحق بالمسبوقة به لعدم القول بالفصل ، هذا .

أقول: ویرد علی هذا الاستصحاب فی المسبوقة، بأنّه غیر جارٍ هنا، لأنّ اسراء الحکم من الحایض إلی المستحاضة، یکون من قبیل اسراء حکمٍ من موضوعٍ إلی موضوع آخر بالنظر إلی العرف، وکذا بالنظر إلی لسان الدلیل لوضوح الفرق بینهما فرقاً فاحشاً کتغایرهما عقلاً ، وفیه تأمّل کما لا یخفی .

کما أنّه لو سلّمنا الاستصحاب فی المسبوقة، ولکن قیل إنّه لا یمکن اسراءه فی غیر المسبوقة لعدم القول بالتفصیل، لأنّه إنّما یصحّ ذلک فی الحکم الواقعی القائم علیه الدلیل فی الحکم الظاهری .

هذا کما فی «مصباح الهدایة» للآملی ، وأراد من الحکم الظاهری، الحکم

ص:466

الثابت من الاُصول ؛ حیث ادّعی أنّه فی مثله لا مجال بحریات قاعدة القول بعدم الفصل .

وفیه: دعوی اختصاصه بالحکم الواقعی غیر ثابتة، وتحقیقها موکول إلی محله فی الاُصول .

وبالجملة، فالأقوی عندنا أن یقال فی طرف المنطوق بأنّه لا إشکال فی کونها بحکم الظاهر فی ترتیب جمیع الغایات بدلیل الإجماع وبما هو المستفاد من الأدلّة کما أشرنا إلیه .

وأمّا من جهة امتناعها من القیام بجمیع ما یجب علیها، فیکون حکمها علی حسب ما تقتضیه تلک الغایة من رفع ذلک المانع إذا فرضنا عدم دخول المفهوم تحت معاقد الإجماعات ، فلازم ذلک أنّه لو أخلّت بالأغسال لما جاز لها دخول المساجد والاجتیاز عن المسجدین وقراءة العزائم ومسّ المصحف والوطی، إن قلنا بممنوعیّة ذلک للمستحاضة الکثیرة والمتوسّطة .

وأمّا لو قامت بأتیان الأغسال بحسب ما تجب علیها ذلک، وأخلّت بخصوص الوضوء، لها تلک الاُمور إلاّ المسّ، حیث یجب فیه الخلوّ عن الحدثین ولا یحصل ذلک إلاّ بالغسل والوضوء .

وأمّا لو أخلّت بتغییر الخرقة والقطنة دون الغُسل والوضوء، جاز لها جمیع تلک الغایات، حتّی مسّ المصحف، بخلاف الصلاة حیث لا یجوز لها القیام بها بدون التغییر، بل وبدون غَسل الظاهر من البدن ؛ لأنّ فقد هذه الاُمور إمّا شرط لها أو وجودها مانع لها دون غیرها من الغایات .

والنتیجة: إنّ المستحاضة المخلّة بواجباتها لا تعدّ کالحائض، ودعوی الحاقها به (ممّا لا ینبغی الالتفات إلیه) کما صرّح بذلک صاحب الجواهر.

وخلاصة الکلام: ظهر من جمیع ما ذکرنا، أنّ المستحاضة المتوسّطة والکثیرة لا یجوز لها الدخول فی المسجدین، والمکث فی المساجد، وقرائة العزائم قبل

ص:467

الإتیان بالأغسال کما هو المشهور بین الأصحاب، کما ورد التصریح بذلک فی موضع من «المصابیح» کما قال، فی موضع آخر، قد تحقّق أنّ مذهب الأصحاب تحریم دخول المساجد وقراءة العزائم علی المستحاضة قبیل الغسل، ثمّ نقل أقوال المخالف لذلک ، وقال أخیراً : «ولا ریب فی شذوذ هذه الأقوال» .

وعن «شارح النجاة» الإجماع علی تحریم الغایات الخمس علی المحُدِث بالأکبر مطلقاً عدا المسّ ، بل ویستفاد ذلک من «الغنیة» و«المعتبر» و«التذکرة» کما تقدّم الإشارة إلیه .

هذا کلّه فی القول بالحرمة مع عدم الغسل .

وفی مقابل ذلک التزم جماعة من الأصحاب علی جواز الدخول لها بدون الأفعال، کما علیه صاحب «الریاض» تبعاً لصاحب «المدارک» و «الذخیرة» و«شرح المصابیح» و«مجمع البرهان»، وعن «روض الجنان» ناسباً له إلی «الدروس» وأنّه أطلق الجواز .

وربما استدلّ لذلک بخبر محمّد وفضیل وزرارة جمیعاً عن أبی جعفر علیه السلام : «أنّ أسماء بنت عمیس حملت بمحمّد بن أبی بکر، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله حین أرادت الإحرام من ذی الحُلیفة أن تغتسل وتحتشی بالکرسف وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا ونسکوا المناسک سألت النبیّ صلی الله علیه و آله عن الطواف بالبیت والصلاة ، فقال لها : منذ کم ولدت؟ فقالت : منذ ثمانی عشرة ، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله أن تغتسل وتطوف بالبیت وتُصلّی ولم ینقطع عنها الدم ففعلت ذلک(1) .

أقول: هذه الروایة لا تدلّ علی جواز دخول المستحاضة فی المسجد الحرام، أو غیره بدون الغسل، لأنّک قد رأیت من أمره صلی الله علیه و آله بأسماء بنت عمیس


1- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 19 .

ص:468

بالاغتسال والاحتشاء للاهلال بالحج فی ذی الحلیفة باعتبار مسجدها، کما أمرها بالاغتسال لدخول مسجد الحرام للطواف والصلاة ، مضافاً إلی دلالته علی جواز إدخال النجاسة المسجد.

فی أحکام الاستحاضة / وطی المستحاضة

اللّهمّ إلاّ أن یرید الاستدلال بالخبر بناءً علی أنّ الاغتسال فی الموردین کان للإحرام فی الأوّل والطواف والصلاة فی الثانی لا لدخول المسجد، فکأنّه یدلّ علی جواز الدخول بلا غسل لولا الإحرام والطواف والصلاة ، هذا .

وفیه: الإنصاف عدم تمامیّة هذا الاستدلال، لإمکان کون الاغتسال لمثل الإحرام أو الصلاة أو الطواف کافیاً فی صدق جواز الدخول مع الغسل، ولا ینافی ذلک مع وجوب الاغتسال للدخول لولا تلک الاُمور ، فإثبات جواز الدخول بلا غسل مع الروایة المذکورة لا یخلو عن إشکال .

لکن الإنصاف کون الدلیل علی توقّف جواز الدخول فی المساجد أو الاجتیاز والمکث فی المسجدین أو المساجد، وجواز قراءة العزائم علی الغُسل هو المشهور بین الأصحاب علی نحو تکون شهرتهم معتضدة مع أخبارٍ دالّة علی الجواز مع الغُسل، لو لم نقل بدعوی قیام الإجماع، علیه کما أشار إلیه العلاّمة الطباطبائی فی «المصابیح»، تبعاً للآخرین مثل «شارح النجاة»، والمحکیّ عن «حواشی التحریر» ، وبذلک یخرج عن مقتضی الأصل الشرعی الدال علی الجواز مع الشکّ فی المنع لکونه شکّاً فی التکلیف، فیکون مجری أصل البراءة الشرعیّة بمقتضی قوله : «رفع ما لا یعلمون» وکذلک البراءة العقلیّة بمقتضی قاعدة قبح العقاب بلا بیان ؛ لإمکان کفایة ما ذکرناه دلیلاً علی المنع، خصوصاً مع ملاحظة من لم یقل بمقالة صاحب «الجواهر» من عدم حجّیة کلّ ظنّ حصل للمجتهد، فضلاً عن أنّ ما ذکرناه یعدّ موافقاً للاحتیاط، فلا یترک لا فی الدخول ولا فی قراءة العزائم، وإن لم نسلّم قیام الإجماع علی أنّ من أخلّت بالأفعال تکون

ص:469

کالحایض فی جمیع الخصوصیّات، حتّی یستلزم منه القول بلزوم تحصیل الوضوء للمستحاضة للدخول فی المسجد وقراءة العزائم، کما یظهر دعوی ذلک من العلاّمة الطباطبائی فی «المصابیح» علی ما نسب إلیه صاحب «الجواهر» .

نعم ، یجب علیها الغسل والوضوء للمسّ المصحف، لأنّ دم الاستحاضة حدثٌ إجماعاً، بل حدث کبیر فی المستحاضة المتوسّطة والکثیرة وحدث صغیر فی القلیلة ، للمحدث بالأکبر والأصغر .

بقی فرع: البحث عن حکم جواز الوطی وتوقّفه علی الأفعال : اعلم أنّ الأقوال فیه متعدّدة ، فلا بأس بذکرها وذکر أدلّتها، وما یرد علیها، حتّی یتّضح الحال، ویختار ما فیه حسن المقال : القول الأوّل : وهو المنسوب إلی «الموجز» و«التحریر» و«البیان» و«مجمع البرهان» و«المدارک» و«الکفایة» من القول بالإباحة، بلا کراهةٍ فی الفعل ولا رجحانٍ فی الترک، من دون توقّف علی شیء ممّا یجب علی المستحاضة للصلاة من الوظائف .

واستدلّ له بالأصل وهو البراءة والإباحة، وبعمومات الأدلّة الواردة فی حلّیة وطی الزوجة وملک الیمین کقوله تعالی : «وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ»(1) .

وبما ورد فی بعض الأخبار من الترغیب والتجویز للوقاع إلاّ فی حال الحیض، مثل ما فی روایة معاویة بن عمّار من قوله علیه السلام: «وهذه یأتیها بعلها إلاّ فی أیّام الحیض»(2) .

ونحوه غیره من الأخبار ؛ مثل ما ورد فی خبر ابن سنان من قوله علیه السلام :


1- سورة البقرة : آیة 222 .
2- وسائل الشیعة : الباب 24 من أبواب الحیض، الحدیث 1 .

ص:470

«ولا بأس أن یأتیها بعلها متی شاء إلاّ فی أیّام حیضها» .

ولکن یرد علیه .

أمّا الأصل: فلا وجه له مع وجود دلیل اجتهادی من النصوص .

وأمّا العمومات: فلابدّ من تخصیصها بما سیأتی من الدلیل الدال علی جواز الوطی مع التوقّف علی الأفعال التی سیأتی الإشارة إلیها، حیث أن تلک الأدلّة علی هذه العمومات بالأظهریّة ، وبذلک یجاب عن الاستدلال بالآیة حیث أنّ الحکم بجواز المقاربة بعد الطهارة یکون بصورة الإطلاق ، فنقیّده بمن قامت بالأفعال المفروضة علی المستحاضة.

مضافاً إلی أنّ تجویز المقاربة فی الآیة کان ناظراً إلی حیث ما کان حراماً لأجله، وهو الحیضیّة، فلا ینافی عدم جوازه مع حالة اُخری مثل الاعتکاف والصوم والاستحاضة إذا وجبت علیها الغُسل، فیتوقّف جوازه فی مثل هذه الموارد علی رفع المانع عنها، وهو فی المستحاضة لا یتحقّق إلاّ من خلال قیامها باتیان ما علیها من الوظائف .

ولعلّ الوجه فی استفادة الجواز بلا کراهة ولا رجحان فی الترک هو ملاحظة الأمر بالإتیان بقوله تعالی : «فَأْتُوهُنَّ» .

ولکن یمکن أن یُجاب عنه: بأنّ الأمر فی مقام حیث وقع عقیب الخطر، کما لا یدلّ علی الوجوب، کذلک لا یدلّ علی نفی الکراهة ورجحان الترک، بل غایته الدلالة علی أصل الجواز فی قبال الحرمة، أی لا تکون المقاربة حینئذٍ حراماً، فلا ینافی مع کونه جائزاً مع الکراهة . وعلیه، فالاستدلال بالآیة علی الجواز بلا کراهة ولا رجحان فی الترک، لیس بسدید .

بل قد یمکن أن یجاب عن خبر عبد اللّه بن سنان ومعاویة بن عمّار، بإمکان أن یکون معنی قوله علیه السلام : «متی شاء» بالنظر إلی عدم وجود المانع لها من حیث

ص:471

الحیضیّة لا مطلقاً ، ولذلک تری أنّه لا ینافی مع عدم جواز المقاربة فی بعض الحالات کالاعتکاف أو الصوم ، فکذلک الاستحاضة إذا وجبت علیها الوظائف .

فإن قیل(1): إنّ هناک روایة تفید الجواز، وهی موثّقة زرارة، حیث ورد فیها قوله علیه السلام : «فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها لیغشاها».

بناءً علی أن المراد من الحلّ هو الجواز بالمعنی الشامل للوجوب فیما یقابل الحرمة لا الصحّة فی مقابل الفساد.

قلنا: إنّ الدعوی المذکورة ممنوعة، لوضوح أنّه لا یدلّ إلاّ علی عدم لزوم الإتیان بالأفعال مستقبلاً، بعد إتیانها للصلاة، من دون تعرّض لصورتی الفصل بینها وبین الصلاة وعدمه، وهو غیر مدّعی الخصم من الجواز بدون الإتیان بها للصلاة أیضاً، فلا دلالة فیها علی النفی .

واستدلّوا للجواز أیضاً: بأولویّة جواز وطئها عن وطی الحایض بعد النقاء وقبل الاغتسال .

وفیه: إنّ القیاس مع الفارق، لأنّ الحائض بعد انقطاع دمّها تکون عاریة عن الدم والحدث إلاّ بقاء الحدث السابق، بخلافه هنا حیث أنّ الدم والحدث موجودان حال الوقاع، فجوازه بلا غسل وغیره یحتاج إلی دلیل یدلّ مفقود فی المقام، فضلاً عن وجود دلیلٍ علی عدم الجواز، کما سنشیر إلیه لاحقاً .

القول الثانی: هو الجواز من دون توقّف علی شیء لکن مع کراهته أو رجحان ترکه ، فمع الإتیان بالوظائف یخرج عن الکراهة ورجحان الترک.

وفیه: أمّا الجواز فقد عرفت الجواب عن أدلّته آنفاً.

وأمّا عن الحمل علی الکراهة أو الاستحباب، فمنوط علی عدم کون الأدلّة علی الحرمة تامّة الدلالة، وإلاّ لا وجه لذلک الحمل مع إمکان حفظ ظاهر الدلالة علی الحرمة، کما لا یخفی ، إذ النسبة بین الادلّة الدالّة علی الجواز والأدلّة الدالّة

ص:472

علی المنع هو الإطلاق والتقیید، ومقتضی الصناعة تقیید الإطلاق لا إبقائه علی إطلاقه، وحمل المقیّد علی الاستحباب أو الکراهة، إذ هو مقتضی تقدّم الأظهر علی الظاهر، کما هو واضح .

القول الثالث : القول بتوقّف الجواز علی تمام الأفعال ممّا یستباح بها الصلاة لها من هذا القول الوضوء، والغُسل، وغَسل الفرج، وتغییر القطنة والخرقة مع التلوّث ؛ وقد نُسب هذا القول إلی المشهور تارةً ، وإلی ظاهر الأصحاب اُخری .

وقد استدلّوا _ أو یمکن أن یُستدلّ به _ اُمور :

منها : الإجماعات المحکیّة علی أنّها إذا فعلت ما علی المستحاضة للصلاة، حلّت لها کلّ ما حرّم علیها للحیض ؛ بناءً علی القول بالمفهوم، بأنّه إذا أخلّت بها حرم علیها ما حرم للحایض ومنه الوطی .

وفیه: قد عرفت منّا سابقاً فی صدر البحث عدم وجود إجماع دالّ علی هذا الجامع خاصّة مع الاختلاف فی تعابیر القوم ، فاستفادة المنع بصوره السابقة الکلیّة ممنوعة ، بل غایته علی نحو السالبة الجزئیة مع أنّه کیف یمکن دعوی ذلک، مع القطع بعدم إرادة شرطیّة الوضوءات الواجبة فی الاستحاضة فی الصغری وغیرها وتغییر القطنة والخرقة والاستثفار فیها .

مضافاً إلی أنّ جواز الوطی غیر مشروط بالطهارة من الحدث الأکبر فضلاً عن الأصغر ، ولذا یجوز القیام بذلک فی حال الجنابة، وفی حال النقاء عن دم الحیض قبل الاغتسال مع بقاء حدث الحیض .

وبالجملة: فدعوی الإجماع هنا غیر مسموع ، بل مردودة .

ومنها : استصحاب الحرمة الثابتة فی حال الحیض، لو کانت الاستحاضة مسبوقة به .

وفیه: هذا الدلیل أیضاً فهو أیضاً مردود بما عرفت جوابه فیما سبق من تبدّل

ص:473

الموضوع فیه عرفاً ودلیلاً، فلا یمکن التمسّک به هنا ، فلا نعیده .

ومنها : الأخبار الکثیرة التی تمسّکوا بها لذلک.

الخبر الأوّل: وهو حدیث البصری، عن الصادق علیه السلام : «عن المستحاضة أیطأها زوجها، وهل تطوف بالبیت...»(1).

إلی أن قال : «وکلّ شیء استحلّت به الصلاة فلیأتها زوجها ولتطف بالبیت» .

الخبر الثانی: حدیث فضیل وزرارة، عن أحدهما علیهماالسلام فی حدیث : «فإذا حلّت لها الصلاة، حلَّ لزوجها أن یغشاها»(2) .

حیث علّق علیه السلام حلّیة الوطی علی حلّیة الصلاة، وهی لا تحلّ إلاّ بالأفعال ، فکذا یکون فی الوطی .

الخبر الثالث: صحیحة محمّد بن مسلم المرویّة فی «المعتبر» عن کتاب المشیخة للحسن بن محبوب فی الحائض ، إلی أن قال بعد بیان إمساک القطنة وعدم انقطاع الدم والحکم بالجمع بین الصلاتین بغسل .

«قال : ویصیب منها زوجها إن أحبّ وحلّت لها الصلاة.

بناءً علی أن قوله علیه السلام : «وحلّت لها الصلاة» عطف علی قوله : «أحبَّ» حیث یصبح مدخولاً لکلمة إذا وشرطاً لقوله : «ویأتیها زوجها» .

الخبر الرابع: صحیح صفوان بن یحیی، عن أبی الحسن علیه السلام ، فی حدیثٍ بعد السؤال عن المرأة إذا مکثت عشرة أیّام تری الدم ثمّ طهرت، فمکثت ثلاثة أیّام طاهراً، ثمّ رأت بعد ذلک الدم ؛ تُمسک عن الصلاة؟

«قال : لا ، هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بین


1- وسائل الشیعة: الباب 1، من أبواب الاستحاضة، الحدیث 8، 12 .
2- وسائل الشیعة: الباب 1، من أبواب الاستحاضة، الحدیث 8، 12 .

ص:474

الصلاتین بغُسل ویأتیها زوجها إن أراد» .

قیل فی الجواب فی «مصباح الهدی» بما خلاصته: بأنّه یمکن أن یُجاب عن خبری فضیل وزرارة والبصری بأنّه بالرغم من أنّ ظاهرهما تعلیق حلّیة الوطی علی حلیّة الصلاة، لظهور کلمة الفاء فی خبر البصری بقوله : «فلیأتها» ، وأداة الشرط وهی (إذا حلّت) فی الثانی ، إلاّ أنّ الکلام فی المراد من الحلّیة، وهل المقصود منها الحلّیة الفعلیّة من جمیع الجهات، أو الحلّیة بالنظر إلی ما کانت حالها قبل ذلک، من حیث کونها حایضاً وانتقلت إلی الاستحاضة، حیث قد أحلّت لها من تلک الناحیة کما کانت حراماً لها قبل ذلک، من دون نظر إلی الحلّیة من حیث ما هو شرط للحلّیة ولو من ناحیة اُخری، مثل کونها فی المسجد أو فی حال الاعتکاف والصوم وغیرها .

فعلی هذا التقدیر لا یستفاد منه کون حلّیة الوطی موقوفاً علی ما أتی بها للصلاة، بحیث لو أخلّت بواحدة منها لما حلّ لها الوطی .

وفیه: ولا یخفی ما فی هذا الجواب ؛ لوضوح أنّه لو سلّم دلالته علی الحلّیة من ناحیة الانتقال إلی الاستحاضة، بأتیانها لتلک الوظائف لیثبت نظر المستدلّ به، لأنّه لم یقصد بکللامه المذکور إلاّ إثبات توقّف الحلّیة للوطی علی تلک الوظائف ، فلابدّ أن یوجّه کلام المجیب بأنّ التعلیق لا یثبت إلاّ کون هذا الفرد من الإتیان بالوظائف محلّلاً للوطی .

وأمّا إثبات انحصار ذلک فی الحلّیة، بحیث لو أخلّت بواحد منها لما جازت لها الوطی فغیر معلوم ، بل یعلم عدمه بملاحظة بعض الروایات التی سنشیر إلیها لاحقاً. وهذا الجواب حلّی.

أمّا النقض: فقد یجاب عن الأخبار بجواب نقضی: بأنّه إن اُرید من الحلّیة الحلّیة الفعلیّة، بمعنی أنّه لو قامت باحضار ما علیها من الواجبات، جاز لها الصلاة

ص:475

بعدها عند دخول وقت الصلاة الثانیة واللاحقة، ومع ذلک لا یجوز وطیها ؛ لعدم حلّیة الصلاة اللاحقة فعلاً، إذ کان علیها القیام بتجدید الأفعال المذکورة، والحال أنّ هذا الحکم مناف لما علیه الأصحاب من الالتزام بأنّها إذا فعلت ما علیها کانت بحکم الطاهرة .

وفیه: إنّ الأفعال التی لها دخلٌ فی حلّیة الوطی یحاسب فی کلّ صلاة بحسب وقت تلک الصلاة، فکأنّها إذا فعلت ما علیها حلّت لها الصلاة فی ذلک الوقت بالخصوص، وکذلک یجوز وطیها، قبل الصلاة لو لم یخلّ هذا المقدار من الفصل ، مع أنّه إذا تحقّق الوطی قبل الصلاة وجب علیها غُسل الجنابة ، وأمکن القول بکفایته عن غسل الاستحاضة، فتصبح کمن أعاد ما وجب علیها، أو أتی بالوطی بعد الصلاة بلا فصل فی ذلک الوقت .

وأمّا إذا مضت وقت تلک الصلاة، ودخل فی وقت صلاة اُخری، وجب علیها وظائف اُخری مع استمرار الدم، ویعدّ ذلک تکلیفاً آخر للصلاة والوطی، وبالتالی فلا یعدّ نقضاً لما سبق، کما لا یخفی .

هذا ، إذا فرض الصلاتین غیر مترتّبتین، إذ فیهما یجمع بینهما بغُسل واحد فلا یلاحظ فیهما الوقتان المتفاوتان حتّی یقال بجواز الوطی فیما بینهما وعدمه.

وهذا بخلاف ما بین هذین مثل الظهرین وبین العشائین حیث أنّ الوقت فیهما متّسعٌ ، ففی مثله لا إشکال فی جواز الوطی فی البین، إذا قامت بأتیان ما یجب علیها للصلاتین إلی أن تبلغ إلی الوقت المخصّص للعشائین، وهو واضح .

والحاصل فی الجواب عن الخبرین المذکورین: أنّهما لا یثبتان انحصار حلّیة الوطی لمن أتی بما یجب علیها فقط ، بل غایته إثبات الحلّیة فی هذا الفرض قطعاً، فلا ینافی ذلک جوازه فیما إذا أخلّت بتغییر القطنة أو غسل الفرج أو الوضوء ، کما ستأتی الإشارة إلیه .

ص:476

هذا ما یتعلّق بالجواب عن الخبرین المذکورین .

وأمّا الجواب عن خبری صفوان وابن مسلم: فإن الأمر فیهما أوضح من الخبرین السابقین، لعدم وجود تعلیق فیهما ، وقوله علیه السلام : «ویأتیها زوجها» إن قصد أنّه لا یفهم منه إلاّ جواز وطیها حینئذٍ قطعاً، فهی إمّا جملة مستأنفة لبیان حکم المستحاضة، أو معطوفة علی الجملة السابقة ، وعلی کلا التقدیرین لا یدلّ علی التعلیق ولا یتوهّم منه إلاّ من جهة تعقیب ذکره عن ذکر الوظائف ، وعطفه بالواو، مع أنّ العطف بالواو لا یدلّ علی الترتیب ، مع أنّ خبر ابن مسلم خالٍ عن الترتیب الذکری أیضاً .

وبالجملة: فإثبات مدخلیّة لزوم الإتیان بالوظائف فی حلّیة الوطی أیضاً لا یخلو عن ضعف، خصوصاً مع القطع بعدم دخالة بعضها فی الحلیّة المذکورة کتغییر القطنة وغَسل الفرج، کما لا یخفی ، فإنّما هذا القول بالدلیل لا یخلو عن تأمّل برغم کونه منسوباً إلی الشهرة کما عرفت .

القول الرابع : القول بتوقّف جواز الوطی علی الوضوء والغُسل خاصّة دون غیرهما ممّا یجب علی المستحاضة .

وهذا القول منسوبٌ إلی ظاهر «المبسوط» و«نهایة الإحکام» ، وقد استدلّ له بخبر إسماعیل بن عبد الخالق المروی عن الصادق علیه السلام فی حدیث .

«قلت : یواقعها زوجها ، قال علیه السلام : إذا طال بها ذلک فلتغتسل ولتتوضّأ ثمّ یواقعها إن أراد»(1) .

وفیه أوّلاً: وهذا الخبر برغم أنّه یعدّ من أظهر الروایات فی دلالته علی لزوم الغُسل والوضوء قبل المواقعة، وعدم انجباره بالشهرة والإجماع لندرة القائل به،


1- وسائل الشیعة : الباب 1 من أبواب الاستحاضة ، الحدیث 15 .

ص:477

خصوصاً بالنسبة إلی الوضوء، حیث لا یکون الوطی ممّا یشترط فیه الطهارة عن الحدث الأکبر، فضلاً عن الأصغر، لما ثبت من جواز وطی المرأة حتّی مع جنابتها، أو فیما إذا کانت محدثة بحدث الحیض، إذا کان بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال .

وثانیاً: إنّه مشتمل علی ما لا یقول به الخصم أیضاً، وهو التزامه ذلک إذا طال الزمان الظاهر فی کون الاغتسال والوضوء لخصوص الوطی لا للصلاة.

والحمل علی ما إذا أخلّت ببعض الأفعال السابقة أو کلّها بعیدٌ ، فلا جرم من القول بالاستحباب، حتّی لا یدخل تحت قولٍ قام الإجماع علی بطلانه، إذ لم یقل أحد بوجوبهما لخصوص الوطی إذا أتت بالأفعال للصلاة ، مع أنّک قد عرفت فی صدر البحث من دعوی إجماع الأصحاب علی أنّها إذا قامت بأتیان ما علیها من الوظائف المذکورة کانت بحکم الطاهرة، ویجوز لها کلّ شیء حتّی الوطی ما لم یخرج عن الوقت الذی قد أتی بها فیه للصلاة ، فحمله علی الاستحباب بالتکرار لأجل الوطی إذا وقع الفصل بین الأفعال وبین الوطی بطول الزمان، ممّا لا یستنکره الاعتبار، بل هو موافق للاحتیاط أیضاً عملاً بمقتضی هذا الحدیث .

القول الخامس : القول بتوقّف جوازه علی الغُسل فقط لا ما عداه من الوضوء وغیره ، وهذا هو المشهور بین المتأخّرین، کما فی «العروة» و«حواشیها» من أصحاب التعلیق، تبعاً لظاهر الصدوقین فی «الرسالة» و «الهدایة» .

وعن «جامع المقاصد» المیل، إلیه بل القول به، والاعتراف بأنّ الخلاف لیس إلاّ فیه، وأنّ المراد من الأفعال فی عبارات الفقهاء هو الأغسال إذ لا تعلّق للوطی بالوضوء ، بل عن «المنتهی» اختیاره وإسناده إلی ظاهر الأصحاب، وهو المختار عند الشیخ الأعظم فی «کتاب الطهارة».

بل یمکن الاستدلال له ببعض الأخبار: منها : ما فی خبر مالک بن أعین فی

ص:478

النفساء المرویّ عن الباقر علیه السلام ، فی حدیث.

«ثمّ تتطهّر بیوم فلا بأس، بعد أن یغشاها زوجها، یأمرها فلتغتسل ثمّ یغشاها إن أحبّ»(1) .

أقول: إنّ ظاهر الحدیث یدلّ علی أنّ الأمر بالغُسل لأجل الوطی، أو لما یشترط اتیانه الطهارة .

وما فی «الجواهر»: «مع أنّ الجملة الخبریة ظاهر فی کون الغُسل عن حدث الحیض ، فیتّجه حینئذٍ حمله علی الاستحباب لما تقدّم فی محلّه کخبره الآخر ، ولا دلالة فیه علی کون الغسل غسل الاستحاضة».

لا یخلو عن نقاش، لوضوح أنّ الجملة بالنسبة إلی الغُسل جملة أمریة لا جملة خبریة ، إلاّ أنّ أمره لها بالغُسل من قبیل الأمر ، بالأمر ولعلّه أراد من الجملة الخبریة هذا المعنی.

هذا فضلاً عن أنّ فی دلالة ذلک علی الوجوب وعدمه خلاف، وتحقیقه موکول إلی علم الاُصول ، ولکنّه آکد فی الوجوب .

أمّا کون الغُسل غُسل الحیض لا الاستحاضة فممنوع.

أوّلاً : بإمکان کونه للاستحاضة لا الحیض، بقرینة استظهار یوم حیث یشعر أنّه قد أتت بغسل الحیض قبل الاستظهار ثمّ تستظهر .

وثانیاً: لو سلّمنا عدم إتیانه قبیل ذلک،فیمکن أن یکون الغُسل لهما بالتداخل.

وثالثاً: قد عرفت ماتقدّم من جواز الوطی بعد النقاء قبل الغُسل عن الحیض.

بل قد یظهر من خبر آخر مرویّ عن مالک بن أعین، عن الباقر علیه السلام فی حدیث : «ولا یغشاها حتّی یأمرها فتغسل، ثمّ یغشاها إن أراد»(2) .


1- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 4 .
2- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الاستحاضة ، الحدیث 1 .

ص:479

إنّه یتکرّر بتکرّر الوطی ولعلّ مراد صاحب «الجواهر» من الجملة الخبریة هذه الروایة دون السابقة ، وقد عرفت أنّ الجملة الخبریة تکون آکد فی الدلالة علی الوجوب من غیرها ، فحینئذٍ قد یستفاد من هذه الروایة وجوب تکرار الغُسل بتکرار الوطی حیث یمکن ذلک من النفی والإثبات فی قوله علیه السلام : «ولا یغشاها حتّی یأمرها فتغتسل» .

وبالجملة: فإنّ التدبّر فی هذه الروایة والروایة السابقة یوصلنا إلی الأمر بالاغتسال إنّما هو لأجل جواز الوطی فی الاستحاضة دون الحیض .

کما یدلّ علی ذلک أیضاً ما جاء فی مضمرة سماعة، فی حدیث.

«وإن أراد زوجها أن یأتها فحین تغتسل ، الحدیث»(1) .

حیث تدلّ علی أنّ جواز الوطی یکون حین تغتسل .

فی أحکام الاستحاضة / تجدید وضوئها لکلّ مشروط بالطهارة

نعم، حمله صاحب «الجواهر» بعدم الکراهة، لکنّه لا یوجب رفع الید عن ظهورهما فی کون الجواز ثابت فی هذا الظرف بأیّ معنی کان .

وخلاصة الکلام: لولا الأخبار الدالّة علی کفایة الأغسال للصلاة علی جواز الوطی، لکان مقتضی هذه الأخبار لزوم الإتیان بالغُسل لخصوص الوطی، فمقتضی الجمع بین تلک الأخبار مع هذه الأخبار، جواز الاکتفاء بالأغسال للصلاة للوطی أیضاً إذا لم یأت بالوطی مستقلاًّ، وإلاّ فإنّ علیها الإغتسال لخصوص الوطی مستقلاًّ، وإن کان الأحوط هو الإتیان بالغُسل للوطی أیضاً، حتّی مع الإتیان بالغسل للصلاة، کما نسب ذلک إلی المشهور، فی قبال قولٍ ثالث یری بأنّ الغسل مفروض لخصوص الصلاة فقط، ویباح به الوطی أیضاً تبعاً، وإن کان الأحوط من جمیع ذلک هو الإتیان بجمیع الأفعال للوطی، کما یأتی بها


1- وسائل الشیعة : الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 6 .

ص:480

للصلاة، خصوصاً فی مثل مسّ کتابة القرآن، حیث أنّ قیامها بأتیان جمیعها أحسن، بل الأحوط منه ترک المسّ مطلقاً ، واللّه العالم .

فذلکة: ظهر ممّا ذکرنا أنّ المستفاد من کلمات الأصحاب فی المستحاضة، أنّها إذا فعلت ما علیها تکون بحکم الطاهر، بلا خلاف ظاهر فی جواز الإتیان بجمیع ما یشترط فیه الطهارة، من الصلوات _ فرضها ونفلها والصوم الواجب والمندوب، ومسّ کتابة القرآن، واجتیاز المسجدین، والمکث فیهما وفی غیرهما من المساجد، وقراءة العزائم، لأنّها نتیجة کونها بحکم الطاهر التی قد عرفت وجود الاتّفاق منهم علیه ، وهذا ممّا لا إشکال فیه .

وعلیه یأتی البحث فی أنّه کما ثبت أنّ علیها تجدید الوضوء لکلّ صلاة من الفریضة والنافلة فی المستحاضة بأی قسم کان، فهل یجب علیها تجدیده لکلّ مشروط بالطهارة غیر الصلاة، کالطواف، ومسّ کتابة القرآن الواجبین ، بل حتّی فی المندوبین إن أراد الإتیان بهما، إذا لم نقل بالممنوعیّة فی عدم الضرورة، لأجل کونها دائمة الحدث.

أو لم یجب علیها التجدید، بل یجوز لها الاکتفاء بوضوء واحد للجمیع.

قولان : فمن «مصابیح» العلاّمة الطباطبائی قدس سره بعد ذکر کلامهم المذکور فی صدر المسألة، قال : «قضیّة ذلک، عدم تجدید الوضوء والغُسل لغیر الصلاة من الغایات ... إلی أن قال : وینبغی القطع به علی القول بجواز فصل العمل عن الوضوء والغُسل، ومن البعید وجوب إعادة الغُسل علیها لصلاة الطواف بعد الغُسل للطواف ، ومن المعلوم عدم جوب استقلال دخول المساجد بغُسل غیر غُسل الطواف ، وکلام الأصحاب غیر محرزٍ فی هذا المقام ، فتدبّر»(1) .


1- الجواهر : ج3 / 362 .

ص:481

وعلّق علیه صاحب «الجواهر»:

قلت : لا ینبغی الإشکال فی ظهور عبارات الأصحاب بعدم وجوب تجدید شیء من ذلک علیها، بعد فرض محافظتها علی ما وجب علیها من الأفعال للصلاة، لأنّها تکون حینئذٍ بحکم الطاهر من هذا الدم، فلا یؤثّر استمراره أثراً .

نعم تحتاج إلی الوضوء أو الغُسل، مع عروض أسبابٍ اُخر موجبة لهما من الجنابة والبول ونحوهما .

إنّما الإشکال فی أنّ صیرورتها بمنزلة الطاهر من حدث هذا الدم، موقوفةٌ علی تلک الأفعال للصلاة خاصّة، فلا یشرع حینئذٍ فعلها تلک الأفعال مستقلّة کغیر الصلاة، ولا تفسدها طهارة بالنسبة إلیه ولا إلی غیره .

قد یشعر تصفّح عباراتهم فی المقام، وفی توقّف الصوم علی ذلک، بأنّ طهارتها واستباحتها لتلک الغایات تابعٌ للأفعال الصلاتیة .

نعم قد یلحق بالصلاة الطواف، لکونه صلاة، وللأخبار الواردة فی نفاس أسماء بنت عمیس .

وعلی هذا، فلو استحاضت المرأة فی غیر وقت الصلاة، لم یکن لها استباحة شیء من الغایات التی تتوقّف علی رفعه قبل أن یدخل وقت الصلاة، فتعمل ما علیها من الأعمال، ثمّ تستبیح بذلک غیرها، ولا یجزئها الاغتسال أو الوضوء قبل ذلک لتلک الغایة مثلاً، وقد یرشد إلیه _ زیادة علی ما یظهر من مطاوی کلماتهم ، خصوصاً فی توقّف الصوم والوضوء _ عدم ذکر جملة منهم ما یتوقّف علی أغسال المستحاضة ووضوءاتها فی غایات الوضوء والغُسل، ولعلّه لما ذکرنا أن لیست حینئذٍ غایاتٌ مستقلّة تشرع الأفعال لها ابتداً ، بل هی اُمور تابعة لتکلیفها الصلاتی، فتکون حینئذٍ من قبیل الأحکام فیها ؛ لکن الجرأة علی الجزم

ص:482

بذلک اعتماداً علی مثل هذه الإشعارات لا یخلو عن إشکال ونظر (1) .

أقول : المستفاد من ظاهر کلامه تثبیت کون تلک الأفعال للصلاة خاصّة، وکون ترتّب الغایات علیها إنّما یکون تابعة لها لا بالاستقلال .

نعم قد رجع عن کلامه بمقتضی ما أفتوا به بعدم جواز الفصل بین الأفعال، وبین الصلاة، الموجب کون الفصل ناقضاً لتلک الأفعال لخصوص الصلاة، فلا ینافی ذلک کون الأفعال موجباً لجواز ترتّب سائر الغایات علیها، وإن نقضت بالنسبة إلی الصلاة لأجل الفصل الواقع بینها وبین الصلاة ، هذا .

مع أنّه یرد علیه: أنّه إذا فرض تحقّق النقض بالفصل بالنسبة إلی الصلاة، فلابدّ من تحقّق النقض لغیر الصلاة من الغایات أیضاً، فإذا فرض کون الغایات المذکورة تابعة للصلاة ومن أحکامها، فلا وجه للافتراق فی النقض بین نفس الصلاة وبین غیرها من الغایات، حتّی یستنتج جواز کون الأفعال صادرة لسائر الغایات أیضاً.

بل الأولی حینئذٍ أن یُقال: إنّه إذا فرض عدم جواز الفصل بین الأفعال والصلاة، فإنّ المستفاد منه عدم جواز ترتّب الغایات علیها، إلاّ إذا أتت بالصلاة بعدها، فترتّب الغایات علی الأفعال باقٍ إلی أن یصدق علیها النقض، وهذا لا یتحقّق إلاّ بعد دخول وقت صلاة اُخری الموجب لوجوب إعادة الأفعال، خصوصاً إذا لم تقم بالجمع بین الصلاتین فی الوقت فی المترتّبین، أو بعد الصلاة الواحدة مثل الغداة، حیث یصحّ ترتیب الغایات علیها إلی أن یبلغ وقت صلاة الظهرین، حیث تجب علیها حینئذٍ إعادة الأفعال .

ولکن الدقّة والتأمّل فی الأخبار یفید الظنّ والاطمئنان للفقیه بأنّه یجوز لها


1- الجواهر : ج3 / 362 _ 363 .

ص:483

الإتیان بالأفعال لسائر الغایات، حتّی وإن لم تکن تابعة للصلاة:

منها: الخبر المروی عن مالک بن أعین، حیث جاء فیها: فی حدیث عن الباقر علیه السلام ، حیث قال : «ولا یغشاها حتّی یأمرها فتغتسل، ثمّ یغشاها إن أراد»(1) . بناءً علی عدم جواز الوطی من دون اغتسال .

ومنها: الخبر الآخر المروی عن مالک بن أعین، حیث جاء فیها: «ثمّ تستظهر بیوم، فلا بأس بعد أن یغشاها زوجها، یأمرها فلتغتسل ثمّ یغشاها إن أحبّ»(2) .

ومنها: الخبر المروی عن سماعة : «وإن أراد زوجها أن یأتیها فحین تغتسل ، الحدیث»(3) . فإذا قلنا بجواز الإتیان بالغُسل لغایة الوطی دون صلاة وترتّب علی التابعیّة، فکذلک یجوز لکلّ ما یشترط فیه الطهارة من الغُسل والوضوء، لعدم القول بالفصل بینهما .

کما یمکن استفادة کفایة غسلٍ واحد لترتّب غایتین من الصلاة وغیرها ، ما ورد من جواز الإتیان بالطواف والصلاة بعده بلا إعادة الغسل للثانیة، کما هو صریح الخبر الذی رواه محمد وفضیل وزرارة، کلّهم عن أبی جعفر علیه السلام فی حقّ أسماء بنت عمیس، وقد جاء فی سیاقها : «فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله أن تغتسل وتطوف بالبیت وتُصلّی، ولم ینقطع عنها الدم، ففعلت ذلک»(4) .

حیث أنّها اکتفت بغسل واحد للطواف والصلاة بعده ، فیستفاد منه أنّه یکفی فی جواز الإتیان بالغایات غیر الصلاة إذا کانت الأفعال لغیر الصلاة، من دون إعادة الغُسل للصلاة بعده .

هذا، لکن الجرأة علی التعدّی من مورد النصّ إلی غیره لیقال بذلک فی غیر


1- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 و 4.
2- وسائل الشیعة : الباب 3 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 1 و 4.
3- وسائل الشیعة : الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحدیث 6 .
4- وسائل الشیعة :الباب 3 من أبواب النفاس، الحدیث 19 .

ص:484

الطواف مشکل جدّاً ؛ لإمکان اختصاص الجواز بالطواف والصلاة تسهیلاً للعباد ولخصوص المورد ، باعتبار أنّ الأمر باعادة الغسل للصلاة بعد الطواف توجب المشقّت، خصوصاً مع أنّ الطواف بالبیت صلاة أیضاً کما لا یخفی .

بل لولا احتمال الاختصاص فی خصوص الطواف لأمکن جعل هذا الحدیث دلیلاً علی جواز ترتیب سائر الغایات علی الأفعال التی قامت بها لغایة غیر الصلاة کالطواف ، فبذلک یظهر صحّة ما اختاره صاحب «الجواهر» حیث قال: «بعد الإتیان بالأفعال لغیر الصلاة هل تکون بمنزلة الطاهر بالنسبة إلی سائر الغایات غیر الصلاة، أو یقتصر علی خصوص تلک الغایة التی فعلت الأفعال لها، اقتصاراً علی المتیقّن؟ لا یبعد الأوّل » . انتهی کلامه .

فی أحکام الاستحاضة / صلاتها و صومها لو أخلّت بما علیها

فالأقوی عندنا: واللّه العالم، جواز الإتیان بالأفعال لسائر الغایات، فیجب علیها تجدید الوضوء لکلّ غایة من الغایات فیما یشترط فیه الطهارة، مثل مسّ المصحف، وقراءة العزائم بالاعتبار إلی الغُسل ، وکذا الدخول إلی المسجدین، والمکث فی غیرهما من المساجد وأمثال ذلک، إذا لم تأت بالأفعال للصلاة ، وإلاّ قد عرفت کفایته فیما یصدق علیه التبعیّة، لأنّها بعد الأفعال تصبح کالطاهر، وإن کان الأحوط علیها تکرار الأفعال لمثل تلک الغایات .

ومن ما ذکرنا والتأمّل فیه، یظهر لک حکم النوافل والقضاء والآیات وغیرها من الصلوات، حیث یجوز الإتیان بالأفعال لها مستقلاًّ، والإتیان بالوضوء لکلّ صلاة کالأدائیّة ، بل یحتمل الحکم بجواز الاکتفاء بالأفعال التی أتی بها للأدائیّة من باب التبعیّة التی قد عرفت تحصیلها، وإن کان الأحوط عدم الإتیان بالقضاء حتّی النقاء من الدم، فیما لم إذا لم تجب علیها القضاء فوراً، وأن لا تقدّم ببعض الأعمال التی سبق ذکرها مثل کالإتیان بقضاء الصبح قبل الأداء فی ذلک الیوم، عند من یقول بوجوب تقدیم القضاء علی الأداء ، فتأمّل جیّداً .

ص:485

وإن أخلّت بذلک لم تصحّ صلاتها، وإن أخلّت بالأغسال لم تصحّ صومها (1).

هذه العبارة مشتملة علی مسألتین:

(1) الأولی: عدم صحّة الصلاة لو أخلّت المستحاضة بشیء من الأفعال الواجبة علیها، من الأغسال والوضوءات وتغییر القطنة والخرقة، وغَسل ظاهر الفرج والبدن، لما قد عرفت من دلالة الأدلّة المتقدِّمة علی وجوب تلک الأفعال، الظاهرة فی الوجوب الشرطی دون التکلیفی ، ولا دلیل علی خلاف ذلک، إلاّ ما ورد فی صحیحة علی بن مهزیار الآتیة، حیث أنّها مشتملة علی أنّها تقضی الصوم ولا تقضی الصلاة عند الإخلال بالأفعال ، مع أنّها شاذّة معرضٌ عنها الأصحاب، أو محمولٌ بما لا ینافی مع ما ذکرنا من وجوب الإعادة فی الوقت، والقضاء فی خارجها، وهی مسألة مسلّمة اتّفاقیّة، ولا خلاف فیها، فلا تحتاج إلی مزید بیان وکلام .

الثانیة : حکم عدم صحّة الصوم لو أخلّ بالأغسال اللاّزمة علیها، وهی فی الجملة ممّا لا خلاف فیه، کما فی «الجواهر».

حیث یقول: من غیر خلاف أجده فیه ، بل فی «جامع المقاصد» وعن حواشی «التحریر» و «منهج السداد» و «الطالبیة» و «الروض» بالإجماع علیه ، بل لا خلاف بین الأصحاب کما فی «الحدائق» فی أنّه لو اشتملت الأغسال الواجبة علیها فی حال التوسّط أو الکثرة فی الجملة، لم یصحّ صومها .

وفی «المدارک» و «الذخیرة» و «شرح المفاتیح» إنّه مذهب الأصحاب، والظاهر عدم الفرق فی الإخلال بالغُسل بین المتوسّطة والکثیرة، کما قد صرّح بذلک فی «جامع المقاصد» کالمحکی عن غیره ذلک .

فی أحکام الاستحاضة / حکم صومها لو أخلّت بما علیها من الأغسال

فما فی «البیان» وعن «الجعفریّة» و «الجامع» من التقیید بالکثیرة شاذ ، أو محمول علی ما یقابل القلّة ، إذ لا وجه للقول بالفرق بینهما، خصوصاً إذا أوجبنا

ص:486

غسل المتوسّطة فی الصبح بعد طلوع الفجر، حتّی یکون من قبیل الأغسال النهاریة التی ستعلم أنّ الإخلال بها موجبٌ لإبطال الصوم إجماعاً فی الجملة .

کما لا وجه للتوقّف فی أصل الحکم، أی الإبطال فی الصوم مع الإخلال بالأغسال، لأجل المناقشات فی الروایة المذکورة التی سیأتی تفصیلها، کما وقع ذلک للسیّد فی «المدارک»، قائلاً : إنّه قد یظهر التوقّف من الشیخ فی المبسوط فی هذا الحکم، حیث أسنده إلی روایة الأصحاب، وهو فی محلّه) .

مع أنّه فی غیر محلّه کما أشار إلیه صاحب «الجواهر» بقوله : «إذ قد عرفت أنّه فی غیر محلّه، بعدما سمعت من اتّفاق الأصحاب علی أنّ ما استظهر من الشیخ لتلک العبارة محلُّ منعٍ، سیّما بعد ملاحظة طریقته وطریقة مشارکیه من العاملین بأخبار الآحاد، حیث یسندون الحکم إلی روایة الأصحاب، مع عدم التعریض لطعن أو قدحٍ أنّه فی غایة الاعتماد عندهم ، بل ذلک من الشیخ مؤیّدٌ للمختار، لکونه إمّا روایة مستقلّة أو إشارة إلی الصحیحة المتقدِّمة علی کلّ حال ، فالتأیید به متّجه» ، انتهی کلامه(1) .

أقول: یقتضی المقام أن نستعرض أدلّة هذا الحکم، فنقول: استدلّ أصحابنا علی ذلک بصحیحة علی بن مهزیار ، قال : «کتبتُ إلیه إمرأةً طهرت من حیضها أودم نفاسها فی أوّل یوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان کلّه، من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغُسل لکلّ صلاتین ، هل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب علیه السلام : تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یأمر المؤمنات من نسائه بذلک».

هذا النصّ بحسب ما رواه الشیخ الصدوق فی «علل الشرائع» و «الفقیه» حیث


1- الجواهر : ج3 / 365 .

ص:487

خلا نصّیه عن ذکر فاطمة علیهاالسلام ، بخلاف المحکیّ عن «التهذیب» و «الکافی» حیث أن ضبط ذیل الخبر عندهما بقوله: «لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلک» .

قیل: إنّ هذه الروایة تدلّ علی وجوب قضاء الصوم، لأجل الإخلال بما علیها من الغُسل لکلّ صلاتین.

مضافاً إلی ما عرفت من ظهور الأدلّة السابقة فی الوجوب الشرطی للصلاة ، بل للصوم ، لما قد عرفت من کون دم الاستحاضة حدثاً إجماعاً، خصوصاً فی المتوسّطة والکبری، حیث یکون المُحدِث بالحدث الأکبر الموجب للغُسل مانعاً من الدخول فی الصلاة والصوم حتّی یرفع أو ینقشع بالغسل الموجب للظنّ أو الاطمئنان بذلک .

مع أنّه لو شکّ فی جوازه بلا غُسلٍ، فمقتضی الاشتغال الیقینی هو الفراغ الیقینی ممّا یستلزم الإتیان بالغسل أیضاً ، فلو أخلّت به وجب علیها قضاء الصوم .

هذا مضافاً إلی ما عرفت من وجود الإجماع علیه، فیکون ذلک ثالث الأدلّة علی الحکم فی المقام هذا غایة ما یمکن أن یستدلّ لذلک .

ولکن أورد علیه باُمور لا بأس بذکرها تفصیلاً ؛ أمّا سند الروایة: فقد قیل إنّها ضعیفة، لاشتمالها علی الإضمار والکتابة، مع أنّ واحدة منهما یکفی فی الضعف، فضلاً عن وجود کلاهما فیها .

وفیه: سبق وأن ذکرنا مراراً من أنّ المعیار فی حجّیة الأخبار هو الوثوق بصدورها، وهو یحصل باستناد المتقدّمین من الأصحاب علیه ، وهذه الروایة من هذا القبیل، إذ أنّها مرویّة فی الکتب المعتبرة الثلاثة، وقد استدلّ بها الفقهاء وأصحابنا المتقدّمین، وهو یکفی فی الاطمئنان بالصدور ، ولأجل ذلک تری أنّ الشیخ أسند الحکم المذکور إلی روایة الأصحاب، بناءً علی أن مراده هذه الروایة،

ص:488

ممّا یعدّ کلامه شهادة علی استناد الأصحاب إلیها .

مع أنّه لو کان مراده إلی غیر هذه الروایة أصبح ما أسنده إلیهم کالروایة المرسلة ویتمّ حجّیته بالاستناد .

مضافاً إلی أنّ الإضمار عن مثل ابن مهزیار المعلوم حاله فی الجلالة عند الشیعة، ممّا لا یقدح فی السند، کما لا یخفی .

مع أنّه لو سلّمنا ضعف الروایة بالإضمار والمکاتبة بالإجماع المدّعی هنا ، أو الشهرة العظیمة لو لم نسلّم الإجماع ، إمّا من جهة عدم حجّیة منقوله ، أو عدم حصول محصّله وهو یکفی فی کونه سنداً للحکم .

وأمّا دلالة الروایة: فقد قیل أنّها ساقطة دلالة لمخالفتها مع الأخبار المعتبرة الدالّة علی أنّ فاطمة علیهاالسلام لم تکن تری حُمرةً لا حیضاً ولا استحاضة ، هذا .

ولکن اُجیب عنه أوّلاً : بخلوّ الخبر عن لفظ فاطمة علیهاالسلام فی المرویّ عن «الفقیه» و «علل الشرائع» للصدوق، وإن ذُکرت فی المحکیّ عن «التهذیب» و «الکافی» .

وثانیاً: علی فرض قبول ذکرها، فلم یطمئنّ کونها فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، بل کان ذکر جملة علیهاالسلام من توهّم فهم السائل والکاتب ، ویحتمل کون المراد من فاطمة هی فاطمة بنت أبی حُبیش «بالمهملة والموحّدة والمعجمة مع التصغیر» واسمه قیس بن عبد المطّلب الأسدیّة صحابیّة ، وهی التی سئلت اُمّ سلمة عن حدیث الحیض ، وعن الباقر علیه السلام : «أنّها استحیضت سبع سنین».

وفی المحکی فی «مصباح الهدی» إنّها کانت مشهورة بکثرة الاستحاضة، والسؤال عن أحکامها کما یظهر من مرسلة یونس المتقدّمة مراراً(1) .


1- مصباح الهدی : ج5 / 195 .

ص:489

وثالثاً : لو سلّمنا کونها بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، وصدورها کذلک ، فمع ذلک یحمل علی أنّه صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام أن تأمر المؤمنات بذلک، ویؤمئ إلی صحّة هذا الحمل والاحتمال ما ورد فی صحیح زرارة علی احتمال ، قال : «سألت الباقر علیه السلام عن قضاء الحائض الصلاة، ثمّ تقضی الصوم ؟ فقال علیه السلام : لیس علیها أن تقضی الصلاة، وعلیها أن تقضی صوم رمضان . ثمّ أقبل علیَّ فقال : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یأمر بذلک فاطمة علیهاالسلام وکانت تأمر بذلک المؤمنات»(1) .

ثمّ استشکل فی الروایة من حیث الدلالة بأنّها مشتملة علی ما یخالف الإجماع، وهو عدم وجوب قضاء الصلاة فیما إذا أخلّت بالأغسال فی المستحاضة ، مع أنّ الإجماع قائمٌ علی وجوب القضاء .

واُجیب عنه بوجوه :

أوّلاً : بمثل ما ذکره الشیخ فی «التهذیب» من حمل عدم قضاء الصلاة علی ما إذا لم تعلم أنّ علیها لکلّ صلاتین غسل .

وثانیاً : بما أنکره المحقّق الأردبیلی من حمله علی ما کان ترک الصلاة فی أوقات الحیض ، ولعلّه إلیه یرجع ما فی «المنتقی» ووافقه علیه الأمین الاسترآبادی وبعض الأفاضل، من أنّ هذا جواب عن السؤال عن حکم الحائض، وأنّ الراوی توهّم أنّه جواب عن حکم الاستحاضة .

وثالثاً : یحتمل أن لا یکون لتوهّم السائل کذلک ، بل کان لاحتمال وجود التقیّة، فأجاب حکم النفساء التی کثیراً ما تبتلی بمثل الفرض غالباً، کما ورد فی أخبار کثیرة ممّا ورد فیها أمر النفساء بالجلوس أربعین یوماً، وما بین الأربعین والخمسین ولو کان لأجل التقیّه کما قد یؤیّده کونها مکاتبة .


1- وسائل الشیعة : الباب 41 من أبواب الاستحاضة، الحدیث2 .

ص:490

ورابعاً : ما عن صاحب «الجواهر» قدس سره ، وفی «مصباح الهدی» أنّه أحسنها بعدما أجاب عن الوجوه السابقة بأجوبة باردة، وهو صحّة التفکیک فی الحجّیة، وإنّ خروج بعض الخبر عن الحجّیة لا یخرج جمیعها عنها، إذ هو بالنسبة إلی الفقرات المشتمل علیها أخبار متعدّدة لا سیما فی المکاتبة التی هی مظنّة الوقوع فی الوهم الناظر إلیها .

أقول: ونحن نزید بیاناً وتوضیحاً بأنّ ظاهر الخبر وإن یقتضی وجوب القضاء فی الصوم وعدمه للصلاة ، ولکن نرفع الید عن مورد الصلاة لأجل الأخبار الدالّة علی وجوب القضاء فی الصلاة لو أخلّت بالأغسال ، کما لا یجب للصوم . وللإجماع والعمل بمضمونه فی مورد الصوم ، فلا غروّ من القول بکون الروایة مستند المشهور فی القول بوجوب القضاء فی الصوم ردّاً علی ما جاء فی «مصباح الفقیه» حیث أنکر ذلک .

ومن ذلک یظهر عدم تمامیّة ما فی «مصباح الهدی» حیث قال : «إنّ الإجماع هنا غیر حجّة لکونه معلوم الملاک أو محتمله . هذا ولکن مخالفتهم فی مثل ذاک الوفاق الحاصل منهم فی الحکم بالبطلان مشکلة جدّاً ، وعلیه فلا محیص عن الحکم به کما حکموا، وإن کان تتمیمه بالدلیل لا یخلو عن الإشکال» ، انتهی(1) .

لما قد عرفت من تمامیّة دلیل الروایة وانجبارها بعمل الأصحاب، فضلاً عن أنّ الإجماع یعدّ مؤیّداً لها ویکون حجّة قطعاً، لتمامیّة دلالة الدلیل فی مورد الصوم ، مضافاً إلی کفایة نفس وجود الإجماع والاتّفاق علیه، حیث لم یعرف الخلاف فیه من أحد .

نعم ، حُکی عن المحقّق النراقی، صاحب «المستند» قدس سره حکایته عن


1- مصباح الهدی : ج5 / 196 .

ص:491

«المبسوط» و «المعتبر» التوقّف فی الحکم، واستظهر أیضاً عن جمع من المتأخّرین کالمدارک و «البحار» و «شرح القواعد» للهندی، و «شرح الإرشاد» للأردبیلی و «الحدائق»: أنّ وجه التوقّف وهن الخبر سنداً لإضماره، ومتناً لما فیه من الخلل، ودلالةً لقصوره عن إفادة وجوب قضاء الصوم ، بل نهایته الرجحان المحتمل للاستحباب، واحتمال أن یکون لفظ (تقضی) من باب التفعّل، ویکون المعنی أنّ صومها صحیح دون الصلاة وهو فی محلّه جدّاً ، والاحتیاط لا یترک مهما أمکن ) انتهی ما فی «مستند الشیعة»(1) علی المحکی فی «مصباح الفقیه» .

أقول: وقد عرفت ضعف هذا البیان والاحتمال ، وأنّ الأحوط وجوباً هو البطلان، لو لم یکن أقوی لو أخلّت بالأغسال فی الجملة .

فإذا عرفت صحّة توقّف الصوم علی الأغسال بما ذکرناه، یأتی الکلام فی بحث آخر وهو أنّه بناءً علی التوقّف ، فهل تتوقّف صحّة الصوم علی الأغسال النهاریّة خاصّةً أم لا؟

وجوه وأقوال : المحکیّ عن «المنتهی» و «التذکرة» و «البیان» وصاحب «الجواهر» وصاحب «العروة» هو الأوّل ، ولعلّ مستند هؤلاء الأعلام فی الحکم استفادة کون الوجه فی التوقّف هو منافاة حدیث الاستحاضة للصوم، ولا مدخلیّة للحدث الواقع فی اللیل للصوم الواقع فی النهار، ولا سیّما ما یقع منه فی اللیلة اللاّحقة ، وبذلک یفهم عموم الشرط لغسل صلاة الفجر، حیث إنّ له دخلاً فی رفع التنافی بین الحدث الواقع فی النهار وبین الصوم ، ولا ینحصر بخصوص غُسل الظهرین بدعوی الجمود علی ما جاء فی نصّ الخبر من قول السائل: «من غیر أن تفعل ما تعمله المستحاضة من الغُسل لکلّ صلاتین» حیث لا یشمل ذلک


1- مستند الشیعة للنراقی: ج3 / 38.

ص:492

لغسل صلاة الصبح .

کما یظهر من ذلک وجه توقّف صحّته علی الأغسال النهاریة وغسل اللیلة السابقة، وهو غُسل العشائین، إذ الوجه فی توقّفه علی الأغسال النهاریة هو ما عرفت ، وأنّ الوجه لتوقّفه علی غُسل العشائین فلعلّه لأجل مانعیّة الحدث عن الدخول فی الصوم، لأنّ المرأة محدثة حین الدخول فی الصوم ، وهذا هو الوجه للقول الثانی .

قد یُقال : بأنّ هذا الدلیل لو تمَّ لکان اللاّزم تخصیص شرطیّة غسل اللیلة الماضیة بما إذا لم تتقدّم غُسل صلاة الفجر علی الفجر، إذ تکون المرأة حینئذٍ کالمرأة المنقطع عنها الدم فی اللیلة الماضیة، مع عدم إتیانها بالغُسل قبل الفجر، فلابدّ لها من رفعه حتّی یصحّ لها الدخول فی الصوم، کما حُکی عن «الذکری» و «الروض»، واختاره الشیخ الأکبر فی «الطهارة» ، بناءً علی استفادة کون المانع عن صحّة الصوم هو الحدث لا التعبّد .

فإنّه یقال: لولا الدعوی علی الاشتراط بالنسبة إلی غسل اللیلة الماضیة مطلقاً، أی حتّی مع تقدیم غُسل الفجر علی الفجر، مع فرض استمرار الدم للمرأة ؛ لأنّ المفروض کون التوقّف لأجل الحدث، وهو لا یرتفع إلاّ بإتیان الغُسل فی اللیلة السابقة بما یصدق علیه أنّه غسل اللیلة وغُسل للفجر . نعم ، یصحّ لها أن تعید الغسل بعد الفجر لصلاة الصبح بعد غُسله للفجر قبل الفجر، أو انقطع عنها الدم بعد غُسل الفجر وقبیل الفجر بحیث لم یتحقّق الحدث لها بعد الغُسل، وبرغم أنّ ذلک صحیح، لکنّه خارج عن الفرض المبحوث عنه فی المقام ، وهذا هو الذی احتمله فی «الروض» ، بل هو مختار جماعة من الفقهاء کالعلاّمة البروجردی وغیره علی الأحوط.

ولا یخلو عن وجه، لما قد عرفت وجهه من دخالة الأغسال فی اللیلة السابقة

ص:493

والنهاریة فی رفع الحدث بمعنی الاستباحة ، إلاّ أنّ مع التقدیم فی الفجر علی الفجر یحکم بالإجزاء، باحتمال کونها کالمنقطعة، کما قد صرّح بذلک المحقّق البروجردی والآملی، وإن کان الأحوط منه هو ما عرفت من إعادة الغُسل بعد الفجر أیضاً .

وأمّا الوجه للقول الثالث: وهو القول بشرطیّة الأغسال النهاریة مع غُسل اللیلة اللاّحقة فقط دون السابقة، وهو ظاهر المشهور ، بل ظاهر کلّ من عبّر بتوقّف صحّة الصوم علی الاغتسال .

وأمّابالنسبة إلی غُسل صلاة الفجر،فلما عرفت من مانعیّة الحدث للصوم، وهو یقتضیالقول بلزوم إتیان هذا الغُسل قبل الفجر لا بعده،لأنّه یوجب نقض الغرض.

اللّهُمَّ إلاّ أن یُدّعی دخالته لرفع الحدث من أوّل الوقت، حتّی لو قامت بها بعد الفجر فحکمه حینئذٍ حکم دخالة غُسل الظهرین نفیاً وإثباتاً فی صحّة الصوم وعدمه، حیث یکون له وجه .

وأمّا دخالة غُسل الظهرین والعشائین اللاّحقین، فإنّما ذلک لأجل شمول إطلاق الدلیل المذکور فی الخبر من قوله علیه السلام : «من غیر أن تفعل ما تعمله المستحاضة من الغُسل لکلّ صلاتین» ، حیث یشمل إطلاقه غُسل العشائین .

وأمّا اختصاصه باللاّحقة دون السابقة، فلمّا تقدّم من عدم مدخلیّة الحدث الواقع فی اللیل للصوم الواقع فی النهار ، إلاّ فی اللاّحقة، لشمول إطلاق الدلیل، والتوجیه الصحیح لدخالته المستلزم کونه من قبیل دخالة الشرط المتأخّر فی المتقدّم حسبما فصّل فی الاُصول ، وإلاّ لکان الوجه فی التوقّف فیما عدا غُسل اللیلة اللاّحقة کما زعم ذلک القائلون بالقول الثانی .

أمّا وجه القول الرابع: وممّا ذکرنا ظهر وجه القول الرابع من التوقّف بالأغسال فی اللیلتین والنهاریة، حیث کان ذلک لأجل التمسّک بظاهر إطلاق الدلیل

ص:494

المذکور من ترک الغسل لکلّ صلاتین الشامل للعشائین فی اللیلتین والظهرین مع ضمیمة غُسل الفجر، لکونه رافعاً للحدث المبیح للدخول فی الصوم .

وأمّا وجه القول الخامس: من توقّف صحّة الصوم علی غُسل الفجر فقط، حیث لم یظهر له قائلٌ ، بل هو مجرّد احتمال احتمله «کشف اللِّثام» تبعاً لما احتمله العلاّمة فی «النهایة» .

وما یمکن أن یُقال فی توجیهه: هو کفایة الدخول فی الصوم مع الطهارة، وعدم اعتبار بقاء الطهارة فی تمام النهار .

ولکن علی هذا التقدیر لابدّ أن من الالتزام بوجوب تقدیم الغُسل علی الفجر، حتّی یصدق أنّه دخل فی الصوم مع الطهارة .

أقول: ولکنّه مخالف مع ما استُفید من الصحیح المذکور المروی عن ابن مهزیار من اعتبار الغُسل الواجب للصلاتین فی صحّة الصوم .

هذا کلّه هو بیان الوجوه للأقوال الخمسة أو محتملاتها .

خلاصة الکلام: الأحوط _ لولا الأقوی _ هو القول الثانی ؛ أعنی اعتبار الأغسال النهاریة وغُسل اللیلة الماضیة ؛ أی غسل صلاة الظهرین، وذلک لأنّه القدر المتیقّن من النصّ المذکور فیه لزوم الغُسل لکلّ واحد من الصلاتین .

وأمّا غُسل صلاة الفجر: فلاستفادة مانعیّة الحدث عن صحّة الصوم، واشتراط صحّته بما یشترط به صلاتها، مع دعوی الاتّفاق علی اعتباره فی صحّته إذ لم یحک القول بعدم توقّفها علیه عن أحد .

وأمّا غسل اللیلة الماضیة فلأجل استفادة المانعیّة للحدث ، وإن قیل هذا إنّما یصحّ بما أنّها لم تقدّم غُسل صلاة: الفجر علی الفجر، وإلاّ لکان غُسل صلاة الفجر کافیاً فی رفع المانعیّة ، ولکن الأحوط هو إعادة غُسل الفجر بعده أیضاً، إن قَدّم الغُسل علی الفجر، وإن کان قد ورد فی «فقه الرضا» بجواز تقدیمه

ص:495

لصلاة اللیل وصلاة الغداة .

وأمّا غسل اللیلة اللاّحقة: فلعدم مساعدة الدلیل علیه ، وإن کان الاحتیاط فیه حسناً، لعدم الاستبعاد فی تصحیح الشرط المتأخّر، کما وسبق توجیه ذلک فی الاُصول بامکانه لو قام الدلیل علیه .

ثمّ لا فرق فیما ذکرنا من التوقّف علی الأغسال بین الکثیرة والمتوسّطة، فی لزوم الإتیان بالغُسل الواجب علیها بحسب حالها، خلافاً لبعضٍ ممّن زعم اختصاصه بالکثیرة .

ثمّ إنّ ظاهر کلام المصنّف کظاهر غیره ، بل صریحه هو التوقّف علی خصوص الأغسال دون غیرها من الوضوءات، وتغییر القطنة والخرقة، خلافاً لما یظهر من «السرائر» کما عن صوم النهار، و «المبسوط» توقّفه علی غیرها من أفعالها لتعلیق الفساد علی الإخلال بما علیها، فیشمل غیر الأغسال أیضاً، کما یظهر من طهارة «المبسوط» توقّفه علی الأغسال وتجدید الوضوء، ناسباً مع الإخلال بذلک إلی روایة أصحابنا، ولعلّه للإشعار الموجود فی سؤال السائل فی روایة علی بن مهزیار، من أنّ المدار علی أفعال المستحاضة، وإن اقتصر فیه علی ذکر جمع الصلاتین بغسل واحد ، ولکن الأقوی عدم توقّفها إلاّ علی الغُسل فقط، بلا فرقٍ بین کون الوضوء واجباً فی نفس الاستحاضة کالوضوء الواجب لصلاة الصبح فی المتوسّطة والظهرین والعشائین فی الکثیرة، علی القول باختصاص الوجوب فیها أم لا ، لما قد عرفت فی بحث الجنابة من عدم دخالة الوضوء بنفسه لرفع الحدث الأکبر ، بل لو کان واجباً، لکان واجباً مستقلاًّ بدلیله ، فحینئذٍ ینبغی الاقتصار علی موضع الدلیل فی وجوبه وتوقّفه، وهو لیس إلاّ فی الصلاة دون الصوم ، وما ورد من حدیث ابن مهزیار فی خصوص الصوم لا یشمل إلاّ خصوص الغُسل دون الوضوء، وغیره من الأُمور من تغییر القطنة والخرقة .

ص:496

فالأقوی عندنا کون الإخلال فی خصوص الغُسل مضرّاً لصحّة الصوم دون الوضوء وغیره من سائر الأفعال ، مضافاً إلی عدم الدلیل علی اعتبار غیر الوضوء موجباً لرفع الخبث الدخیل فی الصلاة الذی یتوقّف صحّتها علی رفع الخبث دون الصوم، حیث لا یکون الدخیل فیه إلاّ من خلال رفع الحدث .

فی النفاس / تعریفها

هذا آخر ما أوردنا من البحث فی الاستحاضة. والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً وصلّی اللّه علی سیّدنا محمّد وآله الطیبین الطاهرین.

* * *

هذا آخر کلامنا فی هذا الجزء، وکان الفراغ منه یوم الخمیس العاشر من شهر جمادی الاولی، سنة ألف وأربعمائة وأربعة وعشرین من هجرة النبیّ صلی الله علیه و آله ، کتبه بیمناه الداثرة أقلّ العباد السیّد محمد علی ابن المرحوم آیة اللّه السیّد سجاد العلوی الحسنی الحسینی الاسترابادی. وآخر دعوانا أن الحمدُ للّه ربّ العالمین.

ص:497

الفهرست

الفهرست

أحکام الحیض / وجوب الاستبراء إذا انقطع الدم قبل العشرة••• 5

أحکام الحیض / لو خرجت القطنة عند الاستبراء نقیّة••• 13

أحکام الحیض / وجوب الاستظهار إذا استمرّ الدم••• 17

أحکام الحیض / أیّام الاستظهار و حکمها••• 23

أحکام الحیض / حکم أعمالها أیّام الاستظهار••• 47

أحکام الحیض / حکم وطیها قبل الغسل إذا طهرت••• 50

الماء المستعمل فی الوضوء غیر الرافع للحدث••• 63

أحکام الحیض / إذا دخل وقت الصلاة فحاضت••• 64

أحکام الحیض / طهر الحائض قبل آخر الوقت••• 75

ما یحرم علی الحائض / کلّ ما یشترط فیه الطهارة••• 86

ما یحرم علی الحائض / مسّ کتابة القرآن••• 92

ما یحرم علی الحائض / فی کراهة حمل المصحف و لمس هامشه علیها••• 94

ما یحرم علی الحائض / فی عدم ارتفاع حدثها لو تطهّرت••• 96

ما یحرم علی الحائض / فی إتیان الحائض بالأغسال المستحبّة••• 98

ما یحرم علی الحائض / إتیان الحائض الأغسال الواجبة علیها••• 98

ص:498

ما یحرم علی الحائض / فی عدم صحّة الصوم منها••• 101

ما یحرم علی الحائض / اللبث فی المسجد••• 103

ما یحرم علی الحائض / فی حکم الاجتیاز فی المسجد علیها••• 107

ما یحرم علی الحائض / حکم قرائة العزائم و غیرها••• 111

ما یحرم علی الحائض / فی حکم سجدة التلاوة لها••• 116

ما یحرم علی الحائض / وطؤها حتّی تطهر••• 121

ما یحرم علی الحائض / فی من جامع امرأته و هی طامث••• 126

ما یحرم علی الحائض / وطؤها فی أیّام هی محکومة بالحیضیّة••• 127

ما یحرم علی الحائض / وطؤها فی أیّام الاستظهار••• 132

ما یحرم علی الحائض / فی استفسار الزوج عن حالها قبل الوطی••• 134

ما یحرم علی الحائض / فی الاعتماد علی إخبارها بطهارتها••• 137

ما یحرم علی الحائض / فی استمتاع الزوج بما عدا القبل••• 141

ما یحرم علی الحائض / کفّارة وطی الحائض••• 147

ما یحرم علی الحائض / مصرف کفّارة وطی الحائض••• 172

ما یحرم علی الحائض / حکم العاجز عن أداء کفّارة الوطی••• 180

ما یحرم علی الحائض / فی طلاق الحائض••• 183

غسل الحیض / هل یجب غسل الحیض لنفسه أم لا؟••• 184

غُسل الحیض / غسل الحیض مثل غسل الجنابة••• 186

غُسل الحیض / لو تخلّل الحدث الأصغر فی أثنائه••• 188

غُسل الحیض / عدم کفایته عن الوضوء••• 191

غُسل الحیض / فی کلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة••• 194

غُسل الحیض / عدم کفایته عن الوضوء••• 196

غُسل الحیض / الوضوء قبله أو بعده؟••• 202

ص:499

غُسل الحیض / ثمرة تقدیم الوضوء علیه و تأخیره عنه••• 205

غُسل الحیض / فی أنّ ماء غسل الحائض علی الزوج••• 215

قضاء الصوم و الصلوات الفائتة عن الحائض••• 216

ما یستحب علی الحائض••• 227

کراهة الخضاب علی الحائض••• 237

الاستحاضة / أوصافها و علائمها••• 240

الاستحاضة / أوصافها و علائمها••• 243

الاستحاضة / ما تراه المرأة قبل التسع أو بعد الیأس••• 244

الاستحاضة / ما یزید عن العادة و یتجاوز العشرة••• 248

الاستحاضة / ما تراه الحامل••• 248

الاستحاضة / ما تراه المرأة مع الیأس أو قبل البلوغ••• 260

حکم المبتدأة••• 261

حکم المبتدأة إذا تجاوز الدم عشرة أیّام••• 262

الاستحاضة / فی حکم المبتدأة إذا فقدت التمییز••• 294

الاستحاضة / المبتدأة و المضطربة إذا تعذّر لهما الرجوع إلی عادة نسائهما••• 307

الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا تجاوز الدم عشرة أیّام••• 324

الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا تقدّمت العادة أو تأخّرت••• 332

الاستحاضة / فی حکم ذات العادة إذا رأت قبل العادة و بعدها••• 334

الاستحاضة / فی حکم المضطربة••• 337

الاستحاضة / فی حکم المضطربة لو ذکرت العدد و نسیت الوقت••• 340

الاستحاضة / فی حکم المضطربة لو ذکرت الوقت و نسیت العدد••• 346

الاستحاضة / فی حکم المضطربة ناسیة الوقت و العدد••• 352

الاستحاضة / الاستحاضة الصغری••• 356

ص:500

الاستحاضة / الاستحاضة الوسطی••• 374

الاستحاضة / الاستحاضة الکبری••• 395

الاستحاضة / الاعتبار بوقت کمّیّة الدم••• 415

الاستحاضة / أقسام انقطاع دم الاستحاضة••• 417

الاستحاضة / انقطاع الدم الناشئ من الفترة••• 425

الاستحاضة / لو حدثت الاستحاضة الوسطی بعد صلاة الصبح••• 430

الاستحاضة / فی الجمع بین الصلاتین فی الاستحاضة الکبری••• 435

الاستحاضة / المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء أو الغسل••• 438

الاستحاضة / تقدیم الغسل علی الوقت للوسطی و الکبری••• 443

الاستحاضة / الحدّ المجاز من الفصل لتحصیل مقدّمات الصلاة••• 446

الاستحاضة / الاستظهار لمنع خروج الدم••• 449

الاستحاضة / المستحاضة بحکم الطاهر لو أتی بما علیها••• 460

الاستحاضة / وطی المستحاضة••• 468

الاستحاضة / تجدید وضوئها لکلّ مشروط بالطهارة••• 479

الاستحاضة / صلاتها و صومها لو أخلّت بما علیها••• 484

الاستحاضة / حکم صومها لو أخلّت بما علیها من الأغسال••• 485

النفاس / تعریفه••• 496

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.